«باتريك كلويفرت» هذا الاسم الذي يكفي وحده لإثارة عاصفة من الذكريات داخل رؤوس مشجعي برشلونة والمنتخب الهولندي. ذكريات بدأت مع ذلك الفتي الطويل الأسمر المتألق بصفوف أياكس، والذي شكّل ثنائية مميزة في خط هجوم البلوجرانا رفقة «ريفالدو»، وكان عنصرًا رئيسيًا في أغلب مشاركات منتخب الطواحين نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، إلي جانب أسماء رائعة كـ«بيركامب، دافيدز، أوفرمارس، كوكو»، أبناء الكتيبة البرتقالية التي قدمت أداءًا بديعًا، ولم تفز رغم ذلك بأي بطولة دولية!

وبقدر ما يثيره اسم باتريك من نوستالجيا، فإننا اليوم لسنا بصدد تناول مسيرته، إنما نحاول أن نستشرف مسيرة جديدة لكلويفرت جديد يشق طريقه في ملاعب أوروبا حاليًا، وينال توقعات بمستقبل باهر قد ينجح خلاله في تحقيق ما حققه أول من حمل اسم كلويفرت على العشب الأخضر.

اسمه «جاستن»، وهو كما يتضح الابن الأكبر لباتريك، وينشط ضمن صفوف نادي أياكس الهولندي. ولِد جاستن عام 1999، أي بعد سنة واحدة من مونديال فرنسا، ولعل هدف والده الجميل في شباك البرازيل خلال البطولة هو ما دفعه لاحقًا لركل الكرة، والسير على خطى باتريك صاحب الشعبية الكبيرة في هولندا.

اليوم جاستن، وقبل أن يتم عامه التاسع عشر، يعد هدفًا ثمينًا على رادار كبرى أندية العالم. وقد نجح وكيل الأعمال ذائع الصيت «مينو رايولا» في الحصول على توقيعه، ليغدو من المؤكد أن جاستن سوف ينزع القميص الأحمر والأبيض ذات يوم، وينطلق في رحلة احترافية مطاردًا أحلامه التي لا ينفك عن الإعلان عنها بوضوح!


45 أم 5+4؟

لم يكن غريبًا أن تكون أولى خطوات جاستن في عالم المستديرة داخل أروقة نادي أياكس الذي شهد صعود والده باتريك، الغريب كان أن الولد يختلف في بعض الصفات عن الوالد.

أول تلك الاختلافات يبدو واضحًا في فارق الطول بين باتريك وجاستن، فالأول كان فارع الطول، وهو ما سهّل عليه مهمته كمهاجم صندوق يجيد التعامل مع الكرات العرضية وأكسبه قوة بدنية في مواجهة المدافعين، أما جاستن فهو أقصر وأقل قوة من والده، لكنه في المقابل أسرع من باتريك، وهو الأمر الذي لم يجعل من الدفع بالصغير في مركز المهاجم الصريح أفضل الحلول بلا شك. جاستن اختار أن يلعب كجناح هجومي خلال مشاركاته مع فرق ناشئي أياكس، وحتى عندما تم تصعيده للفريق الأول.

وبذكر التصعيد للفريق الأول، ثمة اختلاف بارز جدير بالإشارة، فباتريك عندما تم تصعيده عام 94 كان يبلغ من العمر 18 عامًا فقط، وقد فاز مع فريقه في موسمه الأول تحت ولاية المدرب المخضرم «لويس فان خال» بالدوري الهولندي إلي جانب دوري أبطال أوروبا أمام العملاق الإيطالي ميلان، وكان باتريك هو من سجّل هدف أياكس بنهائي التشامبيونزليج!

أما جاستن فتم تصعيده أول عام 2017، وكان حينها يملك 17 ربيعًا لا غير، لكنه في المقابل لم يحظَ بتلك الظروف المثالية التي حظي بها باتريك، فمدرب جاستن الأول كان «بيتر بوش»، وهو مدرب جيد، لكنه ليس بالقيمة الفنية لـ«فان خال» بمنتصف تسعينات القرن الماضي، وصحيح أنه رافق نخبة من اللاعبين الجيدين كـ«حكيم زياش، كاسبر دولبيرج، وماتايس ليخت»، لكن هؤلاء لم يكونوا أبدًا بقوة كتيبة تمتلك «فرانك ريكارد، جاري ليتمان، ونوانكو كانو».

والشاهد أن أياكس التسعينات، الذي سيطر على البطولة المحلية وأضاف لسجله الأوروبي بطولة رابعة، يختلف عن أياكس الحالي الذي فشل بالفوز بالدوري الهولندي منذ موسم 2013/2014، لكنهما يشتركان في أمر رئيسي: وهي قدرة أياكس علي إنتاج المواهب الواعدة مثل باتريك وجاستن!

يفضل جاستن أن يرتدي القميص رقم 45 مع ناديه،وقد وضع بين رقمي 4 و5 علامة زائد (+)، ليساوي جمع الرقمين الرقم 9 في إشارة واضحة لرقم والده، لكن ذلك الارتباط بين جاستن وباتريك هو فقط ارتباط النسب، لكن بالنظر إلى مراكز الثنائي بالملعب وظروف تصعيدهما سيبدو أننا أمام لاعبين مختلفين تمامًا.


في الميدان

كانت تلك هي إحدى إجابات كلويفرت الصغير على أحد تلك الأسئلة التي تقرن مسيرته بوالده جاءت كالتالي، تخيل أن هذه الثقة يمتلكها لاعب ولِد عام 1999! إحدى أهم الصفات التي تميز جاستن داخل وخارج الملعب هي كونه لاعبًا شجاعًا وصاحب شخصية قوية، وهو ما يظهر جليًا من تصريحاته التي يؤكد فيها دومًا بأنه يعرف قيمة الاسم الذي يحمل، ويسعى للحفاظ عليه عاليًا، لكن ذلك لا يشكل عليه أي ضغوط لأنه ببساطة يستمتع بكرة القدم.

أما داخل الملعب، فإن جاستن لا يقل ثقة. لعب الهولندي مع أياكس كجناج على كلتا الجبهتين: يمينًا ويسارًا، يستقبل التمريرات على امتداد خط الملعب، ويبدأ بقيادة هجمات فريقه في مناطق الخصم، مستغلًا سرعته وتحكمه الرائع بالكرة كما إجادته في موقف واحد مقابل واحد، يكفيك أن تعرف أن الصغير لا يكف عن طلب الكرة من زملائه، ويميل غالبًا لتجنب القرارت السهلة المتوقعة سواء بالمراوغة والتمرير، لتتأكد أننا أمام لاعب صاحب شخصية كبيرة.

جاستن لاعب مهاري جدًا، دعك من أنه يجيد الأساسيات وكأنه لاعب صاحب خبرة كبيرة فتصل دقّة تمريراته إلى 87% خلال 27 ظهورًا بالدوري، ولكن تصوّر أن لاعبًا لم يكمل بعد عامه الـ19 يجيد اللعب بكلتا قدميه، ولا يجد أزمة في التوظيف كلاعب طرف كلاسيكي ينطلق على الخط ليرسل العرضيات لزملائه، أو التحوّل كطرف عكسي من الخط لعمق الملعب ليطلق تصويباته الصاروخية داخل وخارج المنطقة، حتي وصل عدد أهدافه هذا الموسم إلى ثمانية أهداف متساويًا مع نجم وسط أياكس «حكيم زياش»، ومبتعدًا فقط بأربعة أهداف عن هدّاف الفريق «كلاس هونتيلار»!

بذكر تصويبات جاستن إليك إحصائية أخرى، حيث وصلت دقة تصويبات الهولندي الشاب على المرمى إلى 53%، وهي نسبة غير سيئة على الإطلاق للاعب طرف في ظروف عادية، وليس لاعبًا لا يزال يتحسس خطواته الأولى في الملاعب. وهنا ينبغي التأكيد أن المركز المفضّل لجاستن، الذي يتيح له حرية الحركة والانطلاق بالكرة، ويجعل خياراته سواء بالتسديد أو صناعة الفرص والأهداف مفتوحة، هو مركز الطرف الأيسر بسبب نزوعه للتصويب بقدمه اليمنى بعد التوغل إلى العمق.

أما على مستوى صناعة الألعاب، فقد نجح بصناعة 44 فرصة حتى الآن،5 منهم تحولوا إلى أهداف، وهذا رقم آخر جيد جدًا يمتلكه جاستن، لكن الرقم بحاجة للتحسين خلال الموسم القادم ليس على مستوى العدد فقط، ولكن أيضًا في كيفية صناعة الفرصة، حيث اعتمد أغلب الأحيان على الكرات العرضية لرفاقه، ولكن عليه أن ينوّع من أدواته إذا أراد أن يصبح لاعباً أكثر شمولًا.

عيوب جاستن الفنية تتمثل في أمرين رئيسيين؛ الأول هو أنه يغفل أحيانًا أداء أدواره الدفاعية، ولا يقوم بالمساندة للظهير على أتم وجه، ربما يعود ذلك إلى ضعف بنيته الجسمانية وبالتالي تجنبه الالتحامات البدنية، إذ يكشف موقع whoscored أن نسبة فوز الهولندي بالكرات الهوائية لا تتخطى 0.1، وهو رقم ضئيل للغاية بحاجة إلى العمل الجاد على تحسينه.

والعيب الثاني، يرتكز على عدم اكتمال النضج التكتيكي لجاستن، وهو ما يدفعه أحيانًا للاحتفاظ بالكرة أكثر من اللازم أو المبالغة في مراوغة الخصم مرة و اثنين وثلاثة بهدف الاستعراض، ويعود ذلك لعدم إحساسه بشكل واعٍ لمهام مركزه ومراكز زملائه، فيخطئ أحيانًا بقراءة الملعب، ويميل إلى الفردية.

لكن لا بأس، العيبان المذكوران هما سمة مشتركة تقريبًا بين كل المواهب الناشئة، الأمر فقط يحتاج إلى توجيهات مستمرة من مدرب كبير، وسيتخلص بمرور الوقت جاستن من تلك العيوب.

https://www.youtube.com/watch?v=n9MhpwtKGW8


رايولا في الصورة

إحدى العقبات في طريق جاستن هي تلك الحالة السيئة التي يمر بها منتخب هولندا، فقد صادف بزوغ نجم الشاب الصغير تدهور نتائج منتخب الطواحين، وفشلت كتيبة «فان ديك» بالتأهل لليورو السابق أو للمونديال القادم، بينما كانت مشاركة جاستن في بطولة بحجم كأس العالم كافية لمضاعفة أسهمه، وإظهار شخصيته وإمكانياته الفنية بصورة أفضل، وبالتالي تسويق خدماته لكبرى الأندية بسهولة.

لكن حسنًا فعل الصغير عندما أوكل أعماله لـمينو رايولا، الوكيل الذي له باع طويل في إدارة مسيرات عدد من أبرز اللاعبين كـ«نيدفيد، إبراهيموفيتش، بوجبا»، وبالتالي يُتوقع أن مينو سيحسن في اختيار وجهة جاستن القادمة، وسيختار له النادي الذي ستتطور فيه إمكانياته ويحظى أيضًا بمشاركات كثيرة.

يعترف جاستن أن حلمه هو تمثيل برشلونة، لكنه يعود ويؤكد أن «كريستيانو رونالدو» مثله الأعلي، ثم يسمي أربعة أندية إنجليزية يتمنى اللعب فيها، وهي: تشيلسي، مانشتسر يونايتد، توتنهام، أرسنال.

وبالنظر لحالة العملاقين الإسبانيين، سنكتشف أن مراكز الطرف الهجومي مزدحمة للغاية فيهما، وهو ما يضعف من فرص جاستن في المشاركة حاليًا كأساسي، أما بالنسبة للرباعي الإنجليزي فنجد أن كلًا من توتنهام وأرسنال ليس بحاجة للاعب بخصائص الهولندي حاليًا، لذا قد يكون تشيلسي خيارًا مناسبًا لجاستن في المستقبل، أو مانشستر يونايتد إذا قرر «مورينهو» الاستغناء عن خدمات «مارسيال».

المهم أن جاستن ليس بحاجة للاستعجال، فقط عليه الاستمرار على نفس النسق الرائع الذي يقدمه مع أياكس، والثقة في نصائح رايولا، حتى لو رأى ذلك الأخير بأن خطوة الدوري الإسباني أو الإنجليزي ينبغي أن تتأخر لموسم أو موسمين قادمين لحساب أحد الأندية في إيطاليا أو ألمانيا حيث المشاركة الأساسية مضمونة.


باتريك أم جاستن؟ من يتفوق

أسعى إلى أن أقدم أداءً طيبًا، قد تقل مسيرتي قليلًا عن تلك الخاصة بوالدي، أو ربما تفوقه

شئنا أم أبينا، المقارنات بين كلويفرت الأب والابن لن تتوقف أبدًا بالرغم من هذا الاختلاف في أسلوب لعب الثنائي والظروف التي شهدت على صعودهما في أياكس.

أسطورة أياكس «جاك ستيوارت»يقول بأن جاستن يدهشه في كل مرة يشاهده فيها، بسبب حجم إمكانياته الكبيرة قياسًا بسنه الصغيرة، بينما يرى «فرانك دي بور» أن جاستن سيصبح نيمار القادم، أما كلويفرت الأب فلا يكف عن التعبير عن شعوره بالفخر إيذاء ما يقدمه الابن.

هكذا يتم التعويل على جاستن كعضو بارز في كتيبة «رونالد كومان» الجديدة التي ستدافع عن ألوان هولندا بعد اعتزال الكبار «روبين، شنايدر، فان بيرسي»، وهذه أيضًا فرصة جيدة للصغير. فإذا ساهم في عودة الطواحين لواجهة المنافسات الدولية، وربما الحصول على بطولة جماعية تمنعت كثيرًا على واحد من أكثر منتخبات الكرة جماعية، وأضاف جاستن لنفسه بطولة أو أكثر مع أياكس، ونجح في اختيار وجهته القادمة بحيث يحقق المعادلة الصعبة بين المشاركة، والتطوير، والفوز بالبطولات..فإنه بذلك قد يقدم تجربة توازي تجربة والده، أو ربما تتفوق عليه كما يصرح الصغير بلا حرج.