«كيا جورابشيان»: الرجل الذي يعبث بمصير برشلونة
تجمع عدد من جمهور نادي روما أمام مطار العاصمة الإيطالية في انتظار وصول صفقتهم الجديدة. كانوا يغنون لروما، لـ«مونشي» المدير الرياضي الذي يقود ثورة داخل أركان ناديهم، وبالطبع لـ«مالكوم» الجناح البرازيلي المنتظر وصوله من بوردو للانضمام للذئاب، لكن مالكوم لم يأتِ أبدًا.
سرعان ما وصلت أخبار تفيد بأن نادي بوردو قد غيّر وجهة مالكوم في اللحظات الأخيرة قبل سفره إلى روما، وقد جاء هذا التغيير بعد اتفاق أولي تم بين النادي الفرنسي ونظيره الإيطالي على كل شيء، حتى أن الناديين أعلنا عبر منصاتهما الإلكترونية عن الصفقة، لكن طرفًا ثالثًا كان له أن يتدخل في الرمق الأخير ليعرقل الصفقة ويفسد الليلة على جمهور الجيلاروسي، لم يكن ذلك الطرف سوى نادي برشلونة!
منذ رحيل «نيمار» صيف 2017، وكثير من الأمور الغريبة بدأت تتكشف لجمهور البلوجرانا عن النمط الغامض الذي يدير به مجلس «جوسيب بارتوميو» أروقة النادي الكتالوني. بدأ الأمر عندما ظهر جليًا كيف راوغ نيمار ومن خلفه والده إدارة برشلونة، ثم جاء ملف تدعيم صفوف الفريق فازداد الأمر غرابة؛ إذ تفاجأ الجميع بقدوم «باولينيو» من الصين بدلًا من خيارات أفضل متاحة بدوريات أوروبا، وبعدها بدأ عرض مسلسل «فيليب كوتينهو» الذي لم ينتهِ سوى في يناير 2018، وها نحن ذا نعيش فصلًا جديدًا بدأ مع اهتمام شديد من برشلونة بضم «ويليان»، وانتهى بخطف مالكوم.
ليس المشترك الوحيد بين كل تلك التدعيمات أنها لم تعوّض نيمار، أو تحل مشكلة برشلونة الحقيقية في وسط الملعب الذي افتقد حيويته بالموسم السابق، ولكن هناك اسم واحد يجمع بين تلك الصفقات، وكأنه المركز الذي يدورون حوله، هذا الاسم هو وكيل اللاعبين المعروف «كيا جورابشيان».
بطاقة تعريف
في البداية دعنا، عزيزي القارئ، نتعرف على مسيرة جورابشيان لندرك أننا أمام رجل أعمال ذكي يجيد اصطياد الفرص. ولد كيا في إيران، لكنه هاجر رفقة أسرته في سن مبكر لإنجلترا، وقد بدأ حياته العملية في تجارة السيارات مع أبيه، ثم تحول للبترول والاستثمار في البورصة، إلا أنه اتجه أخيرًا للمجال الرياضي وهو في مطلع الثلاثينات.
عام 2004، أسس كيا شركة تدعى MSI ومقرها لندن تستهدف الاستثمار في كرة القدم. كانت رؤيته واضحة ومحددة جدًا، فقد انصب أغلب تركيزه على رعاية المواهب اللاتينية الشابة ثم تسويقها في الدوريات الأوروبية وجني أرباح كبيرة من التوسط في عمليات البيع؛ لذلك انطلق جورابشيان إلى أرض المواهب التي لا تنضب: البرازيل.
فور وصوله لبلاد السامبا، قام كيا بشراء حصة كبيرة من أسهم نادي كورينثيانز، وقد أطلق وعودًا بضخ الأموال وإبرام التعاقدات حتى يتحول النادي البرازيلي لنسخة أوروبية داخل أمريكا اللاتينية. في الوقت ذاته نجح في تشكيل فريق من كشافي المواهب ينتشر على امتداد البرازيل لمتابعة أهم اللاعبين بين أعمار 16 و18 ومحاولة استقطابهم.
بالطبع دارت حول اسم كيا شبهات الفساد، إذ لم يكن من الطبيعي أن يمتلك شاب في الثالثة والثلاثين كل هذه الأموال دون أن يرث أو يكون صاحب نجاح استثنائي في مجال ما. وقد اتهمته الصحافة آنذاك أنه يعمل كواجهة إدارية لمستثمر خفي لا يريد الظهور، خصوصًا عندما نجح في التعاقد مع نجم الأرجنتين الصاعد آنذاك «كارلوس تيفيز» نظير 22 مليون يورو، وقد كان هذا المبلغ رقمًا هائلًا في 2005!
بذكر تيفيز، جدير بالذكر أن مهاجم البيسيليستي ربطته علاقة قوية للغاية مع كيا، حتى أن الأخير تولى هندسة جميع انتقالاته بداية من كورينثيانز وحتى استقر به الحال في بوكا جونيورز، مرورًا بويست هام واليونايتد والسيتي، ثم تمثيل يوفنتوس، وبعدها العبور في طريق مفروش بالدولارات إلى الصين. وقد أضافت نجاحات الأباتشي بريقًا لاسم جورابشيان كوكيل لاعبين قادر على إدارة مسيرة النجوم.
بمرور السنوات، بدأت إمبراطورية كيا جورابشيان في النمو، حيث توسعت شبكة علاقاته بين كبار الأندية، واكتسب ثقة كبيرة من اللاعبين لقدرته الكبيرة على التفاوض نيابة عنهم وحماية مصالحهم، كما تعددت الصفقات التي كان طرفًا فيها وشملت أسماء كـ«ماسكيرانو، روبينيو، أوسكار، ديفيد لويز»، وبالطبع «باولينيو، كوتينهو، وليان»!
كيف تصطاد 220 مليون بدون معلم؟
بالطبع لا يحب جمهور برشلونة تذكر ميركاتو الصيف الماضي، ذلك الذي بدأ بفشل في ضم «فيراتي» ولم ينتهِ إلا بخسارة خدمات نيمار، لكن بالنسبة إلى جورابشيان فإن ذلك الميركاتو كان فرصة ذهبية لا يمكن إهدارها.
جاءت الفرصة عندما اتجهت إدارة بارتوميو فجأة لدفع الشرط الجزائي الخاص بباولينيو إلى ناديه الصيني، حينها صعدت إلى السطح أسئلة عدة مثل: لماذا يتم دفع 40 مليون يورو نظير لاعب تجاوز الـ29 عامًا وينشط بدوري محدود الإمكانيات؟ ألم يكن «تياجو ألكنتارا» أو «فيدال» مثلًا أولى بالتعاقد؟ لكن نوعًا آخر من الأسئلة كان يدور داخل عقل كيا من قبيل: كيف يمكن تحقيق أكبر استفادة من السيولة المالية التي تمتلكها إدارة بارتوميو بعد بيع نيمار؟
يقول باولينيو –في تدوينة نشرها خلال المونديال- إن وكيله: جورابشيان أشرف على كل شيء يخص صفقة انتقاله؛ من التواصل بين الطرفين الكتالوني والصيني، إلى الاتفاق حول راتب باولينيو في برشلونة، وبالطبع تحديد قيمة عمولته كوكيل.
كيا كان يعلم أنه أمام إدارة متخبطة خرجت للتو من موسم بلا بطولة كبيرة، وقد تلقت صفعتين من باريس سان جيرمان، وبات موقفها ضعيفًا للغاية أمام جمهورها، وهي في الوقت ذاته تمتلك سيولة مالية كبرى تحتاج لمن يوجهها في الميركاتو، وهنا قرر جورابشيان أن يلعب ذلك الدور بعد إتمام صفقة باولينيو.
وقد نجح في توطيد علاقاته مع إدارة بارتوميو، كما لمس أن أولوية رئيس النادي ليست في سد ثغرات الفريق الواضحة بقدر إتمام صفقات دعائية ترضي الجماهير في أسرع وقت، لذا لم يُضِع جورابشيان وقتًا واقترح التعاقد مع لاعبه البرازيلي الآخر: كوتينهو.
تشرح صحيفة الديلي ميل أن إدارة برشلونة فشلت في التواصل مع إدارة ليفربول، إذ لم يكن الفريق الإنجليزي بحاجة إلى بيع أحد أهم نجومه ولا يمتلك له بديلًا، لذا فقد أوكل مجلس بارتوميو إدارة ملف الصفقة لوكيل كوتينهو!
يمتلك كيا خبرة تزيد عن 14 عامًا في سوق الانتقالات، لذا فهو يجيد قراءة الطرف الآخر، ويعرف بالضبط كيف يقنعه أو ربما يجبره على التفاوض. كما أثبتت الأيام والصفقات أن الوكيل صاحب الأصول الإيرانية لا يمل سريعًا، وهو ما أكدته أيضًا صفقة كوتينهو الذي قام بتقديم طلب رسمي بالرحيل لإدارة الريدز، ثم تمرد على كتيبة «يورجن كلوب»، ليتمكن جورابشيان من التفاوض مع مجموعة فينواي المالكة لليفربول، وحسم الصفقة التي بلغت 142 مليونًا، ترى كم كانت عمولته تلك المرة؟
لم يفوّت كيا نافذة الانتقالات الصيفية هذا العام أيضًا، وقد ربطت أخبار عدة برشلونة بلاعبه البرازيلي الثالث: ويليان. يمكننا أن نستنتج بسهولة ماذا تم، لابد أن كيا عرف من مصادره داخل الإدارة أن السيد «فاليفيردي» غير راضٍ عن أداء «عثمان ديمبيلي»، وهنا أجرى اتصالاته ببارتوميو ليخبره أنه يمتلك في جعبته الحل كالعادة، وهو الإتيان بجناح جديد، لكن الأمور لم تسر تلك المرة على ما يرام ورفضت تشيلسي التفريط في ويليان.
لكن ماذا عن مالكوم؟ هل هو أيضًا لاعب في قائمة كيا؟ في الحقيقة أن جورابشيان ليس وكيل مالكوم، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن بصمات الرجل غابت عن تلك الصفقة. فيمكنك ببعض البحث أن تكتشف أن وكيل مالكوم هو البرازيلي «فيرناندو جارسيا»، وهو صديق لكيا وقد عملا سويًا في البرازيل وإنجلترا. أضف إلى معلوماتك أيضًا أن مالكوم نفسه هو ابن نادي كورينثيانز ولابد أن جورابشيان ورجاله يعرفونه جيدًا، وقد عرض كيا بالفعل على نادي إنترميلان خدمات مالكوم قبل ذلك، إلا أن صحيفة الأس الأسبانية كشفت في تقرير نشر اليوم أن جورابشيان لعب دور الوسيط الهام في الصفقة التي جاوزت 40 مليون يورو!
من المثير التساؤل: من هو أكبر مستفيد من الأموال التي دخلت خزينة البلوجرانا بعد بيع نيمار؟ هل هو فريق الكرة الذي لا يزال تحتاج صفوفه لتدعيمات لا سيما بوسط الملعب، أم هو كيا جورابشيان الذي كان طرفًا بثلاث صفقات إحداها هي الأغلى بتاريخ برشلونة؟
رائحة الفساد
من المنطقي أن يبدأ البعض بالتفكير كما فعل الصحفي المهتم بشئون برشلونة «رافاييل هيرنانديز» في تغريدته المذكورة، فارتباط كيا بكل تلك الأسماء التي انضمت لبرشلونة في حيز زمني ضيق جدًا يثير الريبة، والأقرب فعلًا للتصديق هو أن كيا يمتلك علاقات قوية داخل مجلس إدارة برشلونة الحالي تمنحه الضوء الأخضر لعقد الصفقات بأي سعر حتى لو كان ذلك على حساب احتياجات الفريق الأساسية.
نحن إذن أمام شبهة فساد واضحة، ولا يعرف أحد إلى أي مدى يمكن أن تستمر بهذا النمط الفج.
عمومًا، فإن جورابشيان كوكيل لاعبين نجح في كسب الكثير خلال الـ 12 شهرًا الماضية، وقد دفع لاعبيه نحو ارتداء قميص أحد أكبر الأندية في سماء كرة القدم، وهو ما يضاعف من أسهمه عند مواهب الأجيال القادمة.
أما برشلونة فلا زالت تحتاج لتدعيم بلاعب أو اثنين بوسط الملعب، ومهاجم بديل لـ«سواريز»، وقد كان ذلك أهم وأكثر أولوية من التعاقد مع لاعب طرف جديد. تُرى كيف ستسير الأمور داخل أروقة البلوجرانا بالأيام المقبلة؟ هل يأخذ كيا أجازة من برشلونة قليلًا ويكف عن اقتراح مزيد من الأسماء بقائمته، أم يبدأ فصل جديد لجواربشيان؟ فصل هدفه الأول هو مراكمة أموال العمولات، وعنوانه هو العبث.