ليفربول 3-1 أرسنال: قمة أوروبية أم قمة للجامعة العربية؟
كما هو الحال في أغلب قمم البريمرليغ في المواسم الماضية، تجد نفسك أمام خيارين لا ثالث لهما، إما مباراة شحيحة الفرص مملة في أغلب فتراتها، وتتحين خلال أوقاتها إطلاق الحكم لصافرته، أو مباراة يتسيد فيها أحد الفريقين المباراة بأكلمها ويفرض سيطرته بالطول والعرض دون أي مقاومة من الطرف الآخر، وبالنهاية تجد نفسك مجبرًا على تغيير القناة بشكل أو بآخر أو إكمالها على مضض، وقمة اليوم لم تمنحنا ترف الاختيار الثالث أيضًا رغم تواجد الأهداف، واستمرت على نفس العهد المتفق عليه في القمم السابقة، لدرجة أنك تخال نفسك تتابع إحدى القمم العربية التي ألفنا فيها اللاجديد واللاشيء.
طموحات متشابهة
دخل ليفربول المباراة و عينه على الفوز بهدف استعادة الثقة بعد مطبات ونكبات كثيرة منذ بداية العام وآخرها نكسة ليستر في الجولة الماضية، وهذه العزيمة مصحوبة بدفعة معنوية بعد تعادل الشياطين الحمر أمام بورنموث، فكلوب دخل المباراة بمهمة مزدوجة، أولها الابتعاد عن مراكز الدوري الأوروبي، و الدخول إلى مدار دوري الأبطال ولو بشكل مؤقت.
أما أرسنال فكان يطمح هو الآخر للاقتراب من الصفوف الأمامية وخطف المركز الثالث من مانشستر سيتي، هدف يبدو صعب المنال وخاصة مع المستوى المتدني والتخبط الكبير الذي يمر به فريق العجوز الفرنسي، فخسارة بايرن القاسية حملت معها الخروج شبه الرسمي من الأبطال، ونتائجه التعيسة في الدوري أبعدته عن حسابات اللقب وأضاعت الموسم بأكمله.
وعلى الرغم من هذه الحسابات المُعقدة لكلا الفريقين، كان الألماني واثقًا تمام الثقة من الانتصار رغم توالي الخيبات، فكلوب يهوى هذا النوع من التحديات، بل إنه يعشق ملاقاة فرق تمنحه بعض المساحات لاستغلالها، وأرسنال هو الفريق الأمثل لطموحات كلوب.
ديجافو، سبق أن رأيتُه
دخل كلوب المباراة بتشكيلته وخطته المعتادة ولم يفقتد إلا لخدمات القائد هيندرسون بسبب الإصابة واعتمد على إيمري جان عوضًا عنه، بينما أجرى فينجر بعض التغييرات منها ما هو اضطراري بسبب غياب أوزيل للمرض، وأخرى كانت خيارًا غريبًا وغير متوقع من فينجر، حيث قام بإبعاد أليكسيس سانشيز ووالكوت، واعتمد على شامبرلين وويلبيك وجيرود، لكن كيف كانت نتيجة هذه الخيارات؟
هل اختبرت مسبقًا هذه الحالة التي تمر فيها بأحداث تعتقد أنك قد شاهدتها فيما سبق، ربما!، وهل تابعت مباراة تعرف لما ستئول نتيجتها لاحقًا بغض النظر عن جودة اللاعبين وقوة الخصم، وهذا هو الحال عند متابعة أرسنال في المواجهات الكبرى، ستعرف في داخل نفسك أن أرسنال سيتعرض للهزيمة في نهاية الأمر، لكن ستستمر بمتابعة المباراة بمجمل الأحوال. ورغم محاولة فينجر تعديل بعض الأفكار، لكن لم ينجح فيما خطط إليه ولن ينجح بأي شكل من الأشكال لاحقًا، فينجر كان لديه فكرة ما لكنها غير مناسبة للتنفيذ في الوقت الحالي، وخرج من الشوط الأول بهدفين في شباكه.
استراتيجي ولكن!
قرار إبعاد سانشيز عن التشكيل الأساسي كان له أهداف تكتيكية في مخيلة فينجر، لكنها بالأساس كانت فكرة غير ناضجة وربما ميتة قبل ولادتها.
حاول الفرنسي إراحة خط دفاعه من فكرة لعب الكرات القصيرة تجنبًا للوقوع في فخ الضغط العالي لمهاجمي ليفربول، فاعتمد على جيرو وويلبيك في الخط الأمامي للاستفادة من عامل الطول وكسب الكرات الهوائية، لذلك قرر إجلاس سانشيز بجانبه على الدكة، وربما لأن سانشيز من اللاعبين الذين يفضلون الاحتفاظ بالكرة ويحبون المراوغة، وهذا سيجلعه يخسر العديد من الكرات أمام الضغط المستمر لعناصر كلوب.
لكن كل هذه التعديلات لم تنفع الفرنسي، لأن فريقه افتقد لاعبا يمتلك شخصية تنافسية وخبرة كبيرة في أرض الملعب، وربما لأن عناصر أرسنال بأغلبها من هذه النوعية وكأن فينجر اختارها بعناية يهذه المواصفات، لاعبون لديهم مهارة وموهبة مميزة لكن منزوعي الشخصية ولا يقاتلون من أجل بعضهم البعض ولا يدافعون عن فريقهم أو مدربهم، ربما لأنهم اعتادوا دفاع فينجر عنهم دائمًا.
حرب نفسية؟ لا ليست كذلك
يعتقد الكثيرون أن لجوء فينجر لهذه التشيكلة كان بمثابة محاولة منه لإظهاره كشخص قاسٍ، أو أمام سانشيز بهدف إخضاعه أو ليّ ذراعه والضغط عليه من أجل التجديد، أو لإيصال فكرة للتشيلي أن النادي أكبر منه ومن أي لاعب آخر، وربما ضحكات سانشيز المبالغ فيها على الدكة أظهرت لنا أن هناك جدالا دائرا في خفايا البيت المدفعجي بهذا الشأن. لكن فينجر ليس من هذه النوعية من المدربين ولم يكن كذلك مسبقًا حتى يظهر هذه بهذه الشخصية الآن بعد بلوغه هذه السن، حتى فيرجسون عندما تقدم في السن رضخ لرغبة روني ووافق على مطالبه برفع مرتبه، على عكس معاملته للنجوم القدامى، لأن فيرجسون لم يعد له جلادة على القتال وشن الحروب.
فينجر لم يحاول إظهار ديكتاتوريته أو أنانيته، فينجر بكل بساطة أراد اختبار فكرة جديدة تبين له مدى فشلها ولجأ إلى سانشيز في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأنه في حقيقة الأمر رجل مغامر محب للتجربة، وببساطة أكبر؛ فينجر اعتاد التجربة والإخفاق ومن ثم المحاولة مرة أخرى، لأنه افتقد للألقاب والتنافسية والدوافع، وحول أرسنال إلى نسخة مشابهة له مع مرور السنين. وربما يتم تحميل أرسنال وزر إنجازات الأيام الخوالي، لأن الواقع الحالي يقول إن النادي بمدربه ولاعبيه وقدرته المالية لم يعد كبيرًا وأصبح من أندية النخب الثاني خلف قطبي مانشتسر وتشيلسي.
هل بالفعل ليفربول هو بعبع الكبار؟
ظروف الزعيم السابق لإنكلترا مشابهة لظروف منافسه اليوم، نظريات مستحدثة عن كونه بعبعا لكبار القوم وصيدا سهلا لصعاليكهم، تفتقد دائمًا للنقد الجاد أو التحليل الصحيح، وتعتمد في تكرارها على تلك الصور المنتشرة في صفحات السخرية. وقد تصح هذه الرؤية إذا نظرنا إلى جدول مباريات ليفربول، لكن لن نتمكن من تكوين فكرة سليمة عن إمكانيات وظروف الفريق بشكل عام.
وبرغم الانتصار على أرسنال فإن أداء ليفربول لم يكن مقنعًا أو متميزًا، بل كان متوسطًا في أغلب فترات المباراة، ويمكن القول إن التفوق كان بسبب ضعف أداء أرسنال، لكن لماذا ليفربول خصم صعب المراس على الكبار وسهل المنال للصغار؟
الهجوم ليس أفضل وسيلة للدفاع
لا شك في أن ليفربول يمر بحالة سيئة جدًا على صعيد النتائج والأداء، وهذا أمر اعتيادي تختبره أغلب الأندية في فترات مختلفة على طول الموسم، وصادف أن بداية تراجع ليفربول تزامنت مع رحيل ماني إلى كأس أفريقيا، لكن حتى مع عودته استمر ذات الأداء السلبي ليؤكد أن ليفربول يعيش هذه الحالة السيئة في هذه الفترة ليس إلا. ومشكلة ليفربول الأساسية لا تكمن في تساهله أمام الفرق الصغيرة أو عدم نفع الخطب الحماسية التي يوجهها كلوب كما يعتقد البعض، بل تكمن في فكرة الهجوم والمساحات المتروكة.
أندية الوسط والقاع دائمًا ما تواجه الأندية الكبرى بتكتلات دفاعية تعتمد فيها على غلق المساحات واستغلال المرتدات والكرات الثابتة، وليفربول بفكره الهجومي كما أي ناد آخر يشاركه هذا النهج، يجد صعوبة بالغة في اختراق الدفاعات، ويواجه مشاكل جمة في الخط الدفاعي بسبب الاندفاع الهجومي وسوء التحصين، هذا هو حال دفاعات برشلونة وبايرن والسيتي، على الرغم من أن جودة العناصر الفردية أقل بكثير في ليفربول من جميع هذه الأندية، لذلك عند مواجهة الكبار يكون ليفربول في معركة متوازنة بعض الشيء، وليس في معركة مطالب فيها بتقديم كل شيء.
الهجوم بحاجة لأسلحة فتاكة
ولأن الهجوم يتطلب أسلحة نوعية، يجد ليفربول نفسه عاجزًا عن إتمام المهمة بنجاح لافتقار الفريق إلى عناصر بجودة عالية، فكلوب عندما تواجد في دورتموند كان لديه عناصر مميزة ومتنوعة تتمتع بمهارة كبيرة جدًا، ابتداءً من جودوجان ورويس وجوتزة وانتهاءً ليفاندوفسكي، وكلوب في الآونة الحالية يفتقد لعديد العناصر التي تتطابق فيها متطلبات فكره التكتيكي مع الجودة الفنية، ونتيجة لذلك نجد ليفربول يعاني في اختراق دفاعات الخصوم بسبب التباين الكبير على مستوى الجودة بين فريقه وجميع أندية القمة، ويمكن القول إن فريقه في منزلة أقل من جميع الأندية الكبرى، كلوب يفتقد لمهاجم قناص بمواصفات ليفاندوفكسي أو دييجو كوستا أو أجويرو.
شراء اللقب
عندما كان مورينيو مدربًا لتشيلسي خرج في حديث للإعلام أثناء إحدى مؤتمراته الصحفية واتهم فيه منافسيه بمحاولة شراء اللقب بعد إبرام العديد من الصفقات القياسية في سوق الانتقالات، وفكرة مورينيو التي أراد إيصالها حقيقة قائمة المعالم في دنيا البريمرليغ، اللقب لن يأتي إلى خزائنك إلا بهذه الطريقة، الأموال هي ما تجلب الجودة، وهي ما تؤمن الرواتب الكبيرة لهؤلاء النجوم، وبلا نجوم لا يمكنك تحقيق الألقاب، وأرسنال وليفربول بحاجة للأموال لاستقطاب أسماء لامعة أو لإقناع نجومهم بالبقاء.