تعرف إلى عشرة كتب عربية هامة صدرت في 2015
المعرفة بحر لا تدرك شواطئه، ولعلك أيها القارئ واحد من هؤلاء الذين أعيتهم ملاحقة الكتب، ومحاولة الاستيعاب، بين أن تأتي على ما فات من الأعمال الهامة، وبين أن تتابع ما يستجد. وعلى الرغم مما لاقته الأمة العربية من خيبات وما عانته من تجارب مؤلمة في العام 2015، إلا أنه كان عاما ذاخرا بنشر الكتب العربية الجادة في المجالات المختلفة. لعل لذلك أسباب كثيرة، لكن لا ريب أن على رأسها سببين:
الأول هو التطور الكبير الذي شهدته صناعة النشر العربية، حيث شرع عدد من مراكز الأبحاث الكبرى يشارك تلك الدور الكلاسيكية نشر الكتب، علاوة على مساهمات ما استطاع مقاومة الظروف السياسية والاقتصادية العصيبة في البلدان العربية، والاستمرار، من مشاريع النشر الشبابية المتواضعة.
أما السبب الثاني فكان الظرف العربي المأزوم الذي صنع القضايا وشحذ همم الباحثين والكتاب إلى الإسهام بأعمال متنوعة في محاولة إدراك الراهن وتحديد السبل المناسبة للتعاطي معه.
أما الملاحظة التي لا يمكن أن نغفلها من جهة أخرى، فكانت غياب الأسماء الكبرى من المفكرين والعلماء والكتاب التي اعتادت سوق النشر العربية الاعتماد عليها، حيث غيّب الموت عددا لا بأس به منهم، بينما حالت الشيخوخة بين كثير منهم وبين مواصلة الإبداع، وربما كان قبل ذلك كله سبب أعمق كامن في الثقافة العربية، يعلن إسدال الستار على زمن المشاريع الكبرى والمفكرين النجوم وسيادة الفلسفة، ويعلن بداية عهد قائم على البحث الأكاديمي في موضوعات جزئية.
وقد حاولنا في هذا التقرير أن نجمع للقارئ العربي عشرة أعمال هامة كانت قد صدرت في العام 2015، لعلنا بذلك نمد له يد العون بأن نقدم له نصيحة عن أعمال محددة يمكن أن يقتنيها تساعده على مواكبة جديد الثقافة العربية، دون أن يحتاج إلى الاستيعاب المرهق له ماديا وذهنيا. وقد استثنينا من تلك الأعمال، المترجمات، التي تستحق أن يفرد لها تقرير خاص من جهة، لأهميتها ولازدهار حالة الترجمة العربية مؤخرا، ومن جهة أخرى لكي نلقي الضوء على حالة الإبداع العربية خاصة. وهذا هو ما يقال أيضا بخصوص الأعمال الأدبية. (ترتيب الأعمال عشوائي)
1. العلاقات المدنية-العسكرية والتحول الديموقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير
الكتاب الأول هو “العلاقات المدنية-العسكرية والتحول الديموقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير” والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هذا العام. الكاتب هو الباحث هاني سليمان الحائز على ماجستير دراسات العالم الإسلامي من جامعة زايد بدولة الإمارات العربية المتحدة.
يغني اسم الكتاب عن توضيح أهميته، وقد شرع الكاتب فيه في تموز/يوليو 2013، أي عندما فرض تحرك المؤسسة العسكرية في مصر، والتهديد الذي فرضته بإمكان عودة النظام البريتوري (نسبة إلى الحرس البريتوري أو حرس الإمبراطور الروماني والذي عرف تاريخيا بتدخله في عزل الإمبراطور ومساعدة خلفه على تولي السلطة محله) الذي تفرض فيه المؤسسة العسكرية نفسها على السياسة في الدولة العربية.
2. متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية
فرضت الحركات الجهادية نفسها على الساحة في الآونة الأخيرة، وربما فرضها خصومها عن قصد أو بغير قصد، وقد باتت على كل حال تتصدر النقاش السياسي والثقافي في الوطن العربي، وربما في العالم أجمع، مع تطورها العولمي الأكثر وحشية وفتكا في شكل تنظيم الدولة. لذا تكتسب رسالة الدكتوراه التي أعدها الباحث المصري د. هاني نسيره، ونشرها مركز دراسات الوحدة العربية المعروف بجودة أعماله، أهمية مضاعفة على أهميتها التي تكتسبها من جودتها وبراعة كاتبها الأكاديمية استقصاء وتحليلا.
وقد عمد الباحث إلى تفكيك مقولات ابن تيمية التي تم توظيفها من قبل السلفية الجهادية وتفكيك تلك التأويلات. يعتبر الفصل الأول تأسيسا نظريا لمنهجية الكاتب، حيث يطرح فيه مفهومه عما يطلق عليه “مشكلة الاشتباه” والتي يعني بها الأسباب الأصلية للخطأ في فهم خطاب ابن تيمية، والتي حددها الباحث في عدم التفريق بين مستويات الخطاب التي منها ما هو تاريخي مرتبط بالوقائع والذي يتمثل في الفتاوى، وتأسيسي يتعلق بالمنهجية والقواعد، وهو ما ينبغي رد الفتاوى إليه وفهمها في ضوئه.
الفصل الثاني جاء دراسة للنظرية السياسية عند ابن تيمية. أما الفصلان الثالث والرابع فهما المخصصان لعلاقة ابن تيمية بالسلفية الجهادية. ويُخصص الفصل الخامس لدراسة نظرية الجهاد عند ابن تيمية.
3. ما بعد السلفية: قراءة نقدية في الخطاب السلفي المعاصر
أثار كتاب “ما بعد السلفية: قراءة نقدية في الخطاب السلفي المعاصر” الصادر عن مركز نماء للبحوث والدراسات، للباحثين السلفيين البارزين أحمد سالم وعمرو بسيوني، عاصفة من النقاش الساخن في الساحة السلفية. فعلى الرغم من تأكيد الباحثين في مقدمة الكتاب أنهما لا يقصدان إلى نفي وجوب التسلف، كما أن “ما بعد السلفية” لا يعني لديهما أكثر من أفق جديد يتم فيه نقد وتقويم المواقف السلفية السابقة دون نفيها كلية، لم يشفع لهما ذلك عند معظم الكتاب السلفيين الذين صوّبوا سهام نقدهم الحاد إليهما.
يناقش الكتاب عبر فصوله مفهوم السلفية الذي يرى أنه يطلق على كل من ينتسب إلى مذهب السلف (الصحابة والقرون المفضلة) عبر التاريخ، وهو أمر واجب في نظرهما، غير أنه لا يجوز ادعاء اكتماله أو حصره في فئة بعينها، ومن ثم يبدأ في عملية نقدية ممتدة عبر التاريخ لممثلي السلفية من العلماء والمذاهب والحركات.
في الفصل السادس، يحدد الكاتبان عوامل أفول السلفية المعاصرة، ليحددا في الفصل السابع مسارات زمن الأفول، وأهمها هو المسار الذي سيمارس مراجعات على التراث، ويحدد الكاتبان الضابط الذي يبقي على من ينتهج هذا المسار سلفيا بأن يكون تخليه عما كان يمثل قطعيات في السلفية التقليدية قد جاء وفقا للآلية المعرفية السلفية نفسها، لا الآلية الأشعرية من جهة، ولا الآلية التنويرية الجذرية (العلمانية) من جهة أخرى.
4. الدين والإمبراطورية: في تنوير الإنسان الأخير
يجد هواة الفلسفة بغيتهم في عمل الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود بالتعاون مع المركز الثقافي العربي “الدين والإمبراطورية: في تنوير الإنسان الأخير”.
يناقش المسكيني في عمله الجديد صورة الإله التوحيدي ذات الطابع الإمبراطوري الذي يهدد الإنسان الغربي، حيث تفرض هذه الصورة نفسها وقيمها على العالم. وفي المقابل يحاول المسكيني أن يؤسس لتنوير غير عنيف بعدما تسببت فيه الغزوات الأمريكية للعالم من خراب وأزمات. يستخدم المسكيني تعبير “الإنسان الأخير” وهو ما يعيد إلى الأذهان كتاب “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” للمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما، فيبدو أن أطروحة المسكيني تأتي تقويما وتطويرا لأطروحة فوكوياما.
5. العثمنة الجديدة: القطيعة في التاريخ الموازي بين العرب والأتراك
في ظل اشتباك الجوار الإسلامي للعالم العربي، وتحديدا إيران وتركيا، مع قضايا العالم العربي الداخلية، وطموح كلتا الأمتين لاستعادة حضورها التاريخي فيه، يأتي كتاب المؤرخ العراقي سيار الجميل: “العثمنة الجديدة: القطيعة في التاريخ الموازي بين العرب والأتراك” والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
خصص الكاتب فصل كتابه الأول لنقد نظرية العمق الاستراتيجي لرائد العثمنة الجديدة المفكر والسياسي التركي أحمد داود أوغلو، حيث أدرج الكاتب الانتقادات التي وجهت إلى المشروع بسبب تناقض السياسات التركية بين التوجه للغرب وبين محاولة تمثيل العالم الإسلامي.
في الفصول من الثاني إلى الخامس، يدرس الكاتب ويحلل تاريخ العثمنة بداية من مشروع “باكس أوثمانيكا” أو “السلام العثماني” الذي أطلقه محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية، وتحولت معه الدولة إلى إمبراطورية لها تقاليد راسخة ومستوعبة لرعاياها، مرورا بعصر التنظيمات ومطالب الإصلاح العربية والتركية، وانتهاء عند الكمالية والمواقف المتباينة منها. أما الفصل السادس فيدرس الفكر الإسلامي في تركيا، بينما يدرس السابع مفهوم العثمنة الجديدة في تطبيقه المعاصر، ويخصص الثامن لدراسة تجربة الإسلام السياسي في تركيا.
6. الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها
حظي عمل د. هبة رؤوف عزت الصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر “الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها” بقبول واسع، نظرا لما تحظى به الكاتبة من قبول واسع لدى جمهور من القراء والباحثين من جهة، ونظرا لخطورة موضوعه في ظل المأزق النظري والعملي الذي يعانيه الإسلاميون اليوم.
وتهدف الكاتبة عبر عملها إلى تحرير الخيال السياسي للإسلاميين من مركزية أسطورة الدولة الإسلامية، التي خلقها هاجس العلمانية الذي سيطر على الإسلاميين فأسقطهم في ثنائية الحاكمية أو العلمانية؛ ومضمونها محاولة استعادة الرابطة الإسلامية على قاعدة الدولة الحديثة، التي تقوم هي نفسها على تقويض مفهوم الأمة. وتخلص الكاتبة إلى أن الإجابة عن سؤال النهضة لا ينبغي البحث عنه في صورة الدولة الإسلامية، ولكن في الأمة والشريعة، ولعل هذا هو ما أفردت إليها عملها الآخر الذي صدر مواكبا لذلك: نحو عمران جديد.
7. سوريّة والصعود الأصولي: عن الأصولية والطائفية والثقافة
لا يمكن أن تخلو المكتبة العربية في 2015، من إضافة جديدة تتعلق بالقضية السورية التي باتت تطغى اليوم على غيرها من مسائل المشهد العربي، بل أضحت معتركا دوليا تورطت فيه مختلف القوى الدولية. وقد أتت هذه الإضافة من المفكر السوري الكبير عزيز العظمة عبر كتابه “سوريّة والصعود الأصولي: عن الأصولية والطائفية والثقافة” والصادر عن رياض الريس للكتب والنشر. وعلى الرغم من ارتباط الكتاب بالمسألة السورية، إلا أنه يطمح إلى تقديم رؤية شاملة عن الأصولية وبناها العميقة وآفاقها المستقبلية.
8. السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للأفلام
على الرغم من الأثر القوي للسينما، والتاريخ الطويل للحركة السينمائية في العالم العربي، إلا أنها لم تحظ بما يجب أن يكون من دراسة وتأريخ. لذا يضطلع الناقد اللبناني إبراهيم العريس بمهمة التأريخ للسينما العربية عبر سلسلة من ثلاثة أجزاء. صدرت الحلقة الأولى من تلك السلسلة في كتاب “السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للأفلام” عن مركز دراسات الوحدة العربية، وقد خصصت للأفلام فضمت نحو مئتي فيلم. وينتظر صدور حلقتين أخريين تختص الأولى منهما للمخرجين، بينما يقدم المجلد الأخير دراسة تحليلية جامعة.
9. ما بعد الصحوة: تحولات الخطاب من التفرد إلى التعدد
الدكتور عبد الله الغذامي قامة نقدية عربية كبيرة، وقد شارك في نشر العديد من المفاهيم والنظريات النقدية الحديثة في الغرب. وفي كتابه الجديد: “ما بعد الصحوة: تحولات الخطاب من التفرد إلى التعدد” الصادر عن المركز الثقافي العربي، يطبق الغذامي أدواته النقدية والثقافية ليؤكد عبر كتابه أن الصحوة الإسلامية لم تكن أكثر من ظاهرة ثقافية ارتبطت بظرف راهن، مثلها مثل القومية العربية من قبلها، ولم تكن سببا في تدين المجتمع أو إسلاميته كما نظر إليها البعض.
10. الاقتصاد السياسي للنفط وأسباب الهبوط الحاد في أسعار النفط الخام
صدر عن مركز دراسات الوحدة كتاب “الاقتصاد السياسي للنفط: رؤية عربية لتطوراته” للأكاديمي الكبير يوسف بن خليفة اليوسف، والذي يقدم تأريخا للنفط العربي منذ اكتشافه، ويقوم برصد وتحليل العوامل والتأثيرات التي تحيط بالنفط العربي بلغة بسيطة قريبة من القارئ. ولا شك أن هذا الكتاب يكتسب أهمية مضاعفة في ظل هذه اللحظة التي تتراوح فيها أسعار النفط بشكل يؤثر بقوة على اقتصاديات دول الخليج، التي تضاعف دورها الإقليمي اعتمادا على مكاسبها في العقود الأخيرة من تصدير النفط. ويمكن أن يضيف القارئ لهذا الكتاب من أجل قراءة أكثر راهنية، كتاب: “أسباب الهبوط الحاد في أسعار النفط الخام: فائض الإنتاج أم السياسة الدولية؟” للخبير الدولي في شئون النفط ممدوح سلامة والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.