ليفربول 3-0 مانشستر سيتي: روبن هود يكسر عظام جوارديولا!
نجح ليفربول في الانتصار علي خصمه مان سيتي بثلاثية نظيفة، فوز استحقه رفاق «محمد صلاح» بعد أداء شرس وعمل فني كبير من «كلوب»، الألماني الذي أصبح أكثر المدربين فوزًا على «جوارديولا» برصيد 7 مواجهات، ليضع الفريق الأحمر، بذلك الفوز، قدمًا في نصف نهائي البطولة الأوروبية، وتنتظر جماهيره بطاقة العبور رسميًا من مباراة العودة إذا ما نجحوا بالصمود أمام الطوفان السماوي على ملعب الاتحاد.
بعد أن خرجت قرعة دور الـ8 بمسابقة دوري الأبطال، لم يكن أحد يشك أن مواجهة بعينها ستجمع – حتمًا – ما يكفي من الحيوية والتهديف لأجل انتظارها، هكذا كان الجميع يترقب ماذا ستسفر عنه جولة جديدة من مباريات مان سيتي وليفربول، تحت ولاية الثنائي: «بيب جوارديولا» و«يورجن كلوب».
فبعد أن فاز السيتي على ليفربول بخماسية مطلع هذا الموسم، عاد الريدز ليحقق الانتصار الوحيد لفريق إنجليزي على كتيبة «جوارديولا» هذا الموسم بنتيجة 4/3، لذلك حملت مباراة الأمس تحديًا من نوع خاص بين فريقين يقدمان كرة قدم هجومية من أمتع ما يكون.
قبل صافرة البداية: جوارديولا يتفلسف
كان التشكيل الذي بدأ به «يورجن كلوب» المباراة متوقعًا إلى حد كبير، فمع إصابة كل من «إيمري تشان»، «أدم لالانا»، «جويل ماتيب» بالإضافة إلى «جو جوميز»، بدا أن المدرب الألماني لا يمتلك الكثير من الخيارات لبدء المواجهة.
لم يتخلَ الأخير عن أسلوب لعب 4/3/3 دافعًا بكل من «تشامبرلين» و«ميلنر» في وسط الملعب، و«لوفرين» في قلب الدفاع، لتعويض تلك الغيابات التي ضربت فريقه، كما جدد الثقة في الشاب «أليكساندر أرنولد» بمركز الظهير الأيمن بالرغم من ظهوره بشكل دفاعي سيئ بمواجهات الريدز الأخيرة.
في المقابل، كان تشكيل «بيب جوارديولا» مفاجئًا للغاية، فقد دخل الكتالوني المباراة برسم تكتيكي يقترب من 4/2/3/1، بدأت المفاجآت عندما اختار «بيب» البدء بالمدافع «إيميريك لابورت» في مركز الظهير الأيسر، لم يكن الهدف من الدفع باللاعب الفرنسي سوى محاولة إيقاف خطورة «محمد صلاح» في التوغّل لمناطق السيتي!
أما ثاني المفاجآت فكانت من نصيب «جندوجان»، فقد بدأ المباراة على حساب «رحيم ستيرلينج»، ولكن بتوظيف مختلف تمامًا، فلم يلعب الألماني كجناج أيمن ينطلق على امتداد الخط، ولكن كلاعب وسط حر. أراد «جوارديولا» من ذلك ضمان الهروب من الضغط الهستيري الذي تنفذه كتيبة «كلوب» بكفاءة، فقرر الدفع بأكبر عدد من لاعبي الوسط أصحاب القدرة على التحكم بالكرة وصناعة الهجمات، فلعب بالثنائي «دي بروين، فرناندينيو» خلف «سيلفا، جندوجان»، فيما ينطلق «ساني» على الرواق الأيسر، ويلعب الظهير «واكر» بأدوار هجومية على الجانب الأيمن.
الشوط الأول: كيف تقوم بثورة في 30 دقيقة؟
بدأ الفريقان المباراة، كما هو معتاد، بنشاط كبير. السيتي أراد الاستفادة من المستويات الرائعة التي يقدمها «ساني»، واستغلال الهفوات القاتلة التي ارتكبها نظيره «أرنولد» مؤخرًا، فتركزت محاولات المواطنين الهجومية على الطرف الأيسر، أولى تلك المحاولات كان بالدقيقة الخامسة عندما نجح «ساني» في تجاوز ثلاثة من لاعبي الريدز متغولًا داخل منطقة جزاء خصمه في مشهد لن يتكرر كثيرًا على مدار عمر المباراة.
في المقابل، كانت أولويات ليفربول واضحة للغاية، وهي استغلال نفس تلك الأدوات التي كتبت لهم النصر علي كتيبة «جوارديولا» في الملعب ذاته يناير الماضي، لذلك فقد اعتمد رفاق «هيندرسون» على تطبيق منظومة الضغط المرتفع في مناطق السيتي بهدف استخلاص الكرة سريعًا، بالإضافة إلى تهديد مرمى «إيدرسون» بشكل مباشر عن طريق التسديد القوي من مسافة بعيدة، إلى جانب التحولات الهجومية القاتلة التي تعتمد على السرعات بخط هجوم ليفربول، والمساحات بوسط ملعب السيتي؛ المثير أن «جوارديولا» ولاعبيه لم يتعلموا من هفوات آخر مباراة جمعتهم بالريدز، بل إن ليفربول نجح في الاستعانة بكل تلك الأدوات في سبيل قتل المباراة فقط في ثلاثين دقيقة!
تقول الأرقام إن السيتي فقد الكرة 7 مرات بوسط ملعبه خلال الـ30 دقيقة الأولى، وفشل رباعي خط وسط الفريق السماوي في مراوغة لاعبي ليفربول سوى في مرة وحيدة، وهو أمر يكشف عن نجاح «كلوب» في عرقلة بناء «جوارديولا» لهجماته، وبالتالي عزل أهم لاعبيه عن التوغل بمناطق ليفربول، تخيّل مثلًا أن «جبريال خيسوس» لم يلمس الكرة أبدًا داخل منطقة جزاء «كاريوس»!
النصف ساعة الأولى كانت كافية أيضًا للكشف عن خسارة «جوارديولا» لرهانه على «جندوجان»، فقد بدا اللاعب الألماني غير قادر على تأدية أدوار لاعب الوسط الحر الذي ينطلق لعمق منطقة جزاء خصمه، بل ظهر تائهًا لا يعرف متى يتقدم أو يتراجع، لذلك فإن كل تمريراته جاءت إما بعرض الملعب أو إلى الخلف. ما ضاعف مشكلات السيتي الهجومية هو ظهور «ديفيد سيلفا» بشكل سيئ جدًا، وانحسر تأثيره في تمريرة يتيمة بهمجة مرتدة أنهاها «ساني» برعونة غريبة.
أما ليفربول، فقد كان شديد الخطورة هجوميًا، ولم تفلح محاولات «جوارديولا» في تعديل بعض مراكز لاعبيه في عرقلة جبهة «صلاح، تشامبرلين»، اللاعب المصري تمكن من افتتاح التسجيل عن طريق هجمة مرتدة قادها وأنهاها بمساعدة «فيرمينو»، ونجح أيضًا في صناعة الهدف الثالث لفريقه من كرة عرضية نفذها بمهاراة لـ«ماني» مسجلًا الهدف الثاني، أما «تشامبرلين» فقد أطلق تسديدة صاروخية مكررًا هدفه مطلع العام في شباك «إيدرسون» معلنًا عن الهدف الثالث وحسم المباراة، الثنائي «صلاح-تشامبرلين» نجح أيضًا في خمس مراوغات بنسبة 100% علي الرواق الأيمن، وهو ما يكشف إجمالًا عن قوة شخصية وجماعية كبيرة لكتيبة «كلوب».
الشوط الثاني: ماذا حدث يا أرنولد؟
إذا كنت، عزيزي القارئ، أحد مشجعي ليفربول، فبالتأكيد كان أكثر ما تخشاه قبل بدء المباراة هو تلك المواجهة التي ستجمع «أليكساندر أرنولد» بـ«ليروي ساني»، خصوصًا عندما يتحرك الألماني باتجاه المساحة بين «أرنولد» وزميله «لوفرين» مستقبِلًا تمريرات خرافية من «دي بروين»، ثم يبدأ الألماني بتحويلها لعرضيات كابوسية على مرمى «كاريوس».
ولعل قلقك تزايد بين شوطي المباراة، عندما أدركت أن «جوارديولا» سيستنفد كل ما يملك في سبيل تسجيل هدف واحد على الأقل يحافظ به على حظوظه الأوروبية، ومع التراجع الذي أصاب «سيلفا»، وتوهان يسيطر على «جندوجان»، بدا أن «ساني» سيكون مَنفَذْ السيتي الأول على الملعب إلى ثلث ليفربول الدفاعي، وبالتالي فإن الضغوط ستنهال على «أرنولد» الذي يعاني كثيرًا في الحالة الدفاعية.
بدأ الشوط الثاني، بسيطرة واستحواذ لمان سيتي، في مقابل تراجع وحذر من جانب ليفربول، راهن «جوارديولا» على أن الضغط الهجومي سيتسبب حتمًا في ثغرة بخط ظهر دفاع كليفربول: لا يمتلك سمعة جيدة في الرقابة والتغطية، بينما كان «كلوب» ينتظر من لاعبيه أن يتحلوا بالتنظيم الدفاعي القادر على الصمود في مواجهة الطوفان السماوي المتوقع.
لم تمر الدقائق العشرة الأولى من الشوط الثاني، وكان «بيب» يجري أولى تبديلاته بنزول «ستيرلينج» بدلًا من «جندوجان» في تصحيح متأخر للغاية لاختياراته من البداية. هنا تحديدًا اعترف الإسباني بفشل رهانه عندما ظهر خط دفاع ليفربول قويًا ومتماسكًا أمام محاولات فريقه، فلجأ إلى إضافة جناح صريح بهدف تعريض الملعب وتنويع صناعة الهجمات.
الجدير بالذكر هنا هو أن «أرنولد» خيّب كل تلك الظنون. الشاب الإنجليزي لعب بتركيز وجديّة شديدة، وأعاق «ساني» كثيرًا عن تهديد مرمى فريقه. فعلى مدار الشوط الثاني، نجح «أرنولد» في اعتراض الكرة 5 مرات على الرواق الأيمن، وقام بتشتيت الكرة 5 مرات أخرى، ثلاثة منها داخل منطقة الجزاء وأثناء التغطية العكسية. وهو ما يدفعنا للتساؤل: كيف اختلف أداء «أرنولد» من ثغرة دفاعية بليفربول إلى أكثر من قام بتدخلات ناجحة؟ هل بالفعل نجح «كلوب» في معالجة مشكلات لاعبه أم أن أداءه هذه المرة يعد استثناء قد لا يتكرر بالضرورة لاحقًا؟! هذه واحدة من الأسئلة المثيرة التي ستجيب عنها الجولات المتبقية هذا الموسم.
خريطة توضح أن أرنولد كان أكثر لاعبي المباراة إعتراضًا للكرة طوال الشوط الثاني.
لا ينبغي أن ننسى الأداء الجيد لكل من «روبيرتسون»، بالإضافة إلى الثنائي «هيندرسون-ميلنر». فالأول يثبت مباراة بعد الأخرى أنه أحد أفضل الأظهر حاليًا بالدوري الإنجليزي، وكان جديرًا بثقة مدربه الألماني عندما تعاقد معه أولًا، ثم منحه مقعدًا أساسيًا ثانيًا، فحتى بعد نزول «ستيرلينج» لشغل الجانب الأيمن، كان «روبيرتسون» بالمرصاد لمحاولات السيتي، ونجح في مجاراة سرعة الشاب الإنجليزي الذي اقتصرت محاولاته على بعض المراوغات بلا أي فاعلية تحت صافرات الاستهجان من جمهور الأنفيلد.
أما ثنائي وسط ملعب ليفربول، فقد كان عاملًا أساسيًا طوال الشوطين في الصورة الدفاعية الجيدة التي ظهرت عليها كتيبة «كلوب»، أغلب قرارات الثنائي من التحام وتمركز وتمرير كانت موفقة وفعالة جدًا في تفادي خطورة وسط السيتي، ولابد أن غياب «هيندرسون»، في حالته البدنية والفنية الحالية، عن مباراة العودة للإيقاف سيحتل نصيبًا من تفكير «كلوب» خصوصًا إذا لم يتعافَ «تشان» قريبًا.
روبن هود بين الأسهم والبازوكا
لـ«يورجن كلوب»مقولة طريفة عندما سألوه ذات يوم عن الفارق بين بايرن ميونخ ودورتموند، ليجيب المدرب الألماني أن كل شيء يسير على ما يرام في دورتموند، الفريق الأصفر يشبه المحارب الذي يمتلك قوسًا جيدًا، وعددًا وافرًا من الأسهم، ويجيد قبل ذلك التسديد نحو أهدافه، لكن المشكلة الفعلية أن بايرن ميونيخ لا يمتلك نفس السلاح وهو القوس والأسهم، بل يمتلكون «بازوكا حربية».
في بدايات «كلوب» مع ليفربول، أطلقت عليه الصحافة اسم «روبن هود»، وهو بطل أحد الأساطير الإنجليزية كان يقاوم الأثرياء ويسرق طبقة النبلاء، ثم يوزّع العطايا على الفقراء والمشردين، وكان سلاح «روبن هود» بالمناسبة هو القوس والأسهم، إذ كان «يورجن» يحقق انتصارات على كبار الدوري كتشيلسي، مان يونايتد، مان سيتي، وأرسنال، ثم يذهب فيخسر من فرق كويست بروم، بيرنلي، سوانزي سيتي وغيرها ممن تتذيل جدول الترتيب. حتي وصل الحال أن قطاعًا من جمهور ليفربول كان يطمئن كلما علم أن الخصم القادم أحد هؤلاء الكبار، أصحاب الأسماء اللامعة والميزانيات الضخمة، ويخاف أن يتعرض فريقه لهزيمة كلما بدا الخصم صغيرًا، بلا تاريخ ولا حاضر.
المشكلة الحقيقية أن فقدان النقاط بالبريمرليج أمام الصغار، يعني بالضرورة عدم الفوز به حتى لو تمكن من الانتصار على كل الكبار، وبالتالي حاول «كلوب» علاج تلك الأزمة هذا الموسم، لم تُحل المشكلة بالكامل من دون شك، لكن بدأ تحسنًا واضحًا.
في التشامبيونزليج تبدو المعادلة مقلوبة، إذ كل من سيصطدم بهم «كلوب» في الأدوار الإقصائية هم بالضرورة أندية كبيرة، ستهاجم وتستحوذ على الكرة وتترك خلفها مساحة لا بأس بها، وبالتالي إذا نجح «يورجن» في تجاوز السيتي من مباراة العودة سيكون ضيفًا ثقيلًا على المتأهلين بنصف النهائي، قد لا ينجح بالصعود إلى النهائي، لكن من المرجح أنه لن يمنح لخصمه المنتظر بطاقة العبور إلى كييف على طبق من ذهب.