نشاهد طوال مدة الفيلم مباراة تمثيلية بين محمود حميدة وشيرين رضا، ربما لم نشاهد منذ فترة طويلة قصة رومانسية بسيطة كهذه، ولكن القصة على بساطتها تعطي مساحة تمثيلية للبطلين. حميدة في دور قديم جديد، فليست هذه المرة الأولى التي نشاهده فيها كمحب ولهان ولكن الجديد هنا هو المرحلة السنية، «الأستاذ محمود» هنا هو رجل على المعاش يملك دكانا صغيرا لتصوير المستندات وكتابتها، رجل وحيد لا يحدث في حياته شيء يذكر.
على الجانب الآخر نرى شيرين في دور مفاجئ للغاية، لدرجة أنك قد تجد صعوبة في التعرف عليها في مشاهدها الأولى، شيرين هنا تبتعد عن أدوارها النمطية لتلعب دور «صفية»، سيدة عجوز تحتاج لمن يساعدها على المشي، تشكو من أمراض الشيخوخة كما تعاني من الأعراض الجانبية لعلاج مرض قديم، صفية -التي تقضي أيامها وحيدة أيضا- ما زالت تحمل بقايا من جمال الماضي.
يقدم حميدة أداءً سلساً وطبيعياً بحكم قربه الشخصي من الدور الذي يؤديه، في حين تقدم شيرين دوراً بعيداً للغاية عنها، ليس فقط في المرحلة العمرية ولكن أيضا في ما يخص الطبقة الاجتماعية، قد يختلف الجمهور في تلقي دورها ولكن الأكيد أننا نشاهدها في أكثر تجاربها فرادة ومجهودا.
نوستالجيا بصرية سمعية
يقدم تامر عشري في تجربته الإخراجية الأولى وجبة ممتعة لمشاهديه على المستوى البصري والسمعي، جاءت كادرات فوتوكوبي دافئة تميل إلى تدرجات السيبيا، يصبح الأمر وكأننا نشاهد فيلما رومانسيا قديما. عزز هذا الإحساس موسيقى «ليال وطفة» الهادئة والتي مثلت رفيقاً للمشاهد طوال أحداث الفيلم، وحتى خلال تترات النهاية.
اقرأ أيضا:فيلم «شيخ جاكسون»: الشيوخ أيضًا يحبون الموسيقى
تدور الحكاية في زمننا الحاضر لكن أزياء بطلينا تبدو وكأنها قادمة من الماضي، يكفي نظرة سريعة على ملصق الفيلم الدعائي ليصلك إحساس أنك تطالع صور مجلات مصر في الستينات والسبعينات، كلمات محمود وصفية ولغتهم الجسدية قادمتان من الماضي أيضا.
وفي حين أن التفاصيل السابقة قد ساهمت في خلق جو دافئ ونوستالجي، إلا أنني وجدت تفصيلة اللغة غير موفقة، فليس من المعقول أن يستمر بطلا الفيلم في مناداة بعضهما البعض بألقاب «أستاذ محمود»، «ست صفية» بطريقة تشبه أفلام الأبيض والأسود طوال أحداث الفيلم.
حكاية مضادة للنوستالجيا
قصة هيثم دبور تدور في إطار رومانسي كوميدي، يسخر من السياقات والأدوار الاجتماعية المفروضة قسراً على أبطاله، وفي نفس الوقت يحتفي بحب المصريين القديم للحياة، يظهر هذا في ظهور نوستالجي لصالة سينما بوسط مدينة القاهرة، أو في انتظار لأن يذيع الراديو تسجيلا نادرا لليلى مراد.
تظهر السخرية أيضا على أطراف الحكاية من نشوة الوطنية الزائفة التي تغرق فيها مصر في عصرنا الحالي وما يحيط بها من تشكك وبارانويا، ومن خلال كل هذا يتعرف بطلنا على أصدقاء جدد من أجيال أصغر يشاركونه شغفه الجديد بالحياة.
القصة بسيطة ولا تفاجئنا كثيرا، تتخذ من سؤالا طفولياً حول انقراض الديناصورات محركاً ودافعاً لأبطالها نحو التحرك والاستمتاع بما تبقى من حياتهم، هذا الدافع الطفولي يبدو واقعياً للغاية في حياة أبطال كبار السن يعيدون اكتشاف الحياة في عصر جديد يتحركون في انطباعاته الأولى كما يتحرك الأطفال، وهنا تظهر معاداة النوستالجيا مصحوبة بتمرد أبطالنا على ما ينتظره المجتمع منهم.
عرض أول وصالة عرض مكتملة
شهدت العرض الأول للفيلم ضمن فعاليات «مهرجان الجونة السينمائي» امتلاء قاعة العرض الكبرى بمسرح المارينا المكشوف بالحضور، وهو ما لم يحدث في هذه القاعة طوال فترة المهرجان سوى في هذا الفيلم وحفلتي الإفتتاح والختام، نجح الفيلم إذا على مستوى الحضور، كما اكتمل نجاحه بفوزه في الختام بجائزة أفضل فيلم عربي كما ذكرنا مسبقا.
اقرأ أيضا:مهرجان الجونة السينمائي: 6 نجوم و15 فيلمًا
ذكر مدير المهرجان الناقد والسينمائي «انتشال التميمي» أن اختيار الفيلم ضمن المسابقة الرسمية قد تم لرغبة إدارة المهرجان في أن يكون عرضه ضمن فعالياته بمثابة انطلاقة لصناعه الشباب، فحدثت المفاجاة في النهاية وانتزع الفيلم إحدى أهم جوائز المهرجان.
وبينما ينتظر الجمهور الآن عرض الفيلم التجاري في قاعات العرض المصرية، ننتظر معكم ردود الفعل على هذه التجربة، كما نتمنى أن تمثل لصناعه -الذين يمثلون خليطا بين أجيال مصرية مختلفة- نقطة انطلاق لمساحات سينمائية أكثر اتساعاً وحرية.