أزمة كشمير: على أعتاب الحرب الرابعة بين الهند وباكستان
بسببه نشبت ثلاث حروب بين الهند وباكستان. الهند تحكم ما يقرب من 43% منه، باكستان تحكم 37% منه، والبقية تسيطر عليها الصين. الهند تريده لهدف استراتيجي، موازنة القوى بينها وبين الصين. وباكستان تريده لأن أنهارها الثلاثة تنبع منه. هذا هو إقليم كشمير.
في التقسيم سنة 1947 تقرر ألا يُمنح إلى هذا ولا إلى ذاك. غالبية سكانه مسلمون مثل الشعب الباكستاني، إذن يُضم لباكستان!
لا لأن اللجنة المحكمة كانت من الهندوس، فلن تمنح باكستان المسلمة هديةً كهذه. حاكم كشمير، المهراجا، استغل الفرصة وطلب أن يبقى الإقليم حرًّا غير تابع لأي منهما. لكن المهراجا ولاؤه وعقيدته هندية، فقامت المصادمات بينه وبين شعب الإقليم المسلم.
الباكستانيون تدفقوا على الإقليم لمناصرة سكانه، والجيش الهندي لبى نداء المهراجا ليُحكم السيطرة على الإقليم. في المقابل منح المهراجا وعدًا ملزمًا بالانضمام إلى الهند فور انتهاء الأزمة. هذا الوعد جعل القوات الرسمية الباكستانية تتدخل، فصار الأمر حربًا حقيقيةً بين الهند وباكستان لمدة عام كامل. في عام 1949 تدخلت الأمم المتحدة لتمنح كل طرفٍ نصيبه من كعكة الإقليم بالنسب المذكورة أعلاه.
جمر الثورة تحت رماد التقسيم يتربص أي نفخة من النزاع ليشتعل. بعد التقسيم بأربعة أعوام اُنتخبت جميعة تأسيسية إسلامية في كشمير وجامو قادها «الشيخ محمد عبد الله». صوتت الجمعية للانضمام للهند، فاعتبرت الهند هذا إعلانًا صريحًا من الإقليم بالرغبة في الانضمام إليها، ورفضت إجراء أي استفتاء آخر حول مصير الإقليم. ولم تنجح باكستان في إقناع الهند بإجراء استفتاء إقليمي مشترك. استمر «نهرو» رافضًا الحوار مع باكستان حتى أرغمته الأمم المتحدة على قبوله عام 1963. المحادثات فشلت، متسللون من جنود باكستان عبروا إلى المنطقة الهندية واشتبكوا مع جنودها.
سكت الساسة ليتكلم السلاح
هدوء مرة أخرى لكن لم تصمت الأسلحة من حينها إلى اليوم. أجل توقف الطرفان عن المواجهة المباشرة لكن بدآ حربًا من الاستفزاز المتبادل. عام 1988 الهند تجري 5 تجارب نووية قرب باكستان، فترد باكستان بسلسلة من التجارب قرب الهند. 2001 يجتمع مِشرَّف، الرئيس الباكستاني آنذاك، مع أتال فاجيابي، رئيس الوزاء الهندي فيفشلان في إصدار بيان مشترك. في عام 2002 يُهاجم البرلمان الهندي فتُتَّهم باكستان، ويبدأ الطرفان حشد قواتهما للحدود في حرب كانت ستكون الرابعة في 50 عامًا.
مناوشات مستمرة، لكن شهد الإقليم رخاءً تحت حكم الشيخ محمد وابنه فاروق من بعده. ثم تجدد الأمر عام 1974، إذ رفض الباكستانيون التنازل عن الإقليم للهند وأعلنوا الحرب عليها. بعد ذلك تحول الصراع من الهند وباكستان إلى صراعٍ بين كشمير والهند حول المطالبة بالحكم الذاتي للإقليم وحق تقرير المصير لأهله. إذ إن كشمير ضُمت للهند منذ البداية بدستور خاصٍ اشتُرط فيه إقامة استفتاء لاحقًا بخصوص انضمامها الكامل أو انفصالها عن الهند. بسبب كلمة «المؤقت» التي وضعت في البند 370 الذي ينص على ضم كشمير وجامو للهند، أعلنت المحكمة العليا للإقليم أن له مميزات خاصة تختلف عن باقي ولايات الهند الأخرى.
اقرأ أيضًا: «جيش محمد» بدأ يعود: المهمة الصعبة ضد القوات الهندية
هذا الحكم القضائي بعث الاضطرابات من تحت رماد الهدوء الحذر. الاضطرابات اتخذت منحنًى تصاعديًا بلغ ذروته في يوليو/ تموز 2016 إثر مقتل بُهران واني، مقاتل في حزب المجاهدين على يد القوات الهندية. لتقاتل القوات الهندية على جبهتين، داخلية أمام سكان كشمير وخارجية أمام القوات الباكستانية.
الشرارة الأولى للنزعة الاستقلالية عن الهند كانت عام 1988، إذ انحسرت إصلاحات الحكومة الهندية في الإقليم. كما أن السلطات الهندية مارست قمعًا شديدًا لغلق أي قناة تعبير سلمية أو قانونية أمام سكان الإقليم. وَلَّد القمع سلسلةً من المظاهرات لم تتوقف منذ ذلك الحين حتى اليوم. لقي الآلاف مصرعهم في هذه الاحتجاجات على مدى 10 سنوات حتى عام 2008.
يريدون الغذاء لا الهند
في العام المذكور أُجريت انتخابات عامة في الإقليم، دعا الانفصاليون لمقاطعتها لكن كانت نسبة التصويت مرتفعةً للغاية. في العام نفسه أعلنت الأمم المتحدة أن هذه الانتخابات نزيهة ولم يشبها التزوير. واستقرأت المشاركة المرتفعة باعتبارها دعمًا من سكان كشمير للسيطرة الهندية على الإقليم. ليتكون من نتائج هذه الانتخابات المؤتمر الوطني لعموم جامو وكشمير. المؤتمر شكل حكومةً للإقليم بعد ذلك.
عامان من الهدوء الحذر لتتفجر الأحداث مرة أخرى في 2010. شباب، انفصاليون في الرواية الرسمية، ثوار في روايتهم عن أنفسهم، لكن الثابت أنهم شباب هاجموا قوى الأمن الهندية بالحجارة. كما أحرقوا العديد من المكاتب الحكومية، والمؤسسات الرسمية. الهند ألقت باللوم على الانفصاليين وعلى «عسكر طيبة» الميليشا الباكستانية.
لم تمنع تلك الاحتجاجات من الوصول لانتخابات عام 2014، ليشارك فيها الإقليم مرةً أخرى. نسبة التصويت كانت هى الأعلى في تاريخ الإقليم منذ عقدين. لكن المحللين من داخل الإقليم استبقوا تفسيرات الأمم المتحدة لنسبة التصويت وصرَّحوا بأن الناس صوَّتت من أجل حل مشاكلهم اليومية مثل الغذاء والتعليم والكهرباء، لا رضاءً بالحكومة الهندية. هذه النظرية دعمها استطلاع أجراه تشاتام هاوس للشئون الدولية أكد أن وادي كشمير، مركز الصراع ذا الأغلبية المسلمة، يفضل 95% من سكانه الانفصال عن الهند.
منظمة العفو الدولية في تقاريرها الرسمية تؤكد أنَّه منذ عام 2015 لم تعتدِ القوات الهندية على أحد من سكان كشمير وجامو. لكن المنظمة لم تؤكد ولم تنفِ ما حدث قبل 2015 أو ما يقوله السكان عن قيام القوات الهندية بالقتل والاغتصاب والاختفاء القسري.
فتِّش عن الاحتلال
قبل التقسيم أين كان الإقليم!
كان الإقليم خاضعًا بشكل مباشر ومعروف لحكم المسلمين في كشمير. لكن في العام 1839 دخلته شركة الهند الشرقية، واجهة الاستعمار البريطاني، واستولت عليه. بعد سيطرتها على الإقليم باعت ما لا تملك لمن لا يستحق. فوقعت اتفاقية «أمريستار» مع أسرة «الدواجرا» الهندوسية. تبيع الشركة عبر هذه الاتفاقية الإقليم للأسرة بملغ 7.5 مليون روبية – 1.5 مليون دولار – لمدة 100 عام تنتهي عام 1946.
بهذه الاتفاقية دخلت الأغلبية المسلمة تحت حكم أقلية غير مسلمة لأول مرة منذ دخول الإسلام إلى الهند. فلاقى مسلمو الإقليم صنوف العذاب، فُرضت عليهم الضرائب ومُنعوا من العبادات. وحُكم عليهم بالإعدام عقوبة لذبح الأبقار، ثم خُففت العقوبة إلى 10 سنوات مع الأشغال الشاقة.
اقرأ أيضًا: الممر الاقتصادي: طوق الصين حول عنق العالم
حين انتهت الاتفاقية وبقي الوضع كما هو عليه اشتعل النزاع على الإقليم ولكل طرف ما يدعم رأيه. باكستان تقول إن 95% من سكانه مسلمون، وإن سيطرة الهند عليه خطر على مصير الزراعة في باكستان. وإنه لا جبال ولا موانع طبيعية بين كشمير وباكستان، فإذا صار تابعًا للهند باتت باكستان مكشوفةً في مرمى الجيش الهندي. أما الهند فتقول إن أول حكومة منتخبة للإقليم عام 1947 اختارت طواعيةً أن تنضم لها. وتتعهد بأنها ستوفر لباكستان احتياجاتها من المياه، وستقيم معها اتفاقات عسكرية لحمايتها. كما ترى الهند أنها أنفقت كثيرًا على تطوير الإقليم في العقود السابقة.
أحدث الأزمات، لا آخرها
في يوليو/ تموز 2019 أعلنت الهند قرارها الأحادي بإلغاء الحكم الذاتي للإقليم. ردَّت كشمير بطرد السفير الهندي لديها. باكستان لن تفوِّت الفرصة، طرد للسفير الهندي وسحب السفير الباكستاني. قرار الهند جاء تزامنًا مع إعلان وزير الداخلية الهندي أميت شاه أن بلاده تعتزم إلغاء بند 370 تمامًا. بجانب أن البند 370 يقر بأن انضمام كشمير هو انضمام مؤقت، فإنه يُنظم طريقة الحكم أثناء هذا الانضمام. فالحكومة المركزية في نيودلهي تضع تشريعات الدفاع والشئون الخارجية، بينما يهتم برلمان محلي في إقليم كشمير بباقي القضايا الأخرى.
ما يعني أن كشمير لن يفقد الحكم الذاتي فقط، بل سيفقد كل ما يميِّزه عن باقي الولايات الأخرى. فالوظائف في الإقليم كانت مخصصة لسكانه فقط، والدراسة في جامعاته لأبنائه فقط. كل ذلك للحيلولة دون تدفق أفراد من باقي الهند بعقائد مغايرة. كما ينص القانون السابق على حظر تملك أراضٍ داخل الإقليم إلا لسكان الإقليم، لكن بالقرار الأخير فإن الهند سوف تفتح أبواب الإقليم أمام الجميع رغمًا عن رغبة سكانه.
الإقليم ذو الأغلبية المسلمة والطبيعة المتمردة لن يسكت، وكذلك نيودلهي لن تتردد. قطع للاتصالات وشبكة الإنترنت، ووُضع الساسة تحت الإقامة الجبرية. الرواية الرسمية تقول إن الوضع هادئ تمامًا. لكن المعلومات المتناثرة التي تنجح في الفرار من الحصار المفروض على الإقليم تؤكد وجود 6 قتلى على الأقل في مستشفيات سريناجار ناجمة عن إطلاق أعيرة نارية. وتتحدث كذلك عن 500 مُعتقل.
الأزمة شديدة التعقيد، ومن الصعب التكهن متى سيحدث التمرد الأخير. لكن باكستان تخطو بشكل ثابت وهادئ في حسم الأمر لصالحها عبر تدويل القضية وانتزاع العديد من الاعترافات الدولية من محافل أممية وإسلامية بأحقية شعب كشمير في تقرير مصيره على الأقل. فباكستان، رسميًّا، لا تطالب بضم الإقليم لكن تطالب بحق سكانه في الاختيار. أمرٌ تقبله كل المحافل الدولية التي يتحدث إليها عمران خان، رئيس وزراء الباكستاني. في حين تظهر الهند بمظهر العنيد الرافض للدبلوماسية والراغبة في الانتقام من باكستان بسحق إقليم كشمير. الصين من جانبها تدعم الجانب الباكستاني وتراهن عليه.
لكن في النهاية تبقى احتمالية بعيدة لكنها غير مستبعدة، الحرب المباشرة. لا يبدو الوضع متجهًا للتهدئة، وقد ينجح أي جيش من الطرفين بانتزاع قرار الحرب. يزيد رجحان هذه الاحتمالية الحرب التجارية الأمريكية الصينية الأخيرة. فيمكن للولايات المتحدة أن تستغل حربًا بجانب التنين الصيني لشغله عن تقدمه التكنولوجي. خاصةً أن ردود الفعل الأوروبية والأمريكية لم تبدُ جادةً في البحث عن حل للأزمة.
كشمير تغلي، وستنفجر بعنف، فقط لا يعرف أحدٌ متى. كما لا تعرف السلطات الهندية كيف يمكنها رفع حظر التجول ولا تحدث مظاهرات عنيفة.