قال مسؤولون أمنيون عراقيون ومصادر من الميليشيات المقربة من إيران في العراق إن فصيلًا مدعومًا من إيران نفذ هجومًا بثلاث طائرات دون طيار محملة بمتفجرات استهدف اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بمنزله في بغداد، فيما اعتبر أكبر تصعيد من نوعه بعد هزيمة الميليشيات في الانتخابات العراقية الأخيرة التي يعتبرونها «مزورة».

العملية أسفرت عن إصابة سبعة من حراس مصطفى الكاظمي الشخصيين، بينما ظهر هو بعد وقت قصير من الهجوم هادئًا متماسكًا، جالسًا خلف مكتبه، رابطًا ضمادة حول معصمه الأيسر في إشارة إلى إصابته بجروح طفيفة.

وأظهر مقطع فيديو الأضرار التي لحقت بمنزل الكاظمي: سيارة كانت متوقفة خارج المنزل متضررة بشدة، وحفرة بالقرب من السلالم، وتشققات في سقف وجدران شرفة، وأجزاء مكسورة من سقف المبنى، مع ظهور صاروخين في مكان الحادث.

إيران متهمة ظلمًا؟!

لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، لكن الاتهام ذهب فورًا إلى الميليشيات المدعومة من إيران، خصوصًا مع إعلاناتها المتكررة عن شن هجمات مماثلة على المنطقة الخضراء التي تضم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية في بغداد.

وتدفقت رسائل الإدانة من دول في الإقليم مثل مصر والسعودية والأردن، وزعماء عالميين، خصوصًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، والرئيس الأمريكي جو بايدن، والثلاثة شركاء في محاولة إعادة إحياء برنامج إيران النووي.

إيران نفسها أدانت الهجوم، وقدمت وزارة خارجيتها عرضًا للعراق للمساعدة في كشف الجناة! 

أما قادة الميليشيات أنفسهم فأدان معظمهم الهجوم، لكن بعضهم قلل من شأنه، وبينهم أبو علي العسكري، القيادي البارز في كتائب حزب الله العراق، الذي اعتبرها محاولة من الكاظمي «للعب دور الضحية».

وفقًا لمعلوماتنا المؤكدة، لا أحد في العراق لديه الرغبة في خسارة طائرة بدون طيار لاستهداف الكاظمي. إذا أراد أي شخص إلحاق الضرر بمخلوق الفيسبوك هذا، فهناك العديد من الطرق الأقل تكلفة والأكثر فاعلية لتحقيق ذلك.
أبو علي العسكري

لكن إشارة مختلفة كانت قد وردت في تصريحات قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، قبيل الهجوم بساعات، والتي هدد فيها الكاظمي شخصيًا، خلال جنازة أحد أنصار الميليشيا الذي سقط قتيلًا في مظاهرات الجمعة، مؤكدًا أن «دماء الشهداء ستحكم على الكاظمي» الذي حمله مسؤولية ما وصفه بـ «تزوير الانتخابات»:

https://youtu.be/f3fcQZqlZl4
فيديو قيس الخزعلي مهددًا مصطفى الكاظمي قبيل محاولة اغتياله بساعات

هذه التصريحات تضاف إلى ما نقلته رويترز عن مصادر أمنية وميليشياوية عراقية استبعدت أن تكون إيران قد وافقت على الهجوم «الذي تورطت فيه الميليشيات الموالية لها»؛ لأن طهران في هذه المرحلة حريصة على تجنب تصاعد العنف على حدودها الغربية. بينما يخشى العديد من العراقيين من أن التوتر بين الجماعات الشيعية الرئيسية التي تهيمن على الحكومة ومعظم مؤسسات الدولة، والتي تملك فروعًا شبه عسكرية، يمكن أن يتحول إلى صراع أهلي واسع إذا وقعت المزيد من الحوادث المماثلة.

في تحليله لهذه النقطة، يقول مدير الأبحاث في الجامعة الأمريكية في بيروت جوزيف باحوط، إن التصعيد يكشف مستوى من التوتر بين إيران وحلفائها. وهو ما يتفق معه مارسين الشمري، الباحث العراقي الأمريكي في مركز بيلفر في كلية هارفارد كينيدي، الذي يعتبر أن الهجوم أعاد إظهار التحدي طويل الأمد لكيفية كبح جماح قوى الميليشيات دون إشعال حرب أهلية.

فتش عن المصلحة

كان مصطفى الكاظمي يشغل منصب رئيس المخابرات العراقية قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء في مايو 2020.

قبل الانتخابات، استضاف عدة جولات من المحادثات بين الخصمين الإقليميين إيران والسعودية في بغداد في محاولة لتخفيف التوترات الإقليمية، ولتحقيق التوازن بين تحالفات العراق مع الولايات المتحدة وإيران.

لكن الميليشيات تعتبره أقرب إلى الولايات المتحدة، وتتحفظ بشكل خاص على محاولاته تقليص نفوذها وصولًا إلى سحب السلاح خارج سلطة الدولة.

يقول المحلل السياسي العراقي بسام القزويني إن الهجوم كان محاولة ممن خسروا الانتخابات لقطع الطريق الذي يمكن أن يؤدي إلى استمرار الكاظمي لولاية ثانية، بداية من التصعيد في الشارع، ثم الاشتباك مع قوات الأمن العراقية، وصولًا إلى استهداف منزل الكاظمي نفسه.

محاولات استبعاد الكاظمي لن تكون صعبة لأنه لا يستند على حزب سياسي، فبالتالي فهو عرضة للهجوم المباشر في غياب طرف يمكنه حمايته أو التفاوض بالنيابة عنه.

لكن رندا سليم، مديرة حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط، تقول إن الهجوم -الذي تشير أدلة ظرفية كافية إلى أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران هي من دبرته- جاء بنتائج عكسية.

كانت خطوة غبية وقصيرة النظر حققت العكس تمامًا لهدفهم المتمثل في حرمان الكاظمي من ولاية ثانية، محاولة الاغتيال هذه جعلت ولايته الثانية في المنصب شبه مؤكدة.
رندا سليم

ولم يترشح مصطفى الكاظمي في الانتخابات الأخيرة، لكنه يأمل أن يختاره مقتدى الصدر كمستقل يشاركه هدف تخفيف قبضة إيران في العراق. ويتوقع أن يبدأ الكاظمي محادثات تشكيل الحكومة الجديدة مع الصدر وغيره من السياسيين البارزين أواخر الشهر الجاري.

إيران تملك وسائل أخرى

التحليل القائم على أن إيران ليست متورطة في محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي يستند على أن طهران ليست صاحبة مصلحة في توتير الأجواء لأكثر من سبب، أهمها أن مقتدى الصدر، الفائز الأكبر في الانتخابات العراقية، لم يعد صديقًا مقربًا كما كان يوصف تقليديًا، لكنه ليس عدوًا، إذ تحول إلى انتقاد نفوذ إيران في العراق بعد سلسلة تطورات شملت المظاهرات المناهضة لطهران في محافظات شيعية والتي شهدت مقتل متظاهرين، ثم اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في غارة أمريكية على بغداد.

بالتالي، تتوقع إيران أن تصل إلى نتيجة ما بالتفاوض مع تيار مقتدى الصدر.

السبب الثاني أن إيران تتفاوض حاليًا على إعادة إحياء الاتفاقية الشاملة بخصوص برنامجها النووي، الذي عطّله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بينما تعهد خلفه جو بايدن بتفعيله مجددًا. ومع ضغوط دول الخليج وإسرائيل لمنع الخطوة أو على الأقل إدراج بنود أخرى تشمل ميليشيات إيران وبرنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي، لن تكون إيران مستفيدة من خطوة مماثلة ستزيد الضغوط الغربية عليها.

السبب الثالث أن إيران تفضل حماية مصالحها في العراق بأدوات أخرى، ربما تشمل «الابتزاز الاقتصادي»، مثل المطالبة بتعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988، والتي قدرها برلمانيون إيرانيون بـ 110 مليارات دولار، أو حجب إمدادات المياه عن مصادرها، أو تقليل أو قطع إمدادات الكهرباء. وستجد المبررات لهذه الإجراءات باعتبار أن العراق تأخر عن دفع المستحقات في مواعيدها.

الميليشيات تمردت!

كيف يمكن إذن لميليشيات إيران في العراق أن تتحرك دون ضوء أخضر من طهران؟ تنقل الجارديان عن مصادر لم تسمها قولها إن إسماعيل قاآني، خليفة قاسم سليماني في قيادة فيلق القدس المسؤول عن إدارة نشاط الميليشيات، يفتقر إلى صلاحيات إدارة الميليشيات في العراق.

تضيف أن إيران تفتقد لمن يسميه قادة ميليشيات العراق بـ «الحاج قاسم» الذي تقول إنه حكم المشهد في العراق وسوريا ولبنان لمدة 15 عامًا حتى اغتياله، خصوصًا عندما زار قاآني بغداد أوائل الصيف الماضي، بدور محدد؛ أن يقنع الميليشيات، التي يفترض أنها تحت سلطته، أنه ليس من مصلحتهم ولا من مصلحة إيران أن يستمر التوتر في بغداد، عبر إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، أو على مطار أربيل شمال العراق، حيث تتواجد القوات الأمريكية.

في تلك المرحلة، كانت إيران ترى أن الأساليب التخريبية الجريئة والمتزايدة ليست مناسبة خلال الأشهر الستة الأولى من إدارة بايدن.

تنقل الجارديان عن أحد من حضروا الاجتماع: «كانت كل الأنظار إليه في البداية، لكن المجتمعين بدؤوا تدريجيًا في النظر بعيدًا. ونهاية الاجتماع، تيقنوا أن الرجل ليس الحاج قاسم الجديد».

حينها علق مسؤول عراقي بارز: «قدرة سليماني على الإنجاز كانت أكبر من قاآني. مع سليماني كنا نعرف مع من نتفاوض، وكان بإمكانه السيطرة على الميليشيات إن أراد».

عندما جلست مع الحاج قاسم، كنت أتحدث مع التاريخ. كان دائمًا عند كلمته، إذا وعدك بشيء ثق أنه سينفذه. هذا لم يتكرر مع إسماعيل قاآني.
مسؤول عراقي كبير

مصلحة الميليشيات نفسها

مسؤول عراقي بارز قال إن وفاة سليماني تركت فراغًا هيكليًا؛ باعتبار أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يعطي الأوامر ولا يشارك في صنع القرار على المستويات الأدنى. في حياة سليماني، كان قادة الميليشيات يحصلون على التعليمات من قائد فيلق القدس باعتباره يحمل توجيهات المرشد الأعلى. لكنهم يرون أن إسماعيل قاآني ليس على تواصل مباشر مع خامنئي، بالتالي لا يحمل توجيهاته بالضرورة، وبناءً عليه باتوا أكثر استعدادًا لتحديه، معتقدين أنهم في منافسة متساوية معه لجذب انتباه خامنئي.

في هذا الإطار، خرجت شخصية عراقية لها صلات طويلة بإيران من الظل بعد مقتل سليماني. ظهر محمد الهاشمي، المعروف أيضًا باسم أبو جهاد، بشكل مطرد كرجل تعتقد شخصيات بارزة في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة أن بإمكانه إنجاز الأمور.

ولعب الهاشمي، أحد أكبر مساعدي رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي تربطه علاقات قوية بالمعارضة السابقة المدعومة من إيران والمعارضة لصدام، دورًا في التفاوض على انسحاب الميليشيات في تصعيد يونيو الماضي، بدرجة استدعت أن يصنفه مراقبون عراقيون وأمريكيون باعتباره أهم الشخصيات المحلية صاحبة القرار، والتي تتحمل مسؤولية القرارات المحلية أكثر من أي إيراني آخر، هو صاحب القرار.

بالتالي، يعتبر الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد توبي دودج أن هناك اشتباكًا وانفصالاً في نفس الوقت، بين التنسيق مع إيران للضغط على الولايات المتحدة من أجل اتفاق نووي أفضل، وبين دفاع الميليشيات عن وجودها ومصالحها في قلب الدولة العراقية.