لا يهم إن كنت شابًا أو كهلاً، امرأةً أم رجلاً، لا يهم أين تعيش أو كيف تعيش، لقد تناولت أدوية متنوعة على مدار حياتك من عقاقير أمراض الطفولة الشائعة إلى أدوية الأمراض المتكررة كالزكام. لكل من هذه الأدوية طريقة في الوصول بها إلى حيث يجب أن تكون وحيث تقوم بدورها ولكن من حسن حظك أن طريقها ليس بهذه الصعوبة.

لكن ماذا عن هؤلاء الأقل حظًا؟ هؤلاء الذين يعانون من أمراض أصعب في مجابهتها؟ أمراض تتطلب مناورة أصعب ليصل العلاج إليها ويكبح جماحها؟

مع تطور تقنيات العلاج أصبح على طرق وصول العلاج للخلايا أن تتقدم بدورها. مع سيطرة السرطان والأمراض الفيروسية على الساحة صار على الدواء أن يعرف كيف ينتشر ويقوم بوظيفته في بيئة غير ممهدة.

هكذا تطور الدواء على مدى تاريخه من مجرد خليط عشوائي من الأعشاب التقليدية التي تمارس سلوكها الطبيعي في الجسم دون أي تحكم أو معرفة منا بكيفية حدوث هذا، إلى مادة يمكن التحكم في سلوكها عن بعد وإيصالها إلى مكانها المنشود دونما فقد أو هدم في جزيئاتها.


أين كنا؟

مع الأمراض التي تتطلب علاجات قاسية ومركزة، يبدأ الجسم ككل في دفع ثمن باهظ لعلاج العضو المصاب فقط. على سبيل المثال فإن كل الخلايا تبدأ في التداعي عند تعرضها للعلاج الكيماوي وبالتالي فإن خلايا السرطان تنهار ولكنها تأخذ معها الكثير من الخلايا السليمة أيضًا.

هكذا أصبح أحد الأهداف التي تمثل أولوية عند الباحثين إيجاد طريقة لتركيز فعالية الدواء على الخلايا المرغوب بعلاجها فقط. هكذا يصبح من الممكن حماية الخلايا الطبيعية من معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل.

مع ظهور التعدد في طرق تقديم الدواء للجسم سواء عن طريق الفم، الحقن أو غيرها من الطرق، بدأت الأبحاث في ستينات القرن الماضي بالاتجاه نحو التفرقة بين تناول الدواء وتفعيل النشاط الدوائي. بطبيعة الأمر كان الأمر بدائيًا لا يتعدى انحلالاً بطيئًا للجزيئات أو انحلالاً بطيئًا للغلاف الخارجي المحتوي على الدواء1.

أما الآن وعلى التوازي مع الثورة النانوية والتطورات السريعة في علوم البوليمرات والمواد الذكية، بدا أن هناك مستقبلاً جديدًا يلوح في الأفق.

رغم ذلك ورغم أننا نمتلك بالفعل مركبات توصيل دواء من الحجم النانوي – كريستالات وأقفاصًا كربونية صغيرة وبروتينات وجزيئات دهنية-والتي تستطيع أن تخفض من أضرار انتشار العقاقير في الجسم بشكل غير مرغوب فيه، ونمتلك أيضًا بوليمرات تستطيع أن تعمل كشبكة تعزل الدواء إلى حين يصل لعضو معين ليتم تدميرها وتحرير الدواء في النسيج الحيوي، إلا أن الواقع ليس بهذه المثالية2.

بسبب الطبيعة التشريحية للجسم نجد أن التقنيات الحالية تستطيع التعامل مع عدد محدود من الأعضاء البشرية وبكفاءة تتذبذب بشكل كبير معتمدة على العوامل المحيطة بالنسيج المصاب وطبيعة النسيج ذاته، بالإضافة إلى طبيعة مسبب المرض. كذلك فإن كثير من هذه المواد تمثل مشكلة في تخلص الجسم من بقاياها أو فائضها.


أفق جديد

تفاعل جسيمات نانوية من أكسيد الحديد ذات غلاف بوليمري مزدوج

في بادرة جديدة من نوعها تحمل الكثير من الإمكانات المرتقبة، خطا الباحثون في جامعة جورجيا الأمريكية خطوات جديدة نحو المزيد من التحكم في إطلاق الجزيئات الدوائية Controlled-Release في الجسم.تمكن الباحثون من تصميم غلاف Coating يمنعها من التفاعل مع الأنسجة داخل الجسم إلى أن يتم تعريضها لمجال مغناطيسي.

انتهج الفريق في بحثهم المنشور في دورية نيتشر المختصة بأبحاث الحفز Nature Catalysis أسلوبًا بسيطًا في التعامل مع الطبيعة الفيزيائية للجزيئات. لتوضيح الميكانيكية الحادثة، استخدم العلماء زوجًا من المواد الكيميائية، إنزيم Enzyme ومادة متفاعلة Substrate يقوم الإنزيم بتفكيكها.

تم تكوين المادة المتفاعلة من شقين، يقوم الإنزيم بالتفاعل مع أحدهما لتحرير الآخر وهو المادة التي تقوم بالعلاج. للتحكم في تحرير العلاج تمت إحاطة الإنزيم والمادة المتفاعلة كل على حدة بمادة بوليمرية تأخذ شكل الفرشاة مما يمكنها في السريان في الجسم دون تفاعل أو مشكلة. هكذا يتم عزل الإنزيم عن المادة المتفاعلة وبالتالي يتم منع تحرير الشق العلاجي Therapeutic biochemical.

يتغير كل شيء عند تعريض منطقة معينة –المنطقة المعنية بالعلاج-في الجسم لمجال مغناطيسي بسيط بواسطة مغناطيس مصمم لهذه المهمة. ما إن تتعرض هذه الجزيئات المغلفة بالبوليمرات لهذا المجال حتى تتجاذب معا وتجبر على التفاعل. تندمج الأغلفة لتكون غرفة يتفاعل فيها الإنزيم مع المادة المتفاعلة ويحرر المادة العلاجية لتخرج مؤدية عملها دون أثر يذكر على باقي الخلايا.

يكمن التجديد في هذه التقنية في اعتمادها على مجال مغناطيسي خارجي عكس الجسيمات النانوية المغناطيسية المستخدمة بالفعل والتي تسبب بدورها بعض المضاعفات للأنسجة السليمة عند تراكمها. مع هذا فقد استخدمت الطريقة الجديدة جسيمات نانوية معروفة من أكسيد الحديد النانوية سهلة التحضير التي يتم إحاطتها مسبقًا بغشاء من السيليكا ثم إعادة تغليفها بنوعين من البوليمر لصنع شكل الفرشاة المذكور.

بالطبع هناك الكثير من العوامل التي تدخل في اعتبارنا عند تصميم مثل هذه الجزيئات المعقدة. كيف ستتفاعل هذه الجزيئات مع بيئة الجسم إذا اختلت لأي سبب؟ كيف سيتمكن الجسم من التخلص من الكميات الزائدة من الجزيئات التي لم تتفاعل؟ هل ستكون تكلفة هذه العلاجات مناسبة لتعميمها؟

كلها أسئلة ما زال أمامنا الكثير حتى نتمكن من الإجابة عليها، إلا أن البحث الذي أثبت فعالية الفكرة في بيئة معملية In Vitro يفتح المجال للمزيد من التجريب ويجذب مزيدًا من الاستثمارات. الأمور التي تصب دائمًا في مصلحة المزيد من التطوير والبحث.

المراجع
  1. K. Park and R. Mrsny – Controlled Drug Delivery: Designing technologies for the future. Chapter 1: Present and Future
  2. Bhardwaj and Kumar- Fundamentals and Applications of Controlled Drug Delivery. Chapter 15