من هو «سلمان العبيدي» منفذ الهجوم الأخير في بريطانيا؟
بعد ساعات من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في بيان رسمي تبنيه هجوم ليلة الأمس في مدينة مانشستر البريطانية، أعلنت السلطات البريطانية منذ قليل أن منفذ هجوم الأمس شاب ليبي الأصل يحمل الجنسية البريطانية يُدعى سلمان عبيدي.
السؤال الذي تم تداوله كثيرًا منذ الأمس، حتى من قبل إعلان تنظيم الدولة عن تبنيه الهجوم كان هو هل كان يعمل منفذ الهجوم بشكل منفرد؟ كخالد مسعود منفذ حادث الدهس والاعتداء بجوار البرلمان البريطاني في شهر مارس/ آذار الماضي أم كان يعمل ضمن شبكة تضم آخرين؟
المعطيات المتاحة حتى الآن لا تكفي للإجابة عن هذا السؤال، ولكن لا تشير المعلومات الأولية عن هوية منفذ الهجوم، عن شذوذ عن النمط العام الذي اتخذته العمليات المماثلة في بريطانيا، حيث جاءت الهجمات من مواطنين يحملون الجنسية البريطانية، وليس من قبل مهاجرين حديثي الهجرة أو متسللين غير شرعيين.
المعلومات المتوفرة حتى هذه اللحظة عن سلمان العبيدي
وفقا للمتحدث باسم شرطة مانشستر، فالعبيدي من مواليد 1994 أي يبلغ من العمر 22 عاماً، وهو من سكان العاصمة البريطانية لندن.
أفادت صحيفة الديلي تليجراف البريطانية أن والدة العبيدي تدعى سامية طبال وتبلغ من العمر 50 عاما، ووالده يسمّى رمضان عابدي، والأخير ضابط أمن سابق في ليبيا، والأبوان ينحدران من قبيلة العبيدات الواقعة غرب ليبيا.
هاجر رمضان العابدي وأسرته إلى لندن هرباً من نظام القذافي، قبل أن ينتقلا إلى منطقة فالوفيلد في جنوب مانشستر حيث عاشا لمدة 10 سنوات على الأقل أنجبا خلالها سلمان العبيدي وإخوته.
لدى سلمان شقيق يدعى هاشم عبيدي، يبلغ من العمر 20 عاماً، وشقيقة تدعى جمانة، تبلغ من العمر 18 عاماً. تكتب جمانة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أنها درست في ثانوية «والي رانج»، قبل أن تعمل في مسجد ديدسبيري في عام 2013.
بحسب الصحفية البريطانية ، نشأ الأبناء في منطقة والاي رينج التي تبعد أمتارا عن مدرسة محلية للبنات ذاع صيتها في عام 2015، عندما قامت طالبتان توأمتان تدعيان سلمى وزهراء حلني، بترك أسرتهما ومدرستهما وتوجهتا إلى تنظيم الدولة في سوريا.
حسبما ذكرت الصحيفة يعمل شقيق العبيدي الأكبر إسماعيل مدرسا في مدرسة القرآن في مسجد ديدسبري. وقد نقلت الصحيفة عن إمام ذلك المسجد قوله إن سلمان العبيدي أظهر له «وجه الكراهية» عندما أطلق الإمام تحذيرا حول مخاطر ما يسمى بالدولة الإسلامية.
الأعضاء البريطانيون في تنظيم الدولة
في مطلع آيار/ مايو الجاري أشارت صحيفة الديلي تليجراف أيضاَ إلى أن حوالي ثلاثمائة بريطاني لا يزالون يقاتلون مع التنظيم، بعضهم في العراق و سوريا. حيث نقلت الصحيفة عن المنشق البريطاني ستيفان أريستيدو – 23 عاما من مدينة إنفيلد- قوله إن معظم أفراد التنظيم البريطانيين لم يكونوا جنود مشاة، بل كانوا مسئولين عن وسائل إعلام ودعاية داخل التنظيم، وكانت لهم أدوار أعلى.
وقد أشارت الصحيفة إلى أن الأخير كان قد غادر بريطانيا مع صديقته كلثوما بيغوما البريطانية من أصل بنغالي بعد أن اعتنقت الإسلام في أبريل/نيسان 2015، وانتقلا للعيش في سوريا، حيث استقرا في مدينة الرقة وتزوجا هناك.
كما لمحت الصحيفة إلى أن ما بين 850 و1000 بريطاني انضموا للتنظيم وجماعات جهادية أخرى، وعاد نحو نصف هذا العدد إلى بريطانيا، أكثر من مائة من هؤلاء يعتقد بأنهم قتلوا.
نبهت الصحيفة أيضاً إلى وجود مخاوف من أن أولئك الذين لا يزالون في سوريا يمكن أن يخططوا لهجمات إرهابية في بريطانيا.
الأوروبيون الجهاديون: الوجه الآخر للعولمة
كنا قد أشرنا في تقرير سابق إلى تحليل قدمه الباحث الفلسطيني بكلية هارتفرد بجامعة أكسفورد هاني عواد في معرض تناول هجمات باريس العام الماضي، وهو تحليل يبدو من المفيد استدعاؤه بعد مثل هذا النمط من الهجمات، يذكر عواد خلاله أن العوامل الثقافيّة لها أهمية خاصّة في دراسة مختلف الظواهر الاجتماعيّة بما فيها العنف. ولكن هذا لا يعني كما يقول جوْهرةَ الثقافة بالنهاية والتعامل معها وكأنّها مفصولة عن ظروفِ إنتاجها الاجتماعيّة.
فالحركات الاجتماعيّة وأعمال الاحتجاج سواء كانت سلميّة أو عنيفة بحسب عواد، مصدرها ومحرّكها بحسبه في الغالب هو عوامل محليّة حسبما يقول. لأنه وفي عصرِ العولمة وانتشار وسائل الإعلام والتواصل رغم أن النّاس يتأثرون بغيرهم ويُقلّدون أو يُحاكون استراتيجيات وتجارب احتجاجيّة أخرى في العالم كما يذكر، ولكنّهم ما يفعلون ذلك غالبًا بحسبه، للإجابة على تساؤلات تخصّ ظروفهم المباشرة.
بحسب عواد فإنه عند وقوع أحداث عنفٍ في أوروبا أو في أمريكا، يبدأ بعض المحللين الحديث بإطنابٍ عن دور العولمة بتحويل المحليّ إلى عالميّ. حيث هنالك سيل جارف من الدراسات والمقالات كما يقول، تخلصُ إلى نتيجةٍ مفادها أن الإسلام الجهادي بدأ كظاهرةٍ محليّة في أفغانستان ثمّ تحوّل بفعل وسائل الاتصال إلى ظاهرة عالميّة.
ولكنّ أغلب هؤلاء ينسى أو يتناسى كما يقول إن الوجه الآخر للعولمة (Globalization) هو ما يُسمّى في العلوم الاجتماعيّة «التبيئة» (Localization)، وهي العملية التي يربطُ من خلالها النّاس في مُدنهم وقراهم العالميّ بالمحليّ ويصبحون قادرين على إيجاد علاقة حقيقية أو متوهّمة بين ما يحدث في القاهرة أو دمشق أو كابول وبين ما يحدث في باريس أو لندن أو نيويورك، ويوّحدون بالتالي بين الأعداء هنا وهناك.
لهذه الأسباب يذهب عواد إلى أن الادعاء بأنَّ ثمّة ثقافةً إسلاميّة أو جهاديّة أو وهّابيّة ذات طابعٍ عالميٍّ حرّكت مسلمين لارتكاب أعمال إرهاب في باريس أو غيرها هو مغالطة منطقيّة، فالثقافات كما يقول لا تنتقل بالعدوى.
بحسب عواد أيضاً، فإنه إذا كان هنالك من ثقافة حرّكت هؤلاء لارتكاب أعمال العنف الدينيّ والإرهاب فإنّها ستكون بحسبه ثقافةً فرنسيّة بالنهاية، أي ثقافة المهمّشين الفرنسيين التي تحاول الردّ على التمييز والإقصاء الاجتماعيّ والطبقيّ باستراتيجيّاتٍ تلجأ إلى الجريمة والعنف الدينيّ وسياسات الهوية.
و نلاحظ هنا أن جميع منفذي الهجمات في بريطانيا منذ هجمات مترو الانفاق في عام 2005 مرورا بحادث الدهس والطعن بجوار البرلمان البريطاني وصولاً إلى الحادث الأخير هم مواطنون يحملون الجنسية البريطانية، حيث عاشوا وترعرعوا، بجانب كونهم مسلمين حديثي التدين.
وهو ما يتساوق مع تحليل عواد في تحليله للهجمات في فرنسا، في أن القاسم المشترك لدى معظم من كُشف عنهم ممن شارك فى هذه الهجمات المماثلة حتى الآن هو أنهم فرنسيون حديثو التدين، وهو ما لا يبتعد بنا كثيراً بالنهاية عن التجربة البريطانية، التي تم صقل تجربتها المؤلمة مرة أخرى بحادث البارحة المؤسف.