هوية ليفربول: لأنها لم تعد نفس السفينة التي أبحرت منذ سنوات
تحكي إحدى الأساطير الإغريقية القديمة عن ثيسيوس، المؤسس الحقيقي لأثينا، الذي خاض معارك بحرية كثيرة، لم يخسر واحدة منها، حتى ولو كانت أمام وحش له جسد إنسانٍ ورأس ثور. طبقًا للفيلسوف «بلوتارخ»، خُلدت هذه الأسطورة بوضع سفينة ثيسيوس الخشبية كنصب تذكاري بمنتصف أثينا.
من هنا ظهر ما عرف لاحقًا بمعضلة سفينة ثيسيوس، التي استبدلت ألواحها الخشبية التي تآكلت مع الوقت، واستبدلت بأخرى جديدة. والسؤال: هل تظل السفينة التي استبدلت ألواحها نفس السفينة التي أبحر بها ثيسيوس في معاركه البحرية؟ أم إنّها تحولّت لسفينة أخرى لا علاقة لها بتلك الخاصة بالبطل الأثيني؟
عن الهويّة
هذا التصريح الذي تفاخر مساعد «يورجن كلوب» من خلاله بتحوُّل ليفربول لفريق مُرعب للخصوم كان تتويجًا لأربع سنواتٍ خاضها الفريق الإنجليزي تحت قيادة كلوب محاولًا تغيير جلده، بدايةً من تغيير فريق كامل من اللاعبين تدريجيًا، أدى في النهاية إلى تحوُّل كامل في طريقة لعب الفريق، ليصبح ليفربول أكثر عدوانية وشراسة، ربما أكثر من أي فريق بأوروبا.
مُنذ اليوم الأول، لم يكن حلم كلوب الأكبر هو التتويج بلقب البريميرليج أو دوري أبطال أوروبا، بل أراد أن يصنع فريقًا يمكِن التعرُّف عليه من طريقة لعبه، حتى وإن ارتدى لاعبوه أقمصة بألوان أخرى. بالضبط، كان حلم الألماني الأكبر هو أن يملك ليفربول هويّة وطريقة واضحة.
بالفعل، نجحت منظومة ليفربول في تقديم فريق يمتلك فلسفة تدور حول أكثر أشكال كرة القدم هجومية وعدوانية، أو بالأحرى نجح كلوب ومساعدوه في خلق فريق يقوم بمطاردة الخصم بشراسة طوال الـ90 دقيقة.
ربما كان هذا هو السبب الأساسي في تعلُّق الجماهير بهذا الفريق، الذي شاهدوه يتحوَّل من فريق ساذج لآخر بطل. أثنى الجميع على قدرة كلوب في تغيير هُوية ليفربول، بل إنّ أي مُحاولة للتأقلم مع المُتغيرات التي جعلت هويّة الفريق محل شكٍ أصبحت تُقابل باستهجانٍ، وكأن ليفربول منذ لحظة إنشائه كان نفس الفريق البطل.
الألواح التي تآكلت
تحدّى مساعد كلوب في كتابه «الحدة» الذي نُشر أغسطس/ آب 2022 خصوم ليفربول، مُقترحًا أن كون الفريق الإنجليزي صاحب الهويّة المعروفة قادر على التطوُّر، حتى وإن اعتقد البعض أنّه كتاب مفتوح.
بشكلٍ أسرع مما توقّع الهولندي، أصبح على ليفربول مواجهة حقيقة فقدان الفريق لهويته، إضافة إلى فقدان 28 نقطة من أصل 57 متاحة بالدور الأول من موسم 2022/2023، لنجد الفريق الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق كل الألقاب المتاحة قبل أشهر معدودة في المركز التاسع على سُلم ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز.
يدرك كلوب جيدًا افتقاد الفريق للحدّة التي ميزته حتى في الأوقات التي لم يكن فيها مرشحًا لأن يكون بطلًا من الأساس. ويعزو هذا التراجُع لعدة أسباب مثل الإرهاق والإصابات التي ضربت الفريق مؤخرًا.
ليفربول تحوَّل من فريق بدني إلى فريق تقني.
جيمي كاراجير، نجم ليفربول السابق.
تتوافق الإحصائيات مع رؤية كاراجير، حيث لا يزال ليفربول كفريق قادرًا على صُنع الفرص المحققة للتسجيل، والتسديد على المرمى بشكل عام أكثر من أي فريق آخر في الدوري باستثناء مانشستر سيتي. لكن في نفس الوقت، لا يستطيع الفريق الحفاظ على شباكه مقارنةً بالموسم السابق، كما أنّ الفريق بالكاد ينجح في افتكاك الكرات بمنتصف ملعب الخصوم. بالتالي علينا أن نطرح سؤالًا: هل تغيَّر ليفربول بالفعل؟
الإجابة الأكثر منطقية هي نعم، فبسبب الإصابات، محاولة الإحلال والتجديد، ارتفاع مُعدَّل الأعمار وربما تشبُّع بعض نجوم الفريق، يبدو بديهيًا أن نرى وجهًا مغايرًا لليفربول الشرس الذي نعرفه. لكن بنظرة أشمل للظروف المحيطة بالنادي، قد نجد أنّ بوادر انهيار الفريق بهذا الشكل كانت قد ظهرت خارج الملعب من الأساس.
القفز من سفينة ليفربول
في تقرير بعنوان: «حالة عدم اليقين التي تهدد إعادة بناء ليفربول»، أعرب «مات لادسون»، محرر مجلة «فور فور تو» عن قلقه مما تخفيه الأيام للنادي الإنجليزي. فبغض النظر عن انتظار جماهير الـ«ريدز» لأن يقوم كلوب بإعادة بناء الفريق مرّة أخرى، وهو الأمر الذي لم يفعله من قبل سواءً مع ماينز أو حتى مع دورتموند الألمانيين، يبدو أن القصة هذه المرة أكثر تعقيدًا.
لقد كانت مفاجأة عندما أخبرني جوليان وارد برحيله، لكننا مستمرون في العمل معًا حتى لحظة مغادرته.
يورجن كلوب، المدير الفني لليفربول الإنجليزي.
يمضي «جوليان وارد»، المدير الرياضي للنادي، و«أيان جراهام»، رئيس قسم الأبحاث، و«مايك جوردان»، المدير التنفيذي للنادي أيامهم الأخيرة في الميرسيسايد بعد تقديم الأول والثاني رسائل «فترة الإشعار» للنادي تمهيدًا رحيلهما، فيما تنحى الثالث عن دوره في إدارة الأعمال اليومية بمقرات النادي.
يعني ذلك باختصار أنّ الشخص المسؤول عن تحديد الانتدابات المحتملة، والشخص المسؤول عن إبرام التعاقدات، إضافة للمسؤول عن دفع ثمن الصفقات، في طريقهم لترك النادي.
بالطبع لا يمكننا أن القول إن لهذه الأزمة الإدارية دورًا في تراجع مستوى الفريق، لكنّها في نفس الوقت، طبقًا لبعض المصادر، جعلت كلوب مُضطرًا لأن يمتلك رأيًا أكثر تأثيرًا في ملف التعاقدات الجديدة، أو اللاعبين الراحلين عن النادي؛ ربما لأنه الشخص الوحيد الذي لا يزال مستقبل ليفربول يعنيه، خصوصًا بعد إعلان مجموعة «فينواي»، المالكة للنادي، نيتها لفتح باب الاستثمار في أسهم النادي سواء بشكل جزئي أو كلي.
قد تكون هذه هي الأزمة الحقيقية التي تمنع ليفربول من استعادة هويته، وهي أن النادي الذي اعتبر أكثر أندية أوروبا تنظيمًا لسنوات لم يعُد كذلك. ليتحوَّل مرة أخرى من حالة اليقين إلى حالة الشك في مستقبله.
حقيقةً، يعتقد كل مُشجع أن فريقه مميز بشكل ما، لديه سمات معينة تدوم للأبد مثل: أسلوب اللعب أو طريقة إدارة النادي، لكن الحقيقة أن هذا الشعور مرتبط فقط بفترات النجاح فقط؛ لأنه بطبيعة الحال لن يُحبذ عاطفيًا بفترة فشل.
ربما يقودنا ذلك لنصف إجابة، فسفينة ليفربول التي أبحر بها كلوب قبل ست سنواتٍ لم تعُد نفس السفينة بكٌل تأكيد، تهالكت بعض ألواحها، واستبدلت بأخرى أحيانًا. لكن الأكيد هو أننا لا نستطيع توقَّع ما إذا كانت سفينة ليفربول الجديدة قادرة على تكرار نجاحات الماضي أم لا.