مسلسل «La casa de papel»: لماذا نحب البروفيسور وعصابته؟
في هذا الوقت الذي يعيشه العالم حيث كل الناس من كل الجنسيات يلتزمون بيوتهم، جالسين غالبًا أمام شاشة، لابد أن يكون للفن دور كبير في تمرير الوقت وتخفيف التوتر، الدراما اختيار مناسب جدًا لأوقات مثل هذه، رغم أننا لم نختبر قبلاً أوقات مثلها ولكن نظريًا يمكننا أن نقول ذلك بضمير مستريح، هذا هو الوقت الذهبي للدراما الجيدة.
بمناسبة الدراما الجيدة، فالمسلسل الأسباني La casa de papel والذي يعرض على منصة نتفلكس مثال للدراما الجيدة، الحبكة التي تدور حول رجل ذكي ومنظم يجمع أفرادًا لعصابته التي سوف يستخدمها في أكبر وأحكم عملية سطو حدثت في التاريخ، البروفيسور الذي يجمع لصوصًا تتباين صفاتهم وأحلامهم وماضيهم ليوحد مستقبلهم عن طريق المال، استطاع أن يجتذب أنظار المشاهدين حول العالم، ونحن الآن نستحضر أجواء الموسم الرابع للمسلسل، وأثناء انتظارنا هذا نحاول معًا أن نعرف لماذا أحببنا أفراد العصابة وزعيمهم رغم أنهم لصوص.
الهالة الإنسانية
لكل شخص منا هالة إنسانية إذا اقتربت منه بالقدر الكافي سوف تلمسك هذه الهالة بشكل ما، سوف تشعر بأشياء تجاه هذا الشخص، ربما تحبه ربما تتعاطف معه، ربما حتى تكرهه، المهم أنك سوف تكوّن مشاعر وأفكارًا تجاهه، وهذا هو ما تفعله معنا المسلسلات الطويلة، تريك الشخصية من كل جوانبها، مع لمحات من ماضيها، مبرر لأفعالها حتى لو لم يكن مقنعًا من وجهة نظرك الخاصة ولكنه يظل مبررًا يجعلك تفهم، والإنسان عندما يفهم يستطيع تكوين المشاعر بسهولة.
استطاع المسلسل أن يبني رابطة بين المشاهد والشخصيات، واستطاع أن يجعلك تحبهم وتتعاطف معهم رغم كل شيء، يصعب أن ترى كل جوانب شخص ما وتظل محايدًا، لذلك كان المسلسل يجعلك تراهم وهم يأكلون ويضحكون ويرتبكون ويبكون ويحاكمون أنفسهم ويجترون ذكرياتهم، جعلك المسلسل تعيش معهم بشكل ما، تعرف ماذا يفضلون من الطعام، وماذا يرتدون أثناء النوم، تعرف كيف يبكون وكيف يستغرقون في الضحك، وكعادة معظم الأعمال التي تدور في مكان مغلق، أنت تشعر في لحظة ما أنك تنتمي لهم هناك.
إلى جانب ذلك فالسوشيال ميديا أصبحت تساعد في بناء الرابطة بين المشاهد وبين أبطال أعماله المفضلة، حسابات النجوم على السوشيال ميديا تجعلك متواصلاً معهم دائمًا، حديثك مع من يهتمون لنفس العمل الذي تهتم به في المجموعات المهتمة بالدراما والفن يجعلك داخل الدائرة أكثر وأكثر، منذ بضعة أيام خرج بطل المسلسل آلفارو مورت الذي يلعب دور البروفيسير في بث حي على حسابه على إنستجرام وطلب منه المتابعون أن يغني بيلا تشاو فغنى فعلاً، ولكنه غناها وهو يهرب بعينيه من عدسة الكاميرا ويبتسم بخجل، فكسب البروفيسور سرجيو أرضًا جديدة عند المتابعين.
لأنهم حقيقيون
تكوّن القوام الأساسي لعصابة البروفيسور من ثمانية لصوص بالإضافة للزعيم، كل شخصية منهم بملامح وماضٍ وقضية مختلفة، كل منهم بغرض وحلم مختلف، ولكن ما يجمعهم جميعًا أنهم أنواع من البشر لابد أن تجد نفسك في واحد منهم، وهذا يعمق الرابطة أكثر، عندما تجد من يشبهك في العصابة فأنت تتعاطف معه تلقائيًا، تحبه وتحرص على حياته، وبالتالي يصبح أسهل كثيرًا أن تتبنى قضية العصابة وأن تشجعهم.
يمكنك أن ترى نفسك في طوكيو، الفتاة المندفعة المدمرة التي تحب نفسها بجنون، ثم تكره نفسها وتشعر بالذنب ما إن تتسبب في مصيبة، يمكنك أن ترثي لنفسك فيها، وتتعاطف مع كل ما تفعله من مشاكل، أو ترى نفسك في برلين وتستطيع منذ البداية أن تجد وراء جمود وجهه وتصرفاته المستفزة وكلماته القاسية طبقة من الهشاشة تستطيع التواصل معها بسهولة ولا يراها غيرك، ثم مع نهاية الموسم الثاني تتأكد وجهة نظرك فيه، فتتوحد معه أكثر وتبدأ في حبه، وهذا يربطك لا محالة بالمسلسل.
يمكنك أن تجد ما يربطك بدنفر، الطيب المندفع الذي يحمل قلبه على كفه، ترن ضحكته المميزة في أذنيك فتبتسم تلقائيًا، وتتمنى له السلامة، تتمنى أن تنتهي معاناته وأن تبدأ الحياة في الابتسام له، أو نيروبي، أنت يجب أن تحب نيروبي حتى لو لم تجد نفسك فيها، تتعاطف معها منذ اللحظة الأولى، بذكائها وإنسانيتها ودعابتها الحاضرة وألمها الكبير وجرحها الذي لا يندمل والذي تتحمل مسئوليته ببسالة وقوة حقيقيتين.
ثم تتمنى أن تقابل البروفيسور في الحقيقة، أن يتقاطع طريقك بشكل ما مع هذا العبقري الحنون الذي يرتكب جريمة وهو يرتجف لأنه لا يريد أن يجرح شرطيًا، والذي يقع في غرام المحققة وهو يعرف أنه بهذا يجازف بنصف عمره الماضي الذي قضاه في التخطيط لسرقته، ونصف عمره المقبل الذي سيقضيه في السجن، غريب الأطوار الذي يرتب قمصانه حسب درجة اللون يبدو مثيرًا جدًا للانتباه، وصالحًا جدًا أن يكون بطلاً مفضلاً لمسلسل مفضل.
كاميرون كاميرون
في أحد المشاهد يتساءل أفراد العصابة عن السبب الذي سوف يجعل المواطنين يتعاطفون معهم وهم يسرقون مما يسهل عملية تفاوضهم مع الشرطة، وبعد أن يسوق البروفيسور الأسباب المنطقية حول السرقة وكيف أنهم سيطبعون أموالهم الخاصة يخبرهم أن الجمهور يتعاطف مع الطرف الأضعف دومًا، فلو كانت البرازيل تلاعب الكاميرون في مباراة كرة قدم، سوف يشجع الجمهور فريق الكاميرون لأن خسارته منطقية ومتوقعة ولأنه ضعيف أمام فريق البرازيل الذي يتنفس كرة القدم، ثم يبدؤون في غناء تيمة تشجيع وتهتف نايروبي كاميرون كاميرون.
هذا صحيح، استطاع المسلسل حتى قبل موسمه الثالث وقبل الحديث عن تحدي النظام بشكل واضح ومباشر في أن يجعل اللصوص الطرف الأضعف في المعادلة، لأنه في مقابل قصص تسع حيوات لتسعة لصوص، لم يمنحك لمحات عن حياة أفراد الشرطة سوى المحققة التي سوف يكون لها شأن آخر في باقي المسلسل، ولذلك أنت تعرف ضعف اللصوص، ولا تعرف ضعف الشرطة، لذلك أنت تتعاطف مع اللصوص ولا تتعاطف مع أفراد الشرطة، وتغني بيلا تشاو رغم أنك لا تعرف الإيطالية.
الضعف الإنساني، الضعف الإنساني هو كلمة السر في كل علاقاتنا في الغالب، هو الذي يتحكم في عواطفنا وانفعالاتنا ومفضلاتنا، وهو بشكل ما أيضًا يتحكم في المسلسل الدرامي الذي نفضله على ما سواه، وننتظر موسمه الرابع في غضون أيام.