يسار الأمس وإسلاميو اليوم: ضحايا حماية الديمقراطية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
أدى «الانقلاب المصري» عام 2013، والذي أطاح بالرئيس المنتخب ديموقراطيا والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين «محمد مرسي» إلى تدعيم المعسكر المضاد لحركات الإسلام السياسي، وجعل موقفهم أكثر صرامة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ فقد ضم هذا المعسكر الجهاديين والأحزاب السياسية السلمية أيضاً، ودعوا إلى قمع وإقصاء كامل للجماعات الإسلامية.
يذكرنا العناد والتظاهر بمناهضة الديمقراطية هنا بموقف المعادين للشيوعية إبان الحرب الباردة في الولايات المتحدة، حيث لم تدرك الحكومة الأمريكية ومواطنوها آنذاك أن العنف الذي تمارسه الأنظمة اليمينية المتحالفة معهم يماثل في وحشيته ما طبّقه السوفييت وحلفاؤهم.
ساد عالميا الاعتقاد بأن حكومات اليمين الاستبدادية أفضل بكثير من البديل الشيوعي، وانطلاقا من هذا الأساس كان يسيرا على الحكومة الأمريكية أن تسلك درب انتهاكات حقوق الإنسان.
ومن المؤسف أن التحالف الحالي ضد الإسلام السياسي السلمي تضمن بعض المتظاهرين الشباب في مطلع الربيع العربي (2010-2011) الذين يملكون الآن مواقف عنيدة تجاه الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى.
وفي أسوأ الحالات يكون استهدافهم للإسلام السياسي شرسا، لدرجة إضعاف قدرتهم على التعاطف مع حقوق الإنسان للمواطنين.
بعد «انقلاب عام 2013» في مصر لم يقف العديد ممن دعوا إلى إسقاط مبارك عام 2011 صامتين فحسب، بل هتفوا بحماس، وشاركوا بهجمات عنيفة ضد أنصار الإخوان المسلمين.
الموقف العنيد تجاه الإسلام السياسي هو أولا وقبل كل شيء نتيجة لعقود طويلة من الدعاية التي تقودها الدولة، والتي أقنعت كتلة حرجة من المواطنين العرب والأجانب بأن الإسلام السياسي يشكل تهديدا وجوديا للدولة، ويحتاج إلى القمع، بأي تكلفة من الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ثبت تاريخيا أن الاستبداديين العرب قاموا في بعض الأحيان باستمالة الإسلام السياسي لأغراضهم الخاصة، ولكنهم في الغالب قمعوه بأكثر الطرق وحشية، وهو ما ظهر في النتائج التي توصلت لها لجنة الحقيقة والكرامة التونسية.
ويدعي هؤلاء الاستبداديون أن الأحزاب السياسية الإسلامية قد تشارك في لعبة الديموقراطية، لكنها ما إن تتبوأ مقاعدها من السلطة حتى تقضي على الحريات وتقوض مؤسسات الدولة. كما أقنع المستبدون القادة الأمريكيين والأوروبيين بأن نُظمهم كانت الحصن الوحيد ضد التطرف.
واليوم، عاد النظام الذي يحكم مصر – البلد العربي الأكثر عددا من السكان – إلى هذه الوسائل المدروسة جيدا. فرئيسها «عبد الفتاح السيسي» يثير التهديد الإسلامي عمدا كوسيلة لتعزيز شرعيته الداخلية والخارجية وتبرير القمع.
ما يخشاه السيسي والجيش المصري حقا ليس الإسلاميين، بل الديمقراطية نفسها. ومع ذلك، فقد اقتنع العديد من المصريين بأسطورة أن سطوة الرجل القوي هي الحصن الوحيد ضد الفوضى والثيوقراطية الإسلامية.
في خطاب مناهض للإسلاميين، لا يمكن تمييز جماعة الإخوان المسلمين عن الجماعات الجهادية العنيفة. ولا ننسى أن الإسلاميين شاركوا سلميا في السياسات البرلمانية في بلدان مثل الكويت والمغرب والأردن منذ سنوات عديدة وإلى الآن، وفي تونس منذ عام 2011.
تتجاهل الرواية الدعائية المناهضة للإسلاميين في مصر هذه الحقيقة، وبدلا من ذلك أعلن نظام السيسي جماعة الإخوان المسلمين المصرية كجماعة إرهابية. وأعاد أيضا قانون الطوارئ؛ الذي اُستخدم في التاريخ المصري الحديث لإسكات المعارضة، بينما لا يفعل شيئا يُذكر لصد الهجمات الإرهابية.
وفي تونس، تم استغلال المشاعر المعادية للإسلاميين لأغراض سياسية، ولصرف انتباه المواطنين والغرباء عن الممارسات المناهضة للديمقراطية.
ومؤخرا دفع الرئيس التونسي «باجي قائد السبسي»؛ الذي قضى معظم حياته في خدمة الديكتاتوريين، إلى رفع الحظر عن فكرة زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين، ودعا لإجراء تعديلات على القوانين الجنسية القائمة على التمييز بين الجنسين. ومع ذلك، لم يفعل سوى القليل لإصلاح وزارة الداخلية والشرطة في تونس، والمعروفة كمصدر للقمع، وتتزعم تراجعا مُقلقا للمبادئ الديمقراطية.
هذا الخط العنيد المناهض للإسلاميين له جهات خارجية قوية. كما تستخدم دولة الإمارات العربية المتحدة نفوذها المالي والدبلوماسي (في بعض الأحيان في تحالف مع حلفاء دول الخليج العرب) في حملة قاسية ضد الإخوان المسلمين.
وقد دعّم الإماراتيون بعض الرموز المعادية للإسلاميين مثل «خليفة حفتر»، الذي يُسيطر على شرق ليبيا، والذي تقوم ميليشياته بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان موثقة جيدا باسم محاربة الإسلاميين. وتدخلت السعودية أيضا دعما لسياسات من أُطلق عليهم «السلفيين الهادئين في ليبيا».
إن موجة القومية والشعبوية التي تجتاح المجتمعات الغربية (والتي تتميز بكراهية الإسلام كعقيدة أساسية) قد تطرقت أيضا إلى السرد المناهض للإسلاميين بمساعدة حرب المعلومات الروسية.
وقد ساعد ذلك على إقناع العديد من الأوروبيين بأن الاستبداد في العالم العربي هو الحصن الوحيد ضد الإسلام المتطرف. ونتيجة لذلك، تُظهر الأحزاب اليمينية الشعبية الأوروبية وأتباعها تأييدهم لبشار الأسد الذي برأيهم يخوض معركة شريفة ضد الجهاديين. ناهيك عن كونه مدعوما أيضا من إيران الثيوقراطية وعشرات الميليشيات الشيعية ذات الدوافع الدينية. وكل هذا يضعف من قوة أوروبا كقوة إيجابية دافعة للإصلاح في العالم العربي، والتي لم تكن يوما راعية لهذه الديمقراطية العربية.
وبالمثل، فقد أشارت إدارة «دونالد ترامب» في كثير من الأحيان وبصراحة إلى دعمها غير المشروط للقادة الاستبداديين العرب كشركاء في مكافحة «التطرف الإسلامي العنيف».
في إبريل/نيسان 2017، صُوّر الرئيس المصري «السيسي» – وهو بكل المقاييس أكثر قمعية من «حسني مبارك» – جالسا إلى جانب ترامب في البيت الأبيض، يتحدثون بصخب حول أولويات الإدارة الأمريكية ومدى جاهزيتها لتلبية حاجات الديكتاتوريين العرب القاصدين لرؤسائها المتعاقبين. في الوقت الذي يتمتع فيه صهر ترامب ومستشاره «جاريد كوشنر» بعلاقات وثيقة مع ملوك السعودية والإمارات.
تم استخدام حملة ما بعد الربيع العربي ضد الإسلام السياسي كثيرا لتبرير الإقصاء السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان. والتي زاد نهجها الأيديولوجي الجامد من ترسيخ الاستبداد وتعزيز مشاعر التهميش التي يمكن أن تدفع إلى التطرف.
يستحق المصريون والليبيون والتونسيون وغيرهم من العرب ما هو أفضل من وضعهم بين خياري التطرف والفوضى من جهة أو الاستبداد من جهة أخرى.
كما حان الوقت أيضا ليتصدى الزعماء الغربيون الشجعان علنا لمؤسسات وأساليب الحملة ضد الإسلام السياسي السلمي، لا لأنهم يتفقون مع برامج أحزابه، بل لأنهم يعنون بالديمقراطية.