جاء انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا صباح الخميس 24 فبراير/شباط ليؤكد مصداقية التحذيرات الغربية التي توقعت حدوثه، معززة بالتقارير الميدانية التي كانت تشير إلى حشد القوات على الحدود والاستعدادات الهجومية الروسية، وما سبق ذلك من مناورات وتدريبات ضخمة بالذخيرة الحية بالقرب من حدود جارتها الغربية التي وقعت ضحية صباح اليوم لهجوم ثلاثي من الشرق والشمال والجنوب كما كان متوقعًا.

وكانت موسكو احتلت عام 2014 شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي كانت تستأجر بها قاعدة عسكرية لأسطول البحر الأسود الروسي، واقتطعت منطقتي لوغانسك ودونيتسك من شرق أوكرانيا، وأعلنت مؤخرًا اعترافها باستقلالهما، وفي نوفمبر/كانون الثاني الماضي وقع الروس مع بيلاروسيا على اتفاق يضمن اندماج الدولتين في دولة اتحادية، وعلى إثر ذلك دخل الجيش الروسي إلى أراضي هذه الدولة التي تجاور أوكرانيا من الشمال.

انطلق الغزو الروسي من بيلاروسيا، وأيضًا من القرم ومن دونيتسك ولوغانسك ومن الأراضي الروسية بشكل متزامن، واتُّهمت مينسك بالمشاركة عسكريًّا، لكن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو نفى مشاركة قوات بلاده، وإن لم يستبعد وقوع ذلك فيما بعد، وكان قد أعلن من قبل أن الجيشين الروسي والبيلاروسي أصبحا جيشًا موحدًا.

ثاني أقوى جيش في العالم

يعد الجيش الروسي ثاني أقوى جيش في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ويمتلك ترسانة ضخمة من السلاح المتطور. بينما تحتل أوكرانيا المرتبة الثانية والعشرين في قائمة أقوى الجيوش، وفقًا لترتيب موقع جلوبال فاير باور.

ويصل تعداد عناصر الجيش الروسي إلى 850 ألفًا، أي أكثر من أربعة أمثال القوات المسلحة الأوكرانية التي لا يتجاوز عددها 200 ألف فقط، ويتساوى عدد قوات الاحتياط في البلدين، وتقدر بربع مليون جندي، كما تبلغ ميزانية الدفاع السنوية الروسية 154 مليار دولار، أي أضعاف أوكرانيا التي لا تتجاوز 11.9 مليارًا.

وعلى صعيد التسليح، فالفارق ضخم بين الطرفين. فموسكو لديها 4173 طائرة عسكرية، وأكثر من 12 ألف دبابة، و 30 ألف مدرعة تقريبًا، وما يزيد عن 14 ألف مدفع، ونحو 4 آلاف راجمة صواريخ، ويملك أسطولها أكثر من ستة آلاف قطعة بحرية منها 70 غواصة، منها حاملة طائرات. في المقابل، لا يتوافر لدى كييف سوى 318 طائرة منها 71 طائرة تدريب، ونحو 2600 دبابة، ونحو 12 ألف مدرعة، وحوالي 3 آلاف مدفع، و 490 راجمة، ويضم أسطولها 38 قطعة بحرية فقط، ولا تملك أي غواصات بعدما استولت البحرية الروسية على غواصتها الوحيدة عام 2014 وضمتها رسميًّا إلى أسطولها في شبه جزيرة القرم.

وتكشف هذه الأرقام عن فجوة تسليحية هائلة بين روسيا وأوكرانيا، مع تذكر أن الأولى دولة نووية، الأمر الذي حدا بالثانية إلى التلويح بإمكانية العودة إلى امتلاك هذه الأسلحة، فقد أكد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أن دولته قد تصبح قوة نووية، مستشهدًا بوثيقة وقعتها بلاده تنص على التخلص من الأسلحة النووية الموروثة من الاتحاد السوفيتي مقابل ضمانات أمنية ثبت عدم مصداقيتها؛ فوفقًا لـ «مذكرة بودابست» تعهَّدت الولايات المتحدة وبريطانيا و«روسيا» بضمان استقلال وسيادة أوكرانيا والحفاظ على حدودها والامتناع عن تهديدها بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، والدفاع عنها في مجلس الأمن الدولي أمام أي عدوان أو تهديد بعدوان نووي.

وغني عن البيان أن كل هذه التعهدات تم خرقها، لذا كان تهديد زيلينسكي يستند إلى تلك المعاهدة، وأدت تلك التصريحات إلى «قلب الأمور رأسًا على عقب» على حد وصف المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا؛ إذ ساهم هذا الأمر في تخويف الروس، لا سيما وأن أوكرانيا تملك قدرات نووية سلمية، كما أن صناعة الطيران ‏والفضاء لديها متطورة جدًّا، وبالتالي تستطيع الشروع في إنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على حمل الرءوس النووية لو أرادت، ولذلك كانت المواقع النووية الأوكرانية من أهم أهداف الحملة العسكرية الروسية منذ البداية.

وعمدت موسكو إلى شن هجوم شامل والاستخدام المكثف للقوة النارية ومحاولة تدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، وشن هجمات سيبرانية لشل جيش الخصم تمامًا، بينما فتحت كييف باب التطوع لكل مواطن قادر على حمل السلاح.

نزع سلاح أوكرانيا

الهدف المعلن لموسكو من وراء هذه العملية العسكرية هو نزع سلاح الجيش الأوكراني وتحييد كييف، وقد أعلن الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، للصحفيين اليوم الخميس، أن بلاده تتطلع من خلال هذه الحرب إلى هدفين، هما تجريد أوكرانيا من السلاح، و«اجتثاث النازية» عبر تطهير الدولة من أصحاب الفكر النازي، وهي تهمة يلصقها الروس بخصومها في أوكرانيا نظرًا لاعتبار بعض القوميين الأوكرانيين لبعض المتعاونين الأوكرانيين مع الاحتلال النازي أبطالًا وطنيين كانوا يسعون لاستقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي.

وأعلن الكرملين أن العملية العسكرية التي أطلقها لتجريد أوكرانيا من السلاح لا يمكن اعتبارها احتلالًا، بل جاءت انطلاقًا من مخاوف موسكو الأمنية التي ترفض «عزلها خلف ستار حديدي»، إذ إن روسيا رغم كونها أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، لكنها تفتقر إلى سواحل مناسبة تربطها بالعالم الخارجي، فمعظم شواطئها تقع على المحيط الشمالي المتجمد، وتعتبر أوكرانيا ذات موقع استراتيجي مهم للأمن الروسي.

وقد لا تستطيع أوكرانيا الصمود وحدها في وجه الغزو الروسي ما لم يتم تسليحها من الدول الغربية، وقد أعلنت كييف أن قواتها أوقعت خسائر كبيرة بالقوات الغازية بفضل الأسلحة الغربية، وطالبت بالمزيد سريعًا، لا سيما أنظمة الدفاع الجوي بعدما دمر الروس دفاعاتها الجوية في الساعات الأولى للهجوم.

وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على موسكو، وأكد الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، مساعدة كييف بالسلاح لمواجهة الهجوم الحالي، ورغم ذلك لا يبدو الغرب جادًّا في دعم كييف فالأوروبيون منقسمون على أنفسهم بهذا الشأن، كما أن الغرب يتجنب مواجهة عسكرية مع روسيا، ويخشى من وقوع التكنولوجيا الحربية المتطورة في يد الروس، وليس لديه ثقة في قدرة الأوكرانيين على استيعاب منظومات الأسلحة الحديثة بسرعة، ولذلك فشلت منظومة الردع الأوكرانية الهزيلة في ثني موسكو عن الهجوم بعدما ثبت أن الدعم الغربي كان في أغلبه دبلوماسيًّا.