لعبة الاعتراف والمصالح: كوسوفو تفتح سفارتها في القدس
هذا ما أعلنه نتنياهو مطلع الشّهر الماضي، ففي خطوة مفاجئة قامت صربيا وكوسوفو العدوّتان اللدودتان بالاتفاق على تطبيع العلاقات الاقتصادية بينهما ضمن إطار المحادثات التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، ثمّ بادر ترمب مهلّلا فيما بدا أنّه نصر ديبلوماسي للإعلان عن أن الاتفاق شمل نقل بلغراد سفارتها إلى القدس واعتراف إسرائيل وكوسوفو ببعضهما البعض، واصفًا ما حدث بـ «اختراق كبير» و«التزام تاريخي حقيقي».
فاجأ هذا الاتفاق الأوروبيين الذين قادوا محادثات منذ سنوات بين صربيا وإقليمها السابق كوسوفو لتحسين علاقتهم، فسياسة الاتحاد الأوروبي طويلة المدى هي أن إسرائيل والفلسطينيين يجب أن يعملوا على وضع القدس في إطار مفاوضات السلام الأوسع، وصربيا وكوسوفو دولتان أوروبيتان قد تصبحان جزءًا من الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
ما الذي يدفع كوسوفو، البلد الصّغير الذي أعلن استقلاله عن صربيا عام 2008، ويشكّل المسلمون ما نسبته 95% من السّكّان، لاتخاذ خطوة الاعتراف بإسرائيل، والتّعهّد بفتح سفارة في القدس؟
في البداية، تعاني كوسوفو مشاكل في الحصول على الاعتراف الدولي لأن صربيا لا تزال تدعي السيطرة على كوسوفو، قائلة إنها تاريخيًا إقليم صربي، بل تتجاوز الرواية الرسمية الصربية الأمر لتعتبرها «قلب صربيا» وحتى «القدس الصربية». وترد معركة كوسوفو عام 1389 بكثرة في أدبيات وخطابات الزّعماء القوميين الصرب، والتي هزم فيها العثمانيون الصرب ثم غزوا الأراضي الصربية، وعلى الرغم من أن التركيبة السكانية تغيرت بشكل كبير خلال القرون الأربعة من الحكم العثماني، وصار الألبان المسلمون هم الأغلبية السّاحقة إلا أن مكانة وأهمية كوسوفو للصرب بقيت على حالها، ولذا ترفض صربيا ومعها دول كثيرة الاعتراف بكوسوفو وعلى رأسهم روسيا والصّين، وحتى دول من الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا وسلوفاكيا، ودول إسلامية مثل إيران، وبالتالي يعتبر اعتراف إسرائيل بها مكسبًا مهمًا.
من ناحية ثانية تتمتّع الولايات المتّحدة بنفوذ وتأثير قويين على كوسوفو، لأنّها قادت حلف الناتو في ضرباته الجوية على مواقع الميليشيات الصربية خلال حرب 1999، والتي نزح بسببها ما يقرب من90% من سكان كوسوفو، وقتل الآلاف منهم . نتيجة لذلك، أصبح سكان كوسوفو ونخبتهم مؤيدين بشكل كبير لأمريكا.
وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام 2018، فإن سكان كوسوفو هم الأكثر تأييدًا للولايات المتحدة في العالم، ويدعم حوالي 75% من سكان كوسوفو الإدارة الأمريكية الحالية. ويلحظ الزّائر أعدادًا كبيرة من الأماكن العامة في كوسوفو مزيّنة بالأعلام الأمريكية، ويوجد كذلك في بريشتينا عاصمة كوسوفو نصب تذكاري للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ولوزيرة خارجيته مادلين أولبرايت. فليس من المستغرب حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية أن تتجه كوسوفو لتبني المواقف الأمريكية، كما أشارت سفيرة كوسوفو في الولايات المتحدة فلورا سيتاكو خلال زيارتها لإسرائيل، أن «كوسوفو تتبع دائمًا المواقف الأمريكية».
وهناك سبب إضافي لترحيب إسرائيل بالاتفاق الموقّع بين صربيا وكوسوفو، فقد ورد بند في نص الاتفاق يشير لتعهّد صربيا وكوسوفو بدفع التّعويضات لضحايا الهولوكوست، وبند آخر بالالتزام والتّعاون في وقف أنشطة حزب الله، وتعهّد صربيا كذلك بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، وهو ما رحّبت به الخارجية الأمريكية أيضًا موضّحة في بيانها أن «إعلان صربيا أنها ستصنف حزب الله بأكمله كمنظمة إرهابية خطوة بارزة أخرى تحد من قدرة تلك الجماعة المدعومة إيرانيًا على العمل في أوروبا». وأضيف بند يصبّ في مصلحة تقوية النّفوذ الأمريكي في البلقان يقضي بعدم طلب صربيا وكوسوفو معدات شبكة 5G من موردين غير موثوقين، والمقصود به هواوي الصينية، التي تشن إدارة ترامب حملة ضدها، وكل هذه البنود المذكورة تفيد في المقام الأول أجندة ترامب السياسية، في حين أنها لا تجلب سوى التعقيدات المحتملة إلى بلغراد وبريشتينا.
هل المواطنون الكوسوفيون يشاركون حكومتهم رأيها بالتقرّب من إسرائيل؟
كانت أول ردة فعل شعبية قيام مواطنين مجهولين بتعليق لافتة أمام وزارة خارجية كوسوفو في بريشتينا تنص على أن «الاعتراف بالأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس كجزء من إسرائيل هو أحمق سياسيًا، وغير عادل أخلاقيًا، ومخزي اجتماعيًا»، وهذا يعطينا فكرة عن انتشار رأي بين الكوسوفيين يعارض موقف حكومتهم، ويتضامن مع الفلسطينيين الذين يشتركون معهم تجربة الاضطهاد والتمييز العنصري والكفاح لأجل حقوقهم ودولتهم المستقلة.
والجدير بالذكر أن قرار اعتراف إسرائيل بكوسوفو لم يخل من اعتراضات داخل إسرائيل، فقد نشر الكاتب مايكل فرويند، الذي شغل منصب نائب مدير الاتصالات في مكتب رئيس الوزراء في عهد بنيامين نتنياهو خلال فترة ولايته الأولى، وهو رئيس جمعية الصداقة الإسرائيلية الصربية نصًا في صحيفة «جيروزاليم بوست»: