لا تقيم ماليزيا علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»، وموقفها الرسمي راسخ منذ فترة طويلة حول إقامة دولة فلسطين المستقلة من خلال حل الدولتين على أساس حدود ما قبل عام 1967، وإعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

لذا، جاء رفض وزير خارجية ماليزيا «سيف الدين عبد الله» بشكل واضح وصريح للتصريح الذي أدلى به وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي «عيساوي فريج» مؤخرًا لصحيفة «إرم نيوز» الإلكترونية، حيث نقلت عنه قوله بأن دولًا عربية وإسلامية جديدة قد تنضم لاتفاقيات «أبراهام» للتطبيع مع إسرائيل، وهي قطر وتونس وعمان وماليزيا.

التزام ماليزي بالقضية

تؤكد ماليزيا في بياناتها الرسمية التزامها بدعم القضية الفلسطينية ونضال الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي المستمر غير الشرعي، والقمع المنهجي للأراضي الفلسطيني، فيما أكد وزير الخارجية الماليزي في بيانه بأن بلاده ستواصل متابعة الأجندة الفلسطينية على الصعيد الثنائي، وكذلك في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، من أجل تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.

كما أكد الوزير على أن «دعم ماليزيا المتواصل للنضال الفلسطيني هو اعتراف بتطلعات الجيل الجديد من المقاتلين والناشطين الفلسطينيين». وذكر بأن بلاده ستواصل تقديم الدعم السياسي والمعنوي، فضلًا عن المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني على الصعيد الثنائي ومن خلال المنظمات الدولية، وكذلك تسهيل أعمال منظمات المجتمع المدني الماليزي لصالح الفلسطينيين.

وقدمت ماليزيا مؤخرًا مساهمات مالية بمبلغ 5 ملايين رينغيت ماليزي، وذلك لإعادة بناء مستوصف الرمال في قطاع غزة الفلسطيني، والذي تم تدميره خلال الهجمات الإسرائيلية في مايو/أيار الماضي، إضافةً إلى مساهمة طويلة الأجل بمبلغ مليون دولار أمريكي إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

لذا، ليس من المتوقع أن تُعلِن ماليزيا التطبيع مع إسرائيل في الوقت الراهن لعدم لوجود أي مصالح مشتركة أو إستراتيجية بين البلدين، إضافةً إلى البُعد الجغرافي، كما أن الحكومة الماليزية الحالية التي يقودها حزب «أمنو» بأغلبية هشة، ستخسر ناخبيها، لا سيما المحافظين منهم، في حال قررت التطبيع، ناهيك عن موقف حليفهم الرئيسي حزب «باس» الإسلامي الصارم تجاه القضية الفلسطينية، حيث يرفض الحزب في الأساس فكرة حل الدولتين التي تتبناها الحكومة الماليزية، ويدعو الحزب إلى استقلال كامل للأراضي الفلسطينية.

جهود عربية وإقليمية خفية

ومع ذلك، هناك جهود خفية تقوم بها دول عربية وإقليمية لإقناع ماليزيا وغيرها من الدول الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا للانضمام إلى اتفاقيات «أبراهام» التي انضمت إليها دول الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

وتحاول إسرائيل جاهدة توسيع علاقاتها مع دول جنوب شرق آسيا، حيث تمكنت من توطيد علاقاتها التجارية والدفاعية والعسكرية مع الدول غير المسلمة في المنطقة، وهي سنغافورة وفيتنام وميانمار والفلبين وتايلاند، إضافة إلى دول آسيوية أخرى مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.

وبما أن العنصر التجاري كان الأكثر تركيزًا في العلاقات الإسرائيلية مع تلك الدول، إلا أن إسرائيل بدأت بالاهتمام بالعنصر العسكري، حيث بدأت تظهر بشكل تدريجي كأحد المصادر المُفضَّلة لدى دول آسيا في المجالات الدفاعية.

ويُعتقَد أن النظام الإسرائيلي يسعى من خلال تلك الجهود إلى التطبيع مع ماليزيا والدول الإسلامية في المنطقة، من خلال سفاراتها بدول جنوب شرق آسيا غير المسلمة، فقد صرّح سفير إسرائيل لدى سنغافورة «ساجي كارني» قبل أشهر بأن بلاده مُستعدة للعمل على إقامة علاقات مع الدول ذات الأغلبية المسلمة في جنوب شرق آسيا، وهي ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، على الرغم من مواقف حكومات وشعوب تلك الدول المُندِّدة بالاحتلال الإسرائيلي.

تجسس إسرائيلي على ماليزيا

في مايو الماضي 2021، تم رصد طائرة تجسس إسرائيلية وهي تعبر الأجواء الماليزية، قبل أن تهبط في قاعدة جوية سنغافورية. وافترضت مجلة «الأمن الدفاعي الآسيوي» بأن الطائرة قد تحمل رادارًا حسّاسًا ومعدات استطلاع.

وحسب تقارير أمنية نشرتها الصحافة الماليزية، فإن الطائرة التابعة لهيئة الفضاء الإسرائيلية نقلت معدات استخباراتية لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) إلى القاعدة العسكرية في سنغافورة المجاورة.

في وقت لاحق، أكدت وزارة النقل الماليزية في بيان رسمي أن الطائرة الإسرائيلية حلّقت فعليًا فوق المجال الجوي لماليزيا، لكنها أشارت إلى عدم وجود «أنماط طيران غير طبيعية تم رصدها في المنطقة». وقالت الوزارة إن الرحلة اتّبعت نفس المسار الذي تسلكه أي طائرة تجارية أخرى لدخول المجال الجوي الماليزي، وفقًا لإرشادات منظمة الطيران المدني الدولية (إيكاو).

لم يكن هذا أول تحرك إسرائيلي للتجسس على ماليزيا، فقد انتشرت شائعات في عام 2019 حول وجود جواسيس إسرائيليين يعملون في جهاز الشرطة الماليزية، وبعد ضغوط أكد نائب وزير الداخلية آنذاك «محمد عزيز» وجود إسرائيلي في الشرطة، لكنه رفض وصفه بالجاسوس، مُوضحًا أنه كان مهندسًا لنظام الاتصالات بمبنى الشرطة في عام 2012، أرسلته شركة عالمية مقرها في سنغافورة لتثبيت وتشغيل نظام الاتصالات في المبنى، وتدريب الكوادر الماليزية على النظام، وذلك بناءً على الاتفاقية التي أُبرمت مع الشركة عند شراء النظام، حسب الوزير.

علاقات ثنائية متبادلة

مثل هذه العلاقات التي تُكشف بعد سنوات من حدوثها تشير إلى وجود علاقات مباشرة خفية بين ماليزيا وإسرائيل، لا سيّما وأن بيانات صادرة عن وزارة الداخلية الماليزية كشفت عن سماحها سنويًا بدخول عشرات المواطنين الإسرائيليين، مع أن ماليزيا لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وموقفها الرسمي مُتشدد جدًا حيال هذه العلاقة.

وكشفت بيانات الداخلية الماليزية في عام 2019 أنه سبق أن سمحت السلطات للمواطنين الإسرائيليين دخول البلاد لحضور مؤتمرات نظّمتها هيئات دولية، حيث أخذت في الحسبان عضوية إسرائيل في تلك الهيئات، كما سُمح للإسرائيليين العاملين في شركات متعددة الجنسيات حضور اجتماعات وتدريبات وزيارات عمل في ماليزيا.

بالنسبة للعلاقات التجارية، فقد كشفت اللجنة المركزية للإحصاءات الاسرائيلية في عام 2013 عن تبادل تجاري بين ماليزيا وإسرائيل بواقع 1.529 مليار دولار أمريكي، وقد تم رصد العديد من المنتجات الغذائية الإسرائيلية في الأسواق الماليزية، والتي ربما دخلت عن طريق سنغافورة أو تايلاند.

إن تمكن إسرائيل من توثيق التعاون التجاري والعسكري مع دول غير إسلامية بمنطقة جنوب شرق آسيا، والتي تربطها علاقات إستراتيجية واسعة بماليزيا، إضافةً إلى العلاقات التجارية مع بعض الدول المُوقِّعة على اتفاقات «أبراهام»، قد يفتح المجال أمام محاولات تل أبيب لبدء تطبيع مع كوالالمبور، ربما ستتضح معالمه بعد الانتخابات العامة في ماليزيا المُقررة عام 2023، عندما تستقر الحكومة الماليزية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.