قبل سبعة أعوام، حظي دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «NBA» بنسخة ليستر سيتي الخاصة به. فريق أتى من بعيد ليحقق ظاهرة الـ«One Season Wonder» الشهيرة. كان السيناريو متطابقًا تمامًا حتى في ألوان القمصان، الزرقاء والبيضاء.

اقتنص فريق «دالاس مافريكس» لقب الدوري من بين العمالقة تمامًا كما فعل ليستر. وقتها كان «الليكرز» بقيادة «كوبي براينت»، «ميامي هيت» بقيادة «ليبرون جيمس» إلى جانب «سان أنطونيو سبيرز» في حقبته الذهبية.

كانت المرة الأولى في تاريخ «المافريكس»، والأخيرة إلى الآن. أحداث الموسم كانت أقرب إلى الملحمة، وبطلها لم يكن أمريكيًا حتى. كان بطلها هو الألماني «ديريك نوفيتسكي»، الذي أصبح أسطورتهم فيما بعد. وتمامًا كما حدث مع ليستر سيتي، عاد وضع «دالاس» إلى ما كان عليه، ولم يعد أمامهم سوى بكاء الأطلال وتمني العودة بالزمن إلى الوراء. حتى محبوبهم الألماني في طريقه لإنهاء مشواره الطويل، لكن يبدو أنه وجد من يحمل الفريق من بعده؛ لاعب شاب قادم من أوروبا أيضًا يدعى «لوكا دونشيتش».

بطل مدريد وحارق كتالونيا

كانت لقطة لم يهتم أحد لاسم صاحبها. ريال مدريد يواجه برشلونة في الدوري الأوروبي لكرة السلة «Euro League»، والربع الثالث في طريقه للنهاية. لاعب ريال مدريد الذي يحمل الرقم 7 يتسلم الكرة ويسددها من أمام سلة فريقه إلى السلة الأخرى محرزًا ثلاثية بعيدة المدى. انتشرت اللقطة كالنار في الهشيم لأن جمهور الملكي -الذي احتل أوروبا في كرة القدم- لا يتوانى أبدًا في قصف جبهة غريمه الكتالوني حتى ولو في كرة السلة. صاحب تلك اللقطة كان ذو الـ 18 عامًا «لوكا دونسيتش».

داعبت يدا اللاعب السلوفيني كرة السلة لأول مرة قبل أن يتم عامه الأول، متأثرًا بوالده، الذي كان لاعبًا سابقًا بعدة أندية أبرزها نادي أوليمبيا السلوفيني. سار لوكا على خطى والده وانضم إلى نادي أولمبيا في عمر ال ٨ سنوات. برزت موهبة اللاعب ذي الأصول الصربية حتى التقطته أعين ريال مدريد،ليلعب رفقة الفريق الأول في ال16 من عمره، ويصبح أصغر لاعب في تاريخ النادي يحظى بهذه المشاركة.

استمر في التطور وإبهار الجميع حتى ختم مشواره مع النادي الملكي بقيادته للفوز بالدوري الأوروبي 2017-2018، محققًا جائزة أفضل لاعب بالبطولة في الموسم المنتظم والنهائيات. وكأن جائزة الأفضل ارتبطت باسم «لوكا» هذا العام على غرار ما فعله «مودريتش». بعدها قرر اللاعب الملقب بـ الفتى الممعجزة الخروج من منطقة راحته، والانتقال إلى المستوى الأعلى.

أن تبدأ موسمك برسالة عاطفية

فوت الأب حضور الحفل المخصص لاختيار اللاعبين الجدد في الـ«NBA»، والمسمى بالـ«Draft». لم يعرف أحد السبب لكن «ساسا» قرر كتابة رسالة عاطفية لابنه لشرح ما حدث.

ماذا يعني أن تكون والدًا جيدًا؟ أنا متأكد الآن أني أعرف الإجابة. لم أكن والدًا مثاليًا لأني لم أكن بجوارك في ذلك اليوم، فقد كنت في ليوبليانا وأنت تعلم السبب، لكني لم أستطع التركيز فيما كنت أفعله، لأن التلفاز جذب كل انتباهي. لقد كنت متشوقًا لسماع اسمك في الاختيارات. عندما سمعته، غمرني شعور بالفخر لا يمكنني وصفه. لا أحد يستطيع العيش بعيدًا عن ابنه. تتذكر ذلك اليوم الذي حضر فيه ممثلو ريال مدريد إلى سلوفينيا، للتوقيع معك وأخذك بعيدًا عنا؟ لقد آلمني ذلك حقًا، لكنني لم أستطع الوقوف في طريق مستقبلك وتفويت تلك الفرصة، هذا ما قد يجعلني والدًا جيدًا يا لوكا.
والد لوكا دونشيتش.

كانت والدته بجواره، وبدعوات والده انتهت تلك الليلة باختيار «دونشيتش» من قبل فريق «أتلانتا هوكس»، ثم تمت مقايضته باللاعب «تراي يونج» لينضم إلى فريق «دالاس مافريكس»، وكأن القدر أراد له أن يكون خليفة «نوفيتسكي»، وبدء رحلته في الـ«NBA» من نفس المكان الذي بدأ منه «ديريك» قبل 20 عامًا.

دعهم يشاهدون

يعد الانضمام لدوري كرة السلة الأمريكي الخطوة الأبرز للاعبين. وكم من لاعب جاء من أوروبا حاملاً آمالاً عريضة للتألق، ثم وجد نفسه مهمشًا على كراسي الاحتياط دون أن يتذكره أحد. لأن هنالك كرة سلة وهنالك «NBA»؛ مستوى آخر من القوة، السرعة، المهارة. هم لا يلعبون كرة السلة، بل يتنفسونها. لذلك تألُق «دونشيتش» سابقًا في اليوروليج، قد لا يضمن نجاحه هنا في نهاية المطاف.

كانت قدرتي على التسديد أقل منه بقليل عندما كنت في التاسعة عشر من عمري، لكن لم أمتلك أبدًا تلك الرؤية التي يمتلكها. أنا لا أريد أن أضع مزيدًا من الضغط عليه. سنفعل ما بوسعنا لمساعدة هذا الفتى على التأقلم والتطور هنا.
«ديريك نوفيتسكي» أسطورة فريق دالاس مافريكس عن زميله الجديد

فاجأ «لوكا» الجميع ورفع مستوى التحدي. بداية واثقة وأرقام مذهلة حازت على إعجاب الجميع. حتى الآن، يحقق معدل 19 نقطة، 6.5 ريباوند، 5 أسيست. بالنسبة للاعب جديد – «Rookie» – في الـ«NBA» فإنها أرقام مذهلة، لأن من بين من سبق لهم إحراز تلك المعدلات – في أول مواسمهم – كان «لاري بيرد» أسطورة بوسطن سيلتكس، و«مايكل جوردان» كبير اللعبة.

ولكي يكتمل المشهد، فضل «دونشيتش» الإعلان عن نفسه بقوة أمام «جيمس هاردن» أفضل لاعب في الموسم المنتظم الماضي. كان المافريكس متأخرًا في النتيجة بنهاية الربع الرابع أمام فريق «هيوستن روكيتس» وصيف القسم الغربي بالموسم الماضي، و«لوكا» لم يكن أحرز سوى 10 نقاط فقط طوال المباراة.

وفجأة قرر صاحب الـ19 عامًا أن يسرق الأضواء من الجميع، وإحراز 4 سلات متتالية، 11 نقطة جعلت فريقه يتقدم وينهي المباراة فائزًا. تلك اللقطات الحاسمة التي تحطم اللاعبين الكبار، قرر هذا الصغير أن يتصدى لها دون خوف، ليقول معلق المباراة ضاحكًا: “عليك أن تحب هذا”.

https://www.youtube.com/watch?v=NODqd15W5W0&feature=emb_logo

لماذا علينا أن نحب «لوكا»؟

ليس لأنه وسيم ولا لأنه يذكرنا بـ«لوكا مودريتش»، بل لأنه مختلف. فبعيدًا عما أظهره لاعب ريال مدريد السابق من ثقة ومهارة وذكاء جعلوه حديث الساعة في الدوري الأقوى في العالم، فإنه يقدم نموذجًا جيدًا لغيره من اللاعبين الصغار.

هو لا يهاب الفشل، يأخذ المبادرة ويحاول، يفشل فيحاول من جديد. لذلك تجده ضمن أكثر لاعبي الدوري فقدًا للاستحواذ «Turn Over»، لكن عندما ينجح فإنه يقدم ما أطلقوا عليه اسم «Luka-magic». الأسطورة مايكل جوردان كان يقول دائمًا إنه لم يخف أبدًا من الفشل، لذلك فإن ما يفعله «دونشيتش» في هذه المرحلة من مسيرته يعد أمرًا لافتًا.

الأمر الآخر الذي يميز ذلك الشاب هو أنه يحاول الاستمتاع بقدر المستطاع. ذلك لم يعد متاحًا بقدر كبير في عالم الاحتراف الذي يزداد قسوة يومًا بعد يوم. لكنك عندما تنظر إليه وهو يلعب، يمرر، يسدد، يركض بطول الملعب ليحتفل مع زملائه – تشعر وكأنه يمرح ويستمتع بتلقائية غير معهودة؛ لأنه كما قال سابقًا بأنه يريد الاستمتاع بكل لحظة في الملعب، وهذا هو مفتاحه الخاص.

ذلك المفتاح الذي جعل الجميع يقع في غرام «دونشيتش» منذ الوهلة الأولى، حتى أصبح المرشح الأول لجائزة أفضل «Rookie» هذا الموسم. ورغم أنه لا يزال في بداية مسيرته، إلا أن محللي قنوات «ESPN» اعتبروه أفضل دعاية حدثت لكرة السلة الأوروبية واليوروليج منذ سنوات؛ وعليه فإننا سوف ننتظر ما سيحدث في المستقبل، لعله يعيد الزمن إلى الوراء ويقدم مع فريقه نسخة ليستر سيتي جديدة.