أشهر المغالطات المنطقية: كيف تحمي عقلك من ترهات المضللين؟
لم يعد تعلم المغالطات المنطقية رفاهية بعد الآن، وخصوصًا في عصر الشائعات الذي نعيش فيه؛ فمع كثرة وسائل الإعلام والجدالات المطروحة يومًا بعد يوم، نجد أن حاجتنا للمنطق السليم تزداد شيئًا فشيئًا. وفي هذا المقال، سنتعرف على المغالطات المنطقية، ولماذا يجب أن نتعرَّف عليها، كما سنعرض أمثلة على أشهر المغالطات المنطقية وأكثرها شيوعًا.
ما هي المغالطة المنطقية؟
يُمكننا تعريف المغالطات المنطقية على أنها «حجج واهية يستدل بها المُتحدِّث ليبرهن على صدقه». ويكثر استخدام المغالطات المنطقية بين مُروِّجي نظرية المؤامرة، سواء بعلم أو دون علم، فمثلًا إذا سألت أحد المعتقدين بأن «الماسونية» منظمة سرية شريرة تتحكم في العالم عن صدق هذا الادعاء، فسيرد عليك بكل ثقة: «لأنها منظمة سرية»، وهذا الجواب في حد ذاته غير مقنع على الإطلاق، ويُطلَق عليه مغالطة «الاستدلال الدائري»، حيث استند صاحب الجواب على السؤال نفسه في جوابه، وهذا غير منطقي؛ فعندما سُئل عن دليله على أن الماسونية سرية، قال لأنها سرية.
أمَّا حول أهمية دراسة المغالطات المنطقية، وبالأخص على مستوى المجتمعات، فإننا نجد أنفسنا نعيش في ظل «فيروس كورونا»، والذي تسبَّب في نشر الشائعات في جميع أرجاء العالم؛ فلك أن تتخيل الكم المهول من الأشخاص الذين ماتوا بسبب شائعة ما مثل شائعة الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب.
فلو تمسَّكنا بالمنطق منذ البداية، واستطعنا تحكيم العقل وتفنيد الادعاءات الباطلة التي تتناثر هنا وهناك، لما وصلنا لهذه المرحلة، لهذا يجب أن نبدأ من الآن ونحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه.
1. مغالطة رجل القش «Straw Man Fallacy»
أصل تسمية هذه المغالطة يعود إلى «دمية رجل القش» في العصور الوسطى، حيث كانت تُستخدَم هذه الدمية لكي تمثل الخصم، ويتم ضربها بالسيف، وهذه الدمية لا تزال تُستخدَم في العديد من المناسبات إلى الآن، مثل المظاهرات السياسية أو الاحتجاجية.
تحدث المغالطة عندما يستبدل شخص ما بحجة الشخص القوية – بطريقة أو بأخرى – حجة أخرى واهية، ثم يُوجِّه دفة النقاش إلى الحجة الضعيفة ليقوم بتحطيمها بسهولة ويعلن انتصاره على خصمه، وهناك طريقة أخرى، وهي عن طريق تناول الجوانب الضعيفة في الحجة القوية ويبني عليها المغالط خلال باقي النقاش، ويُهمِل تفنيد الجوانب الأخرى، وقد يحدث ذلك بعمد وبطريقة ماهرة، أو بدون عمد.
ومن أمثلة مغالطة رجل القش:
هنا نجد أن الشخص (أ) لم يقل بخطأ التطور، ولكنه فقط تحدَّث عن النظرية كواحدة من نظريات عديدة تفسر تنوع الحياة على الأرض، على الرغم من ذلك قام الشخص (ب) بافتراض أن (أ) ينكر الحقائق العلمية ويُكذِّب نظرية التطور، ثم بنى النقاش على هذه النقطة.
قامت الزوجة باستنتاج أن زوجها يكره الكلاب بسبب تفضيله للقطط، على الرغم من أنه لم يقل ذلك، هو فقط فضَّل القطط.
2. مغالطة المصادرة على المطلوب «Begging The Question»
يعود أصل هذه المغالطة إلى جملة أرسطو petitio principii، والتي تعني «افترض الاستنتاج»؛ فإذا قمت بالتسليم بالمسألة المطلوب البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها، فقد وقعت في مغالطة المصادرة على المطلوب.
هذه المغالطة تعد نوعًا من الاستدلال الدائري – تحدثنا عنه في بداية المقال – حيث يقوم الشخص بافتراض صحة القضية ويضعها بشكل ضمني في برهانه. ربما لم تستوعب الأمر، لكن لا تقلق، فالأمثلة ستوضح كل شيء.
كم من السهل أن تجعل المقدمة شكلًا من أشكال النتيجة التي تريد الوصول إليها، حتى إن لم تلحظ ذلك، فمثلًا:
هذا الادعاء يعني ببساطة أن العدل يتطلب زيادة الأجور، لأن العدل يتطلب زيادة الأجور.
أيضًا هذه الجملة تعني أنني لا أكذب لأنني لا أكذب.
3. مغالطة الاحتكام إلى السلطة «Appeal to Authority»
يقع المرء في هذه المغالطة عندما يأخذ بصحة ادعاء لا سند له إلا سلطة قائله. فحتى إن كانت الفكرة صائبة، فإن المغالطة تكمن في اتخاذ السلطة بديلًا عن البينة.
إن الاحتكام إلى سلطةٍ ما في حد ذاته لا بأس به؛ فإننا نلجأ للطبيب عندما نمرض على سبيل المثال، ولكن المشكلة تكمن عند الاحتكام في هذه الشروط:
- إذا كان الاحتكام إلى السلطة غير ضروري.
- إذا كانت الدعوى غير داخلة في مجال خبرة الشخص الذي يُحتكَم إليه كسلطة.
- إذا كان هناك خلاف بين الخبراء في المسألة المعْنِيَّة.
- إذا كان الخبير مُتحيزًا أو تكتنفه شبهة التحيز.
- إذا كان مجال خبرة ذلك الخبير هو علم زائف أو مبحث معرفي غير مشروع.
- إذا كانت الخبرة، أو الفتوى، غير معاصرة.
- إذا كان الخبير المزعوم مجهولًا أو غير محدد.
والأمثلة على هذه المغالطة لا حصر لها، فعلى سبيل المثال:
4. مغالطة الشخصنة «Ad Hominem Fallacy»
أكاد أجزم ألَّا أحد سَلِم من هذه المغالطة، سواء ارتكبها أو وقع فيها، فهذه المغالطة مُفصَّلة على مجتمعاتنا العربية تفصيلًا، بل إننا سئمنا من كثرة المرات التي جمعتنا بهذه المغالطة.
هناك أنواع عديدة من الشخصنة، مثل الشخصنة المُهينة، وهذا النوع هدفه إحراج الخصوم وإرباكهم بغرض الفوز بالنقاش، فمثلًا:
النوع الثاني من الشخصنة هو الشخصنة الظرفية، حيث يتم ربط ظروف معيشة شخص ما بالحجة نفسها.
أمَّا عن النوع الثالث فهي الشخصنة الانعكاسية؛ عن طريق قلب الطاولة على المتحدث، على سبيل المثال:
5. مغالطة الرنجة الحمراء «Red Herring Fallacy»
سُميت هذه المغالطة بالرنجة الحمراء نسبةً للحيلة التي يستخدمها الهاربون من الشرطة عن طريق تضليل الكلاب «البوليسية» برنجة حمراء.
متقنو هذه المغالطة يتفنَّنون في مراوغة ضحاياهم في أزقة النقاشات ليلهوهم عن الموضوع الأصلي للنقاش، بطرق عديدة، مثل إلقاء موضوع لافت في وسط النقاش الأصلي.
وهناك مغالطة أخرى شبيهة لمغالطة الرنجة الحمراء تُدعى «مغالطة تجاهل المطلوب»، والفرق بينهما أن في مغالطة «تجاهل المطلوب» يتم الظفر بنتيجة ما، ولكنها غير المطلوبة. أمَّا في مغالطة الرنجة الحمراء، فإن الحجة تنحرف أصلًا عن مسارها الطبيعي، وهناك أمثلة كثيرة على مغالطة الرنجة الحمراء، فمثلًا:
بالطبع نرى ما يحاول المدافع عن الماريجوانا فعله هنا، فهو يرمي النقاش بعيدًا عن الماريجوانا عن طريق الانتقال للخمر وأضراره.
صديقنا هنا انتقل من الحديث عن القهوة إلى شركة «نستله» وحليبها، رنجة حمراء.
طبيعتنا البشرية
في النهاية نحن البشر نحب الفوز، الفوز في كل شيء، وسواء أردنا أم لا، فإننا نجتمع مع المغالطات المنطقية، نُوقِع فيها غيرنا ونقع فيها بقصد أو بغير قصد.
ما يجب أن نعلمه يقينًا هو أن قدرتنا كأفراد، وبالأخص كمجتمعات، على تفنيد البديهيات العقلية وتمييزها من بين كل الهراء المنتشر، سيجنبنا أضرارًا نحن في غِنًى عنها، ففي غياب التفكير النقدي تقع ضحية عقلك الباطن والمؤثرات المحيطة، ولا يسعنا إلا أن نُكرِّر تكرارًا أعمى كل ما يُقال لنا عن طريق المزامير الاجتماعية، أو السياسية، أو حتى الدينية.