القوات المُرَضّعة: قصة أزمة لبن أطفال مصر
خرجت عشرات الأمهات اليوم 1 سبتمبر/أيلول منذ الصباح الباكر للاحتجاج على نقص ألبان أطفالهن، بناءً على قرار حظر بيع لبن الأطفال المدعم بمقرات «الشركة المصرية لتجارة الأدوية» المنوطة باستيراد ألبان الأطفال وتوزيعها من خلال مناقصة عامة مع وزارة الصحة، وقصر صرف الألبان على منافذ وزارة الصحة. قطعت صرخات الأمهات بأطفالهن الرضع طريق الكورنيش لساعات متواصلة؛ مما تسبب في شلل مروري بمنطقة شبرا إلى أن فضت الشرطة التجمهر.
أكذوبة منظومة الدعم الجديدة
قضين أكثر من 4 أشهر في حالة من الارتباك فيما يخص تصريحات المختصين، وقفن بالطوابير لساعات طويلة -من الحين إلى الآخر- أمام المقرات المختلفة للشركة المصرية لتجارة الأدوية بجميع المحافظات أملاً في إيجاد الغذاء الكافي لأطفالهن، ولكن الأسوأ كان في انتظارهن بداية من الشهر الجاري.
أعلن أحمد عماد الدين، وزير الصحة، عن بداية تطبيق منطومة الكروت الذكية لصرف ألبان الأطفال من اليوم 1 سبتمبر؛ ليصرف من مكاتب وزارة الصحة ومراكز طب الأسرة بدلاً من الصيدليات؛ من أجل ضمان وصول الدعم لمستحقيه والقضاء على السوق السوداء. إلا أن الوضع يبدو أنه أكثر تعقيدًا من تطبيق منظومة جديدة للدعم، حيث زاد سعر اللبن المدعم للأطفال من سن يوم إلى 6 شهور من 3 جنيهات إلى 5 جنيهات، والأطفال من سن 7 شهور إلى أكبر من 18 جنيهًا إلى 26 جنيهًا، هذا بالإضافة إلى رفع سعر اللبن غير المدعم من 15% إلى 30%، حسبما أوضح محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء.
كما تم حصر تداول ألبان الأطفال في 1005 منفذ فقط بعدما كان يتم من خلال 65 ألف صيدلية منتشرة على مستوى الجمهورية؛ للحد من تهريب اللبن وللتشجيع على الرضاعة الطبيعية، حسبما أوضح الوزير، هذا إلى جانب تخفيض كمية عبوات اللبن المستوردة من الخارج من 23 مليون علبة إلى 18 علبة سنويًا، بالإضافة إلى تقليل وزن العبوة، وهو الأمر الناتج عن إلغاء الوزارة لمناقصة استيراد الألبان؛ مما تسبب في نقص حاد في المنتج.
وتم إطلاق المنظومة الجديدة ويتم الإشراف على تنفيذها عن طريق وزارة الصحة، ووزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والإنتاج الحربي.
بداية الأزمة لم تكن اليوم
ترجع أزمة ألبان الأطفال لشهر مارس حين بدأ الأهالي يتكبدون الآلام بحثًا عن عبوات اللبن المدعمة؛ مما أثار الشكوك بوجود أزمة كبيرة من نقص المنتج. وصرح الدكتور شريف السبكي -بمارس الماضي- العضو المنتدب للشركة المصرية لتجارة الأدوية، أن ما تخزنه الشركة من اللبن المدعم يكفي 4 شهور فقط، وأن إجراءات استيراد المنتج تحتاج إلى حوالي 5 شهور متواصلة؛ مما يمهد إلى أزمة نقص بلبن الأطفال في الشركة المصرية والمسئولة عن توزيع وبيع اللبن المدعم.
وهو الأمر الذي نفاه وزير الصحة -وقتذاك- حيث صرح بوجود مخزون إستراتيجي للألبان يكفي لتسعة شهور قادمة؛ أي حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016. تضاربت الأقاويل وبقي الوضع مبهمًا، حيث تأكيد الوزير بوجود مخزون كافٍ من الألبان في حين نفت الشركة المنوطة باستيراد وتوزيع الألبان هذا الأمر، إلا أن الأمر وضح مؤخرًا، حيث كانت نية الوزارة واضحة في سحب اختصاص استيراد وتوزيع الألبان من الشركة المصرية من شهر مارس الماضي، وإسنادها إلى جهة أخرى.
تعتمد مصر على استيراد لبن الأطفال بشكل كامل، ويقدّر الاحتياج إليه من 40 إلى 60 مليون عبوة سنويًا، إلا أن ما يتم توافره لا يتناسب مع احتياجه.
ويعتبر ارتفاع أسعار عبوات لبن الأطفال المباعة بالصيدليات نتيجة لأزمة الدولار التي تعاني منها مصر وانعسكت بشكل واضح على زيادة أسعار الأدوية، حيث عانى الاقتصاد المصري من قلة موارد العملة الأجنبية في الشهور الأخيرة؛ مما انعكس على قدرة النظام على توفير الدعم الكافي.
رضيع معه جيشه
صرح وزير الصحة بعد تفاقم الأزمة عن ضخ القوات المسلحة لـ 30 مليون عبوة من لبن الأطفال بسعر 30 جنيهًا للعبوة الواحدة بدلا من 60، بعدما تم إخلاء مركز آغا خان التابع للشركة المصرية لتجارة الأدوية بسبب تهريبه ألبان الأطفال إلى محال الحلويات، حسبما زعم الوزير.
كما قال الدكتور مكرم رضوان، عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب: «إن اللجنة اتفقت في آخر اجتماع لها، يوم الثلاثاء الماضي، على إسناد حل المشكلة وتوفير ألبان الأطفال للقوات المسلحة عبر توفير العملة الصعبة والدولارات لحل المشكلة مع المستوردين، أو الاستيراد عن طريق القوات المسلحة مباشرة، إضافة إلى إنشاء القوات المسلحة لمصانع حربية للأدوية وألبان الأطفال».
وهو ما أعاد إلى أذهان البعض استغاثة الشركة المصرية لتجارة الأدوية -منذ ما يقرب من عام- للرئيس السيسي من خلال بيان وضح 6 حقائق تكشف عن حقيقة أزمة ألبان الأطفال وما حدث اليوم:
1. أن الشركة المصرية لتجارة الأدوية هي إحدى شركات قطاع الأعمال المملوكة للدولة والتابعة لوزارة الاستثمار.
2. الشركة المصرية هي المسئولة عن استيراد ألبان الأطفال منذ أكثر من 20 عامًا.
3. تعتبر الشركة مسئولة عن توزيع الألبان المستوردة تحت إشراف من وزارة الصحة.
4. سحب وزارة الصحة في الآونة الأخيرة لبعض الأدوية المسئولة الشركة عن استيرادها وتوزيعها، مثل عقار فيروس C، وإسناد المهمة إلى القطاع الخاص من غير إبداء أسباب واضحة.
والجدير بالذكر أن شركة «فارما أوفر سيز» المملوكة لأحمد جزارين زوج عزة مميش (أخت الفريق مهاب مميش) هي التي حصلت على توكيل عقار فيروس C، بعد أن كانت تستورده وتوزعه الشركة المصرية الحكومية.
5. بعد الإعلان عن مناقصة ألبان الأطفال، أمرت الوزارة -بعد التشاور مع القطاع الخاص- بإلغاء المناقصة، وإسناد عملية استيراد الألبان إلى جهة سيادية.
6. التخوف والتنبؤ بإسناد عملية توزيع ألبان الأطفال إلى القطاع الخاص بعد أن كانت مهمة قطاع عام يخضح إلى الدولة؛ مما سيؤدي إلى الإضرار بالشركة المصرية ويؤثر سلبًا على دخول وأجور العاملين بها.
ومن الواضح أن الجهة السيادية المشار إليها في بيان الشركة المصرية هي القوات المسلحة، حيث استطاعت أن توفر في أقل من ست ساعات 30 مليون عبوة من لبن الأطفال بسعر 30 جنيهًا للعبوة بدلا من 60 (سعر أقل من القطاع الخاص وأغلى من السعر بالدعم)، وهو ما أكده بشكل غير مباشر نائب البرلمان مكرم رضوان في تصريحه عن إسناد مهمة توفير ألبان الأطفال للقوات المسلحة. يبدو أن الجيش المصري -المعفي من الجمارك والضرائب- قرر أن يستغل 450 مليون جنيه يتم صرفهم سنويًا على دعم ألبان الأطفال، في مقابل توفير الألبان بسعر منافس للقطاع الخاص؛ مما يساعده في كسب ود الغلابة وتعظيم إمبراطوريته العسكرية.
وهكذا تضم المؤسسة العسكرية مهمة أخرى إلى مهامها في بناء وتشييد الأندية والفنادق وبيع وتوزيع الأجهزة والسلع؛ لقد ضمت مؤخرًا مهمة إرضاع أطفال مصر.