خوان كارلوس أوسوريو: «غريب في بلاد غريبة»
من دون سابق إنذار، جَلَس المدير الفني لنادي الزمالك يُعدّد أسباب تعجُّبه من الانتقادات التي توجّه للطاقم الفنّي للقلعة البيضاء. وفي الواقع، لم يتضح سبب نبرة الاستعلاء الواضحة في حديث الكولومبي، الذي يريد محاكاة طريقة مانشستر سيتي بميت عقبة، لكنّ فقط يحتاج لمدافع أعسر، وقلب هجوم.
حقيقةً، لم يخطئ أوسوريو. بالفعل الكرة المصرية في وضع صعب منذ مُدة، وأحيانًا تبالغ الصحافة والجماهير في الانتقاد دون دراية بكافة التفاصيل. لكن المشكلة في هذه الحالة هي أن الرجل الذي قرر المواجهة كولومبي لا يختلف ديربي بلاده عن ديربي القاهرة الذي خسره قبل أيام، كما أنّه لم يسبق له التدريب في أوروبا من قبل.
هذه هي أزمة خوان كارلوس الرئيسية، حيث يصعُب عليه الفصل دائمًا ما بين حقيقة درايته باللعبة ومسيرته التي لا تبدو مميزة. للوهلة الأولى يبدو مغرورًا، لكن تفاصيل رحلته قد تكشف الكثير عن قصة «المعلّم» الذي لم ينجح في تحقيق حلم شبابه.
العائلة ليست أولًا
ربما لم يكن ويلسون يعلم الكثير عن أوسوريو قبل تحضيره لمقاله الذي نُشر في يونيو/حزيران 2018، قبل أيام من بدء منتخب المكسيك رحلته المحفوفة بالمخاطر بكأس العالم في روسيا تحت قيادة المدير الفني الكولومبي. والسبب بسيط جدًا، وهو أن مسيرة الرجل كانت متواضعة قبل وصوله لتدريب منتخب «El Tri Color» عام 2015. ومع ذلك، كانت قصته ملهمة كفاية.
يمكن وصف أوسوريو ابتداءً بالرجل العصامي، الذي شَق طريقه نحو ما يُحب بالطريقة الصعبة. كان لاعبًا متواضعًا، توقَّف عن ممارسة كرة القدم بأواخر عقده الثالث بعد تعرضه لإصابة قويّة، ليُقرر الذهاب للولايات المتحدة الأمريكية كمهاجر غير شرعي، يجمع الأموال عن طريق العمل في البناء وخدمات الأغذية.
بعد ذلك، قام بتوفيق وضعه القانوني، وحصل على درجة البكالوريوس في علوم التدريب من جامعة «كونيكتيكات الجنوبية»، قبل أن يستثمر كل أمواله التي جمعها في مشروع صالة الألعاب الرياضية الخاص به.
لكن أوسوريو لم ينسَ شغفه بكرة القدم، التي فشل في أن يُصبح لاعبًا مميزًا بها، لذا قرر خوض مغامرة جديدة أملًا في أن يُصبح مدربًا محترفًا.
في 1997، قرر الشاب الكولومبي حرق كل مراكبه، فباع صالة الألعاب الرياضية الخاصة به، ترك زوجته، ومعها فرصته في الحصول على الجنسية الأمريكية، واستمع للندّاهة، التي أخبرته أنّ بداية تحقيق حلمه ستكون عن طريق دراسة علوم كرة القدم في جامعة «جون مورز» بإنجلترا.
مهد الكرة
بعد عدّة أيامٍ من وصوله لإنجلترا، وكأي طالب شغوف بالعلم، طرَق أوسوريو أبواب الأندية الإنجليزية، طمعًا في مشاهدة الحصص التدريبية مباشرة. وافق البعض، بينما رفض «جيرارد هولييه»، المدير الفني لنادي ليفربول وقتئذٍ دخوله لمجمع «ميلوود» التدريبي.
لم ييأس خوان؛ قام بعملية مسحٍ للمنطقة المحيطة بالمُجمع، حتى وجَد منزلًا قد يستطيع من أحد طوابقه مشاهدة التدريبات بصورة جيدة. سريعًا طلب من عائلة «ماكمانوس» المكوّنة من أب وأم وولدين، استئجار غرفة في بيتهم بعدما شرح لهم الوضع كاملًا.
بعد عامين، كان أوسوريو قد أنهى دراسته بنجاحٍ، وتعلَّم بالمشاهدة والتجسُس الكثير عن كرة القدم الإنجليزية، التي تختلف تمامًا عن الكرة اللاتينية. لكنّ البقاء في إنجلترا لم يعد ضروريًا. بالتالي عاد مجددًا للولايات المتحدة ليشغل وظيفة معد بدني بأحد أندية نيويورك.
كان عام 2000 مفصليًا في حياة الشاب الكولومبي. في ذلك الوقت، كان نادي مانشستر سيتي الإنجليزي يبحث عن تعيين متخصص في اللياقة البدنية لكسب أفضلية على المنافسين الأكثر صرفًا للأموال. نعم في بداية الألفية الثالثة كان السيتي ناديًا فقيرًا.
نشر النادي إعلانًا، تقدَّم العشرات، بينهم أوسوريو، الذي نجح في إقناع مسؤولي النادي نظرًا لقدرته على شرح علمه الرياضي بلغة كرة القدم. ليستمر هناك 4 سنوات كاملة، وصل خلالها لوظيفة المدير الفني المساعد.
اختلاف يفسد للود قضية
لم تشهد مسيرة أوسوريو نجاحات ضخمة، باستثناء فترته مع نادي «أتليتيكو ناسيونال» الكولومبي من 2012 لـ2014، وكأس العالم 2018، التي نجح خلالها مع منتخب المكسيك في الفوز على ألمانيا والعبور لدور الـ16.
يروي توماس ماكمانوس، نجل الرجل الذي استضاف أوسوريو في منزله بإنجلترا، قصة توضِّح حقيقة عدم اكتراث الكولومبي بالانتقادات التي تطاله.
يقول توماس: حين استضفنا خوان، لم يكن لدينا اشتراكٍ في خدمة بث المباريات، لذا كنا نذهب أنا وهو للحانة. هناك كان المشهد غريبًا، الجميع يشرب الكحول، بينما يجلس هو محملقًا للشاشة، مدونًا ملاحظاته في دفتره الصغير، مكتفيًا بشرب بضعة كؤوس من الماء.
أحد الأفكار التي يُنتقد أوسوريو بسببها هي إيمانه الشديد بأهمية التدوير، وهي الفكرة التي اقتبسها من السير أليكس فيرجسون أثناء عمله بإنجلترا، والتي يرى المنتقدون أنّها تنُم عن عدم ثقته في فريقه. لكن على العكس تمامًا، يرى خوان كارلوس أن التدوير وتغيير التشكيل بشكل مستمر ضروري لتجهيز جميع عناصر الفريق، والأهَم استخدام العناصر المناسبة لكل مباراة بعينها.
بشكل عام، يزعُم أوسوريو أنّه لا يجد مشكلة في الانتقادات، بل روى عدد من القصص في مقابلة صحفية مع صحيفة «جارديان» البريطانية عام 2014، استمع فيها لانتقادات الجماهير، بل وناقشهم. لكنّه مع ذلك يرى أنّ الانتقادات المستمرة تجاه عمله تمثّل موقف الجماهير الإشكالي تجاه كرة القدم التي يريد أن تلعب بها فرقه.
يقول أوسوريو إنّه لا يتوقّف عن التعلُّم، والاطلاع على كل ما هو جديد بكرة القدم، كما يؤكِّد أنّه أحد المعجبين بأسلوب بيب جوارديولا، ويحاول محاكاة مبادئه الأساسية. في لعب كرة القدم، والتي لم يجد حرجًا في ذكرها بأحد مؤتمراته الصحفية.
أولًا: المخاطرة بالهجوم دائما. ثانيًا: ضرورة البحث عن الرجل الثالث لضمان الاستحواذ على الكرة. ثالثًا: القصد من تحريك الكرة ليس تحريكها بل تحريك الخصم. وأخيرًا: المخاطرة باللعب بين الخطوط.
قد نتفهَّم الآن لماذا تبدو الانتقادات الموجهة للمدير الفني للزمالك منطقية؛ لأنّه يحاول تنفيذ أسلوب يبدو غريبا على الكرة المصرية، أو بالأحرى يحتاج لوقت لتنفيذه. وفي الواقع، كانت نفس الأفكار سببًا في انتقاد أوسوريو بكل محطاته التدريبية الناجحة أو الفاشلة.
يعتقد جوناثان ويلسون أنّ تمسُّك أوسوريو بأسلوبه جعله «غريبًا»؛ رجل يحمل أفكارٍ لا تتماشى مع مستوى اللاعبين الذين يشرف على تدريبهم. هذه هي الإشكالية الأكبر، التي يمكن من خلالها تفسير ما يمكن تسميته «تعالي» المدرّب على الكرة المصرية. فالرجل بالفعل خاض عدّة تجارب سمع خلالها نفس الانتقادات. لكن الأهم هو أنّه بمجرد حصوله على الوقت المناسب، ينجح فورًا في تغيير وجهة نظر الجميع عنه.
بينما يُخبرنا أحد أفراد عائلة «ماكمانوس» بتفسير آخر، وهو أنّ الرجل الذي يحلُم يومًا ما بالتدريب بالدوري الإنجليزي الممتاز، رجل لطيف جدًا، يتمتع بحس فكاهي، لكنّه فقط يحتاج للتخلُّص من تعابير وجهه المتجهمة على الدوام أثناء عمله، كي ينجح في استقطاب مزيد من المؤيدين في صفه.