متحرشون لكن ظرفاء: ماذا نفعل بفن «كيفين سبيسي»؟
ممثلنا المفضل يعكس لنا ما نريد أن نراه في أنفسنا، ولكن حملة فضح المتحرشين الجنسيين من المشهورين وخاصة بمجالي السينما والصحافة جاءت قاسية لتمس هويتنا الخاصة باتهام أشخاص نحبهم ونتمتع بمتابعة أعمالهم، حتى رفض الجمهور تصديق هذه الاتهامات حتى بعدما ظهر المتهمون للإعلام واعترف – معظمهم – بإدانته، وانشغلنا باعترافات المتهمين ونسينا الضحايا وقضيتهم.والآن، إذا كنت لا تحب وودي آلن وكيفين سبيسي فأنت في مأمن، فما أفضل لقناعة المرء وهويته الثقافية وهو يرى الشخص الذي يكرهه متهما بجريمة أخلاقية شنيعة، ووجد أخيرًا تبريره الخاص لكراهيته، ووجد نفسه حكيمًا يعطي النصائح الأخلاقية، ولكن لمحبي هؤلاء النجوم؛ إليكم وصفة للتصالح مع أنفسكم، وتفسير لماذا استمر وودي آلن في عمله رغم الاتهام الذي وجه إليه قديمًا، وتعرض عمل سبيسي الفني للتهديد بسبب اتهامه.
صدمتنا في كيفين سبيسي تركت القلق وراءها ورحلت
وسط حملة طالت قامات هوليوود لاتهامهم بالتحرش الجنسي الشهر الماضي، فتحت الشرطة في لندن تحقيقات في مزاعم اعتداء جنسي ضد كيفين سبيسي بعد أن وجه إليه الممثل البريطاني «أنتوني راب» تهمة الاعتداء الجنسي عليه بينما كان الثاني طفلًا، وقال الممثل المجني عليه إنه استيقظ من نومه ليجد سبيسي يمثل مشهدًا جنسيًا معه وهو نائم عام 2008، ما اضطره إلى الفرار من المنزل، والتزم الصمت لأن سبيسي هدده في حال أبلغ أحدًا بما حدث، ومع توالي الاتهامات قال سبيسي إنه يسعى إلى علاج ما حدث بعد مواجهته لسلسلة من المزاعم التي تشير إلى سوء سلوكه الجنسي رددها عدد من الرجال.بعد ذلك لم تتردد شركة نتفليكس في قطع علاقتها مع الممثل كيفين سبيسي، نجم مسلسلها المشهور «هاوس أوف كاردز»، وذلك إثر سلسلة من المزاعم عن ارتكابه اعتداءات جنسية، وذلك أيضاً بعد فضيحة منتج هوليوود الشهير «هارفي واينستين»، الذي اتهمته أكثر من 50 امرأة إما بالاغتصاب أو التحرش الجنسي بهن.
وودي آلن! هل هذا معقول؟
بينما يحتفل وودي آلن بحصوله على جائزة جولدن جلوب على تاريخه الفنى بمطعم بنيويورك، كتب ابنه رونان فارو على تويتر بلهجة يملؤها الاشمئزاز مكررًا نفس الادعاء بأن والده قد أساء لأخته المتبناة، ديلان، في أوائل التسعينات. ففي رسالة نشرتها في الأول من فبراير/شباط، كتبت ديلان فارو، ابنة ميا فارو وودي آلن، أن وودي قادها لسطح منزلهم، عام 1992، بينما كانت في عمر السابعة، واعتدى عليها جنسيًا، وكتبت ديلان عن فشلها في التخلص من آلام هذه التجربة، ثم وجهت رسالتها لمحبي أفلام وودي آلن، والممثلين الذين عملوا معه بأن عليهم التفكير فيما فعله بها، وفيما تتعرض له نساء خائفات يكافحن من أجل شجاعة قول الحقيقة.
نفى وودي آلن إساءته لديلان فارو، وصدر رد نيابة عنه من ممثله قال فيه: «قرأ السيد آلن الرسالة ووجدها مفبركة ومشينة، وسيجيب عن الاتهامات قريبًا جدًا».كانت الفتاة قد سبق ووجهت الاتهام إلى وودي آلن عام 1992 أثناء قضية انفصاله عن زوجته مايا فارو، لكن المحكمة لم تطمئن إلى ادعاءات الفتاة وقالت أنها إما قد اختلقتها كطفلة أو أنها دُفعت إلى ذلك عبر مايا.*لكن الفتاة لاقت دعمًا من نيكولاس كريستوف، وهو صحافي وكاتب وعمودي أمريكي، ذو ميول ليبرالية، وحائز على جائزتي بوليتزر، ودائم الاهتمام والتصدي لقضايا انتهاكات لحقوق الإنسان.
تقول جنا طومسون، أستاذ الفلسفة بجامعة لاتروبى، إن رسالة ديلان فارو تؤكد على فشل مجتمعنا في محاربة إساءة معاملة الأطفال، مما يقود إلى تدمير حياتهم، ولهذا السبب يجب علينا تجريم ذلك بقوة القانون، وفي نفس الوقت علينا افتراض أن الشخص بريء حتى تثبت إدانته، ولا يجب وصم وودي آلن بسبب ادعاءات لم تثبت بعد.
ماذا لو ثبتت إدانة وودي آلن؟
كتب ابن وودي آلن:
معظمنا يحب أعمال المخرج رومان بولانسكي، وهو الذي اعترف بممارسته الجنس مع قاصر تبلغ من العمر 13 عامًا عام 1977، ولكن ليس هناك ما يدعونا للاعتقاد بأن أفلام بولانسكي ملوثة بجريمته، لذا يمكننا تقدير أعماله في حين أننا نستنكر أخطاءه الأخلاقية، خاصة إذا اعترف بذنبهم، مثلما فعل بولانسكي، فجميعنا له أخطاؤه وحولنا الكثير ممن يعانون تذبذبًا نفسيًا، دون أن يمنعنا ذلك بتجريم أفعالهم.تقول جنا طومسون، أستاذ الفلسفة بجامعة لاتروبى، إنه من المهم معرفة أنه عندما يفوز فنان أو أديب بجائزة كبرى على إنجازاته، فإن جوائزه ليست ثناء على حسن أخلاقه. ولسوء الحظ يصعب التمييز بين عمل الفنان وسلوكه في بيئة يُعتبر فيها المشاهير نموذجًا يُحتذى به. وإذا كانت ديلان قد تعرضت فعلًا لأذى جنسي من وودي آلن، أو أنها تتخيل القصة كلها، ففي الحالتين من المفهوم مقابلة الاتهام بحالة من الاستياء من محبي وودي آلن، ولكن بنود القانون وتحيزنا الأخلاقي عليهما التأكد من كل شك.هل أفعالهم المُشينة خيانة لنا؟
وودى ألين و رومان بولانسكي العمل في الوقت الذي تقف فيه المزاعم الأخلاقية سدًا بين سبيسي وبين عمله الفني؟نحن نعيش عام 2017، وقولبتنا للعديد من العلامات التجارية التي نشتريها والأخرى التي نقاطعها أصبحت جزءًا من هويتنا الخاصة، فلقد تعلمنا أن فنانينا المفضلين والماركات التي نفضلها هي أشياء نملكها وموكلون للدفاع عنها، فإذا كتب ممثل معروف تغريدة في الهجوم على دونالد ترامب سنعيد نشرها، وإذا أدان التحرش الجنسي سندين ترامب بالتبعية، وإذا تقدمت المغنية بيونسيه بمنح دراسية للفقراء سنشعر – نحن متابعوها – وكأننا قدمنا نفس العمل الخيري.يقول بروفيسور كاري كوبر، أستاذ علم النفس بجامعة مانشيستر، إننا نرى أنفسنا في فناننا المفضل، نحن نرى أنفسنا فيه عندما يقدم الخير، لأن الفنان يشبع رغباتنا في فعل الخير بمجرد حبنا ومتابعتنا له، دون الحذر من أن هناك حزمة مترابطة من الأخلاقيات نراها الآن جزءًا من شخصية الفنان، والتي يحتاجها لدعم فكرة شعبيته، ودفع الناس لتبني فكرة صالحة، ولتضخيم رأس ماله الاجتماعي، والذي يتضخم أكثر بسببنا، لأن في رؤيتنا الجيدة لممثلنا المفضل تتضح رؤيتنا لذواتنا، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي لجعل هذه الرؤية أكبر مما يمكن تخيلها، الأمر الذي جعل حجم صدمتنا أيضًا ضخمًا للغاية.يضيف بروفيسور كوبر أن التطور المزمن للأخلاق كمفهوم للتسويق، تروق لفنانين يبدون جيدين ظاهريًا، فيجعلون من جمهورهم شخصًا جيدًا، ولكن عندما يخطئون يفقد الجمهور اتزانه. فممثلونا هم حلفاء قضيتنا، من أثبتوا حكمتنا في الاختيار، ورعايتنا لأفكارهم ودعمنا لها، وخيانته لظن جمهوره نعتبره خيانة شخصية، وبهذا تزداد الصدمة.والآن تمتعنا بأعمال كيفن سبيسي بعد إثبات تورطه في اعتداءت جنسية الشهر الماضي لا تجعل منا أشخاص سيئين، فالتمتع بفن الممثل لا يعني أنك تؤيد سلوكه، ولكن الذعر الأخلاقي الذي صدم الجمهور في فنانيهم وشتتهم عند اختيار الفيلم الذي يريدون مشاهدته، والتشكيك في قدرات كيفن سبيسي الفنية، وما إذا كان يستحق متابعة جمهوره أم لا، كل هذا نابع عن دمجنا لكيفن الفنان والإنسان والحكم عليه كأنه منزه بالفضيلة.* تمت إضافة تلك الفقرة بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2017.