قادة وكيانات استغلوا القضية الفلسطينية: فماذا قدموا لها؟
تسجيل صوتي نُسب إلى أبو بكر البغدادي في ديسمبر/ كانون الأول 2015.
لطالما كانت القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا في سياسات عدة أطراف عربية وإقليمية، دول وكيانات، قادة وأحزابًا وتحالفات.
فكانت القضية الفلسطينية بمثابة «الأساس التعبوي» الذي استغله أطراف عدة من أجل كسب التعاطف الجماهيري وحشد الرأي العام لتحقيق مصالحهم باعتبار القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى. ولكنهم في واقع الأمر لم يقدموا شيئًا للقضية بل أضروها بقصد أو دون قصد، فتحولت القضية الفلسطينية من قضية عادلة يلتف حولها العرب والمسلمون إلى قضية سئمت بعض الجماهير التحدث حولها أو متابعة أخبارها، إذ تم ربطها بسياسات تلك الأطراف التي جعلت من القضية الفلسطينية مجرد مادة إعلامية دسمة.
حافظ الأسد: وسلب القضية الفلسطينية من قرارها
منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها حافظ الأسد إلى سُدة الحكم أراد أن يكون اللاعب الأقوى في المنطقة، وكانت الطريقة المُثلى لتحقيق أغراضه أن يستئثر بالقضية الفلسطينية، وأن يكون هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيها بلا أي مُنازع.
وفي سبيل القضاء على استقلالية القرار الفلسطيني، خاض حربًا شرسة ضد هياكل منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية في لبنان، وذبح اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم. الأمر الذي ترتب عليه خروج قوات الثورة الفلسطينينة من لبنان وفقدانها لقواعد ارتكازها الجغرافي مع إسرائيل، مما اضطر ياسر عرفات إلى أن يقيم خطوط اتصال مع الدول العربية المنفتحة على فكرة التسوية مع إسرائيل مثل مصر والأردن على خلفية المشروع الذي طرحه الرئيس الأمريكي رونالد ريجان للسلام بين الفلسطينين والإسرائيليين في سبتمبر/ أيلول 1982.
وكانت تلك الفرصة التي استغلها حافظ الأسد للإمساك بالقضية الفلسطينية، فقد اتهم عرفات بالخيانة ولجأ إلى حشد فتح والفصائل الفلسطينية وتأجيج غضبهم، حتى انشق عدد من قيادات فتح، وشكلوا تنظيم «فتح – الانتفاضة» تحت رعاية سوريا، التي أعلنت الحرب على المخيمات الموالية لعرفات في طرابلس من أجل تصفية ما تبقى في طرابلس من قوات الثورة الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول 1983 على إثر عودة ياسر عرفات إلى طرابلس.
صدام حسين: انفكاك العرب عن القضية الفلسطينية
لقد انشغل صدام حسين بالقضية بالفلسطينية بشكل لم يسبقه له أي حاكم عربي، فقد أضحت القضية الفلسطينية الذريعة الأساسية لتبرير كافة سياساته الداخلية والإقليمية والدولية، فعمل طوال فترة حكمه على استقطاب المنظمات الفلسطينية بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، وكانت سياسته معهم تتسم بالتناقض؛ فمثلاً عندما حرّض المنظمات الفلسطينية على رفض خطة «روجرز» التي وافق عليها جمال عبد الناصر، أحجم عن مساعدتهم رغم أنه تعهد لهم بذلك.
وقد كانت حرب العراق على إيران التي مكثت ثمانِي سنوات بداية لانفكاك العرب عن القضية الفلسطينية، فمثّلت الحرب استقطابًا لموارد وإمكانات النظام العربي في صراع إقليمي بعيد كل البُعد عن القضية الفلسطينية، وزاد هذا الانفكاك مع غزو العراق للكويت في1990، وموقف ياسر عرفات شبه المنحاز لصدام حسين، والذي أثر سلبًا على دعم الدول الخليجية لمنظمة التحرير. الأمر الذي أتاح الفرصة للولايات المتحدة بأن تفرض «مؤتمر مدريد» الذي استفردت فيه إسرائيل بكل طرف عربي على حدة، ومن ثَمَّ عقد إتفاق أوسلو الذي أرسى لانفصال القضية الفلسطينية عن العرب، وقيام نحو 12 دولة عربية بإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل.
القذافي: إسراطين والكتاب الأبيض
قدم معمر القذافي في كتابه الأبيض فكرة «إسراطين» كحل لمشكلة الشرق الأوسط وإنهاء حالة العداء بين العرب وإسرائيل، وذلك من خلال إنشاء دولة واحدة للفلسطينيين واليهود في فلسطين المحتلة تحت اسم «إسراطين».
ونصت دعوت القذافي على «عودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى ديارهم، ودمج الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في دولة واحدة، وإقامة انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة».
وفي سبيل ترويج القذافي لنفسه ولكتابه الأبيض، أكد على أن أي تصور بخلاف ما ورد في كتابه لن يحل مشكلة الشرق الأوسط، وقدم في كتابه بعض الأفكار الشاذة؛ إذ شكك في مدى صحة تعرض الفلسطينيين للذبح على أيدي اليهود في دير ياسين، وأن تلك المذبحة غير حقيقية، فالعرب هم من هجموا على فلسطين وأعلنوا الحرب على اليهود، وأضاف أن اليهود لا يكرهون الفلسطينيين، ولا يريدون إخراجهم من أرضهم، وأنه من الناحية التاريخية لا يحق لأحد أن يؤكد أنه يمتلك أرض فلسطين.
إيران: الدعم المشروط
لطالما أعلنت إيران في المحافل الدولية والإقليمية أن الوقوف في وجه إسرائيل سياسة إيرانية ثابتة لا تتأثر بأي ظروف أو اعتبارات سياسية، وأن الدعم المالي والعسكري لفلسطين وفصائلها المُقاومة هو ثابت من ثوابت السياسة الإيرانية.
لكن في أحيانٍ كثيرة كانت تجد إيران نفسها أمام معضلة تتمثل في صعوبة الجمع بين الثوابت الثورية والمصالح الوطنية أثناء التعامل مع القضية الفلسطينية.
فعندما قامت الثورة الإسلامية بقيادة الخميني في إيران، ظهر في الشارع الإيراني حماس غير عادي للقضية الفلسطينية، وتوجهت الجماهير حينها لمبنى السفارة الإسرائيلية ورفعوا فوقها العلم الفلسطيني، ثم رفعت في مسيراتها وتجمعاتها شعار «اليوم إيران وغداً فلسطين»، وغدت الشعارات على الجدران وعلى اللافتات بشأن فلسطين تنافس نظيراتها بشأن الثورة الإسلامية.
عندما قامت الثورة الإسلامية، كان يأمل ياسر عرفات أن تنتشر الثورة الفلسطينية وتتمدد، إلا أن آماله تبددت سريعًا مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، عندما طلبت إيران من عرفات موقفًا مُناهضًا لصدام حسين، لكنّ عرفات إنحاز حينها إلى عروبته، ومنذ ذلك الحين علم عرفات أن الدعم الإيراني مسيس، مشروط وغير مستمر.
وفي إطار استماتة إيران في دعم بشار الأسد، ومُعارضة المقاومة الفلسطينية – حماس – للنظام السوري، تراجع دعم إيران للمقاومة الفلسطينية لأن دعمها لحماس في ذلك التوقيت يضر بمصلحتها. وفي حديث لخالد مشعل زعيم حماس في مارس/ آذار 2016، قال: «إن الأزمة بين حماس والرئيس السوري بشار الأسد أثرت على علاقتنا بإيران، وأدت إلى مراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير»، وأضاف: «طهران خفّضت دعمها للحركة بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها. إيران اليوم ليست داعمًا رئيسيًا».
داعش: ازدواجية الخطاب الإعلامي
في الواقع لم تتعد تهديدات داعش لليهود مرحلة المزايدات والاستعراض من أجل زيادة شعبية التنظيم وكسب التعاطف، فقد أدرجت داعش القضية الفلسطينية ضمن خطاباتها مرارًا وتكرارًا، وأرسلت تهديدات شديدة اللهجة لإسرائيل ولكن ما تقوم به على أرض الواقع يشير إلى أن جُل ما تقدمه للقضية لا يتعدى سوى عمليات خجوله لا ترتقي إلى مستوى عملياتها.
ففي 9 فبراير/ شباط 2017، أعلنت داعش تبنيها لإطلاق الصواريخ من طراز غراد على مدينة إيلات جنوب إسرائيل، ولكن دون وقوع أي ضحايا أو إصابات.
والشاهد أن داعش بينما تهدد إسرائيل وتتحدث عن تبنيها للقضية الفلسطينية، تنتقد من جهة أخرى العرب الذين روجوا إلى الاعتقاد بأن «فلسطين هي قضية الإسلام الأولى».
ففي مقال نُشر في صحيفة النبأ التابعة لداعش بعنوان «بيت المقدس: قضية شرعية أولاً»، بررت فيه أسباب عدم مهاجمتها لإسرائيل بأن رأس أولوية الجهاد لديهم هي الدول العربية التي يحكمها «طواغيت»، وأن «الطواغيت المرتدين الحاكمين لديار الإسلام أشد كفرًا من اليهود، وقتالهم مقدم على قتال المشركين الأصليين».
الخلاصة، لعل العامل المشترك بين تلك الأطراف هو تغليب المصالح الذاتية أو الوطنية على مصلحة القضية الفلسطينية، واستغلال القضية في الترويج لسياساتهم سواءً كانوا أشخاصًا أو دولاً أو تنظيمات، حتى باتت القضية الفلسطينية مفعولاً بها.