باقية وإن لم تتمدد: خطة داعش لمواجهة الهجمة الأمريكية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تنحسر قوة تنظيم الدولة الإسلامية. فمع خسارته في الرمادي وتدمر على مدار الأشهر الماضية، والتقدم الثابت للمقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في شمالي سوريا والعراق، يستمر فقدان التنظيم للأراضي. كما يفقد المتطوعين بسبب إصاباتهم أو فرارهم، وينضغط تمويله بفعل ضربات التحالف على مواقع تخزين الكميات الكبيرة من النقد ومصافي النفط. وفي تلك الأثناء، تنجح حملة التحالف للقضاء على الأهداف الثمينة بساحات المعارك.
ومع ذلك، لا تبدو الهزيمة وشيكة. فلا يزال التنظيم يسيطر على أراضٍ هامة، بما في ذلك الرقة – عاصمة الخلافة – ومدينة الموصل العراقية ومساحات شاسعة من الأراضي في محافظة نينوى المحيطة، بالإضافة إلى الجيوب السنية القاحلة في محافظة الأنبار، مثل الفلوجة وهيت وحديثة. علاوة على ذلك، رغم أن التحالف قد جرّد الدولة الإسلامية من ملايين الدولارات، يرجح أن يتوصل التنظيم إلى وسائل جديدة ومبتكرة لسد النقص في صندوق حربه المتقلص.
بالنسبة لأبو بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية، لا يعد الاستسلام خيارًا واردًا. وفي ضوء السلوك المروع لقيادة الدولة الإسلامية وهدفها المعلن، وهو تأسيس خلافة تحكمها الشريعة، تعد التسوية عن طريق التفاوض فكرة مُجهضة من البداية. ففي الماضي، تميزت التمردات التي انتهت بهذه الطريقة بوجود قادة معتدلين، متمردين مستعدين لتقديم تنازلات، وحكومات مستعدة لقبول المتمردين كشركاء تفاوض شرعيين. لكن الدولة الإسلامية وخصومها لا يتشاركون أيًا من هذه السمات.
لذلك سيصيغ قادة الدولة الإسلامية في الرقة قريبًا خطة للطوارئ، إن لم يكونوا قد صاغوها بالفعل – وهي «خطة بديلة» سيضطر الغرب للتعامل معها. فيما يلي أطرح بعض الخيارات التي قد يضعونها في الحسبان.
العمل بشكل سري
كحال التمردات الناجحة في الماضي، قد يتمثل أحد الخيارات بالنسبة للدولة الإسلامية في تأسيس شبكة سرية للحكم ونقل المعركة إلى ما وراء الستار. قد يشبه مثل تلك الشبكة ما أنشأته حركة طالبان بالفعل في أفغانستان – حيث يحكم حكام الظل في محاكم الشريعة، وعادة ما يصبحون الأسلوب المفضل لتطبيق العدالة بالمقارنة بمسؤولي الدولة الأفغانية. تمنح هذه الصورة من الحكم بدورها الشرعية للتنظيم وسط قطاعات محددة من الشعب.
بينما قد يكون هذا الخيار مقنعًا بالنسبة للبعض في التنظيم، لن يصمد مقاتلو التنظيم الأجانب بسهولة في حال تطبيقه، خصوصًا الآلاف القادمين من الدول الغربية. وحتى المواطنين الأوروبيين من أصل مغربي أو جزائري سيبرزون وسط الشعوب الأصلية؛ ما قد يمثل سببًا لعودة كثير منهم إلى بلادهم – بما في ذلك نسبة تقدر بما يتراوح بين 20 إلى 30 بالمئة من المواطنين الأوروبيين الذين انضموا للقتال في سوريا. وقد ينضم المقاتلون الأجانب غير الأوروبيين إلى تنظيمات جهادية أخرى، بما في ذلك جبهة النصرة، تابع تنظيم القاعدة في سوريا.
على الجانب الآخر، يرجح أن الأمر سيستغرق الكثير من الوقت، إن حدث من الأساس، قبل أن تقيم سوريا أو العراق مؤسسات شرطية ومخابراتية قادرة على تحديد هويات مقاتلي المقاومة السريين والإمساك بهم. وإن اعتبر السكان السنة المحليون الجيوش التي تهزم الدولة الإسلامية جيوشًا شيعية أو علوية قمعية، قد يستمر الجهاديون في إيجاد جمهور متعاطف معهم. لكن الضحايا السنة للدولة الإسلامية قد يتمكنون بنفس السهولة من الانقلاب على قامعيهم السابقين التابعين للتنظيم، ساعين للانتقام من الوحشية التي تعرضوا إليها.
الانتقال
يمكن لقادة الدولة الإسلامية الهروب بالتناوب إلى معقل جهادي آخر، كليبيا. وبينما قد يطيل التغيير الإستراتيجي للموقع صمود التنظيم على المدى القصير، سيمثل هذا الانتقال ضربة لمصداقية التنظيم المسلح، بما أن خطاب الخلافة كان مصقولًا بعناية.
لا يزال أمام التنظيم أن يقاتل ميليشيات ليبيا القبلية المختلفة ليستقطع مساحته الخاصة. وقد يرى أنها مقامرة تستحق الجهد؛ أي الرهان على أن إدارة الرئيس باراك أوباما «والإدارة التالية» ستفضل تجنب فتح جبهة عسكرية جديدة في الحرب العالمية الجارية ضد الإرهاب.
لكن نقل الإدارة المركزية للتنظيم إلى ليبيا سيكون محفوفًا بالمخاطر. حيث سيسجل تراجعًا بالنسبة لداعمي التنظيم، كما سيؤدي للتخلي عن زعم التنظيم بشأن سوريا، المرتبطة بشكل وثيق بنبوءات نهاية العالم عن القتال في الشام، بما يشمل بلدة دابق الشمالية، حيث يعتقد الجهاديون أن المعركة الأخيرة بين الخير والشر ستجري.
مع سلب أراضيه في قلب الشرق الأوسط، لن يكون التنظيم دولة موحدة له خلافة قائمة في العراق وسوريا، بل سيشبه أرخبيلًا من التابعين والأفرع المنتشرة في أنحاء المنطقة، من الشام إلى شمال أفريقيا. لكن يمكنه أن يبقى كحالة ذهنية، حيث سيكون من الخطأ افتراض أن الدولة الإسلامية المتفرقة جغرافيًا لن تتمكن من الحفاظ على ولاء مقاتليها.
التصعيد
قد تتضمن خطة الدولة الإسلامية البديلة أيضًا هجومًا يائسًا لإرباك وتشتيت أعدائها. قد تتضمن الخيارات جمع كل شيء ضمن هجومٍ عسكري كامل، مثل هجوم آردن الخاص بألمانيا النازية، الذي أدى إلى «معركة الثغرة» عام 1944، أو «هجوم تيت» عام 1968، الذي دمر الفيتكونج وحطم الإدارة السياسية الأمريكية.
الهجوم الشامل من قبل الدولة الإسلامية قد يتضمن اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، حملة إرهاب في بغداد و دمشق، أو هجوم مثير مصمم لجر الولايات المتحدة أو أوروبا إلى الحرب بشكل أكبر؛ وبالتالي تغيير معادلات الصراع.
ستكون التكاليف العسكرية لمثل هذا الهجوم كبيرة، لكنه قد يغير معادلات الصراع. حيث قد يكلف الهجوم اليائس قادة الدولة الإسلامية في الرقة جزءًا كبيرًا من مقاتليهم. ولكنه سيذكر العالم – والمتطوعين المحتملين – بأن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال قوة لا يستهان بها.
تجنب مصير القاعدة
أيًا ما سيكون عليه مصير الدولة الإسلامية، يشك قليلون في أن التنظيم سيبقى كقوة نفسية قوية. لكن إن تبعثر مقاتلوه في الخارج، قد نرى إعادة لمشهد تهشّم تنظيم القاعدة، حيث تبعثرت عناصر التنظيم الرئيسية في اليمن، شمال أفريقيا، سوريا والعراق بعد انهيار حكم طالبان في أفغانستان. قلّص هذا الانحلال إلى حد كبير قابلية تنظيم القاعدة المركزي للنمو في باكستان، مع حقن حياة جديدة داخل التنظيمات التابعة له في الخارج.
لن يكون ذلك أمرًا مرغوبًا فيه بالنسبة للبغدادي؛ حيث قد يجعله صوتًا بعيدًا في موقع سري، يحض الآخرين على القتال، كحال قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري – وهو قائد نظري يتجاهله البغدادي نفسه.
من المعقول أيضًا أن يندمج سويًا مختلف المنشقين عن القاعدة والدولة الإسلامية، رغم العداوة، مع سماحهم للآخرين بأن يبقوا ككيانات منفصلة. وقد ينتهي الأمر بتنظيم الدولة الإسلامية الممزق بتعزيز التنظيمات الإرهابية الموجودة، مثل الشباب في أفريقي أو التنظيمات السلفية في سيناء، كجند طليعة في صراعاتهم الخاصة الأضيق أفقًا.
من القرن الأفريقي إلى جنوب آسيا، هناك بالفعل أمثلة كثيرة على الجهاديين وفصائل التنظيمات الجهادية المهاجرة من القاعدة إلى الدولة الإسلامية. في أكتوبر 2014، أعلن ستة أعضاء رفيعي المستوى في حركة طالبان الباكستانية ولاءهم للدولة الإسلامية. بعد عام، أقدم فصيل بارز من حركة الشباب تحت قيادة عبد القادر مؤمن على الأمر ذاته. وفي النهاية، هناك تشابهات أكثر من الاختلافات بين الدولة الإسلامية والقاعدة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالفكر.
هل يستطيع تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يقتات على الغنائم المسروقة، أن يصمد ماليًا دون أراضيه؟، هل سيلعب المتبرعون الأثرياء من الخليج – الأنصار المتشددون للوهابية والسلفية – دورًا أكبر في التنظيم؟، إنهما سؤالان بالغا الصعوبة، خصوصًا مع تحاشي الدولة الإسلامية إلى حد كبير لرعاية أي دولة وللمانحين الأثرياء. لكن دون السيطرة الإقليمية، ستنخفض إلى حد كبير قدرة التنظيم على انتزاع الأموال منهم تحت سلطته، وستكون الأنشطة الإجرامية -في صورة الاختطاف مقابل فدية، النهب، تهريب البضائع، والاتجار- على الأرجح أقل ربحًا.
عادة ما تخفق أفضل الخطط
مع تفتت خلافة الدولة الإسلامية، يرجح أن قيادتها ستكون مهتمة بحماية نفسها، تحسين المعنويات المتراجعة، واجتذاب المتطوعين مع الحفاظ على حصتها السوقية في العالم الجهادي. ولكن مثلما يعلم المدير التنفيذي لأي شركة، عندما تكون شركة على وشك التعرض للاستحواذ أو الدمج مع كيان آخر، يمكن للمناخ الداخلي أن يزداد يأسًا. حيث يتخلى الأفراد عن روح العمل الجماعي للتركيز على النجاة بشكل فردي.
كذلك قد يحدث مع الدولة الإسلامية. فقد يضع البغدادي خطته المفضلة، لكن قد لا يتفق الجميع معه. فربما يقوم الجنود بحسابات فردية. وفي النهاية، لقد استفاد التنظيم من الانقسام داخل القاعدة – حيث لم يكن قادته حريصين أبدًا على أخذ التعليمات ممن اختلفوا معهم، خصوصًا فيما يتعلق بالشؤون التكتيكية والإستراتيجية.
أيًا كان المسار الذي سيتخذه التنظيم، يرجح أن خطته البديلة سرية للغاية. وذلك، في حد ذاته، قد يولد مزيدًا من عدم الثقة وسط الجنود، في ضوء التسريبات الأخيرة لقائمة بأسماء مقاتلي الدولة الإسلامية. قد يجعل ذلك قيادة التنظيم أكثر إصابة بجنون الشك من أي وقت مضى.
قد يكون هناك أيضًا اختلافات في الرأي داخل قيادة التنظيم. فقد ينقلب مساعدو البغدادي عليه، حيث يصعب الحفاظ على الولاء وفرض النظام أثناء الخسارة.
سواء اتجه التنظيم إلى السرية، انتقل إلى منطقة أخرى، أو نظم سلسلة من الهجمات المروعة، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكونوا مستعدين لمواجهته عند كل منعطف. ينبغي على الغرب ألا يتوهم أن تنظيم الدولة الإسلامية سيركن إلى الهزيمة، بل يجب أن يركز على إحباط خطة التنظيم البديلة.