الصادق المهدي والخيارات الخطأ
لا جديد في السياسة السودانية بعد توقيع المعارضة على خارطة طريق الحوار الوطني في أثيوبيا. فالجهات التي وقّعت على هذا الاتفاق وقّعت مثله مرات عديدة مع حكومة الرئيس البشير. فالحركة الشعبية وقعت «اتفاقية نافع-عقار» في 2011م و العدل، والمساواة وقّعت برتكول الدوحة، وحركة مناوي وقّعت اتفاقية أبوجا، والسيد الصادق المهدي وقّع «اتفاقية التراضي الوطني» في 2008، وقبلها وقّع «اتفاقية نداء الوطن».
في الحقيقة لا يهمني توقيع الحركات المسلحة لأنهم يستطيعون العودة عن اتفاقهم متى ما يشاؤون لأنهم يملكون قوة يعتصمون بها في حال نقض الحكومة للاتفاق؛ ولكن يؤلمني موقف الإمام الصادق المهدي الذي تتسم سياسته بالتردد وعدم الحسم. فقد أخطأ الإمام بالتوقيع على مثل هذا الاتفاق، وكان ينبغي له أن يرجع للخرطوم معارضًا دون توقيع أي اتفاق حتى لا يشرعن «حوار الوثبة» الذي يدعو له الرئيس البشير.
الصادق المهدي يدفع ثمن المراهنات الخاسرة
عندما خرج الإمام الصادق المهدي من السودان في صيف 2014م مغاضبا بعد أن تم اعتقاله بسبب أزمة تصريحاته التي قالها ضد قوات الدعم السريع، كان الإمام الصادق المهدي قد قرأ المشهد الإقليمي بشكل خاطئ. فقد اختار الصادق المهدي أن يشد الرحال إلى القاهرة مدفوعا بأمل أن يكون تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، صاحب العداوة الشديدة مع تيارات الإسلام السياسي، هو خير معين له على معارضة نظام الجنرال البشير في الخرطوم الذي يدّعي أنه حكومة تمثل توجهات الحركة الإسلامية السودانية. ولكن هذا الأمل لم يكن سوى وهم. فالمصريون رغم أنهم لا يطيقون حكم الحركة الإسلامية لجنوب وادي النيل؛ إلا أنهم لا يرغبون في استبدال الصادق المهدي محل البشير، وهو الذي كان مع حزبه من المعارضين لأي تقارب سوداني مع مصر، والذي قام بإلغاء «ميثاق التكامل المصري السوداني» الذي وقعه جعفر نميري و استبدله بـ «ميثاق الإخاء».
المراهنة الخاسرة التي قام بها السيد الصادق المهدي هي المراهنة على معاداة المملكة العربية السعودية للحكومة السودانية باعتبارها امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين التي لا تنظر إليها السلطات السعودية بود، وتعتبرها حركة معادية تستهدف خطف تمثيل الإسلام من الدولة التي تحكم أطهر البقاع؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة.
و يبدو أن الإمام الصادق المهدي كان قد تأخر كثيرًا في التوجه نحو السعودية بحثا عن الدعم السياسي. فالملك عبدالله بن عبدالعزيز كان قد توفاه الله، وتولى الحكم الملك سلمان بن عبدالعزيز بتوجهات جديدة تضع نصب أعينها محاربة النفوذ الإيراني أولا قبل النظر إلى الحركات الإسلامية؛ ولكن الإمام الصادق المهدي يبدو أنه لم ييأس، فتحرك في مربع أنه معادٍ لإيران بينما حكومة البشير موالية لإيران، ولكنه تكلم بهذا الكلام في الزمن الضائع. فمع مجيء الملك سلمان للحكم، غيّرت السلطة السودانية من جلدها، وأغلقت مراكز إيران الثقافية، وشاركت في عاصفة الحزم مع الدول العربية، وتحولت السودان إلى حليف وثيق للمملكة في العهد السلماني الجديد، ولم ينتبه الإمام الصادق المهدي إلى كل هذه التغييرات المهمة حتى صفعته المملكة بـ مقال على لسان الناطق غير الرسمي باسم الحكومة السعودية، السيد عبدالرحمن الراشد، رئيس تحرير الشرق الأوسط، الذي هاجم فيه الإمام الصادق المهدي و اتهمه بأنه المتسبب في فتح المنسقيات الثقافية الإيرانية في السودان عندما كان في السلطة في 1986م قبل انقلاب البشير بثلاث سنوات.
و أخيرا توجه الإمام الصادق المهدي نحو الإمارات بعد أن استيأس من أي دعم مصري أو سعودي له. وهناك في الإمارات، طرح الصادق المهدي نفسه كقادر على كبح جماح الإخوان المسلمين باعتباره يقدم تفسيرًا ليبراليًا للإسلام يشمل الجميع، عكس مشروع الإخوان المسلمين الذي يقوم على إقصاء الآخرين، وبالتالي فهو الأقدر على محاربة الإخوان (حواره مع موقع الإمارات اليوم). و لكن الإمارتيين كانوا لا يعتبرون الحركة الإسلامية السودانية أولوية لهم؛ فالعلاقات بين الحكومة السودانية والإمارات وثيقة من أيام الشيخ زايد، والإمارات لم تضبط أي دعم سوداني لحركات الإسلام السياسي التي تعاديها الإمارات في الإقليم.
ولأن السودان غارق في الأزمات، اختار الإماراتيون الصمت على عرض الإمام الصادق لأنهم مشغولون ومنخرطون أساسا ضد الربيع العربي ونتائجه. وكانت زيارة البشير إلى الإمارات في العام الماضي والتي أعلن فيها أن التنظيم الدولي للإخوان تهديد حقيقي، وأنه يتفهم المخاوف الإماراتية، وعرض على الإمارات خدماته في مساعدتها في ليبيا من أجل محاربة الإرهاب، وذكّرها أنه كان يعمل جنديا معارًا للجيش الإماراتي في الثمانينات؛ وبذلك استطاع البشير كسب الجولة من الصادق المهدي، وإقناع الإماراتيين أنه معهم، لدرجة أن الإمارات أشادت بالدور الإيجابي للسودان في المجال الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
الصادق المهدي يتجه نحو إيران
الكارثة الكبرى التي وقع فيها الإمام الصادق المهدي هو أنه تم استدراجه ليؤيد إيران؛ فقد خرج بيان من المكتب السياسي لحزب الأمة يدين مشاركة السودان في عاصفة الحزم التي شنتها السعودية على الحوثيين في اليمن، حيث احتوى البيان على جملة: «لا نؤيد إقحام السودان عسكريًا في حرب لن تحقّق سوى تعميق النزاع وتدمير البلاد».
و هذا البيان سرعان ما فجر حزب الأمة داخليا، فخرج القيادي في حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي مصرحًا على إحدى الصحف السودانية أن السعودية ترفض استقبال الصادق المهدي لأنها تعتبره معاديًا لها وداعمًا لإيران.
وأكّد توجهات الصادق المهدي المؤيدة لإيران، مشاركته الأخيرة في مؤتمر دعم حزب الله من أسابيع قليلة في بيروت؛ وهو الحزب التي أجمعت دول الخليج العربي ووزراء الداخلية العرب على تصنيفه منظمة إرهابية بسبب مشاركته وانخراطه في الحرب السورية و اليمنية.
التوقيع على اتفاقية الحوار الوطني هدف أدخله المهدي في مرماه
أعتقد أن توقيع الإمام الصادق المهدي على اتفاقية أديس أبابا في 8 آب أغسطس 2016م هو خطأ كبير وقع فيه الإمام الصادق المهدي. فهذا التوقيع يعني شرعنة الحوار الحالي، «حوار الوثبة»، باعتباره حلًا لمشكلة الدولة السودانية. ولو كان الإمام الصادق شارك في الحوار دون أن يوقع، لكان من السهل عليه الانسحاب متى ما شاء باعتبار أنه غير ملزم بأي شيء. ولكن بعد توقيع الصادق المهدي، وهو رئيس الحزب الأكثر جماهيرية في السودان حسب آخر انتخابات ديمقراطية تمت في البلاد، فإن المجتمع الدولي سيكون ملزما بدعم مخرجات الحوار الوطني الحالي باعتباره حوارًا وطنيًا ضم مختلف القوى السياسية ذات الوزن الثقيل.
في رأيي لم يكن الإمام الصادق المهدي مضطرًا لأن يكون خارج السودان طول هذه المدة ثم يعود ويوقع على مخرجات «حوار الوثبة» الذي تمت هندسته من قبل حزب الرئيس البشير، ليستمر نظام الإنقاذ مدة أخرى حاكمًا ومتحكمًا في رقاب الشعب السوداني عشرين عامًا أخرى. وكان على الإمام الصادق أن يعود للبلاد في وقت مبكر، أي قبل سنة من الآن، ولو عاد لكان الآن جزءًا من لجان «حوار الوثبة» ولَتعرَّف على ما تحتويه مخرجات الحوار، بدلا من أن يحصل على مخرجات الحوار من قبل وسائل الإعلام.
- الصادق و السودان و الخرافات العدد 13333 التاريخ 31 مايو 2015
- حوار مع موقع الإمارات اليوم بتاريخ 16 ديسمبر 2015م
- البيان الإماراتية نقلا عن وكالة الأنباء الإماراتية بتاريخ 3 اكتوبر 2015م
- وكالة الأنباء اليمنية المؤيدة للحوثيين بتاريخ 23 أكتوبر 2015م