كريم هنداوي: الصدفة التي صنعت أخطبوط كرة اليد المصرية
في عام 1999 شق طفل في عمر الحادية عشرة من عمره طريقه إلى النادي، حيث اعتاد أن يذهب رفقة زملائه إلى تدريب كرة القدم، التي يمارسها بالتوازي مع عدة رياضات أخرى مثل: الجمباز والسباحة والتايكوندو وغيرها؛ فكانت أسرته حريصة للغاية على أن يكون طفلًا رياضيًّا، ليس بالمستوى الاحترافي، ولكن على الأقل في نطاق الممارسة.
وفي يوم لم ينسَه هذا الطفل طوال حياته فوجئ بمدرب لكرة اليد يدعوه عقب انتهاء تدريبه المعتاد بالنادي إلى الحضور في اليوم التالي إلى تدريب كرة اليد، في هذه الأثناء لم يكن يعلم معنى كلمة «كرة اليد»، وبالتالي لم يكترث كثيرًا لطلب المدرب، ولم يحضر في اليوم المحدد، ليفاجأ به مرة أخرى وهو يصطحبه معه في يوم التدريب التالي.
ورغم أنه لم ينجح في صد أي كرة في تدريبه الأول، فإنه أصبح حديث العالم في مناسبات عدة بعد ذلك بسبب براعته.
بطل هذه القصة هو حارس منتخب مصر لكرة اليد كريم هنداوي، أما المدرب فهو المعلق المميز خالد خيري، وصاحب المقولة الشهيرة: «اللي يشوط يشوط عندنا الأخطبوط».
رب صدفة نافعة
قرر خيري تحويل كريم هنداوي إلى مركز الجناح الأيسر، وذلك بعد فشله في التصدي لأي كرة، حيث أبلى اللاعب بلاءً حسنًا في هذا المركز، وبدأ يحجز مكانه أساسيًّا في تشكيلة نادي الشمس، ولكنه ظل يمارس كرة القدم أيضًا بالتوازي حتى قرر استكمال رحلته من خلال اليد.
نقطة التحول كانت بعد عام ونصف من وجود هنداوي في الفريق، حيث غاب كل حراس مرمى الفريق عن التدريب الأخير قبل مباراة أمام مدينة نصر في البطولة المحلية، فعرض كريم على مدربه أن يحرس المرمى في هذه المرة، ورغم اعتراض المدرب، فإن هنداوي أدى تدريبًا مميزًا في مركزه الجديد.
استمر «كاتونجا» في حراسة مرمى نادي الشمس لمدة عام بعد ذلك، قدم خلالها أوراق اعتماده حارسًا واعدًا تنتظره كرة اليد المصرية، وانتقل على إثر ذلك إلى النادي الأهلي ليبدأ معه رحلة جديدة عبر مختلف الفرق السنية، حيث وصل إلى فريق الشباب في هذا الوقت، وانضم من خلاله إلى منتخب مصر الذي شارك في كأس العالم للشباب في القاهرة 2009.
ميلاد الأخطبوط
قدم هنداوي نفسه للجماهير المصرية في تلك النسخة من بطولة كأس العالم للشباب، وتحديدًا في المباراة الافتتاحية، حيث ظل خلالها المنتخب الآيسلندي عاجزًا عن التسجيل في مرماه لمدة 13 دقيقة كاملة، وصلت خلالها النتيجة لـ 8-0، ثم حافظ شباب الفراعنة على فارق الـ 5 أهداف طول اللقاء، واستطاعوا حسمه بـ 25 مقابل 19، بفضل تصديات الأخطبوط المصري الجديد.
استمر مشوار الأخطبوط رفقة منتخب مصر للشباب في البطولة، حيث قدم مستوى رائعًا للغاية وقتها، وكانت خير بداية للاعبين مثل: محمد ممدوح هاشم، ومحمد علاء «لوكا»، وغيرهما ممن يلعبون في الصف الأول حاليًّا. لكن تلك الرحلة توقفت في المربع الذهبي بعد الخسارة أمام الدنمارك في نصف النهائي، ثم تلتها خسارة ثانية أمام سلوفينيا في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع.
أولى الصدمات التي تلقاها الحارس الشاب في مشواره عندما قرر الجهاز الفني للفريق الأول في النادي الأهلي عدم توقيع عقد معه وقيده ضمن لاعبي الفريق الأول، رغم التألق اللافت له في كأس العالم وقتها، فاضطر إلى الرحيل إلى الغريم نادي الزمالك بعقد امتد لـ 4 مواسم متتالية.
الأمر الأكثر إثارة أن هنداوي قرر العودة إلى صفوف القلعة الحمراء من جديد بعد رحيله عن الزمالك، ثم رحل عن الأهلي في مشهد متكرر بسبب عدم تجديد تعاقده ويعود من جديد إلى ميت عقبة، قبل أن يقرر أخيرًا تحقيق حلمه في الاحتراف من خلال بوابة الدوري التركي.
تجارب الاحتراف
تألق كاتونجا بشكل لافت في موسمه الأول في الدوري التركي، رفقة فريق بيشتكاش الذي نشط في البطولة الأوروبية، واستطاع تحقيق ثلاثية تاريخية (كأس تركيا، الدوري التركي، كأس السوبر)، إلى جانب اختياره أفضل لاعب في الدوري لموسم 2017- 2018، ثم عاد ليُتوَّج بلقب كأس السوبر في مستهل الموسم التالي أيضًا.
وشهدت تجارب احتراف الأخطبوط انتقالًا نحو رومانيا حين تعاقد لمدة موسمين مع فريق «كونستانتا» لمدة موسمين، ومنها إلى فريق «آر كيه يورو فارم» المقدوني، الذي انضم له عقب كأس العالم الأخيرة، ولكن نادي الزمالك أعاد الحارس الدولي إلى مصر من جديد، بعدما دفع الشرط الجزائي لناديه السابق هذا الصيف.
ورغم أن رحلة احتراف كريم لم تكن بالطويلة مثل زملائه في المنتخب: ممدوح هاشم، ومحمد سند مثلًا، لكنها انعكست بشكل كبير على مستواه، حيث قال والده في حواره مع إضاءات: «تجارب الاحتراف صقلت كريم بشكل كبير، من المهم للاعب كرة اليد أن يذهب ليستكشف تلك الدوريات، ونظمها التدريبية والغذائية، تلك الأمور تساهم في بناء لاعب متميز».
المعجزة
الإثارة في قصة لم تنتهِ بعد، إذ أخبرنا والد كريم بمعلومة قد تكون غائبة عن كثير منا، وهي أن المدرب الإسباني لمنتخب مصر، روبرتو غارسيا باروندو، حرص على ضم كريم هنداوي إلى قائمة الفريق في كأس العالم الأخيرة، رغم ابتعاده عن الملاعب لمدة 6 أشهر بسبب توقف الدوري في رومانيا على إثر فيروس كورونا.
تألق كريم اللافت استمر في دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو وتحديدًا أمام منتخبي السويد وألمانيا، حيث بلغت نسبة تصديه 45%، و41% على الترتيب، ليلعب دورًا حاسمًا في حجز مصر لمقعدها في المربع الذهبي كأول منتخب عربي وثاني منتخب غير أوروبي بعد كوريا الجنوبية.
قد يكون ما يقدمه الحارس المصري إعجازًا حقيقيًّا في عالم كرة اليد، ولكنه في الوقت نفسه استكمال طبيعي لرحلة من التألق بدأت منذ ظهوره الأول على الصعيد الدولي، وهو الأمر الذي يُصعِّب علينا توقُّع ما يمكن لـ «كاتونجا» فعله في المستقبل، ولكن في الوقت نفسه لن يكون بمقدورنا سوى انتظار شيء استثنائي لأخطبوط وُلد استئنانيًّا.