كيف تبدو الحياة في محطة الفضاء الدولية؟
محطة الفضاء الدولية؛ هي إحدى أهم المشروعات العلمية البشرية في الفضاء. بدأ إطلاق وتجميع أجزائها لأول مرة عام 1998. هي محطة مأهولة تدور حول الأرض على بعد حوالي 400 كيلو متر، وتستغرق دورتها الكاملة حول الأرض 92 دقيقة بسرعة أكبر من 27600 كيلو متر/ الساعة.
المحطة هي مشروع مشترك بين وكالات الفضاء «الأمريكية، الأوروبية، الروسية، اليابانية والكندية – NASA, Roscosmos, JAXA, ESA, and CSA». الهدف منها هو إنشاء معمل يهدف للقيام بالعديد من التجارب الفيزيائية والبيولوجية، والفلكية في بيئة بلا جاذبية، وهي محطة الفضاء التاسعة التي بناها الإنسان.
منذ انتهاء تركيبها عام 2000، أصبحت مأهولة بفريق من رواد الفضاء بحد أقصى 6 رواد. وبعيدًا عن الإنجازات العلمية للمحطة، سنتعرض هنا لشكل الحياة هناك، كيف يقضي رواد الفضاء يومهم في الفضاء، وكيف يمارسون مهام حياتهم اليومية الأساسية لدون جاذبية.
تناول الطعام في المحطة
المشكلة الأولى هي توفير البيئة المناسبة لمعيشة رواد الفضاء لفترات طويلة؛ كالهواء، الأكسجين، الماء، ودرجة الحرارة المناسبة، والتخلص من الفضلات. بالنسبة للأكسجين؛ فأغلبه يأتي من الأرض مع رحلات الإمداد والتموين الدورية للمحطة، حيث يتم تخزينه مضغوطًا في خزانات مخصصة خارج المحطة.
تأتي تلك الرحلات أيضًا بغاز النيتروجين الذي يكوّن باقي الهواء، للحفاظ على نسب الغازات كما هي على الأرض. ولدى المحطة مولد أكسجين من التحليل الكهربي للماء، والهيدروجين الناتج يطرد خارج المحطة. كما أن هناك نظام توليد أكسجين احتياطي اخترعه الروس لاستخدامه في المحطة «مير» يسمى «شمع الأكسجين الجاف – solid fuel oxygen» يستخدم في حالة الطوارئ.
يوجد في المحطة فلاتر كيميائية مخصصة تقوم بمهمة النباتات على الأرض، في تخليص الهواء من ثاني أكسيد الكربون السام الناتج عن التنفس، كما تقوم أجهزة خاصة بكتثيف الرطوبة في الهواء لإعادة استخدامها كماء.
والماء كالأكسجين؛ يتم نقله للمحطة دوريًا مع رحلات الإمداد المستمرة، وكذلك الطعام. كما يتم استخدام البخار الناتج من خلايا الوقود، وأيضًا إعادة استخدام المياة من البول، ومياه الاغتسال، والاستخدام بعد معالجتها وتطهيرها وتنقيتها في فلاتر مخصصة.
وتعتمد المحطة بشكلٍ كامل في توليد الطاقة الكهربية على ألواح الطاقة الشمسية، التي يتم استخدامها وتخزينها في بطاريات أثناء تواجد المحطة في ضوء الشمس. يتم استخدام طاقة البطاريات في حالة تواجد المحطة في نطاق ظل الأرض أو في حالة كسوف الشمس.
وبالنسبة للحرارة، فمتوسط درجة الحرارة في الفضاء القريب من كوكب الأرض حوالي 10 درجات سيليزوس، لذا فالجو يعتبر بارد. لكن في محطة الفضاء هذا لا يمثل مشكلة، حيث أن الأجهزة الالكترونية العملاقة هناك تولد الكثير من الحرارة.
المشكلة الحقيقية هي التخلص من الحرارة الزائدة بعد تدفئة الجو لدرجة الحرارة المطلوبة. لذلك تستخدم المحطة نظام توزيع حراري ودورات مغلقة من سائل الأمونيا، يقوم بنقل الحرارة الزائدة من قلب المحطة لسطحها كي يمتصها الفضاء.
وللحفاظ على المحطة نضيفة يستخدم قاطنوها مختلف أدوات التنظيف، من مماسح ومكانس وفلاتر لتنظيفها بشكل دائم، كما يتم معالج الفضلات العضوية الصلبة بتجفيفها وضغطها!. يتم جمع المخلفات جميعًا في حوافظ خاصة حتى تأتي إحدى رحلات الإمداد لتنقلها للأرض أثناء عودتها للتخلص منها بشكل آمن.
الروتين اليومي لرائد الفضاء في المحطة
في مقال لـ«ساندرا ماجنس» من المجموعة رقم 18 التي سكنت المحطة، تقول «ساندرا» أن يوم رائد الفضاء في المحطة يتم تخطيطه جيدًا من قِبل علماء المشروع من مختلف أنحاء العالم، وقد تمتد الخطة لعام كامل مسبقا.
خطة اليوم دقيقة جدًا، حيث تحتوي على مواعيد الاستيقاظ والنوم والطعام، والتمارين الرياضية، والمهام العلمية والتقنية المختلفة، كإجراء تجارب أو صيانة وإصلاح أجهزة، أو إجراء رحلات في الفضاء خارج المحطة.
تحافظ الخطة على مساحة حرية بسيطة لا تؤثر على جدول العمل. ويستعمل طاقم المحطة توقيت جرينيتش كتوقيت يومي لهم بحث يتوافق جميع المتابعين على الأرض معهم. ويبدأ يومهم في السادسة صباحًا. ولمدة ساعة ونصف بعد الاستيقاظ؛ يستطيع كل رائد فضاء القيام بما يشاء بحيث يصبح جاهزا للعمل.
البعض يجهز خطة المهام المطلوبة منه، والبعض يمارس التمارين الرياضية، والبعض يستحم ويغسل أسنانه، وأحيانا يفضل البعض الاستمرار في النوم تلك الفترة. بعد انقضاء الساعة ونصف، يجتمع الفريق كاملًا في اجتماع صباحي مع وحدات التحكم الأرضية، لمراجعة خطة اليوم ومعرفة التغييرات الطارئة، وأيضًا تبادل الأسئلة والنصائح.
يستمر الاجتماع حوالي 15 دقيقة، ينطلقوا بعدها للعمل. بعد الانتهاء من المهام الصباحية، يجتمع الفريق للغذاء لمدة ساعة في راحة وسط اليوم. بعد الغذاء تبدأ غالبًا المهام الرئيسية، والتي تتطلب تواصل ومساعدة من مركز التحكم الأرضي بناسا.
بعد الانتهاء منها يجتمع الفريق مرة أخرى قبل العشاء في اجتماع قصير مع مراكز التحكم؛ لمراجعة المهام التي تم الانتهاء منها، والمهام العالقة، وأيضًا مراجعة خطة اليوم الجديد. ينتهي العمل غالبًا مع تناول العشاء بحلول الساعة الثامنة مساءً.
بعد العشاء هناك ساعتان من الراحة والأنشطة المتنوعة قبل النوم في العاشرة تقريبًا. في هذا الوقت يستخدم رائد الفضاء الهاتف، ويتفقد البريد الإلكتروني، ويشاهد التلفاز، ويمارس بعض الرياضة. وكل ليلة جمعة يشاهد الجميع فيلم جديد سويًا.
أما يوم السبت فهو يوم رياضي بشكلٍ أساسي، وعطلة نهاية الأسبوع يوم الأحد يقضيها رواد المحطة في اجتماعات فيديو مع ذويهم على كوكب الأرض، كما يمارسون بعض الهوايات المختلفة كتصوير الأرض من الفضاء.
كيف يقوم رواد الفضاء بالمهام الحياتية في بيئة خالية من الجاذبية؟
يتطلب انعدام الجاذبية -أو ضعفها الشديد بمعنى أصح- من الهندسين أن يقوموا بتصميم أجهزة مختلفة للاستخدامات اليومية لقانطي المحطة. لهم أدوات النظافة الخاصة، وأنواع خاصة من الشامبو لغسل الشعر لا تتسبب في رغوة.
لهم مراحيض خاصة ذات فوهات ضيقة وقوة شفط عالية حتى تستطيع شفط الفضلات، في ظل انعدام الجاذبية. أما بالنسبة للاستحمام، فلا توجد جاذبية توجه الماء من أعلى لأسفل، لذلك يقومون بترطيب فوط قطنية بماء دافئ وصابون، ومسح أجسامهم بها.
فيديو مُصور في المحطة حيث يقوم رائد الفضاء بغسل يديه، موضحًا كيفية القيام بذلك!.
أما بالنسبة للطعام؛ فتتوفر خيارات كثيرة للطعام، لكنه كله طعام مجهز مسبقًا على الأرض، ومعقم، ومجفف بحيث لا يحتاج أن يُحفظ في ثلاجة. كما تتوفر أيضًا حلويات وخضروات وفواكهة. وقامت محلات «بيتزا هت» ذات مرة بإرسال بيتزا كبيرة الحجم للمحطة.
بسب ضعف الجاذبية الشديد في الفضاء؛ يجب على رواد الفضاء ممارسة التمارين الرياضة لمدة ساعتين يوميًا على الأقل، وإلا فستضمر عضلاتهم. لهذا قامت ناسا بتصميم أدوات رياضية مخصصة لا تحتاج لأوزان أو جاذبية، وتؤدي نفس المهام بكفاءة في الفضاء.
كما أن أطوالهم تزداد قليلًا في الفضاء بسبب إعادة توزيع الماء في الجسم بدل من تركزه في الجزء السفلي، كما هو الأمر على الأرض، ويزداد تركيز الماء في الغضاريف الفقرية، فتزداد حجما؛ بالتالي يزداد الطول.
وبسبب ضعف الجاذبية أيضًا؛ لا يمكن لرواد المحطة إراحة ظهورهم على فراش مريح بعد يوم تعب مرهق. فالنوم في المحطة يكون في وضعية الوقوف في أسرة مصممة مخصصًا لتحافظ على النائم واقفًا ومربوط في السرير حتى لا يطفو الرائد في المحطة وهو نائم.
وعلى موقع «Reddit» التقني الشهير؛ قام بعض رواد المحطة بإجابة أسئلة الأعضاء في فقرة أسئلة مفتوحة، وأوضحت الأسئلة والإجابات جوانب غريبة عن السفر، والإقامة في محطة الفضاء.
فعند سؤال «جوف هوفمان» عن احساسه وهو ينطلق بأضعاف سرعة الصوت في رحلته الأولى، قال «هوفمان» أنه كان مرعوب بشدة في أول رحلة، حيث شعر بأن كل شيء يهتز بشدة حتى خيل له أن المركبة تتفكك وتنهار، وأن جناحي المركبة قد انفصلوا!.
وحين سئل «مايك هوبكنز، وكريس هادفيلك» عن أول ما جذب انتباههم في المحطة، قالا؛ الرائحة المعدنية الغريبة. هذه الرائحة هي رائحة تشبه الأوزون أو البارود. وهي رائحة مميزة للغاية كانت أول ما لفت انتباهم وهم في حجرة معادلة الضغط الواصلة بين المركبة التي أقلتهم، والمحطة.
وقال «هادفيلد» أيضًا؛ أن أفضل ما أعجبه في المحطة هو ضعف الجاذبية. فهو دائمًا ما يشعر أنه بطل خارق يمكنه الطيران، ويقوم رواد المحطة بتصوير أنفسهم طائرين، ومرتدين ملابس بعض الأبطال الخارقين؛ كسوبرمان.
أما بالنسبة للأمراض فلا يحدث أن يمرض قاطنوا المحطة بأحد الأمراض المعدية، وذلك بسبب عدم وجود مصدر عدوى، لكنهم أحيانا يعانون من الصداع وبالرغبة في القيء، وأيضًا يتعرضون للكدمات أو الجروح بسبب الحواف الحادة.
وعند سؤال «كلايتون أندرسون» عن أجر رواد المحطة؛ أجاب بأن ناسا تدفع لهم أجر ضئيل جدًا بجانب أجرهم الأساسي كعلماء في ناسا. دفعت ناسا له في عام 2007 مبلغ 1.2 دولار زيادة على راتبه مقابل كل يوم قضاه في المحطة!.
وهذا عكس ما تقوم به وكالة الفضاء الروسية، فهي تدفع 10 أضعاف الراتب الأساسي لرواد الفضاء الروسيين في المحطة. لذلك يتسابق رواد الفضاء الروس على السفر، وأيضًا يؤدون مهامهم بجدية شديدة، وبدون شكوى لكي يرضى عنهم القادة ويستمروا في الفضاء.
ولكن المال بالتأكيد لا يهم عند السفر للفضاء، فهناك فوائد أخرى. يقول «مايك هوبكنز» أن أحد أمتع اللحظات في الرحلة هي المشي الفضائي، والنظر لكوكب الأرض سيحبس أنفاسك وأنت في الفضاء. هي لحظات ستظل محفورة في ذاكرتك للأبد.
ويؤكد «هوفمان» نفس الكلام فيقول أن النظر للأرض منظر مدهش، تبدو كواحة منعزلة محدودة الموارد، وسيزداد حبك لها وستبذل المستحيل للحفاظ عليها.
ويقول «جران» أن مشاهدة الأرض من الفضاء يعطيك شعور أنها مركبة فضائية عملاقة. وكما نحن عائلة واحدة في محطة الفضاء الدولية، يجب أن نكون عائلة واحدة عملاقة على كوكب الأرض، وذلك للحفاظ عليه، وتلك الأفكار ترسخت في ذهنه بعد أن نظر للأرض أول مرة.
ويؤكد جميع رواد المحطة الذين شاركوا في النقاش وأجابوا عن الأسئلة؛ أن السفر للفضاء على الرغم من صعوبته، يظل تجربه ممتعة يجب على الجميع محاولة تجريبها – وكأن الأمر متاح للجميع.
لكن ليست كل الأمور جميلة هناك في الفضاء، فهناك أيضًا الجانب المرعب. فرائد الفضاء المقيم هناك منعزل عن باقي البشر حتى ولو كان على تواصل معهم. يقول «هادفيلد» أنهم كثيرًا ما يسمعون أصوات الصخور الصغيرة وهي ترتطم بجدران المحطة الخارجية.
أيضًا أصوات الصرير، والارتجاجات بسبب تمدد وانكماش معدن المحطة عند انتقالها من ضوء الشمس للظل والعكس، وكذلك مشاهدة الشهب وهي تحترق في سماء الأرض يخيفهم أحيانا عند تخيل ارتطامها صدفة بالمحطة.
لكن حوادث كتلك نادرة الحدوث، كما أن المحطة مجهزة ومراقبة على مدار الساعة إذا تعرضت لظرف طارئ؛ كالذي رأيناه سويا في فيلم «Gravity» كمثال، والذي يقول عنه رواد الفضاء أنه أدق فيلم وصف الحياة خارج الكوكب الأرض!.