هل فكرت يومًا في ردة فعلك إذا أخبرك أحدهم أن ناديك كان على وشك التعاقد مع ليونيل ميسي، لكنهم تراجعوا بمحض إرادتهم في النهاية؟

حسنًا لتخفف عن نفسك، كرة القدم تلعب بـ ١١ لاعبًا، وقد لا ينجز ميسي ما تتخيله. لكن ماذا لو أخبرتك أن أحدهم فعل جريمة مشابهة في لعبة تلعب فقط بـ 5 لاعبين على أرض الملعب، ومن بعدها تاريخهم من البطولات صفر، وهذا اللاعب بات الأفضل في التاريخ. هذا تقريبًا ما حدث عام 1984 في الـ«NBA».

تعرَف عملية اختيار اللاعبين الوافدين للـ«NBA» بنظام الدرافت. ووفقًا لترتيب الأندية في الموسم السابق، يتحدد دورها في الاختيار(الأسوأ يختار أولاً). كان درافت عام 1984 مليئًا بالأساطير المستقبلية، حكيم أولاجوان، تشارلز باركلي، ومايكل جوردان.

بعد اختيار فريق «هيوستن روكيتس» لحكيم أولاجوان، أتى الدور على فريق «بورتلاند بليزرز» الذين فوتوا فرصة التوقيع مع جوردان، ليذهب إلى شيكاغو بولز وكما يقولون «The rest is history».

الغريب، أن «بورتلاند» لم يكونوا الوحيدين في ارتكاب تلك الجريمة، بل تبعتهم شركة «أديداس» للأحذية والملابس الرياضية. ووفقًا للعديد من المحللين، فإن تفويت أديداس للتعاقد مع «مايكل جوردان» كان سببًا في تغيير شكل السوق في المستقبل بشكل كبير.

مخاطرة العمر

كان سوق الأحذية الرياضية مختلفًا عن وضعه الحالي. كانت «أديداس» الرقم واحد، و«Converse» الشريك الرسمي للـ«NBA»، ويرتدي أحذيتها العديد من النجوم، على رأسهم لاري بيرد، وماجيك جونسون، وأيزيا توماس، أما «نايكي» فكانت شركة صاعدة آتية من بعيد.

وعلى الرغم من القفزة التي حققتها أرباح «نايكي» من 28.7 مليون دولار إلى 867 مليون دولار، بين عامي 1973 و1983، إلا أن عام 1984، شهد بداية هبوط أسهم الشركة، بتحقيق أول خسارة لها في الربع الأول من العام. وهنا، أخذ مدير التسويق «روبي ستراسر» بالبحث عن تعاقد ينعش الوضع، ووقع اختياره على الشاب «مايكل جوردان».

كان «جوردان» مجرد لاعب صاعد قادم من دوري الجامعات، معقودة عليه آمال كثيرة، لكنها تظل مجرد احتمال، قد ينجح وقد يفشل. لكن ذلك لم يمنع «مايكل» ووكيله، من المبالغة بطلباتهم من «نايكي»، خط إنتاج خاص بعلامة تجارية خاصة، مع دعم تسويقي، إضافة لنسبة من عائد بيع المنتجات. ورغم التحذيرات، كان «ستراسر» مستعدًا للمخاطرة والرهان على «جوردان»، لكن الأخير لم يكن مستعدًا.

إذ كانت رغبته بالتوقيع مع «أديداس»، فقرر «ستراسر» محاولة إقناعه عبر عرض تقديمي «Presentation» يشرح له كيف ستبني «نايكي» صورته، مع منحه المزايا التي يحلم بها، لكنه ذهب لأديداس وطلب منهم معادلة العرض، أو الاقتراب منه. لتتقمص «أديداس» دور «بورتلاند بليزرز» ويفوّتوا الفرصة، ومرة أخرى «The rest is history».

مبيعات منتجات مايكل جوردان
مبيعات منتجات مايكل جوردان
/ CNBC

حقق خط إنتاج «AIR JORDAN» مبيعات خيالية، وصلت إلى ارتكاب أحدهم جريمة قتل لسرقة الحذاء. حينها ظهر غلاف مجلة «Sports illustrated» الشهير في عام 1990 بعنوان «حذاؤك أو القتل؟» وكان «جوردان» هو حجر الأساس الذي انطلقت منه «نايكي» للسيطرة على السوق، عبر اقتناص أيقونات الرياضات المختلفة.

الرياضيون في الألعاب الفردية أهم من الفرق، لأن الناس يرونهم كأبطال، حيث يمثلون لهم رموزًا لما لا يستطيع الشخص العادي فعله؛ المخاطرة والفوز.

ليبرون جايمس، وكوبي براينت، وكيفين دورانت في كرة السلة، روجير فيدرر -سابقًا- ونادال وسيرينا ويليامز في التنس، وتايجر وودز في الجولف، وغيرهم. ذلك عملاً بمبدأ مدير التسويق «روبي ستراسر» الذي رأى القوة التسويقية المهولة لهؤلاء الرياضيين.، تلك القوة التي ساعدت نايكي على إتمام تعاقدها مع ليفربول فيما بعد.

قوة لا يمكن قياسها

كانت «نايكي» محظوظة عندما قدمت عرضها لرعاية قميص ليفربول، إذ كان المنافسون يتساقطون واحدًا تلو الآخر دون تدخل منهم. بالنسبة لأديداس، لم ينسَ ليفربول عدم تجديدهم للتعاقد في عام 2012، والذي أتبعوه بتصريح وصف الريدز بالمبالغة في تقدير قيمتهم. أما «بوما»، فقد فازت بقميص المنافس، مانشستر سيتي في صفقة وصلت لـ 650 مليون باوند، بدايةً بعام 2019 حتى 2029.

وعليه، انحصرت المنافسة بين «نايكي» والراعي الحالي «New Balance»، الذي كان يقدم لليفربول 45 مليون باوند سنويًا. بينما عرضت «نايكي» 30 مليون باوند سنويًا، بالإضافة إلى حملات تسويقية أكبر، مع نسبة 20% من عوائد بيع منتجات الفريق، مما أوصل قيمة العرض إلى ما يقارب الـ 70 مليون باوند، ليصبح اختيار «نايكي» أكثر منطقية، حتى قررت «New Balance» تعقيد الأمر.

قررت «New Balance» استغلال بند المطابقة «matching clause»، الذي يمنحها أولوية تجديد التعاقد بشرط معادلة قيمة العرض الآخر. ورغم رفع العرض إلى 70 مليون باوند، قرر ليفربول التوقيع مع «نايكي» مدعيًا عدم مطابقة «New Balance» لكافة الشروط، فذهب الطرفان إلى المنازعة قضائيًا.

أتى الحكم في صالح ليفربول ونايكي، بعد اقتناع القاضي بعدم قدرة «New Balance» على مجاراة نايكي تسويقيًا، وتحديدًا ذلك البند المتعلق باستغلال ثلاثة من أبرز نجومها للتسويق لليفربول. الثلاثي هم «ليبرون جايمس»، و«سيرينا ويليامز»، والمغني الكندي «دريك».

ورغم زعم «New Balance» بأن قيمة الثلاثي غير قابلة للقياس -بخلاف تخصيص مبلغ معين للحملة التسويقية- إلا أن القاضي رأى أن أفضل وأشهر لاعب كرة سلة في العالم، واللاعبة المسيطرة على التنس النسائي لـ20 عامًا، إضافة للمطرب الأكثر مبيعًا على مستوى العالم لعامي 2016، و2018، كافون لمنح نايكي أفضلية تسويقية لا يمكن مجاراتها، وبالصدفة كان ذلك ما سعى إليه «روبي ستراسر» عند التوقيع مع «مايكل جوردان» في عام 1984.

القطعة الناقصة

قد تكون صفقة نايكي هي أكثر خطوة مثالية لليفربول في الوقت الحالي. ليس لأنها وضعته في مقدمة الوجهات المحتملة لكليان مبابي -باعتباره أحد أهم عملاء نايكي- فقط، ولكن لأنها القطعة الناقصة لإتمام ما بدأته الإدارة، بعد أن أصبح الريدز مثالاً يحتذى به في استخدام البيانات والإحصائيات في التخطيط والتعاقدات، وعاد الفريق إلى القمة، محليًا وقاريًا، ولم يتبقَ سوى الناحية التجارية.

لقد سرقنا الصدراة من ليفربول، ولن يستطيعوا اللحاق بنا أبدًا، أقصد تحديدًا تلك الفجوة التجارية والتسويقية بيننا وبينهم. هم لا يدركون تلك الفجوة بالشكل الصحيح، ولا يعيّنون أشخاصًا مناسبين للتعامل معها.
«إدوارد فريدمان» المدير التنفيذي السابق لمانشستر يونايتد

لم يكن «فريدمان» يدرك ما سيحمله المستقبل من تقلبات، حيث ستمنح «نايكي» ليفربول ما يقارب الـ70 مليون باوند سنويًا، مقارنةً بـ75 مليون باوند تمنحها أديداس لمانشستر يونايتد. وعلى الرغم من احتفاظ اليونايتد بقيمته التجارية، إلا أن تقييم موقع «Statista»، أوضح قفزة تصاعدية لقيمة ليفربول «brand value» منذ عام 2013، لتصل في 2019 إلى ـ1.33 بليون دولار، خلف مانشستر يونايتد المقدرة قيمته بـ1.65 بليون دولار.

مداخيل ليفربول مقارنة بمانشستر يونايتد في 2019 - عدد القمصان المباعة سنويًا خلال آخر 5 أعوام
مداخيل ليفربول مقارنة بمانشستر يونايتد في 2019 – عدد القمصان المباعة سنويًا خلال آخر 5 أعوام

لكن بفضل «نايكي»، سيصبح ليفربول أقرب من أي وقت مضى للحاق بمانشستر يونايتد. حيث ستوفر الشركة إمكانية بيع منتجات الفريق في 6000 متجر رسمي على الأقل، العدد الذي لم يتحصل ليفربول على نصفه مع الراعي السابق. وإذا أضفنا أثر الفراشة لمايكل جوردان، والمتمثل في ليبرون جايمس، وسيرينا ويليامز، ودريك، فإن ليفربول ونايكي في طريق مفروش بالورود نحو سيطرة مستقبلية شبه مضمونة.