مسلسل «Mad Men»: الحلم الأمريكي بعيون ضحاياه
في منتصف القرن 17 قال «جون وينثروب» مؤسس مستعمرة «ماساتشوستس» إنه يريد لأمريكا أن تكون مدينة فوق التل تتطلع لها عيون الناس جميعًا، بينما كتب «جون سوليفان» أن أمريكا لم يكن لديها خيار في قيادة العالم نحو الفضيلة.
في كتابه «التاريخ الشعبي للولايات المُتحدة»، يؤكد «هوارد زن» أن أمريكا هي الأمة الوحيدة التي صيغت كأمنية، كدعاية إعلانية عن حلم مثالي قدري لا بد أن نسعى له كحتمية لا فكاك منها نحو تصورات أخرى للسعادة. كانت أمريكا إعلان تُجاري مُكتمل، عنوانه «مدينة فوق التل». بينما أيقونته «تمثال الحرية» الذي نُقش على قاعدته:
في عام 2000، ومع بلوغه الخامسة والثلاثين يقول الكاتب «Matthew Weiner» إنه حقق الحلم الأمريكي كاملًا، في الزواج والنجاح المهني، لكنه لا يزال تعيسًا، في تلك اللحظة جلس أمام الحاسوب وبدأ يكتب ما وصفه أنها حكاية عما يعنيه أن تكون WASP رجلًا أبيض أمريكيًا ينتمي لأمة صُممت كإعلان تُجاري، حكاية رجل أبيض يُشبهه في الخامسة والثلاثين ويعمل في مجال الإعلانات، يُحول المنتجات والسلع لغوايات سعادة، أحلام صغيرة تعمل معًا كقطع بازل، لو جمعتها معًا ستُحقق الحلم الأكبر، وهو العيش على الطريقة الأمريكية، رجل يُجسد في أناقته وحرفية مهنته الحلم الأمريكي الذي يتمنى الجميع أن يكون هو ولا أحد يكون هو أبدًا.
من هنا ولد مسلسل «mad men» وبطله «دونالد درايبر» الرجل الذي يمتلك كل شيء، لكنه ليس سعيدًا، الذي يُرشدك للحلم لكنه يحمل بين جوانحه كابوس يُخبره أنه يرتدي قناعًا، وأنه لم يكن أبدًا حقيقيًا.
الأحلام أنبل من أصحابها
يحتاج كل إعلان تُجاري إلى brief مُلخص عن وعد السعادة الذي يُقدمه المنتج والفكرة التي يتمنى أن تتشكل في وجدان مُستهلكيه بمجرد رؤيته.
أعظم تلخيص للحلم الأمريكي هي وثيقة الإستقلال التي كتبها «توماس جيفرسون» التي تبدأ بإقرار أن البشر خلقوا مُتساويين، ولهم الحق في الحرية والسعي وراء السعادة
خلقت تلك الوعود في سبيل تحققها حرب أهلية دموية ونزوات إمبريالية، لكنها نجحت أخيرًا في أن تكون ما نتذكره فور رؤيتنا العلم الأمريكي.
المثير أن «جيفرسون» لم يحيا أبدًا وفق عباراته، كان مالكًا للعبيد ورفض تحريرهم، ورفض أيضًا الإقرار بحق السكان الأصليين في أراضيهم، وصف المؤرخون «جيفرسون» أنه لم يمتلك من حلمه سوى براعة صوغ الكلمات.
صنع «ماثيو» شخصية بطله على صورة «جيفرسون»، ولد البطل «ديك ويتمان» من رحم عاهرة قضى معها الأب ليلة واحدة، ثم ربته زوجة أبيه التي تكرهه، وعندما فر من جحيم عائلته ليصير جنديًا في «كوريا» يحمل شعارات الحلم الأمريكي في بلد غريب، تعرض لهجوم قُتل فيه قائده، خلط الجيش في المستشفى بينه وبين قائده، واعتنق ديك الأكذوبة وتحول إلى الملازم «دونالد درايبر» ليجد تذكرة خروجه من جحيم الحرب ويعود للوطن كبطل أدى واجبه ونال الوسام القُرمزي.
في اللحظة التي تنكشف فيها هوية البطل في وكالة الإعلانات التي يعمل بها يُخبره مديره أن حقيقته لا قيمة لها ما دامت واجهة شخصيته جذابة، وأن أمريكا بُنيت على أكتاف رجال يشبهونه، لم يكونوا أبدًا ما يدعونه.
فلسفة الحلم الأمريكي
بنيت أمريكا على تناقض بين مثالية ما حلمت بأن تكونه وحقيقة إبادتها للسكان الأصليين، هذا التناقض جعل الوجه الآخر لعملة الحلم هو الكابوس ذاته، لذلك خلق «ماثيو واينر» بطله على صورة الآباء المؤسسين الذين استفاد بعضهم كجيفرسون من عيوب زمنه مثل العبودية لكنه دعا لحلم أكثر أناقة، يستفيد البطل من صدفة قدرية في انتحال شخصية لا تُشبهه لكنها كل ما تمنى أن يكون هو، ومثلما ولدت أمريكا كدعاية تجارية لواقع مُظلم يختار ماثيو أن يعمل بطله في الإعلانات، المجال الذي ولدت أمريكا من رحم عمليته الإبداعية.
يلخص «درايبر» فلسفة الإعلان الناجح في كونه لا يعبر عن حقيقتنا، لكنه مرآة لما ينقصنا ونتوق له. نحن نخاف الوحدة لذلك نخترع الحُب في صورة جوارب نايلون وعطور وملابس أنيقة تؤمن لنا الفتنة اللازمة لنصطاد شريك يبدد وحدتنا.
نحن نخاف من حقيقة أننا تم إلقاؤنا من دون إنذار في قلب كون لا يُبالي بنا، وخطة كبرى كونية لا تفصح عشوائية أحداثها عن منطق، لذلك نرتعد من الاختيار وتحمل مسئولية مصيرنا وسط تلك المجهولية، يقول «درايبر» إن الإعلانات تنجح لأن البشر يتوقون لأحد يُخبرهم ما يجب عليهم فعله بدءًا من الطعام والملبس الذي يختارونه، نرتعد من فكرة أنه قد لا يوجد نظام للكون لذلك نصطنع النظام في صورة أحلام ونجعلها بعيدة بما يكفي لكيلا نصل لها أبدًا فنجدها سرابًا، تخلق الأحلام في بعدها واستحالة الوصول لها الأمل الذي لا يبلى في مطاولتها.
تبدو سيكولوجية الإعلانات في mad men، صورة مُصغرة من سيكولوجية الحلم الأمريكي التي جعلت الكاتب «ماثيو» يُساءل نفسه في منتصف العمر لماذا بعدما حقق كل شيء لا يجد سعادته؟ عندها يفتح التلفاز ليجد إعلانات مُنتجات جديدة فيطمئن أنه لم يصل لمنتهى الحلم الأمريكي، عليه فقط شراء المزيد من المُنتجات. لن يصل لحافة يأسه ليقابل الخواء وجهًا لوجه، أحدهم سيمد الحافة قليلًا للأمام ليطيل أمد الرحلة.
لا يخفي «ماثيو» الرابطة بين الحلم الأمريكي في صورته الكبرى، ودراما الوكالة الإعلانية في حكايته الصغرى، بينما تحتل دراما الشخوص متن الكادر، نجد دومًا في الخلفية دراما أمريكا الحقيقية، عندما تدرك زوجة البطل أن رجلها يحمل اسمًا آخر وماض لا تعرفه، نجد في الخلفية خبر مصرع «كينيدي» في التلفاز، اللحظة التي زلزلت الوجدان الأمريكي، بموت الرجل الذي عُقدت عليه الآمال في إنهاء الفصل العنصري وتحقيق أمريكا التي وعد بها جيفرسون، بينما قتلته قوى أظهرت أمريكا الكابوسية التي يقودها حفنة من الرجال البيض يريدون باستماتة حفظ امتيازاتهم، يجسد موت كينيدي نهاية مرحلة الحرباء التي نجح فيها البطل «دون» في إخفاء هويته عن الجميع، وظهور حقيقته الأقل جاذبية
يختار «ماثيو» لزمن المسلسل عقد الستينيات الأكثر صخبًا في احتوائه التغييرات السياسية والاجتماعية التي وضعت الحلم الأمريكي بأكمله موضع مساءلة مثل حركة الحقوق المدنية وعار فيتنام والحركة النسوية. لذلك ظل هذا الخط هو الصورة الكبرى التي تحتوي القصة الصغرى لرجل بدأ في صورة واجهة كاذبة تُخفي هوية متحللة ومرتعدة من الانكشاف وبانكشافها تنحل عروة صاحبها.
النساء في حلم رجولي
تخلو وثيقة الاستقلال الأمريكية من الانحياز لحقوق المرأة، هي وثيقة كتبها رجال حول أحلامهم، وهو موضوع أثارته Abigail Adams الصديقة المقربة لجيفرسون.
تحضر الشخصيات النسائية في mad men ليس كشخصيات فاعلة، إنما كأدوات للحلم المصغر لدون درايبر والحلم الأمريكي في صورته الكبرى، نجد في لفتة ذكية حلقة كاملة تدور حول موت «مارلين مونرو» وانعكاس موتها المبالغ على شخوص المسلسل لأنها تمثل الرمزية ذاتها للحلم الأمريكي، الواجهة شديدة الجاذبية التي تحمل خواءً مخيفًا في قلبها، امرأة مؤممة بالكامل كصورة جذابة لحلم أكبر من حقيقتها.
لا ينعى مونرو بحزن جارف إلا السكرتيرات ومديرتهن «جون هالواي»، التي تجسد في زيها الضيق المبرز بشكل مبالغ لمفاتنها، حضور الأنثى في أماكن العمل في الستينيات، كأداة جنسية لتزيين الفضاء العام ولجذب الزبائن، وتسلية الرجال الذين يقومون بالعمل الحقيقي. تحزن تلك النسوة على مونرو لأن بيئة العمل تصنعهم على صورتها، سيدة تحمل واجهة جذابة وخواء داخليًا يعكس ذات مقموعة لا تعبر عن نفسها إلا في صورة جسدها، فالمرأة في حضورها ومنتجاتها وزينتها مؤممة بالكامل باعتبارها إكسسوارًا لازم لعالم يحكمه الرجال
يختار «دون» زوجته «بيتي» باعتبارها الصورة المثالية للعائلة الأمريكية، عارضة أزياء شقراء نحيفة القوام تنتمي لأسرة أرستقراطية، تصلح كواجهة لهويته المستعارة، لكنه بجوار زواجه يُدمن على العلاقات الجنسية العابرة. في انتقام خفي من الصورة المثالية التي لا تعكس حقيقته.
عندما يتذكر دون حياته القديمة، ندرك أنه ولد من رحم عاهرة ماتت في ولادته وتربى في بيت دعارة، حين هاجمته الحُمى لم تقدم له زوجة أبيه القاسية رعاية، بل تلقاها على يد عاهرة سهرت على تغذيته والعناية به وعندما أتم شفاءه منحته جسدها ليفض بكارته ويصير رجلًا. هذا الخلط المشوش بين عاطفة الأمومة والغواية التي منحتها العاهرة له سترسم علاقة مضطربة بالجنس جعلت البطل يبحث فيه عن معان أكثر سعة من الحميمية.
في كل علاقة عابرة يتحرر البطل من هويته الكاذبة ويُلقي بنفسه في قصة جديدة، بحثًا عن امرأة ترى طيفًا من حقيقته، تحتضنه بعاطفة أمومية، تقبله كما هو. في كل خياناته الجنسية يبحث عن طيف من نفسه، يبحث عما يجاوز خبرة الجنس نفسها. لأنه ولد من رحم لقاء عابر بين أبيه وعاهرة لا يعرفها، هو ولد من الخبرة العارضة ذاتها ويبحث فيها عن تفسير لوجوده في هذا العالم، وجوده الحقيقي غير المُنتحل.
العشيقات يكشفن مفاوضاته مع ذاته الخفية. وللمفارقة لا يجد من دون ذاته الحقيقية إلا في صداقة خالية من الجنس مع الزوجة الحقيقية للملازم الذي انتحل هويته، المرأة الوحيدة التي تعلم بكذبته وتستديمها وتخبره أنه مقبول لديها على ما هو عليه، لذلك يمثل موتها في المواسم الأخيرة الانهيار الأخير لهويته المصطنعة.
نجح mad men في تقديم المرأة في الحلم الأمريكي على صورة مونرو وفي القصة الصغرى باعتبارها أحد إكسسوارات الحكاية لكنه قدم كذلك الصورة العكسية المتمردة في صورة «بيغي أولسون».
بيغي أولسون، التمرد على قوانين الحلم
تبدأ «بيغي» رحلتها كسكرتيرة، تواجه بيئة عمل تؤمم جسدها لصالح إمتاع الرجال، يخبرها أحد رؤسائها أن تقصر تنورتها ليستمتع الجميع بساقيها، يفرط جسدها في بدانته كرد فعل عكسي، فتجعلها بدانتها أكثر انعزالًا عن الرجال.
تحب أحد الرجال في مقر عملها وتمنحه جسدها، لكنها تُدرك في ما بعد أنها لم تكن سوى نزوة وأنها لا تنتمي لأسرة ثرية ولا تملك جمالًا صارخًا يجعل محبوبها الذي ينتمي لأسرة عريقة يختارها كزوجة له، تنتهي في سرير بمشفى رخيص وهي تلد طفلها وقد انتهت حياتها وسط عائلة تثقلها بخزي يليق بعاهرة. في تلك اللحظة يزورها رب عملها «دون درايبر» ويُخبرها أن تنظر للأمام ولا تلتفت للخلف أبدًا.
يرى «دون» في بيغي مرآة لحكايته، إنسان وصل للقاع ولكي ينجو عليه أن يغير جلده كاملًا، بينما احتاج هو بشكل استثنائي أن يصطنع هوية تنتشله من فقره ليصير رجل واسب أمريكيًا، كل امرأة أمريكية في الستينيات تحتاج للنجاة أن تصطنع هوية بديلة، إما بجعل جسدها ومفاتنه هويتها، وإما بمواجهة عالم كامل يحكمه الرجال.
يساعد دون «بيغي» على أن تجدد جلدها كاملًا، لا بالتخلي عن أصالتها لكي تندمج مع دورها في الحلم الأمريكي، بل بخلق هوية أكثر أصالة وثراء مما كانت عليه، لذلك يعقد عبرها مصالحته مع نفسه، في رعاية موهبتها وتحويلها من سكرتيرة جميلة المظهر، لكاتبة إعلانات يرتجف الرجال من طموحها وموهبتها.
في لحظة بعينها يخبرها أنها امتداد شخصي له، امتداد حاول فيه أن يخلق نسخة منه أكثر صحية، خسر «دون» أصالته ليصير رجل الحلم الأمريكي، بينما منح «بيغي» أصالتها لتصير امرأة متمردة على الحلم، تعيد صياغته مثلما تعيد صياغة المنتجات في صورة إعلانات، يمثل قوس «بيغي أولسون» أكثر أقواس الشخصيات تطورًا من امرأة تخضع لتعريفات الأنثى في زمنها، لامرأة تحاول أن تكون رجلًا وهي تطال معلمها وتنافسه، لامرأة لا تنسلخ من أنوثتها ولا تتخلى عن طموحها.
كل حلم يطوي رغبة في اليقظة
يحمل الحلم الأمريكي دومًا في طياته رغبة خفية في تدمير الذات باليقظة، جوار التاريخ الأمريكي الرسمي يوجد التاريخ الشعبي الذي أدان فيه الأمريكان حروبهم الخارجية مثل فيتنام، وتبرأوا من نخبتهم وأيقنوا أن إنقاذ أمريكا يتمثل في تحريرها من أسطورة الحلم ذاته ومعانقة الحقيقة ولو كانت كابوسًا.
على مدار المواسم يحمل «دون» بداخله رغبة خفية في تحطيم صورته وتوحيد تجلياته، بدأت عندما ترك مفتاح صندوق ذكريات الحرب بإهمال لتجده زوجته وتدرك حقيقته بينما في المواسم الأخيرة يجالس زبائنه في حجرة الاجتماعات ليفصح عن حقيقته باعتباره ابنًا لعاهرة كانت أقصى تعريفاته للسعادة هي الشوكولا التي يطالبه زبائنه بالترويج لها الآن. تتحطم هالته ويتآمر شركاؤه لطرده من الشركة التي أسسها لأنه فقد عقله.
كثير من المشاهدين اعتبروا تتر mad men هو نبوءة بمصير البطل، يجسد التتر صورة سلويت لرجل يشبه دون درايبر يسقط من ارتفاع ناطحة سحاب شاهقة تنعكس على نوافذها إعلانات تجارية صاخبة تُجسد أشخاصًا سعداء يبتسمون، نسوة فاتنات، ألوان زاهية تناقض سوداوية الرجل الساقط، أيقن كثيرون أن مصير دون يومًا ما سيكون انتحارًا حقيقيًا يرادف سقوطه المجازي على مدار الحكاية.
في نهاية المسلسل يودع دون بمكالمات هاتفية أهم نساء حياته، زوجته السابقة بيتي التي شاركته لسنوات واجهته ولم تفلح أبدًا في الوصول لحقيقة قلبه، تلميذته بيغي التي مثلت ميراثه الوحيد في إعادة تدوير ذاته في قصة أكثر صحية وابنته سالي التي تمثل جيلًا أمريكيًا جديدا أكثر نزقًا ورفضًا لكل ديباجات الحلم الذي صنع أباها على صورته.
يعتزل دون في منتجع هيبي، تقترب الكاميرا من وجهه وهو يبتسم الابتسامة التي تأتيه دومًا عندما يجد فكرة إعلان مثير ثم تُعرض Hilltop واحدة من أشهر الحملات الإعلانية في التاريخ لكوكاكولا، التي تستعير النمط الهيبي في تقديم رسالة توحيد لأعراق البشر في سلام ترعاه المياه الغازية. ندرك أن دون بشكل خفي عاد من جديد لعالم الإعلانات وأعاد تدوير خبرة اكتشاف ذاته التأملية الأخيرة في صورة تجارية.
عندما سئل «ماثيو» عن نهاية بطله قال، إنه لا يعرف على وجه الدقة هل ستتغير شخصية دون أم لا، لكنه أضاف في إيماءة ذكية أن ربما أكبر انتصار لدون أن يعرف نفسه في النهاية ويقبلها.
لا تقدم النهاية شخصية عجزت عن التغيير أو مجاوزة ذاتها وعالم الإعلانات الذي احتقره «دون» من داخله وأجاد العيش فيه، لكنها تقدم شخصية وجدت في النهاية سلامها مع مواجهة مرآة ذاتها دون خوف، لا يمكن هدم الحلم الأمريكي بالغائه، أو بتجاوزه كأنه لم يكن، يقدم ماثيو واينر عبر نهاية دون درايبر وصفته الخاصة لمأزق الحلم الأمريكي الذي ولد من دماء أبرياء ليعد العالم بجنة خيالية، وهي أن نضع دومًا الحلم في مرآة ذاته، ربما يكون أعظم انتصار يواجه الحلم الأمريكي هو أن تفرز الدراما شخصيات مثل دون درايبر وجدان مُمزق بين صورته وحقيقته، شخصيات تضع أمام الحلم الأمريكي مرآة تفضح جانبه الكابوسي، تزيل سطوته وتحرر أفراده من عبء اللهاث خلف صورة مصممة بالأساس لكيلا نصل لها. بل نظل أسرى اللهاث خلفها.