سفاح الجيزة: لماذا يتحوّل الرجال إلى قتلة؟
لعلك شاهدت مسلسل سفاح الجيزة أو سمعت عنه، الذي يحكي قصة حياة السفاح قذافي فراج ولكن المرعب حقًا ليس في كونه سفاحًا وقتله عدة ضحايا بدم بارد بل في الكشف النفسي الذي أقر بعدم معاناته من أي أمراض نفسية أو عقلية.
كيف يمكن للنفس البشرية الطبيعية أن تقتل عدة مرات ويطلق عليها أنها سوية؟ قد يخطئ التقرير الطبي وقد يصيب، لكن دعنا نناقش الجذور النفسية التي قد تحول الشخص العادي إلى قاتل متسلسل وشخصية سيكوباتية من الدرجة الأولى والتي قد تنطبق على قذافي سفاح الجيزة.
من هو القاتل المتسلسل؟
يعرف القاتل المتسلسل بأنه من قتل عدة أشخاص خلال فترة قصيرة مع وجود فاصل زمني بين كل حالة قتل والأخرى، وقد يرتكب جرائم القتل على مدى فترات زمنية طويلة، وقد يكون شخصية سيكوباتية أو يعاني اعتلالًا عقليًا مثل: الذهان.
أوضح مكتب التحقيقات الفيدرالية في تقرير صدر عنه عام 2005 أن القاتل يختار جرائم القتل المتسلسلة بناء على ما يلي:
- التوفر: يظهر هذا الأمر من خلال نمط حياة الضحية، التي تسهل على القاتل إمكانية وصوله وانفراده بالضحية، فعلى سبيل المثال اقتحامه منزل فتاة تعيش بمفردها ليلًا أفضل من اقتحامه لمنزل يعيش فيه أكثر من فرد.
- الرغبة: ينجذب أحيانًا المجرم لضحايا محددين لرغبته فيهم تبعًا لعوامل انجذاب يحددها القاتل وقد تكون مثل: العمر أو الجنس أو نوع الجسم أو الأصل العرقي.
- الضعف: يستهدف القاتل المتسلسل الضحايا الضعيفة وقد يجرده من أسلحة القوة التي لديه؛ كي يتمكن من الانفراد به وقتله، فعلى سبيل المثال الأنثى التي تسير في الشارع بمفردها ومن دون سلاح أكثر ضعفًا من فتاة لديها سلاح أو تسير برفقة كلب ضخم يحميها.
يكون القاتل المتسلسل عادة منعزل ويخشى جميع العلاقات، ويسعى للسيطرة على الآخرين وتدميرهم من أجل الهروب من فكرة رفضهم له، وهناك جزء آخر من القتلة المتسلسلين يعشقون الشهرة والاهتمام الذي يحظى به القتلة من قبل وسائل الإعلام.
كيف تجعلك العوامل الاجتماعية قاتلًا متسلسلًا؟
هل تعلم أن كل شيء أنت عليه الآن من مشاعر وأفكار وسلوكيات هو نتاج طبيعي طفولتك، ولكن ماذا عن طفولة القاتل المتسلسل هل بها خلل ما؟
تسهم العوامل الاجتماعية بشكل كبير في تشكيل شخصية الفرد سواء بالإيجاب أو بالسلب بناء على المواقف التي يتعرض لها، كذلك استجابة الأفراد تختلف من شخص لآخر عند التعرض لنفس الموقف.
إذا فشل طفل في الاختبار فقد يساعده والداه على تجاوز الفشل بالمذاكرة والتشجيع ومن ثم ينشأ محبًا للمحاولة وسينجح ولا ييأس بسهولة، أما إذا عنفه والديه فقد ينشأ بعقد نفسية ستستمر معه مدى حياته سعيًا للكمال غير المبرر.
كذلك طفولة القاتل قد يشوبها بعض الندوب التي تؤثر عليه سلبًا وتجعله مجرمًا في حق ذاته والمجتمع، فصدمات الطفولة قد تكون كما يلي:
- تعرض الطفل للإساءة الجسدية أو الجنسية.
- بُعد الوالدين عن بعضهما البعض سواء على الجانب العاطفي أو غيابهم عنه.
- معيشة الطفل في خلل أسري.
- تعرض الطفل لصدمة أو حادث مؤلم شديد لم يتجاوزه نفسيًا.
- انفصال الطفل مبكرًا عن أمه.
قد يكون للجينات دور في جعل الأفراد أكثر عنفًا عن غيرهم، وكذلك تعرض الطفل للصدمة من أكثر الأسباب انتشارًا، التي تشكل شخصية القاتل في ما بعد، فعند تعرضه للصدمة لم يتمكن عقله من التعامل مع مشاعره ولم يتجاوزها.
يسبب تعرض الطفل للصدمة أضرارًا في مناطق الدماغ المتحكمة في الإشارات العاطفية، وبالتالي لا تتطور لديه مشاعر مع كل موقف يقابله في حياته ويتعلم قمع العواطف، ومن ثم ينشأ شخص متبلد المشاعر غير قادر على التعاطف.
اقرأ أيضًا: كيف تنشئ طفلا مريضا نفسيا؟
دوافع القتل المتكرر
رغبة القاتل في إنهاء حياة فرد آخر لها عديد من الدوافع النفسية، إضافة إلى أن القتلة المتسلسلين يختلفون عمن قتل صدفة أو القتل دون عمد، فهم يجدون رضًا كبيرًا في القتل نفسه ولديهم حاجة مزمنة وملحة لارتكاب جرائم القتل.
إذا كان القاتل مريضًا بمرض عقلي حاد يجعله يقتل أي فرد ففي هذه الحالة لا يوجد دافع، ولكن في أكثر الجرائم يكون هناك دافع واحد على الأقل أو عدة دوافع ومنها ما يلي:
- الخوف المرضي من الرفض: هذا النوع من القتل ينشأ منذ الطفولة نتيجة تخلي الأم عن طفلها أو رفضها له أو تعرضه للتعذيب أو الإساءة من والدته، ثم يكبر الطفل ولديهم رغبة دفينة في قتل المقربين أو من يحب خوفًا من رفضهم له في ما بعد. يتجنب القاتل المتسلسل العلاقات المؤلمة، ومن ثم يحاول التخلص من مشاعره وخوفه من الإذلال أو الرفض بقتل الشخص نفسه بدلًا من الدخول في علاقة ناجحة معه.
- الغضب: يعد الغضب من الدوافع القوية التي قد تجعل المجرم يقتل مجموعة محددة من البشر مثل: الأغنياء أو النساء أو الرجال.
- الكسب المادي: يقتل المجرم أحيانًا من أجل الكسب المادي والرغبة في زيادة المال من خلال السرقة أو النصب والاحتيال.
- العمل الإجرامي: يحدث هذا الأمر في العصابات أو الجريمة المنظمة التي تستهدف قتلة مأجورين من أجل قتل أفراد محددين، ومن ثم يحصل القاتل على مكافأة مالية أو أجره نظير القتل.
- الأيديولوجية: هو القتل من أجل تعزيز هدف أو أفكار محددة لفئة معينة مثل ما يحدث في الجماعات الإرهابية، أو القتل بدافع كراهية عرق أو جنس محدد.
- الذهان: هي حالة مرضية شديدة تصيب العقل وتجعل المصاب يعيش حالة من الهلاوس السمعية والبصرية، وأوهام جنون العظمة التي تدفعه للقتل.
- الدافع الجنسي: ينشأ عندما يحاول الرجل اغتصاب فتاة ثم تقاوم، فينفعل ويغضب لمقاومتها ثم يقتلها.
- الشعور بالقوة: هنا يكون القتل متعة في حد ذاتها للمجرم عندما يقتل ضحاياه، فالقتل هو الغاية وليس المال أو أي دافع آخر.
كيف تخدعك الشخصية السيكوباتية؟
قد يظهر في ذهنك أن القاتل المتسلسل سيكون عنيفًا دائمًا أو شخص يبدو عليه حب الشر وكراهية الخير، بخاصة أن وسائل الإعلام والمسلسلات تظهر الشخصية السيكوباتية أو القتلة على أنهم مفترسون ويمكنك التعرف عليهم بسهولة، ولكن الواقع يكون غير ذلك.
الشخصية السيكوباتية التي قد تقتل أحيانًا سواء قتلًا نفسيًا أو جسديًا، قد تجدها حولك ولا تتعرف عليها، فقد يكون صديقك أو جارك أو زميلك في العمل أو خطيبك حيث يبدو عليهم السمات المسالمة وأنهم غير ضارين.
صاحب الشخصية السيكوباتية مريض نفسي يتصف بالهدوء والذكاء والشخصية الساحرة التي قد تجذبك من أول مرة مما يجعله مصيدة لعديد من الضحايا.
يتصف صاحب الشخصية السيكوباتية بأنه قاس وغير متعاطف، وليس لديه القدرة على الشعور بالندم أو بالشفقة، وبالتالي فهو لا يهتم بعواقب الجريمة ولا يكترث كثيرًا بحياة الأفراد.
هناك بعض السمات والسلوكيات الخاصة بالاعتلال النفسي المصاحب للشخصية السيكوباتية للبالغين، ولكنها قد تبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة المبكرة ومنها ما يلي:
- التلاعب.
- الخداع.
- الاندفاع.
- البحث عن التحفيز.
- عدم المسؤولية.
- تجاهل حقوق الآخرين.
- ضعف الضوابط السلوكية.
- السلوكيات المعادية للمجتمع.
- عدم التعاطف.
- التصرفات غير الأخلاقية.
على الرغم من وجود هذا الاعتلال النفسي لدى عديد من القتلة المتسلسلين لكنه لا يعد وسيلة لتبرئتهم من العدالة، حيث إن المرض النفسي يختلف عن المرض العقلي مثل: الذهان.
أما في ما يخص الكشف النفسي الذي أجري على السفاح قذافي فمن الممكن أن يكون غير مريض عقليًا، ولكن قد تكون شخصيته السيكوباتية وصدمات الطفولة التي تعرض لها غير مكتشفة حتى الآن.
لماذا قد يقتل الرجل من يحب؟
طبقًا للإحصائيات يموت 40% من جميع ضحايا جرائم القتل من النساء و6% فقط من الذكور على يد شريك الحياة سواء زوجًا أو زوجة أو عشيقًا، وبالتالي فإن عددًا لا بأس به من النساء يموت بفعل أزواجهن.
قد يقتل الرجل حبيبته بعد أن تنهي علاقتها معه أو بمجرد إعلانها عدم الرغبة في إكمال هذه العلاقة، ويبرر الرجال هذا القتل بأنه بدافع الحب الزائد لزوجاتهم أو عشيقاتهم، وذلك ناجم عن التملك الذكوري والرغبة في السيطرة على الأنثى، فعقله لا يقبل انفصالها عنه والخروج من ملكيته.
يمكن أن يقتل الرجل بدافع الغيرة على حبيبته فهي ستتركه وتذهب لشخص آخر، ولكن هناك جانبًا أعمق للقتل من مجرد الغيرة أو التملك الذكوري ويتمثل في ما يلي:
- عندما تنفصل المرأة عن الرجل فإن هذا الانفصال يمثل له فقدان هويته لأن هذه المرأة هي عالمه.
- إذا كانت حياة الرجل تفتقر إلى معنى وهدف وأسباب للعيش فمن السهل أن يدمر حبيبته ويدمر ذاته معها.
- إذا كان لدى الرجل تصور تقليدي عن الذكورة، التي تتمثل في السيطرة والسلطة، فحينما تنفصل عنه زوجته تجعله ينصدم بحقيقة اعتماده عليها وينكشف ضعفه وإذلاله؛ مما يجعله يشعر بالإهانة لذكورته.
أخيرًا، من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا ولا يمكننا إعادة من ماتوا ظلمًا للحياة، لكن باستطاعتنا تغيير جيل كامل بمراعاة مشاعر الأطفال وفهم أنواع الصدمات التي تغير من نفسية وفكر الطفل؛ كي لا يكبر ويؤذي ذاته أو قد يتسبب في أذى الآخرين؛ لأن حينها لن يراه المجتمع أو القانون بريئًا، ولن نجني سوى الحسرة على ضياع مستقبل أولادنا.
اقرأ أيضا: كيف أحمي طفلي من الاضطرابات النفسية