من تلميذ إلى أستاذ: تعرف على سر تطور ميسي في الضربات الحرة
حقيقة لا أعرف، ما هو شعور أفضل لاعب في العالم عندما يشكك البعض في مهاراته؟ اللاعب الذي تجاوز الكثيرين بتنصيبه على عرش الأفضل في التاريخ ما زال سيئ الحظ حتى ينتقل من مواجهة تهم الاختفاء في المباريات الكبرى إلى تهمة البيروقراطية المملة.فاجأ الأسطورة البرازيلية «بيليه» متابعي كرة القدم عندما قرر التقليل من شأن «ليونيل ميسي» بطريقة مبتكرة، ناعتًا إياه بصاحب المهارة الوحيدة، والذي لا تجوز مقارنته بأعداء الروتين الذين يسددون باليمين واليسار والرأس.
الجانب المضيء من تصريح «بيليه» أنه أعادني لفترة الطفولة عندما كنت أكتفي بمتابعة كرة القدم من خلال مقاطع اليوتيوب المصحوبة بموسيقى صاخبة، حيث كان كريستيانو في تلك الفترة يقدم كل أنواع المهارات والمراوغات، عكس ميسي الذي طننته مملاً لأنه كان يكتفي بالركض بجانب خصومه متجاوزًا إياهم كأنهم أقماع ثابتة، هذا لأن متطلبات الإقناع ازدادت تعقيدًا، فما بالك بإقناع أحد أساطير اللعبة؟
لم يكن «بواتينج» قادرًا على إخبار «بيليه» عن هدف «ميسي» بيمينه، لأن الوصف من الوضع راقدًا ليس دقيقًا. أما رأسية «ليو» في نهائي دوري أبطال أوروبا في مرمى «فان دير سار» فهي حدث نادر لا يتكرر كثيرًا؛ لأن الفتى الذي عانى من نقص هرمون النمو لم يتبجح ويطلب من ربه المزيد من الطول، كي يستطيع إقناع البرازيلي الملقب بالجوهرة السمراء. والعمل؟ البحث عن مهارة جديدة، وقد وقع الاختيار على الضربات الحرة.
ضربة الجزاء أم الضربة الحرة؟
بالنظر إلى قائمة أفضل اللاعبين منذ الألفية الجديدة، فستجد أن عددًا لا بأس به منهم كان يجيد تنفيذ الضربات الحرة، لكن بنسب متفاوتة، وعلى رأس القائمة: زيدان، ورونالدينيو، وبيكهام. وبالتالي عندما انحصر صراع الأفضل بين «كريستيانو رونالدو» و«ميسي»، كانت الركلات الثابتة أحد بنود المقارنة، وكان البرتغالي أسبق لإدراك ذلك وبرع في تنفيذها بتكنيكه الخاص.
بين عامي 2009 و 2015، أحرز «رونالدو» 17 ركلة حرة في الليجا، واكتفى «ميسي» في نفس الفترة بإحراز 11 فقط. أضف إلى ذلك 13 ركلة كان «كريستيانو» قد أحرزها رفقة مانشستر يونايتد، فيما أحرز «ميسي» أولى ركلاته في عام 2008، في مرمى أتلتيكو مدريد على ملعب الكامب نو. كان الفارق واضحًا لصالح نجم يوفنتوس الحالي، وحينما بدأ «ليو» في إدراك الأمر، أخد الأمر طابعًا كوميديًا بعض الشيء.
بعد أن أجاد «ميسي» تنفيذ الركلات الحرة، باتت الجماهير تسخر من موقفه عند حصول برشلونة على ركلة جزاء، بداعي أن نجمهم الأرجنتيني يتمنى لو كانت ضربة حرة على حدود المنطقة؛ لأن ضربات الجزاء هي الشيء الوحيد الذي استطاع إنزال ميسي من الفضاء إلى الأرض.
بالطبع لا حاجة للمقارنة بينهما،فنسبة تحويل ضربات الجزاء المحتسبة أثناء المباراة إلى أهداف تصل إلى 80%، وتنخفض النسبة إلى 75% في تلك التي تعقب انتهاء الوقت الأصلي والإضافي، على عكس الركلات الحرة التي لا يعبأ أحد بقياس نسبتها. نستنتج من ذلك أن ضربات الجزاء تعتبر فرصة مؤكدة، ضياعها يعني محاسبة المذنب. أما الركلات الحرة فإحرازها يعطيك ميزة إضافية، وضياعها لن يشعر به أحد، لذلك أصبح «ميسي» أكثر ارتياحًا لها وقرر خوض التجربة ولو متأخرًا.
لا نتدرب عليها هنا
لم يكن ميسي مذنبًا في بدايته المتأخرة لإتقان الضربات الثابتة، لأن الأمر كان يتعلق بنظام أكاديمية اللاماسيا ككل.أخبر المدير السابق للأكاديمية «ألبرت بيناجيس» موقع «Goal» بأن الضربات الثابتة لم تكن ضمن أولويات الأكاديمية؛ لا يهملون التدريب عليها تمامًا لكن لا يتم التركيز عليها بشكل أو بآخر.
زميل ميسي السابق في مرحلة الناشئين «روجير جيريبيت» أخبر موقع «Goal» أيضًا بأن اللاعب الأرجنتيني لم يكن المسدد الأول للضربات الحرة في فريقه. كان هنالك «فيكتور فاسكيز»، والذي كان يتمتع بقدم يسرى مميزة وفقًا لوصف «روجير»، ثم يليه «جوانجو كلاوسي».
هكذا استكمل «روجير» وصفه لتلك المرحلة، لندرك جميعًا أن «رونالدينيو» لم يكن العائق الوحيد أمام «ميسي». فجميعنا يتذكر أن فترة صعود «ليو» للفريق الأول لبرشلونة تزامنت مع وجود الساحر البرازيلي، الذي كان المسدد الأول للضربات الحرة. لذلك كان من الطبيعي أن يأتي أول أهداف ميسي من ضربة حرة في الموسم الأول بعد رحيل رونالدينيو.
حينها كان ميسي يجرب حظه فقط، ولم يكن قد أتقن تكنيكًا خاصًا، ومعدلاته كانت تؤكد ذلك. فوفقًا لحساب الليجا الرسمي على موقع تويتر، اكتفى ميسي بتحويل ضربة حرة واحدة فقط إلى هدف في مواسم منذ 2008/09 حتى موسم 2010/11. حتى فيما بعد، ظلت معدلاته منخفضة وفقًا لأرقام شبكة الإذاعة البريطانية «BBC» والموضحَة في الرسم البياني التالي، الذي يوضح أن الطفرة قد بدأت في موسم 2015/16، وليس بعد نصيحة مارادونا الشهيرة.
نصيحة واحدة لا تكفي
أثناء فترة تدريب مارادونا للمنتخب الأرجنتيني وتحديدًا في فبراير عام 2009،يحكي «فيرناندو سيجنوريني» عما حدث في نهاية إحدى الحصص التدريبية، عندما كان ميسي يهم بمغادرة الملعب يائسًا عقب إهداره تقريبًا كل الضربات الحرة. استوقفه مارادونا وتوجه إليه، وضع يده على كتف ميسي، وبدأ في توجيهه بهدوء كما يوجه الأستاذ تلميذه.
حتى ذلك الحين، لم يكن ميسي قد استقر بعد على أسلوبه الخاص للتسديد، أو تدرب عليه لساعات لإتقانه. وبالتالي فإن مفعول هذه النصيحة لم يكن سريعًا، لأنها في الأصل تبدو نصيحة عاطفية لا يفهمها سوى الكابتن ماجد، فما معنى عدم ترك الكرة بعد تسديدها؟ لكن ميسي سيلجأ لها فيما بعد، وسأوضح لك بالصور.
بداية تدرب ليو على إتقان الضربات الحرة ليس محددًا، لكن يمكننا تخمينه مع بداية تطور أرقامه. كما ذكرنا سلفًا، فإن أرقام الفترة بين 2009 و2015 في الدوري الإسباني كانت ترجح كفة رونالدو. لكن بعد 2015 وحتى 2018 انقلب الوضع، حيث أحرز ميسي 12 ضربة حرة، واكتفى منافسه البرتغالي باثنتين فقط، ومن هنا بدأ الجميع في تحليل تكنيك «ليو».
تكنيك اللا تكنيك
لاحظت جريدة الماركا الإسبانية «Marca» تلك التغييرات التي طرأت على طريقة ميسي في تسديده للضربات الحرة. أهم تلك التغييرات هو وضعية القدم الثابتة (اليمنى)، والتي تأخذ انحناءً بزاوية 50 درجة، وحسب ما قالته الصحيفة فإن وضعية القدم الثابتة أهم من طريقة ضرب القدم اليسرى للكرة. لم تنتهِ قصة القدم الثابتة عند هذا الحد، راقب تغير وضع القدم في الصور التالية.
الصور مرتبة من اليسار إلى اليمين. في الصورة الأولى يسارًا، القدم اليمنى لميسي بكاملها على الأرض، ويستمر الوضع في الصورتين الثانية والثالثة، حتى نصل إلى الصورة الأخيرة حيث تبدأ القدم اليمنى في الارتفاع عن الأرض وكأنه سيرتكز على وجه القدم الخارجي فقط.
أشارت الماركا إلى أن أسلوب ميسي القديم كان يعتمد على الارتكاز بطريقة الصورة الأخيرة فقط من البداية مما كان يفقد جسده الاستقرار، وبالتبعية يفقده القدرة على التحكم بالتسديدة. ولكن كل ذلك تم تعديله فأصبح ميسي يرتكز بكامل قدمه اليمنى على الأرض ولا يرتكز على وجه قدمه الخارجي إلا في المرحلة الأخيرة كما في الصورة.
وضعية الجسد أيضًا تم تعديلها، ويمكنك ملاحظة انحناء الكتفين والصدر. لاحظ أيضًا ارتفاع القدم اليسرى وكأنها تستمر في دفع الكرة، ثم تذكر نصيحة مارادونا الغريبة التي يبدو أنها كانت مفيدة – على عكس ما ظنناه -، خاصة عندما يحتاج ميسي إلى إطلاق الكرة بمزيد من القوة مستخدمًا تكنيك الـ «Top Spin». هذا الوصف الذي تسمعه كثيرًا من معلقي لعبة التنس عند وصفهم للكرات التي تدور حول نفسها بمعدل كبير.
المشكلة أن «ليو» لا يلتزم بهذا التكنيك طوال الوقت، فهو يتلون كالحرباء وفقًا للمسافة، والزاوية التي يختارها. مثلاً عندما تكون الكرة على حافة منطقة الجزاء، ستجده يلجأ للتسديد من فوق الحائط كأنه يمرر كرة ساقطة، أو يلجأ للقوة ويسدد في زاوية الحارس.
في النهاية ومهما كان التكنيك، فإن ميسي تحول إلى أحد أساتذة الضربات الحرة، وكأنه لم يكتفِ بما لديه من موهبة، فقرر التكملة على بقية المهارات المكتسبَة في اللعبة. تجاوز ليو رونالدو في هذا السباق أيضًا، وقد يكون السبب هو بساطة أسلوبه عن ذلك المعقد الذي التزم به رونالدو لسنوات، أو كريستيانو ببساطة تخلى عن هذه المهارة كما تخلى عن المراوغة من قبل. المهم أن بعد كل هذا على ميسي أن يحذر من بيليه لأنه سيطالبه بإحراز المزيد من الضربات الحرة لكن بقدمه اليمنى.