الدراما جزء أصيل من الحياة، إذا لم يكن بسبب وجود التليفزيون في كل البيوت وارتباط المشاهدين بما يحدث أمامهم على الشاشات، فبسبب أنها في الغالب تتقاطع مع أحداث حياتهم، وتستقي واقعيتها مما يحدث معهم. أنت تتماهى مع الشخصيات لأنها تشبهك بشكل أو بآخر، أو لأن ما يحدث معهم يشبه ما حدث معك أو ما كان من الممكن أن يحدث معك.

تضع نفسك في أماكنهم وتفكر معهم وتتأزم لأزماتهم وتفرح لأنهم يتغلبون على ما استطعت أنت أن تتغلب عليه، أو ما كنت تتمنى لو تغلبت عليه.

في مسلسل «كأنه امبارح» الذي يعرض حاليًا على قنوات CBC تظن أنك ستجد قصة تستطيع أن تتعاطف معها، شخوص سيولدون أمامك ويواجهون أشياء أصعب من التي تواجهها، ومن منطلق «اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته» تتحمس أنت، فماذا تجد؟ هذا ما سنتحدث فيه عبر هذا المقال.

قبس من الواقع

في العام الماضي كانت منى عراقي نجمة تدخل كل البيوت عبر برنامجها «انتباه»، الذي كانت تقوم فيه بالتحقيق في قضايا مسكوت عنها. في برنامجها وعبر عدة حلقات قدمت قضية شغلت متابعيها وشغلت السوشيال ميديا بشكل عام، قصة شاب يبحث عن أهله بعد أن عرف أن الأسرة التي تربى معها ليست أسرته، وأن هناك من اختطفه من أسرته الحقيقية، عاش الشاب قسطًا كبيرًا من حياته يجري تحاليل إثبات نسب لكل عائلة قابلها ورأت فيه طفلها الضائع منذ سنوات، وبعد الكثير من الدراما الغريبة تغلق القضية على الشاب الذي لم يعرف أهله بعد.

من يتابع مسلسل «كأنه امبارح» يخيل إليه أنه سيرى معالجة لقصة هذا الشاب بالمقلوب، هناك طفل مختطف، وسنوات كثيرة مرت، وأم تبحث عن هذا الطفل بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على اختفائه، فيظهر لها شاب بسيط يخبرها أنه طفلها الضائع، وأنه كبر، وأنه كان يعيش مع أب قاسٍ، تشعر لوهلة أنك تشارك في حل اللغز حتى لو افتراضيًّا على الشاشة، ليأخذك المسلسل لاتجاه آخر تمامًا.

المسلسل من إخراج تامر علي وبطولة رانيا يوسف في دور الأم المكلومة، ومحمد الشرنوبي في دور الابن الضائع، ويقوم أحمد وفيق بدور الأب، وخالد أنور وهدى المفتي بدور الأبناء. خلال الحلقات الأولى تتضح مفاجأة تغير توقعاتك عن خط سير المسلسل، حيث تكتشف أن محمد الشرنوبي شاب مستأجر من قبل الأب ليلعب دور الابن المفقود، بالتوازي مع خطوط درامية تخص باقي شخوص المسلسل، توقعاتك بأنك سترى دراما تمس قلبك وخيالك عن القصة التي لم ينسها كل من تابعوا حلقات الشاب المفقود في البرنامج الناجح تختفي تدريجيًّا، لتجد نفسك أمام قصة عادية جدًّا، ومكررة، وأيضًا مملة قليلًا.

تمثيل مشرف

الجزء الرئيسي في الدراما التليفزيونية، والذي يفتح بوابات العبور لتمر منها المسلسلات هو القصة بلا شك، ومسلسل «كأنه امبارح» أخذ صك العبور منذ اللحظة الأولى التي رأى المشاهد فيها اسم مريم نعوم على التترات كمشرف عام على الكتابة، رغم أن الرؤية الدرامية كانت لنجلاء الحديني والحوار كتبه مجموعة من الكتاب عبر ورشة كتابة كعادة المسلسلات مؤخرًا، ولكن اسم مريم نعوم دائمًا يرتبط بمسلسلات تمس القلب، وتأتي من الواقع مباشرة إلى الشاشة، ورغم أن المسلسل لم يكن على مستوى المتوقع بالنسبة للقصة، ولكن كان للتمثيل رأي آخر.

قام محمد الشرنوبي بأداء دور الشاب البسيط المغلوب على أمره باقتدار، نبرة صوته ومخارج ألفاظه التي توحي بأنه آتٍ حالاً من قاع المجتمع مقنعة جدًّا، لغة جسده وأكتافه المحنية قليلًا ونبرة الاستسلام التي يستخدمها في مشاهده مع الآباء (الأب المزيف والحقيقي) تقنعك فعلًا أنه لم يكن يصلح للدور أحد غيره، بغض النظر عن المبالغات التي أصر المخرج أن يقحمها ليقنعنا أنه شاب شعبي بسيط، فجعله يرقص رقصًا شعبيًّا على أغاني مهرجانات في أكثر من مشهد.

رانيا يوسف أيضًا قامت بدور الأم التي لا تعرف شيئًا عن المنطق، والمستعدة لغض الطرف عن كل الحقائق في سبيل إطفاء نار قلبها التي ظلت مشتعلة أكثر من عقدين من الزمان، هي مدة اختفاء ابنها. أما أحمد وفيق ورغم أنه برع مؤخرًا في أداء أدواره الدرامية، فإنه كان عاديًا جدًّا، بل يمكننا أن نقول بضمير مستريح أنه كان أقل من العادي، وأن دوره في المسلسل كان يتطلب مجهودًا أكبر، خاصة أنه السبب المحوري في حبكة المسلسل كله.

ثغرات أكثر من اللازم

الحبكة الأساسية للمسلسل عن الزوج الذي يقرر أن ينهي مأساة زوجته ويأتيها بابن مزيف حبكة ضعيفة للغاية، بالطبع مع تقدم الأحداث تتضح نوايا أخرى لهذا الزوج، ولكن أن تطفو تلك النوايا فجأة بعد أكثر من 25 عامًا من الزواج، وفي هذا الزمن الذي يتطلب اتصالًا بالإنترنت وبضعة ضغطات على الأزرار لتعبر العالم وتأتي بأصل وفصل كل شخص تقابله، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسرة التي تواجه هذا الحدث أسرة غنية جدًّا ولها علاقات متشعبة.

بل إن ابن عم الزوجة ضابط متقاعد يعمل محاميًا شهيرًا، هذا غير أن الابن الذي ينبت فجأة من العدم هو الابن الأكبر لعائلة تملك إرثًا هائلًا ومصانع وبزنس لا بد أن يكون له فيه نصيب كبير، هذا فضلًا عن أن من ساعد الزوج في الأساس في خطته تلك، ضابط أمن كبير متقاعد أيضًا ويعمل معه بالشركة، وليس شخصًا ساذجًا، كل هذا يصيبك بالإحباط، كيف يمكن أن أبتلع كمشاهد هذا الكم من الاستسهال؟

المسلسل مليء بالثغرات غير المنطقية، والتي تجعل المشاهد يتأفف مما يحدث أمامه، خاصة أن قصة الابن الضائع هذه تمس وترًا حساسًا تجاه المجتمع كله بسبب الرهاب الجماعي الذي يعانيه كل الآباء والأمهات مؤخرًا، فبدلًا من أن نرى دراما نتوحد معها، وجدنا أننا نشاهد مسلسلًا يعج بالمؤامرات العادية التي تتعلق بالبزنس والأموال والخيانات الزوجية والفساد الإداري.

مسلسل «كأنه امبارح» كان من الممكن أن يقدم قصة لا تنسى، حتى لو في إطار الخديعة التي دبرها الزوج لزوجته، ولكنه بدلًا من ذلك اكتفى بأن يكون مسلسلًا عاديًا جدًّا، يمكنك ألا تشاهده أصلًا ولن يفوتك الكثير.