ماكيليلي: حجم القتال في الكلب أهم من حجم الكلب في القتال
طفل أفريقي لم يكمل الرابعة يجره أبوه في شوارع فرنسا غير مكترث بما يعانيه هذا الطفل، فهو مشغول بتوفير ما يُمكن الأسرة من البقاء على قيد الحياة حتى غد.
ماذا؟ بداية مملة، كنت أتوقع ذلك.
فقط كنت سأحكي لك عن معاناة اللاعب الفرنسي الذي نزح من الكونغو وتشبث بأقل الفرص التي أتيحت له لكي يصبح لاعب كرة قدم. ماذا؟ لا ليس تورام ولا ويليام جالاس. نعم إنه كلود ماكيليلي بالفعل. كيف عرفت!
حسنًا أنت على صواب تتشابه القصص كثيرًا، أعرف أنك مللت يا صديقي من قصص لاعبي كرة القدم المهاجرين والفقراء والنازحين والأيتام والمساكين. يبدو الأمر كأنه عمل فني جديد للفنان محمد رمضان.
الملل، حسنًا تبدو كلمة سحرية نحو افتتاحية موفقة. دعنا نختصر كل تلك الحكايات وندخل في صلب الموضوع مباشرة. ستروق لك الحكاية؛ لأنها تحكي عن رجل يختلف عنك كثيرًا. إنه رجل لا يمل أبدًا. كلب الحراسة الذي تُرك على أبواب السيرك لسنوات كي لا يفسد أحد العرض الذي يأتي الجميع لمشاهدته. لم يعتمد أبدًا على حجمه كي يبتعد المتطفلون بمجرد رؤيته. بالعكس هو يحب كثيرًا أن يقتربوا لكي يفترسهم بشراسته المعهودة.
كان المشهد مثاليًّا يا صديقي، لم يمل كلب الحراسة أبدًا ولم يطلب أن تسلط عليه الأضواء باعتباره جزءًا هامًّا من نجاح العرض، لكن صاحب العرض نفسه هو الذي أصابه الملل. ألم أقل لك إنها تبدو كلمة سحرية.
رأى صاحب العرض أن الجميع يأتي كل يوم ليشاهد الفقرات التي يقوم بها لاعبو السيرك الذين صرف على انتدابهم الملايين. لماذا عليه إذن أن يحتفظ بكلب شرس بدلًا من أن يأتي بلاعب جديد وفقرة جديدة. رحل كلب الحراسة، وفي مقابل ذلك فسد العرض بالكامل.
قصة لطيفة بالفعل. لكن ما علاقة كل ذلك بماكيليلي، دعنا نقص القصة من بدايتها إذن ليتضح الأمر.
تلك الشراسة التي لا تتعلق بالحجم أبدًا
بدأ ماكيليلي كجناح أيمن في صفوف نادي نانت قبل أن يقرر مدربه جان كلود سودو أن يستثمر ما هو واضح أمام الجميع، ألا وهي تلك الشراسة غير المعهودة التي يمتلكها لاعبه. رغم أن هذا الصغير لا يزيد طوله عن متر و75 سم، إلا أنه مميز بشكل كبير في إفساد هجمات المنافس بدلًا من استغلال سرعته ومهاراته كجناح أيمن.
هكذا وجد ماكيليلي نفسه في وسط الملعب ومطلوب منه أن يفسد هجمات المنافس مستغلًّا تلك الشراسة التي يتمتع بها. قرر ماكيليلي حينئذ أن يثبت للجميع أن الحجم لا يهم كثيرًا عندما يتعلق الأمر ببذل المجهود وجني النتائج.
بدأت هنا مسيرة لاعب الوسط المدافع كلود ماكيليلي الذي سيرتبط اسمه بعد ذلك بمحاولة شرح مهام اللاعب المدمر لهجمات الخصم «destroyer».
اعتمد ماكيليلي على ذكائه أولًا ثم فهمه لمجريات اللعب ليطور من خلال ذلك قدرته الهائلة على استعادة الكرة من قدم المنافس والحفاظ عليها. كانت التجربة في كل موسم تثبت أن هذا الفرنسي القصير يتطور بشكل هائل في هذا المركز، وكانت النتيجة هي الرحيل خارج فرنسا بعد الانتقال لموسم وحيد للعملاق مارسيليا.
دعنا نحافظ على الإيقاع في القصة على حساب السرد الزمني الدقيق للأحداث. دعنا فقط نعرف أن كلود الآن يلعب في صفوف سيلتا فيجو الإسباني، ورغم اقترابه الشديد من الانتقال لفريق فالنسيا طبقًا لرغبة النادي فإن هذا الرجل الشرس لم يكن لينتقل إلى أي نادٍ إلا طبقًا لرغبته.
جذبه بريق مدريد الذي لا يصدأ عبر الزمن. قرر ماكيليلي رفض اللعب مرة أخرى مع سيلتا فيجو والتغيب عن التدريب لإجبار فريقه للانتقال لريال مدريد، وهو ما حدث بالفعل.
محرك البنتلي وخطيئة بيريز الكبرى
تزامن حضور ماكيليلي لريال مدريد مع تولي فلورنتينو بيريز رئاسة النادي. بدأ بيريز رئاسته باستقدام البرتغالي فيجو من قلب برشلونة، ثم قرر بعد ذلك أن يحصل على كل لاعبي العالم دون اعتبار لفكرة تكامل الفريق في كرة القدم، وهو ما يعرف بعصر الجلاكتيكوس.
أصبح لدي ريال مدريد كوكبة من اللاعبين أمثال فيجو وزيدان ورونالدو، لكن بيريز لم يتفهم أبدًا أن هذا الفرنسي القابع في منتصف الملعب هو سبب نجاح الفريق بشكل أساسي. وعندما قارن بين أهمية وجوده أو استقدام الإنجليزي دافيد بيكهام اختار الاختيار الخاطئ.
خلال تلك الفترة كان عقد ماكيليلي على بعد عامين من الانتهاء، وقد توج الفريق لتوه بلقب الدوري الإسباني. قرر بيريز محادثة ماكيليلي بشأن تجديد تعاقده لعام إضافي وتعديل ما يتقاضاه طبقًا لأهميته في الفريق، وهو ما وافق عليه الفرنسي.
تحدث ماكيليلي مع بيريز بشأن العقد الجديد، لكنه فوجئ بإجابة بيريز: «إنه لم يتبقَ أي أموال بعد التوقيع مع بيكهام».
هنا شعر ماكيليلي أن وجوده أصبح صعبًا للغاية. لقد تعدى الأمر فكرة عدم تقديره بشكل مناسب، بل إنه شعر أن وجوده من الأساس ليس أولوية لرئيس النادي. بيكهام الوسيم سيملأ البرنابيو بالمحبين، فماذا ستقدم أنت يا ماكيليلي؟ يقدم ماكيليلي الكثير من المجهود في قلب البرنابيو. فإذا كان هذا المجهود لا يشعر به أحد فلمَ يستمر في تقديمه؟
رفض ديل بوسكي رحيل ماكيليلي، وهو ما أشعر الأخير ببعض التقدير، لكن الرسالة من الإدارة كانت واضحة. لماذا تفكر في تعديل عقدي، أنت في ريال مدريد فلتلعب مجانًا إذا قررنا ذلك. وكانت إجابته أكثر وضوحًا: «لا أريد اللعب هنا بعد الآن، هذا النادي لا يحترمني».
رحل ماكيليلي وانهار ريال مدريد بشكل لا يصدق. واستقال بيريز بعد رحيل ماكيليلي عن مدريد بعامين نظرًا لسوء النتائج، وكانت كلمة السر هي كلود ماكيليلي.
تشيلسي: أن تثبت ببساطة أنك الأفضل
إذا كان انهيار مدريد بعد رحيل ماكيليلي دلالة على أهمية دوره في الفريق، فانطلاقة تشيلسي كإحدى كبرى فرق أوروبا بعد انضمامه للفريق هي دلالة أكثر قوة.
رحل ماكيليلي إلى الدوري الإنجليزي وهو في عامه الثلاثين. كان ذلك تحديًا كبيرًا لماكيليلي حيث كان عليه أن يقدم المجهود المعتاد منه في دوري شرس للغاية. لعب ماكيليلي دورًا محوريًّا في تأسيس فريق تشيلسي، حيث نقل للجميع من حوله فلسفة الفوز التي اكتسبها من ريال مدريد بالطبع.
ثم أتى الدور الأهم وهو ثنائية ماكيليلي مورينيو، وأتيح للأخير تطبيق طريقة اللعب 4-3-3 بشكل مثالي والقدرة على التحول الخططي لطريقة اللعب 4-1-4-1 بأريحية تامة بفضل وجود ماكيليلي. حيث كانت الملاعب الإنجليزية مغرمة بطريقة اللعب 4-4-2 حينئذ.
تحدث مورينيو عن موسمي 2004/2005 وكذلك 2005/2006 شارحًا كيف تغلب على فرق البريمييرليج: «إنه إذا كان لديَّ مثلث في خط الوسط، كلود ماكيليلي في الخلف واثنان آخران أمامه، سأظل دائمًا أمتلك ميزة مقابل خطة 4-4-2 حيث يكون لاعبو خط الوسط جنبًا إلى جنب. ذلك لأنني سأمتلك دائمًا رجلًا إضافيًّا».
يكمل السبيشال وان حديثه ويقول إن الأمر كان يبدأ دائمًا بـماكيليلي، الذي يوجد بين الخطوط. إذا لم يواجهه الخصم بشكل مباشر فيمكنه رؤية الملعب بأكمله ولديه وقت كافٍ للعب، أما إذا تمت مواجهته من أحد لاعبي رباعي خط الوسط للفريق المنافس، فهذا يعني أن أحد لاعبي رباعي خط الوسط في تشيلسي (الدوائر الحمراء) قد أصبح متاحًا بدون رقابة.
أما إذا قررت أجنحة الفريق الخصم التحرك إلى الداخل للمساعدة، فهذا يعني أن هناك مساحة الآن لنا على الجناح. نتحرك نحوها باستخدام إما الجناح أو الظهير. يجزم مورينيو ويقول إنه لا يوجد شيء يمكن أن تفعله 4-4-2 من أجل إيقاف الأمر.
لم يقم مورينيو بتسمية أي لاعب آخر سوى ماكيليلي، واكتفى بذكر اللاعبين الآخرين بمراكزهم. وربما لن يكون على سبيل المبالغة ذكر مساهمة ماكيليلي بشكل مباشر في تكوين أسطورة لامبارد لاعب الوسط الأكثر تسجيلًا في الدوري الإنجليزي؛ لأنه كان مُؤمِنًا بشكل دائم بفضل وجود ماكيليلي.
استمر ماكيليلي في فريق تشيلسي حتى سن الخامسة والثلاثين رغم ما هو معروف عن الفريق اللندني كونه لا يهتم باسم النجم، بل بعطائه.
ربما لم يقدم ماكيليلي ما يسمى بالثورة التكتيكية في مركزه، لكنه قدم للجميع تجربة حقيقية لزيادة الوعي التكتيكي بأهمية هذا المركز للدرجة التي يحلو معها للبعض تسميته بمركز ماكيليلي.