تعلم كيف تصبح «رياض محرز» في 4 خطوات فقط
في حي فقير تابع لإحدى ضواحي باريس المليئة بالمهاجرين الأفارقة، والتي تعاني من قلة الاهتمام وشح فرص العمل، ولد «رياض محرز» من أب جزائري وأم مغربية. والده كان لاعبًا سابقًا لأندية صغيرة في الجزائر وفرنسا، ورغم أنه ليس بلاعب محترف، لكن رياض تعلم منه الكثير، تعلم منه الإيمان والثقة بالنفس والطموح المستمر وعدم الاستسلام.
كما يقول رياض بأن والده كان خلفه دائمًا ويدعمه بشكلٍ لا متناهٍ، كان يحضر لمتابعته في كل مباراة ويقدم له بعض النصائح وفقًا لتجربته البسيطة كلاعب هاو. بعد وفاة والده وهو في سن المراهقة، أصبحت المسئولية ملقاة على كاهل الأم التي كانت تعمل من أجل إطعام أطفالها لإبقائهم بصحة جيدة، ويقول رياض عن تلك الفترة بأن عائلته لم تكن غنية، وفي الوقت ذاته لم تكن فقيرة.
الخطوة الأولى: البداية بإجابة كلاسيكية، الرفض!
للوهلة الأولى تبدو قصة رياض محرز كغيرها من القصص عن أطفال الشوارع الذين يرغبون في التفوق وإثبات مهارتهم مع النادي، لكنهم يفتقدون للكثير من المتطلبات التي تفرضها الأندية. انطلاقة رياض كانت من شوارع الضواحي الفقيرة، فهي المكان الأنسب لممارسة الرياضات بمختلف أنواعها بسبب غياب المنشآت الرياضية عن هذه الأحياء.
قلائل هم من آمنوا بأن يصبح رياض لاعبًا محترفًا في بداياته، ليس تشكيكًا بموهبته؛ فرياض امتلك المهارة منذ الصغر، لكن بسبب بنيته الجسدية الضعيفة وخفة وزنه، ولهذا لم يتمكن الشاب الجزائري من إثبات نفسه مع نادي الحي في البداية.
مدرب الفريق لم تعجبه قدراته البدنية وسرعته، لكن رياض لم يستسلم كما علمه والده، كان يتمتع بحس المسئولية منذ الصغر كما والدته؛ و هذا ما منحه عزيمة قوية لإكمال مسيرته من أجل تحقيق حلمه وحلم والده بتمثيل منتخب الجزائر واللعب في كأس العالم. في عام 2004 سنحت الفرصة له ليكون أحد أفراد نادي «سارسيل» الذي يلعب في دوري أحياء باريس، وهناك قاتل من أجل إثبات نفسه كلاعب يطمح للأفضل دائمًا.
أما «نجوجولو جاي» أحد المدربين في النادي، وأحد الذين أثروا في مسيرة رياض وعلمه كيف يصبح لاعبًا أفضل رغم بنيته الضعيفة،يقول:
الخطوة الثانية: الألم في خِضم الأمل
عندما أصبح لاعبًا أفضل بعد تعاقده لخمسة أعوام في سارسيل، كانت رغبة «محرز» واضحة بالانتقال إلى مستوى أعلى، لكنه في قرارة نفسه يعرف أنه يحتاج للمزيد من العمل للظهور على رادار الأندية المحترفة، أحد المدربين في سارسيل اقتنع بأن محرز يحتاج لمكان أفضل لإظهار مواهبه؛ لذلك قام بالاتصال مع صديق له «رونان سالون» مدرب نادي كيمبيغ الذي يشارك في دوري الهواة ويقبع في الدرجة السابعة.
وافق «رونان» على إجراء إجراء تجربة له، وبالفعل لقد تم اختياره بمفرده من بين 20 لاعبًا خضعوا للاختبارات ذلك اليوم، لكن ظهرت مشكلة لم تكن بالحسبان، حيث جاء القرار من الإدارة بعدم إكمال التعاقد بسبب الظروف الاقتصادية السيئة.
النادي لم يتمكن حينها من دفع راتب جيد له، لذلك ضمه للفريق الثاني وبراتب قليل يصل إلى 750 يورو شهريًا، أمضى 6 أشهر مع الفريق الثاني، ومن ثم تم تصعيده للفريق الأول، وكان زميله في الفريق ماتياس بوغبا شقيق بول بوغبا، لم يكن محرز يلعب باستمرار، لكنه دائمًا كان يخبر ماتياس زميله في الغرفة، سألعب في برشلونة يوما ما، وما انفك ماتياس بإخباره:
الخطوة الثالثة: أنت لا تلعب على الشاطئ، استيقظ!
طموحك لمسيرة و استمرارية أطول في الملاعب يتطلب منك العمل والتمرين باستمرار بكل تأكيد، لكن ما هو أهم أن تحدد الخيارات الأنسب لك و أن تعرف تمامًا متى وإلى أين ستخطو الخطوة المقبلة. فبعد 6 أشهر مع الفريق الأول قام مسؤولين من أندية «بي إس جي – مرسيليا – لوهافر» بالتواصل مع محرز من أجل التوقيع معه، محرز كان أدرى الناس بنفسه وكان يعلم بأنه لن يحظى بفرصة كبيرة لإثبات أو تطوير نفسه في باريس أو مرسيليا؛ لذلك فضل الانتقال إلى لوهافر في الدرجة الثانية، ليس بسبب فرصته الأكبر باللعب هناك، بل كان السبب الرئيسي هو شهرة أكاديمية لوهافر والنظام التدريبي الجيد الخاص باللاعبين الشباب.
في عامه الاحترافي الأول عانى رياض بعض الشيء، من لاعب في دوري الهواة إلى لاعب في دوري المحترفين بالدرجة الثانية. في الدرجة الثانية كانت أغلب الفرق تطبق خططًا دفاعية للخروج بأفضل النتائج الممكنة؛ لذلك كان من الصعوبة أن يثبت نفسه منذ بداية مشواره مع فريقه الجديد، فتعرض رياض للعديد من الانتقادات كونه بدأ موهبته وعبر عنها في الشوارع ويفتقد لبعض المفاهيم الكروية، ويشارك في دوري المحترفين الذي يتطلب الالتزام والمسئولية، هذا عرضه لبعض الكلمات القاسية من رئيس نادي لوهافر بعد مباراة كارثية، حيث قال له:
جان بيير لوفيل رئيس نادي لوهافر.
الخطوة الرابعة: الأحلام الكبيرة تبدأ بقرارات مصيرية
في العام التالي تعلم الدرس وتحسن أداؤه، فاستطاع تقديم ما يرضي المسئولين في الفريق. وفي منتصف عامه الثالث اتصل ليستر سيتي مع وكيل أعماله. محرز تردد في البداية لأنه لا يعرف أي شيء عن ليستر، ولم يسمع بهم من قبل، فكل ما يعرفه أنه ناد إنجليزي.
نصحته عائلته وأصدقاؤه بعدم الذهاب إلى إنجلترا بسبب أسلوب اللعب الخشن والبدني هناك، وطالبوه بالذهاب إلى إسبانيا لأنها تناسب مهارته الفنية. فكر رياض مطولا وتردد كثيرًا، وأخذ بنصيحة وكيل أعماله في النهاية ووقع عقدًا مع ليستر سيتي في عام 2014، وكان حينها يلعب في الشامبيونشيب.
الحلم أصبح واقعًا
في إنجلترا عرف الناس من هو رياض محرز، لو رفض العرض وقرر البقاء في لوهافر لم يكن أحد ليسمع به أو يتعرف على إمكانياته، ليستر أعطاه كل شيء ومنحه التجربة الحقيقية التي أسعدته، وهذه الأمور لا تُشترى بالأموال، بحسب رأي محرز، ليستر لم يعطه إحساس التجربة كلاعب محترف فحسب، بل أعطاه الفرصة المنتظرة لتمثيل المنتخب الجزائري الذي قام بإرسال دعوة له من أجل الالتحاق بالمنتخب في بطولة كأس العالم المقامة في البرازيل آنذاك، وكانت هذه أفضل لحظة في حياة محرز لأنه حقق حلم والده.
الموهبة وحدها لا تكفي لكي تصل للعالمية، وما يمتلكه محرز أكثر من الموهبة، فما حققه رياض كان نتاج عمل شاق وشخصية قوية اكتسبها في ضواحي باريس الفقيرة، ومسئولية تحملها بعد وفاة والده، كل هذا جعل منه أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي وفي أفريقيا عن جدارة واستحقاق.