هذا هو الموسم الثالث عشر لبنزيما رفقة ريال مدريد، قبل تلك الفترة كان كريم هو صفقة المهاجم التي يترقبها الجميع في العاصمة وبعد ذلك بسنوات كان بنزيما هو قط الصيد الأليف؛ لأن مورينهو لم يجد كلب صيد يجلب له المباريات على حد قوله.

صافرات استهجان وتنبؤ بمصير مظلم بعد رحيل كريستيانو ثم فجأة يعود بنزيما بالزمن ثلاثة عشر عامًا ويتحول مرة أخرى إلى النجم الأوحد والرجل الذي يحمل ريال مدريد النادي الأضخم في العالم فوق كتفيه.

نحن هنا لا نقص عليك قصة بنزيما المظلوم الذي عاد له حقه المهدور، أو كيف تورط كريم في فضيحة أخلاقية دون ذنب أو حتى إيثار الرجل لمصلحة رونالدو طوال سنوات. كل تلك القصص قتلت بحثًا عن الفرنسي لكننا هنا لنقص عليك لماذا تبدو أكتاف هذا الرجل بتلك القوة.

هذا الرجل صُنعت أكتافه صلبة، لأنها صُنعت عبر الزمن. وجد كريم نفسه غريبًا عن المشهد طوال الوقت. مراهق يمتلك المال في حي الجريمة، ولاعب كرة قدم انطوائي يتلعثم في الحديث فيضحك عليه الجميع.

وحدها كرة القدم هي التي كفلت للرجل الإنصاف، لعب دومًا كما طُلب منه على أكمل وجه وكانت النتيجة أنه كان مثار غضب الجميع لسنين. بقي حتى لقّبه المشجعون بالحكومة التي لا ترحل، ثم جاء الإنصاف أخيرًا فأصبح الحكومة الوحيدة التي تسعد شعبها كما علق أحدهم من قبل.

دعنا نعود للقصة التي نود أن نحكيها، ما لا تعرفه عن الحكومة.

المشهد الأخير: كريم يصنع التاريخ

بعد أيام قليلة ستستلقي أمام التلفاز لمشاهدة مباراة السيتي وريال مدريد في نصف نهائي دوري الأبطال. ربما تكون مشجعًا للميرنجي أو لا لكنك من المؤكد تترقب ظهور كريم بنزيما وتنتظر منه ليلة مثيرة من ليالي دوري الأبطال.

حتمًا ستتنقل الكاميرا قبل بداية المباراة بين جماهير السيتي في ملعب الاتحاد، وحتمًا سيزيد ضجيج هؤلاء الجماهير بمجرد ظهور كريم بنزيما داخل أرض الملعب فهو اللاعب الأبرز في صفوف المنافس.

في وسط تلك الجماهير وضجيجها سيظهر رجل خالط شعره الشيب وأصبحت صورته علامة مسجلة رفقة تعاقدات السيتي الجديدة وما أكثرها، إنه السيد تشيكي بجيريستين مدير كرة القدم في الفريق الإنجليزي.

يعرف تشيكي بنزيما جيدًا، يعلم أن كريم يمكنه أن يلحق الضرر الكبير بفريقه. اعتاد كريم أن يظهر في المعارك الكبرى محتفلًا بعد أن راهن الجميع أنه خاسر لا محالة. تلك هي طريقة الفوز الأمتع التي تعلمها الفرنسي من كرة الضواحي.

يعلم تشيكي ذلك جيدًا منذ المرة الأولى التي شاهد فيها بنزيما في  تيرايلون حيث ضاحية برون بمدينة ليون قبل 14 عامًا بالتمام والكمال.

المشهد الأول: جوهرة حي السارقين

فقط عليك كتابة Bron-Terraillon في أحد محركات البحث، لتتأكد فورًا أنك بصدد حي خطير، متاهة من المساكن التي تتشكل على هيئة كتل ومكعبات إسمنتية وكأن طفلك قد قرر صناعة حي بأكمله من الليجو، ظهر هذا الحي واكتسب سمعته السيئة على الأغلب في الستينيات لتوفير مساكن للعمال المهاجرين وأسرهم.

كان أحد هؤلاء المهاجرين هو السيد مصطفى بنزيما والد كريم وثمانية إخوة آخرين، بينما ولدت والدته ونشأت في ليون. كبر كريم في هذا الحي الخطير وسط رقابة صارمة من والدية لئلا يكون أحد الخطرين مع الوقت.

لم يجد كريم سوى كرة القدم حلًا منطقيًا لتقديم نفسه للجميع دون أن يخضع لاختبار الثقة المفترض في عيون الآخرين.

كان بنزيما خجولًا ويفتقد للثقة اللازمة للعيش وسط تلك الأجواء، لكن مع كرة القدم كان مثار إعجاب الجميع وحديث الكل.

انضم في الثامنة للنادي المحلي الخاص بالحي وبعد سنة واحدة فقط أصبح لاعبًا في فريق ليون.

كان طفلًا يفتقر إلى الثقة. كان ممتلئًا قليلًا وخجولًا للغاية. كان يمكن ألا يتم اكتشافه أبدًا لأنه لا يهتم بأن يسلط الضوء على نفسه أبدًا.
روبرت فاليت مدرب بنزيما في فترته بناشئين ليون

ازدهر بنزيما عامًا تلو الآخر، أدرك ليون أنه يمتلك جوهرة ما يجب حمايتها من السارقين، لكن تلك الجوهرة تعود كل يوم لتبيت في حي السارقين ذاته. قرر النادي عندما وصل كريم لعامه الخامس عشر أن يبيت في المنزل الداخلي المعد لمبيت لاعبي الأكاديمية، كان اللاعب الوحيد من ليون الذي يبيت في الأكاديمية.

المشهد الثاني: قريبًا من برشلونة لكنه أعنف من ذلك

ارتبط كريم الخجول بجذور حي تيرايلون مع الوقت، حتى أن أخته كانت متزوجة من واحد من أكثر الرجال رعبًا وتأثيرًا في برون تيرايلون.

لكنه كان لزامًا أن ينام بحلول العاشرة والنصف طالما أنه كان في الأكاديمية. وبحلول عامه الثامن عشر ترك الأكاديمية والقيود وأصبح أشهر مراهق في فرنسا بأكملها وجنى الكثير من المال لكنه لم يحاول أن يقطن بعيدًا عن جذوره.

كان كريم لاعبًا في صفوف ليون الأولى في عامه الثامن عشر، يذكر دومًا أنه كان رفقة لاعبين بحجم أبيدال وويلتورد عندما طلبوا منه أن يلقي كلمة داخل غرفة الملابس لكنه تلعثم وغلبه خجله كعادته، فما كان منه إلا أنه صرح بغضب أنه هنا ليس للحديث الذي لا يجيده بل لانتزاع مركز أساسي عن طريق كرة القدم التي يجيدها.

عامان فقط وكان كريم قد تعرف عليه العالم بأكمله وليس غرفة ملابس ليون فحسب. وثق به المدرب آلان بيران وكافأه كريم بـ 31 هدفًا في 51 مباراة.

تصدّر قائمة هدافي الدوري برصيد 20 هدفًا وساعد ليون لتحقيق أول ثنائية للفريق على الإطلاق. كان من بين العالم الذي عرف بنزيما هو السيد تشيكي بجيريستين. أرجو أنك ما زلت تتذكره.

لم يكن بجيريستين يومئذ إلا مندوب نادي برشلونة الجالس في بيت عائلة بنزيما للتعاقد مع الفرنسي، كان فريق برشلونة بحاجة لمهاجم رئيسي وتم الحديث مع مالك أولمبيك ليون، حيث تم الاتفاق على انتقال بمبلغ 30 مليون يورو طبقًا لسانتي جيمينيز الصحفي في AS.

إلا أن الحاجز الوحيد لإتمام الصفقة كان البحث الذي أجرته إدارة برشلونة ونتج عنه أن كريم انطوائي للغاية فيما يخص علاقته بزملائه في الفريق، كما أنه يمتلك صحبة تبدو غير مشجعة خارج الملعب.

المشهد الثالث: الصاحب الوفي وراء قصة فالبوينا

الحقيقة أن تلك الصحبة هي الأخرى كان تنظر إلى السيد تشيكي بالكثير من الترقب بمجرد أن وطأت قدماه الحي وحتى انتهى الاجتماع رفقة كريم والعائلة حيث صرفت إدارة برشلونة النظر عن التعاقد مع الشاب. كان أحد أهم أفراد تلك الصحبة هو كريم زناتي صديق بنزيما المقرب وتلك قصة أخرى.

نشأ زناتي مع بنزيما في الحي ذاته. شوهد كثيرًا برفقته، حتى أنه رافقه إلى البرازيل خلال كأس العالم 2014.

في نوفمبر 2009، وفقًا لما أوردته وسائل الإعلام الفرنسية تم القبض على زناتي في سيارة Audi TT ووجدوا 200 كيلوغرام من المخدرات في سيارته.

لم يكن ذلك أول خلاف لزناتي مع القانون، حيث أثبت أنه في عام 2006 قدم للمحاكمة بتهمة السطو المسلح. لقد نفذ سلسلة من السرقات في محلات السوبر ماركت حول ليون ووادي الرون. جاء بنزيما لتقديم الدعم لصديقه في المحكمة. حيث تفاجأ الجميع برؤية بنزيما هناك.

تم إرسال زناتي إلى السجن بتهمة السرقة المسلحة، بحسب صحيفة لوموند بنزيما راسله وزاره، وعندما خرج تكفل بنزيما بوظيفة له من خلال Best of Benzema وهي شركة تأسست في عام 2008 لحماية حقوق بنزيما الأدبية وفقًا لـكتاب Le Systeme Benzema.

خرج زناتي من السجن للمرة الثانية في عام 2013. ولم يمض وقت طويل قبل أن يأتي بالمشاكل مرة أخرى. فهو كان قلب فضيحة الشريط الجنسي التي تورط فيها بنزيما. هو الرجل الذي تواصل معه أصحاب الفيديو الجنسي الخاص بفالبوينا. تورط بنزيما مع صديقه والبقية يعرفها الجميع وأهمها بُعده عن منتخب بلاده لسنوات.

المشهد الرابع: أنا لست قطة ولا كلبًا

بعد أيام قليلة من رحيل تشيكي سيظهر رجل ما في نفس البيت لا يمكن أن يقول أحد له لا. كان هذا الرجل هو فلورنتينو بيريز بالطبع.

لم تكن فترة بنزيما في البداية رفقة مدريد تتسم بالجودة والنتائج المرجوة وهو الأمر المنطقي تمامًا لرجل يرتبط بجذوره كما أوضحنا ثم يجد نفسه وحيدًا في إسبانيا. تذبذب مستوى ثم تحور دوره من مهاجم رئيسي إلى رجل يجيد الهجوم جوار رونالدو الذي يميل الملعب به أينما حل من فرط الاهتمام.

لكن أهم ما يخدم قصتنا هنا هو صدامه رفقة مورينيو. قرر البرتغالي بطريقته المعروفة أن ينتقد بنزيما أمام وسائل الإعلام مؤكدًا أنه مضطر للعب ببنزيما كمهاجم للفريق لأنه لا يملك مهاجمًا جيدًا. هو يقتني قط صيد؛ لأنه لا يملك كلب صيد مناسب.

نحن هنا رفقة كتالوج مورينيو لتدمير اللاعبين، تحتوي الصفحات الأولى من الكتالوج على كاسياس ثم كاكا وآخرين. لكن كريم بنزيما لم يكن مثل البقية لذا وقف الرجل أمام مورينيو وتحدث ببساطة.

أنا لاعب كرة قدم، أنت مدربي وأحترمك، احترمني كلاعب. فرض الرجل على مورينيو الاحترام بشكل مباشر.

https://twitter.com/Realmadridplace/status/930048315072438272

قبل بداية موسم 2011-12 توجه بنزيما إلى إيطاليا حيث خضع لعلاج لتقليل وزنه. كانت التعويذة في العيادة ناجحة في النهاية بعد أن وصل المهاجم إلى 8 كيلوغرامات أخف وزنًا. أثناء وجوده في العيادة خضع بنزيما أيضًا لتدريب بدني لبناء كتلة عضلاته. وكان المهاجم مؤثرًا في فترة ما قبل الموسم حيث سجل ثمانية أهداف في سبع مباريات، فبدأ مورينيو الموسم به كمهاجمه الأساسي.

المشهد الخامس: أوان الاستحقاق

والآن في سن 34 يسجل بنزيما أهدافًا أكثر من ذي قبل واقترب من الحصول على لقب هداف الدوري. يحدث هذا ربما لأنه مسموح له أخيرًا بذلك ويدعونا ذلك إلى استنتاج مفاده أنه لم يكن عيبًا فيه من قبل.

حسنًا، ليست الأهداف هي التي ستجعل بنزيما أخيرًا لاعبًا هامًا، في بعض الأحيان تم المبالغة في فكرة إيثار بنزيما وإلى أي مدى أدرج نفسه في مهمة مساعدة الآخرين على إحراز الأهداف. كانت هناك أوقات أيضًا أرقامه منخفضة حقًا بالنسبة لمهاجم. لكن المؤكد أن بنزيما كان له دوره في ربط وخلق وإخلاء المساحات للرجال على جانبيه.

الحقيقة أن بنزيما يعيش الآن فترة الاستحقاق المنطقي لرجل لم يبرر لنفسه أبدًا أي خذلان ولم يحاول أن يغير ماهيته من أجل أحد.

 لم يتوقف بعد كل صدمة ليلوم الجميع ولم يتعامل مع الجماهير الغاضبة على أنهم حفنة من عديمي الفهم بل كان يؤدي دوره بأقصى ما يستطيع دون شكوى.

كان يحمل فوق كتفيه ملايين العلامات من سوء التفاهم والسخرية وقلة التقدير كما حمل فوق كتفيه أيضًا العديد من الأخطاء التي اقترفها، لكنه أبدًا لم يظهر في موقف الضعيف.

كان يعرف أن هذا سيجعل كتفيه صلبًا حتى آن الأوان واحتاج ريال مدريد لكتفي هذا الرجل.

من يحب كرة القدم يحب كريم بنزيما.
زين الدين زيدان