لوال دي أوول: مغني «هيب هوب» يعالج قضايا جنوب السودان
لا توجد مقولة أفضل من هذه لتوصيف مسيرة لوال دي أوول، مغني الهيب هوب الجنوب سوداني، فمنذ بدايته عبرت مسيرته الفنية بالعديد من المنعطفات.
عادةً، لا يكاد الجدل الذي يدور لفترة طويلة حول أي أغنية جديدة لدي أوول، لينتهي، حتى يزيد من هذا الجدل الذي يأخذ منحنى آخر مع إصداره لأغنية جديدة. لذا، من يتوقف هنا، حتمًا، لن يعرف القصة الكاملة لما حدث له، وما يواجهه أيضًا، منذ بدايته لمسيرته الغنائية وحتى الآن.
هذا هو «ملك أفريقيا».
في ولاية ماريلاند، في الولايات المتحدة الأمريكية، ولد لوال وترعرع هناك، لكنه في عام «2009»، اختار القدوم إلى جنوب السودان من أجل احتراف الغناء بشكل رسمي، وهو شيء، بالنسبة له، كان يمثل بوابته الوحيدة للمساهمة في إعمار وطنه، ومعالجة مختلف القضايا الوطنية.
في 2009، حينما وصل لوال دي أوول مطار جوبا، قادمًا من كندا، لم يكن هناك أحدٌ يعرفه جيدًا، بل إنه لم يرتب حينها لاختيار اسمه الفني الذي سيغني به لاحقًا.
لوال دي أوول يستخدم صوته وأغنياته من أجل نشر رسائل السلام والمصالحة باستخدام الموسيقى؛ لأنها الشيء الذي يلعب دورًا كبيرًا في مجتمع جنوب السودان. لهذا، فإنه يستخدم مواهبه في التعبير عن مشاعره وآرائه حول وطنه، والتأكيد على أهمية الهوية الوطنية من خلال أغنياته.
أحيانًا، يمزج لوال في الكثير من أغنياته ما بين اللغة الإنجليزية ولهجة «عربي جوبا»، ولكن الإنجليزية تطغى تمامًا على معظم أغنياته.
الهدف من هذا هو التأكيد على شمولية الرسالة المهموم بها لوال، وهو أمر يبدو ماثلاً في وصول صوته إلى الكثيرين من الناس في جنوب السودان.
لذا، وبعد ثلاث سنوات، أنتج لوال دي أوول أغنيته الجديدة «King around here»، أو «الملك حول هنا»، والتي استوحى منها اسمه الفني «ملك أفريقيا».
داخل الدائرة الحمراء
في كل أغنياته، سواء القديمة منها أو الجديدة، أو التي لم تخرج إلى النور بعد، ثمة شيء لا يحتاج إلى كثير عناء لملاحظته، وهو أن لوال، قد رسم لنفسه دائرة أشبه بالخط الأحمر لا يغادرها أبدًا وتحت أي ظرف.
على الدوام، ظل لوال يقوم برسم صورة واقعية عن جنوب السودان أولاً، يقوم فيها بتسليط الضوء على العديد من المشاكل التي تعاني منها بلاده، سواء قبل الاستقلال عن السودان أو بعده، ومن ثم يقوم بمعالجة هذه المشاكل عبر أغنياته واختراع حلول لها.
هذا الشيء ظل ثيمة ثابتة، لا تتغير أبدًا في كل موضوعات أغنيات لوال منذ بدايته لمسيرته الغنائية.
هذا يعبر عنه لوال قائلاً: «أنا أقول الحقيقة التي يشعر بها مواطني جنوب السودان. أنا أشعر بأن لدي القدرة لرسم تلك الصورة، وإعطاء الرسالة التي ينبغي». لذا، ظلت موضوعات انعدام الأمن، والتعليم، والصحة، وتفشي القبلية والمحسوبية، وغياب التنمية، والسلام، والاستقرار، وغيرها، حاضرة على الدوام في أغنياته. هذه الموضوعات تمثل الأساس القوي الذي بنى عليه لوال مسيرته، فهي تعتبر من أهم الأشياء التي ظل ينادي بها طويلاً.
كل هذا يمكن ملاحظته بالوقوف عند كل أغنيات لوال؛ لأنها تمثل السبب الرئيسي لقدومه إلى بلاده. فهذه القضايا تعتبر حاضرة في أغنيات لوال التالية «King around here»، و«My Home»، و«Watch Out»، و«Alright, you gone learn today»، و«Hooriyah».
لوال أيضًا، قام بمناقشة قضايا سرقة المواشي التي انتشرت كثيرًا في السنوات الأخيرة، في أغنية «King around here».
إلى الزعيم في مرقده
اللصوص هم من أنجبوا للوطن القتلة. فالذين حملوا السلاح ما كانوا يطالبون بالديمقراطية، بل بديمقراطية الاختلاس وبحقهم في النهب، ما دام لا سارق اقتيد إلى السجن. ينظر كثيرون إلى هذا القول على أنه السبب في انفجار الوضع في جنوب السودان، في ديسمبر من العام «2013».
هذا أيضًا عبّر عنه لوال رفقة نانسي شان في أغنية «Give Peace a Try»، إذ يشرح رؤيته قائلاً: «نحن بحاجة إلى ملتقى مشترك بدلاً من مجموعات في بعض الحشود»، مع تشديده الكامل على حاجة البلاد الماسة إلى رؤية موضوعية عند النظر إلى مستقبل جنوب السودان.
بالطبع لوال لم يكتفِ بهذا، إذ قام بعد الاستقلال في عام «2011» بإصدار أغنيتين على التوالي هما «Where did we go» و«Letter 2 DR John pt2»، يطرح من خلالهما العديد من التساؤلات المنطقية حول مصير جنوب السودان بعد الاستقلال وما تحتاجه من أجل التقدم والتطور.
لوال، وفي أغنية «Letter 2 DR John pt2»، قام بإهداء نيل جنوب السودان للاستقلال عن السودان إلى الراحل، الدكتور جون قرنق، مؤسس الحركة الشعبية. لكنه لم ينسَ أيضًا التساؤل عن مصير ما بعد الاستقلال، وشكر كل من أسهم في تحقيقه من القادة والسياسيين على مدى التاريخ.
في ظل استمرار الحرب، ظهر لوال في دويتو آخر رفقة كاسي بلانكو، بعنوان «Lahadil Mlten»، يتساءل فيها: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟
لوال: «أنا تعبان»
في أكتوبر الماضي، عاد لوال إلى الواجهة مجددًا بعمل غنائي جديد، إذ أطلق برفقة مجموعة من الفنانين الشباب أوبريت غنائيًا بعنوان «أنا تعبان».
هذا العمل كان للتعبير والاحتجاج عن الوضع الذي وصل إليه جنوب السودان، عقب توقيع اتفاق سلام هش بين سلفاكير ميارديت، رئيس البلاد، ودكتور ريك مشار، زعيم المتمردين ونائبه السابق، في شهر أغسطس. لكن الاتفاق لم يصمد طويلاً لأن الطرفين عادا إلى مربع الحرب مجددًا.
الأغنية حملت رسالة مفادها «لقد تعبنا من الحرب والموت والنزوح»، لكنها تطالب أيضًا بنبذ القبلية والكراهية والعنصرية بين أبناء الشعب الواحد.
الهيب هوب في أنقى صوره
«كن صامتًا.. أو ميتًا». فكل حكم يصنع وحوشه، ويربي كلابه السمينة لتطارد الفريسة نيابة عنه.. وتحرس الحقيقة.
كانت هذه، أصعب حقيقة اصطدم بها لوال دي أوول في جنوب السودان، ولكنه رغم كل ذلك لم يأبه لكل التهديدات التي تعرض لها مطالبة بتوقفه عن الغناء، أو التغني بالأغاني العاطفية وما شابه ذلك، وهي نوعية تعتبر من الأغاني التي لا تتواءم تمامًا مع إيمانه والهدف الذي يتطلع إليه، وهو معالجة قضايا البلاد عبر أغنياته.
الرد من لوال، كان بإصدار أغنيتين جديدتين هما «Hooriyah» و«Can’t Live In fear»، وهو ما زاد من شعبيته، خاصة الأخيرة، والتي جاءت بالتزامن مع إحياء أحداث «11/سبتمبر/2001»، ليؤكد من خلال الأغنيتين التزامه بواجبه تجاه وطنه، وتأكيدًا على استمراره في التغني بذات اللونية التي اشتهر بها في جنوب السودان.
هذه الحالة التي يصف من خلالها لوال نفسه قائلاً: «أنا مغني هيب هوب من جنوب السودان، ومهمتي هي أخذ هذه الصناعة إلى مستوى آخر عبر العاصفة».
هنا، يروق لدى كثيرين وصف القضية التي يتماهى معها لوال دي أوول، واهتمامه بمسألة جنوب السودان وسعيه لحل قضاياه المختلفة عبر أغنياته، بأنها تمثل التجسيد الحقيقي للهيب هوب في أنقى صوره، وهو ما يتضح جليًا في حقيقة أنه لم يذب تمامًا في حركة الهيب هوب التي يرفع رايتها مغنو الراب في مختلف أنحاء العالم. لوال يبرر إصراره قائلاً: «إذا كنت تتحدث بطريقة هادئة، يمكنك إحداث الكثير من التغيير».
لوال لا يكتفي، بالقيام بدوره في الغناء بأسلوب إيقاعي محافظ فحسب، بل إنه يتعداه لتنفرد قصائده بنبرة سياسية تتواءم مع الواقع الماثل في جنوب السودان، في وقت تعبر فيه قصائده عن تطلعات الجميع في آن واحد بمختلف ميولهم، وبغض النظر عن اتفاقهم معه من عدمه، في الوسيلة التي يتطلع بها، لتحقيق ذلك. ويضيف: «إذا استطعنا توحيد الشباب ستكون لدينا الإرادة، إرادة كافية لاستعادة البلاد».
مع لوال، ظالماً أو مظلومًا
لا شيء يدعو لوال للخوف؛ إذ يبدو واضحًا السبب الذي يجعله يحظى بتأييد واسع من قبل كل فئات مجتمع جنوب السودان وهو شيء اختبره بالفعل.
دي أوول دخل إلى قلوب الكثيرين من الباب الكبير؛ بسبب اللونية التي يتغنى بها، ولمشروعه الفني والقضية التي يعتبرها رسالة له، وهو ما يتضح في اختياره الوتر الحساس، وقوله علانية ما يخشى الكثيرون قوله ويرونه أمامهم من أخطاء ارتكتبتها جميع القيادات الوطنية في حق الشعب.
هذا عرض لوال لمضايقات من جهاز الأمن باستمرار، وذلك بعدما تحدى الحكومة والجهاز أيضًا بالاستمرار في التغني بهذا الشكل وبدون إذن. أحيانًا، كان لوال يدفع الثمن بخضوع أغانيه للرقابة ومنعها ومصادرتها وعدم منحه التصديق لإحياء حفلات في العديد من المدن، منها العاصة جوبا. طريقة أخرى لجأ إليها جهاز الأمن لمحاولة منع لوال من الغناء في جنوب السودان، وذلك عبر توزيع خطابات لعدد كبير من إستديوهات التسجيل، تتضمن قائمة بالأغاني المسموح بالتغني بها، بالإضافة إلى العديد من العقبات التي كان الهدف الرئيسي منها منع لوال من الانتشار والغناء نهائيًا.
في إحدى الحفلات، اقتحم مجموعة من الجنود الحفل بهدف إيقافه، لكن لوال واصل الغناء رغم ذلك، وعاد أكثر قوة وإصرارًا. زاد هذا من التضييق على لوال، لتقوم الحكومة بحظر أغنية «Dowla Jadit»، والتي تعني دولة جديدة، وهي تعتبر بالفعل واحدة من أكثر أغنيات لوال شعبية في البلاد.
السبب في ذلك يعود إلى انتقاد دي أوول الدائم للمسؤولين في الحكومة في حال فشلهم في كل شيء، بالتبرير بالقول «نحن أمة جديدة»، كذريعة.
كل هذا، يعلق عليه لوال قائلاً :«يحاولون إخافتي. هم يريدون مني التغني بأشياء لا معنى لها، أو الحديث بشكل زائف عن أشياء وهمية». ويضيف: «هذا ليس واقع جنوب السودان. سوف يقتلونني، ولكن كل هذا لن يغير من الواقع شيئًا. لن أتغير أبدًا، ولن أستسلم لعمليات الترهيب المستمرة».
بالطبع لوال ليس وحده، فالكثيرون يقفون معه، وهو شيء حدث على أرض الواقع، إذ تم تهريبه عبر البوابة الخلفية من المكان الذي يقيم فيه الحفل في أكثر من مناسبة من أجل تجنب عملية اعتقاله، فهو يعتبر لدى الكثيرين «صوت من لا صوت لهم» في مواجهة الحكومة.