فيلم «Judas and the Black Messiah»: إرهاب منظومة العدل الأمريكية
مقدمة تاريخية لا بد منها
في ستينيات القرن العشرين كان الشارع الأمريكي خارجاً عن السيطرة بالفعل، ولا يوجد رصيف يخلو من دماء، اغتيل الرئيس كينيدي، وأخوه السيناتور بوبي، قُتل الدكتور مارتن لوثر كينج، والمناضل مالكوم إكس، تصاعدت احتجاجات طلاب الجامعات تجاه ما يحصل في فيتنام، ووجد الهيبيون في ذلك العالم مرتعاً لأفكارهم الأناركية، وتصاعد تيار الأحزاب الفئوية العنصرية والمناهضة للعنصرية، وكان السود قد تعلموا أن يُحدثوا بعض الضجيج للحصول على حقوقهم.
بدعوته المناهضة للتمييز كان حزب الفهود السود ورسالته الاشتراكية المعادية لرأسمالية النظام الأمريكي حجر عثرة في حذاء جون إدجار هوفر مؤسس مكتب التحقيقات الفيدرالي والرئيس الأول له، والذي حمل على عاتق جهازه الأمني مسئولية أمن النظام الأمريكي سياسياً واجتماعياً.
لم يكن إدجار ليتوانى عن فعل أي شيء في سبيل القضاء على الراديكاليين من وجهة نظره، ونجد في المشهد الافتتاحي لفيلم المخرج شاكا كينج Judas and The Black Messiah الممثل مارتين شين الذي يلعب دور هوفر يحث عملاء جهازه على فعل أي شيء للقضاء على فريد هامبتون الذي من الممكن أن يكون بمثابة مسيح أسود يجمع في دعوته كل العناصر التي تزعج الإدارة الأمريكية.
كان هوفر قد أنشأ بالفعل عام 1956 برنامج COINTELPRO، وكان البرنامج يهتم بتجنيد جواسيس وعملاء داخل الجماعات التي يحددها مكتب التحقيقات كخطر على الأمن، وكانت الفهود السود على رأس تلك الجماعات، ومن خلال الشخصيات التي يزرعها مكتب التحقيقات داخل ذلك البرنامج سيلعبون دوراً رئيسياً في توجيه سياسات تلك الأحزاب تجاه العنف ضد المدنيين والشرطة، مما يثير حنق الشارع تجاههم، وسيبرر أفعال مكتب التحقيقات الفيدرالية في ملاحقتهم والإيقاع بهم، وقد أتاح ذلك البرنامج التجسس على شخصيات من أمثال دكتور مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس وفريد هامبتون، وتعريضهم للضغط والمضايقة من أجهزة الشرطة، ولم ينكشف أمر البرنامج إلا في بداية السبعينيات عندما سرق مجموعة من النشطاء ملفات سرية من المكتب، وفضحوا فحواها للجمهور.
سرد درامي للقتل
بعد أن نضع أحداث الفيلم في سياقها التاريخي، سيتضح أمامنا العديد من التفاعلات التي تحرك الأحداث داخله، يتناول فيلم يهوذا والمسيح الأسود السيرة ذاتية للناشط فريد هامبتون زعيم الفهود السود، والذي يلعب دوره الممثل دانييل كالويا، وقد حاز كالويا جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثل مساعد عن دوره، وترشح للأوسكار، والفيلم بدوره قد حاز حتى الآن 6 ترشيحات لجائزة الأوسكار.
رغم أن الفيلم يتناول حياة فريد هامبتون الذي قُتل على يد الـFBI، فإنه ليس بطل القصة الرئيسي، فبطل الفيلم هو بيل أونيل، والذي يلعب دوره الممثل لاكيث ستاينفيلد – ترشح للأوسكار كأفضل دور مساعد – عميل مكتب التحقيقات الأمريكي المدسوس على الفهود السود، في محاولة لرؤية الصورة من الرواية المضادة، أو كما هو موضح من عنوان الفيلم، قصة المسيح من منظور يهوذا.
ويعد فيلم المخرج الشاب شاكا كينج سرداً درامياً للقتل، تم بناؤه على السجلات الرسمية التي تم كشفها من مكتب التحقيقات الفيدرالي فيما بعد بشأن قضية فريد هامبتون.
وبرر كينج اختياره العرض من نظرة يهوذا إلى القصة قائلاً:
المسيح الأسود
كانت صدمة “جيفري هاس” محامي شيكاغو هائلة حينما التقى فريد هامبتون للمرة الأولى، فقد كان مأخوذاً بتلك الطاقة والكاريزما التي تحويها شخصية هامبتون رغم أنه لم يتخطَّ العشرين من العمر، استطاع هاس وزملاؤه من المحامين الإفراج عن هامبتون من السجن من تلك التهمة التي لُفقت له بسرقة ما قيمته 70 دولاراً من الآيس كريم، وحينما خرج هامبتون للاحتفال بهذه المناسبة ألقى خطابه التاريخي في أحد الكنائس المحلية، التي دعا فيها الجماهير لرفع أياديهم اليمنى وتكرار كلمته: “أنا ثوري”.
يتذكر هاس، وهو أبيض اللون، الحدث فيقول:
قدم شاكا كينج تلك اللحظة التاريخية في فيلمه من خلال تقمص هائل لدانيال كالويا، وكان اختيار دانيال كالويا لذلك الدور اختياراً موفقاً، فسيناريو الفيلم الحافل بالخطابات الانفعالية كان يحتاج لممثل من نوعية كالويا، فالممثل البريطاني من أبناء المسرح الارتجالي، الذين تشربوا القدرة الخطابية الانفعالية، التي تحتاجها لأداء شخصية زعامية مثل فريد هامبتون.
فريد هامبتون هو الشخصية المُطاردة في الفيلم، لكونه زعيم فرع إلينوي لحزب الفهود السود، ونائب رئيس الحزب بصفة عام، ولكنه كان أكثر خطراً من الرئيس، نظراً لشخصيته الكاريزمية، القادرة على التأثير في الأشخاص، وقدرته على إحداث الزخم في الحشود المستمعة بسبب قوة كلماته التي يطلقها من فمه بشكل تلقائي لا عن طريق وسيط كالخطب المجهزة.
كان سيناريو الفيلم أميناً على سيرة فريد هامبتون، وعرض هامبتون كرجل ذي أيدلوجية انتقائية، مزيج من كل شيء، يظهر لنا في الفيلم أكثر من كونه قومياً أسود، وليس مهتماً حتى بما يحدث في أفريقيا على وجه التحديد بصفتها أرض الأجداد من العبيد، ولا يهتم بالرمزيات السياسية، فنجده يسخر من تسمية أحد الكليات على اسم دكتور مارتن لوثر، كما يبدي ازدراءه للتعبير الثقافي للسود المتمثل في لبس السود لملابس تظهر هويتهم، فهو ماركسي لينيني، ولديه فهم مادي صريح للواقع والنظام الرأسمالي الأمريكي، يقتبس من مالكوم إكس ومارتن لوثر كينج، رغم تعارضهما الظاهري، ما يخدم أفكاره، ويضع يده في أيدي الحركات العرقية الأخرى في مجتمع شيكاغو.
من خلال ذلك يقدم لنا الفيلم نظرة على ائتلاف الحركات الحقوقية في الشارع الأمريكي آنذاك. كحركات الفخر الجنوبي وحركات البورتوريكيين، حيث يتزعم فريد حزب “قوس قزح” الذي يضم في كنفه كل التيارات المناهضة للنظام الأمريكي القمعي المتمثل في الشرطة أو كما يسميهم “الخنازير”.
سيسلب فريد النوم من أعين إدغار هوفر، الذي سيحاول القبض عليه بأي طريقة ممكنة، ونظراً لاستقامة هامبتون ووضوحه، سنجد أن الإيقاع به في البداية سيكون صعباً، وفي لقطة ساخرة ستظل تهمته الوحيدة التي تقربه من السجن، تهمة الآيس كريم الملفقة.
يقدم شاكا كينج في فيلمه تبريراً لرسالة هامبتون الاجتماعية الراديكالية، ذات النبرة المتطرفة تجاه مؤسسات السلطة في أمريكا، ويظهرها بشكل متعاطف كصوت للفقراء والمهمشين من كل أرجاء المجتمع، الذين يرسلون ليقتلوا في فيتنام، والذين يقتلون في المجتمع على أيدي الشرطة دون أي تحقيق للعدالة، ويرينا الفيلم أن هامبتون كان شخصية دفاعية، ورغم كلماته التحريضية على “قتل الخنازير/الشرطة” فإنه لا يمكننا أن نأخذ منها سوى معنى إيجاز يحرض على المقاومة من أجل انتزاع الحقوق، وأن تلك الدعوة العنيفة لا تتخطى كونها بذرة لتربة المجتمع الفاسدة من الأساس.
تلك المنطقة الرمادية التي يقع فيها المشاهد تجاه فلسفة الفهود السود العنيفة، تجعله يكتسب تعاطفاً تجاه هامبتون وأتباعه، واحتقاراً للأجهزة الأمنية والسياسية التي تحمل على عاتقها هم استئصال تلك الدعوات الحقوقية العديدة من المجتمع.
لإدماج المشاهد أكثر في الأحداث، وتأجيج شعوره بالتعاطف تجاه شخصيات القصة رغم نهجهم العنيف الثوري، وهو ما يندر أن يجد مقابلاً له في الجماهير المتلقية لرسالة الفيلم، حاول صناع العمل التركيز على الجوانب الإنسانية لتلك الشخصيات من خلال العديد من النماذج، كان أبرزها الحياة الأسرية لفريد هامبتون وزوجته ديبورا، ونظرة ديبورا للحياة والنشاط الثوري بعدما أصبحت تحمل في داخلها جنيناً ينمو، والتركيز أيضاً على حياة جيك وينترز الذي لم يكن منهجه العنف، ولكن التعسف الشرطي هو ما دفع به إلى التطرف وحمل السلاح.
والتركيز المكثف على الصراعات النفسية لشخصية بيل أونيل (يهوذا)، التي تجعل المشاهد يفتش في أبعاد تعقيدات تلك الشخصية ودوافعها، ولا يستطيع أن يجد إجابة.
يهوذا في حقل الخنازير
يجعلنا شاكا كينج نستكشف القصة من تحديقة عين بيل أونيل، فكما أن بيل أونيل هو جاسوس مكتب التحقيقات على الفهود السود، يستكشف لها شخصية فريد هامبتون وعالم الفهود السود، هو جاسوس المشاهدين أيضاً لاستكشاف آلية عمل مكتب التحقيقات الفيدرالية الإرهابية الفاسدة.
كان هدف مكتب التحقيقات في الواقع من برنامج COINTELPRO، صناعة رجل من القش، ثم الهجوم عليه، أي صناعة تيار إرهابي داخل الفئات غير المرغوب فيها أمنياً، لتبرير الإرهاب المضاد الذي سيتم استخدامه في قمعهم، يقدم لنا الفيلم آليات عمل المكتب من خلال تفاعلات شخصية بيل أونيل (يهوذا/الجاسوس) مع العميل روي ميتشيل المكلف بالعمل معه، ومن خلال تفاعلات العميل ميتشيل مع رؤسائه خاصة إدغار هوفر.
بيل أونيل (يهوذا) هو شخصية ضعيفة ومهتزة وقلقة على الدوام، رجل يبحث عن مبدأ، ما يجعلنا نظن أحياناً أنه يؤمن بهامبتون وما يفعله، وليس مجرد جاسوس يعمل لمصلحته الشخصية والاستخبارات، وهو ما يجعل الفيلم رغم كونه قائماً على قصة حقيقية معروفة أحداثها بالفعل مليئًا بالتشويق والتوتر كأجواء أفلام الجريمة الدرامية المليئة بالصراعات النفسية، التي تترك مساحة للمشاهد أن يكون جزءًا من الحدث من خلال التعاطف مع شخوصها، وتوقع الخطوة التالية.
أما ميتشيل فيمثل نموذجاً للموظف الغر الساذج الذي لا يزال يتحلى بمثل أخلاقية وإنسانية تداعب نفسية المشاهد الأمريكي حين يرى ذلك النبل، إلا أنه بسير الأحداث تشهد شخصية روي وتفاعلاتها مع أونيل الكثير من التحولات الواضحة التي تصل إلى ذروتها في النهاية، بعد أن تأثر ميتشيل بالتعاليم المباشرة من رئيسه إدغار هوفر العنصري، والذي يغير نظرته إلى المطاردة التقليدية بين الشرطة والمجرمين، يحذر هوفر ميتشيل قائلاً:
تمثل شخصية روي ميتشيل، العميل الفيدرالي المسئول عن ملاحقة فريد هامبتون، النظرة الخارجية المثالية للمجتمع تجاه جهازه الأمني وما يظنه فيه من مثل أخلاقية، وبتوالي الأحداث في الفيلم تغير الحقيقة نظرة المشاهد ونظرة روي ميتشيل.
يتعرض روي كما المشاهد إلى صدمة أخلاقية كبرى حين يعلم بحقيقة بعض الأحداث، فشبكة الجواسيس التي زرعها مكتب التحقيقات داخل الفهود السود، هي في الواقع العقل المدبر لكل الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الحركة داخلياً ضد أعضائها، أو خارجياً ضد المجتمع، حتى تعطي الذريعة لمكتب التحقيقات الفيدرالية لملاحقتها. أي أن مكتب التحقيقات الفيدرالية هو المدبر الفعلي لأعمال العنف والإرهاب لجماعة الفهود السود، ناهيك عن الاستفزازات التي تمارسها الشرطة ضد السود في الشارع، والتي تنتهي برد فعل عنيف من السود.
حرب عصابات بين الشرطة والسود تنتهي بقمع السود، وتلك الفظاعات تنتهي بالأمر الذي يتلقاه روي ميتشيل من رئيسه هوفر – بعد أن غاصت شخصية روي إلى آخرها في المستنقع وتحولت لتصبح شخصيةً ميكيافيليةً ببراعة، تدليلاً على صعوبة أن يعمل شخص شريف في مكتب التحقيقات بمعزل عن ذلك العطب – بأن يجعل عميله بيل أونيل يعمل “بطريقة أكثر إبداعية”.
إن الطريقة الإبداعية التي ينشدها هوفر في العميل بيل أونيل، هي أن يلعب بيل أونيل دوراً تشجيعياً لرئيسه زعيم الفهود فريد هامبتون يحثه فيه على اتباع أعمال التفجيرات للمباني الحيوية، كرسالة للشرطة ومكتب التحقيقات تدل على قوة الفهود السود، حتى يمتد سلسال الدم في الشارع، والذي بإمكانه أن يجعل مكتب التحقيقات يتمكن من فريد هامبتون، وأن يسند له تهمة حقيقية غير تهمة الآيس كريم السخيفة.
بمشهد النهاية في الفيلم، والتعليقات ذات الطابع التاريخي الوثائقي التي عرضها المخرج على الشاشة، ستتعرض الصورة المثالية لمكتب التحقيقات الفيدرالي بصفته ممثلاً للعدالة والخير ومكافحاً للفوضى والعنف إلى الانهيار التام، فتلك المشاهد الصادمة التي تختم تلك المأساة ستكمل ملف الإدانة الذي أعده الفيلم لمحاكمة مكتب التحقيقات الفيدرالي.
والمشاهد التسجيلية الواقعية من حديث أجراه بيل أونيل في آخر آيامه، ستكون امتداداً لشخصية بيل أونيل المضطربة، والتي تستطيع أن تجعل المشاهد يكوِّن تعاطفاً صادقاً تجاهها، فقد ظل أونيل حتى آخر حياته مقتنعاً أنه يلعب دور عميل مزدوج بين المكتب الفيدرالي وجماعة الفهود السود، وليس جاسوساً على الفهود السود.
في النهاية يُقدم لنا بيل أونيل كنموذج إنساني، وليس شريراً مجرماً، تمكنت الأجهزة الأمنية من ملاحقة جوانب الضعف في شخصيته واستخدامها، لتصنع منه واشياً، واستطاع شاكا كينج أن يؤنسن بيل أونيل، وابتعد عن الكليشيه المعروف في شيطنة الآخر، وعزله عن أبعاده النفسية والإنسانية، لم تكن ثنائية الخير/الشر موجودة بين فريد هامبتون وبيل أونيل، ولكنها كانت موجودة بين فريد هامبتون ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وبهبوط شخصية روي ميتشيل إلى الحضيض أخلاقياً، لم يترك لنا شاكا كينج شخصية من جهاز الأمن لنتعاطف معها، فقد حُطمت صورتهم الأخلاقية تماماً.
أما بيل أونيل فيقف متردداً بين إقدام وإحجام، يقف في حالة صراع وتأنيب للضمير وبحث عن الحقيقة في ذاته ومواقفه، لقد اختار إدغار هوفر لقب «المسيح الأسود» لفريد هامبتون، أما شاكا كينج في إعادة بنائه للحدث في فيلمه، فقد اختار اللقب الآخر ببراعة «يهوذا» ليكمل لنا رمزية القصة وإحالاتها الدينية، فلو كان هامبتون هو المسيح، فلا مجال لأن يلعب أحد غير بيل أونيل دور يهوذا، فكما ندم يهوذا على تسليمه للمسيح وأعاد الأموال وقتل نفسه تكفيراً، لم يجد بيل أونيل خيراً من تلك التراجيديا ليتمثل بها.
حافظ الفيلم على العنصر التشويقي حتى آخر مشهد، كما أن المخرج شاكا كينج كان بارعاً في صناعة التقاطعات بين المشاهد الواقعية لأشخاص الفيلم، ولقطات فيلمه السينمائية، استطاع شاكا كينج من خلال تتبعه للحقيقة من كل جوانبها وفي سياقاتها التاريخية وبالتقاء بعض شخصيات الفيلم في الحقيقة ومحاورتهم، أن يصنع الصورة كاملة لفيلم دوكيودرامياً بامتياز، يضاف إلى قائمة من الأفلام التي جاءت مميزة أيضاً في هذا السياق، ولكن في فيلمه، استطاع شاكا كينج أن يضيف شيئاً جديداً للسينما الهوليودية.
رؤية هوليودية جديدة
لقي فيلم شاكا كينج احتفاءً من الأوساط النقدية، فقد رأوا فيه خطوة منتظرة من سنين كانت تخشى هوليود الاقتراب منها، وهي القدرة على إدانة الرموز والمراكز الأمنية التي “تحمي حياتنا” رغم أن الفساد ينخر فيها بالفعل، ورغم أنها لا تتوانى عن استعمال وسائل إرهابية في مكافحة العناصر الخارجة على المجتمع التي يحلو لها أن تسميهم “إرهابيين”، فكان فيلم شاكا كينج يفتش عن الجذور الحقيقية للإرهاب، وإلقاء الضوء على ممارسات الأجهزة الأمنية التي تدفع في المقابل من تعدهم أعداءً إلى الانفجار.
تولى هوفر رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي ما يقارب الأربعين سنة، استطاع من خلالها بالتعاون مع بعض الأصدقاء من المخرجين في هوليود، أو بالتوجيه والدعم المادي لإنتاج أفلام بعينها أحياناً، أن يرسخ صوراً نمطية عن عملاء المكتب بوصفهم مثالاً للنزاهة والإخلاص، وحماة الأخيار، وفي المقابل تم إقصاء أعدائهم والقضايا التي يكافحون من أجلها إلى الجانب المظلم الإجرامي.
حتى بعد خروج هوفر من منصبه، ظلت هوليود حذرة من الاقتراب بشدة من عوالم الفساد المتعلقة بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، وبتناول سيرة هوفر الأبرز في عمل كلينت إيستوود الذي جسد فيه شخصية هوفر ليوناردو ديكابريو، كان التركيز على الحياة الشخصية لهوفر مع تجاهل الجوانب العنصرية في شخصيته، والتي وجهت سياسة المكتب أعواماً طويلة في ملاحقة السود وحركاتهم الحقوقية، وكان إنجازاً من إنجازاته هو ومكتبه، تلك القصة التي يعرضها فيلم يهوذا والمسيح الأسود، التي ستفتح الأبواب بكل تأكيد مستقبلاً لأفلام أخرى تعرض الوجه الآخر لمنظومة العدالة الأمريكية.