سحر الرواية على شاشتي السينما والتلفزيون
للرواية سحر خاص، وهي تعتبر بمثابة العرض الخاص للقارئ الذي يجد نفسه يتفاعل مع الشخصيات وينحاز لهذا ويكره ذاك، وإذا كان اختيار القارئ قد وقع على روايةٍ كاتبها لديه من الخيال ما يجعله يشعر وكأنه داخل الرواية بعصرها وأحداثها وأماكنها وأبطالها، فإنه يحصل على هذا السحر وتلك المتعة، وغالبًا هذا النوع من الروايات عند انتهائه يسبب وحدة للقارئ الذي يكون قد تعايش مع أبطالها.
على مدار تاريخ السينما المصرية والروايات الجيدة التي تحقق انتشارًا وتحمل فكرًا سواء سياسيًا أو اجتماعيًا، تجد رغبة عند بعض المنتجين لتحويلها إلى أفلام سينمائية، وهو أمر تخوف منه البعض في البداية نظرًا لأن قارئ الرواية سيكون على دراية مسبقًا بأحداثها، وقد يخلق هذا نوعًا من التردد لديه لعدم دخول الفيلم نظرًا لفقدان عنصر التشويق، لكن وجهة النظر هذه ثبت عدم صحتها خاصة مع نجاح العديد من الأفلام التي نُفذت وكانت في الأصل رواية.
الجدير بالذكر أن الرواية لا تُنقل كما هي للسينما لأنه أمر صعب للغاية، نظرًا لأن المقاييس التي يكتب بها الروائي تختلف عن تلك التي يقوم السيناريست بأخذها في الاعتبار عند الكتابة للسينما، فالروائي يهتم بأدق التفاصيل ويسرد بخياله وقد يعطي مشهدًا واحدًا الكثير من الوقت، وقد يهتم بشخصيات ثانوية ويعطيها مساحة كبيرة، وأذكر هنا أن الكاتب الكبير «نجيب محفوظ» الذي تحولت كثير من رواياته للسينما حين سُئل عن مدى نجاح الفيلم مقارنة بنجاح الرواية، ذكر أنه من المستحيل نقل تفاصيل الرواية كاملة على الشاشة وإلا سيتعدى الفيلم الثلاث والأربع ساعات نظرًا لطول أحداث الرواية.
هنا تأتي حرفية السيناريست الذي يقوم بتحويل العمل الأدبي لفيلم سينمائي، في حالة عدم قيام الروائي نفسه بكتابة السيناريو، حيث يجب أن يحافظ على الخط العام للرواية وعلى شخصياتها الرئيسية، ويحاول نقل السحر الموجود بالرواية داخل السيناريو، ثم يأتي دور المخرج الهام جدًا فيعكس وجهة النظر الأصلية، ويحول السيناريو والحوار لحالة من الإبداع الحي.
لعل أكثر الكُتاب نجاحًا في هذا المجال كان الأديب الكبير نجيب محفوظ الذي قدم روايات مميزة تحولت لأفلام خالدة في تاريخ السينما المصرية مثل: «قصر الشوق»، «السكرية»، «خان الخليلي»، «بداية ونهاية»، «ثرثرة فوق النيل»، و«اللص والكلاب». لم يكن محفوظ وحده من تحولت أعماله لأفلام، فامتد الأمر كذلك لـ«يوسف السباعي» الذي تحولت بعض أعماله لأفلام، مثل: «نادية»، «الليلة الأخيرة»، «اذكريني»، «أرض النفاق»، و«السقا مات».
وهكذا أيضًا «إحسان عبد القدوس»، الذي تحولت روايته التي أحدثت جدلًا وقتها «في بيتنا رجل» لفيلم سينمائي، بالإضافة إلى الفيلم الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا باحتفالات نصر أكتوبر «الرصاصة لا تزال في جيبي»، وأعمال أخرى مثل «لا أنام»، و«بئر الحرمان».
ثم بدأت هذه الموجة تقل بعض الشيء، ولم تعد الرواية في نفس قوتها، ولم يعد القراء بنفس الكثافة، واعتمدت الأفلام السينمائية على السيناريو الجاهز، وقل الاعتماد على الروايات المكتوبة، إلى أن عادت مرة أخرى في العصر الحديث وتحديدًا عام 2006 الذي أنتج فيه فيلم «عمارة يعقوبيان» للكاتب «علاء الأسواني»، وكانت الرواية قد حظيت باهتمام بالغ وقت صدورها، وبعد ذلك في تنفيذها كعمل سينمائي، فقام الكاتب الكبير «وحيد حامد» بكتابة السيناريو والحوار للفيلم الذي أخرجه الشاب المميز «مروان حامد».
شارك في البطولة الزعيم «عادل إمام»، والفنان الكبير «نور الشريف»، وكان للتعليق الصوتي المميز للفنان الكبير «يحيي الفخراني» دور هام في نجاح الفيلم، ونظرًا لنجاح الرواية فقد تحولت أيضًا بعد ذلك لعمل درامي تليفزيوني كتب له السيناريو الكاتب «عاطف بشاي»، بينما قام المخرج «أحمد صقر» بإخراجه.
بعد ذلك شهدت مصر حالة ازدهار للرواية، وأصبح هناك قراء مرة أخرى، وأصبح الكتاب الورقي يُباع من جديد رغم التهديدات الإلكترونية التي يتلقاها، وفي الحقيقة هناك الكثير من «الحشو» يطلق عليه خطأ رواية، ويحقق مع الأسف نسب مبيعات عالية ليعكس لنا تدني الذوق العام في بعض الأحيان.
لكن هذا ليس معناه عدم وجود المنتج الجيد والكتاب المميزون، مثل الكاتب الشاب «أحمد مراد» الذي جذب الكثير من القراء وتحولت روايته «الفيل الأزرق» لفيلم سينمائي، وقام مروان حامد بإخراجها، ومن المتوقع البدء خلال هذه الأيام في تحويل روايته «تراب الماس» إلى فيلم سينمائي أيضًا بعد النجاح الذي حققته الرواية، كما تحولت روايته «فيريتيجو» إلى مسلسل درامي حمل نفس الاسم، وكتب السيناريو والحوار له «محمد ناير»، بينما قام المخرج «عثمان أبو لبن» بإخراجه.
من الكتاب الذين اكتسبوا جماهيرية أيضًا في الفترة الأخيرة «محمد صادق» الذي حققت روايته «هيبتا» نجاحًا كبيرًا، ليحقق بعد ذلك الفيلم المأخوذ عنها نجاحًا كبيرًا أيضًا، واستطاع «هادي الباجوري» إخراج الفيلم في النهاية بشكل أرضى قراء الرواية.
مع عودة الأعمال الإرهابية لمصر مرة أخرى وتزايد الأفكار المتطرفة، ظهرت رواية «مولانا» للكاتب والصحفي «إبراهيم عيسى»، ليتم تحويلها أيضًا لفيلم سينمائي قام بإخراجه «مجدي أحمد علي»، بينما وضع الحوار صاحب الرواية نفسه.
لم يقتصر الأمر على الأفلام السينمائية فقط، فكما ذكرنا رواية «فيرتيجو» تحولت لعمل درامي تليفزيوني، فكذلك رواية «أفراح القبة» التي كتبها الراحل نجيب محفوظ تحولت إلى عمل درامي قام بإخراجه بحرفية «محمد ياسين»، ووضع له السيناريو والحوار «محمد أمين راضي»، كما قام السيناريست «تامر حبيب» بتحويل رائعة «إحسان عبد القدوس» «لا تطفئ الشمس» إلى عمل درامي مميز أيضًا، وإن كان قد قام بتغيير بعض الأحداث بالاتفاق مع مخرج العمل «محمد شاكر خضير».
كانت الرواية قد قدمت من قبل كفيلم سينمائي من إخراج الرائع «صلاح أبو سيف»، ومؤخرًا تم تحويل روايتي «أنا شهيرة» و«أنا الخائن» للكاتبة «نور عبد المجيد» لعمل درامي تليفزيوني يحمل نفس الاسم، وإن كان الاسم صعبًا دراميًا وكان ينبغي اختيار اسم آخر، وقام بإخراج العمل «أحمد مدحت».
وفي النهاية، ننتظر المزيد من الإبداع من الكتاب والمخرجين لتستمر مصر في موقع متقدم في الأدب سواء المكتوب أو المسموع أو المرئي.