يورجن كلوب : عازف كُرة الشوارع وبيتلز القرن 21
لم يكُن يعلم جون لينون وهو يؤسس فرقته الموسيقية في أواخر خمسينيات القرن الماضي والتي عُرفت بعد ذلك باسم البيتلز أنه سيأتي بعد قرابة ستين عامًا شخص يُعيد إحياء ما فعله، لم يكن يعلم أن يورجن كلوب سيُقرر إحياء ذكراه.
ليفربول: المكان والأهل هما الشيء المشترك، ذلك الميناء في شمال غرب إنجلترا الذي نثر سحره على أحد أبنائه لتشكيل فرقة موسيقية تُعتبر الأفضل في التاريخ، هي أيضًا التي جذبت ألمانيًا في مُنتصف العُمر ليُعيد التجربة في كرة القدم.
يورجن كلوب في مُقابلة مع صحيفة الميل البريطانية بتاريخ 3 سبتمبر 2016
لماذا ليفربول؟
يورجن كلوب وبغض النظر عن قدراته الفنية والتدريبية يُعد شخصًا محبوبًا من أغلب مُشجعي الكرة في العالم، ولذلك لن يواجه مُشكلة صبر الجمهور عليه في أي تجربة جديدة له. إن أضفنا لذلك قدراته التدريبية ونجاحاته المُتعددة مع بروسيا دورتموند بإمكانيات محدودة كل ذلك يجعله مطلبًا لكل الأندية الكبيرة ولكن لماذا ليفربول تحديدًا؟!
نادٍ له جمهور كبير، لم يحصل على بطولة الدوري منذ ما يقارب 26 عامًا، يُحارب كي يصل إلى دوري أبطال أوروبا وما زال الكثيرون من متابعي الكرة يعتبرونه ناديًا كالكِبار، فكيف ستكون الأجواء إن تمكنت من الفوز بالدوري هُناك؟ هكذا بالطبع فكَّر يورجن كلوب أثناء إجازته في الفريق الذي يريد أن يُدربه، فهو لا يُريد أن يُصبح جزءًا من تاريخ نادٍ كبير بل يريد إعادة كتابة التاريخ نفسه.
كُرة الشوارع وبساطة التعقيد!
السهل المُمتنع هو وصف يؤمن به يورجن بل ويُطبقه بالفعل. السؤال الأهم في كرة القدم هو كيف تفوز؟ بالطبع أن تصل إلى مرمى خِصمك وتسجل، وعلى الجانب الآخر تمنع الخصم من الوصول لمرمى فريقك والتسجيل فيه، نظريًا يبدو أمرًا سهلًا ولكن في الواقع هو سر اللعبة الذي يُحاول كل المدربين أن يوجدوا الطريقة الأسهل لحله.
عندما سُئِل يورجن عن قناعاته في الكرة قال: «العاطفة والسرعة والتحول السريع، هكذا أُحب أن أرى كرة القدم » تصريح يدل على مدى إيمان كلوب ببساطة اللعبة في الأساس، تمامًا مثل الأطفال عندما يلعبون في الشارع؛ لا شيء يُحدد الفائز سوى مقدار الحماس الذي يلعب به أحد الفريقين، الفريق الذي لا يُريد أن يوصف شارعه بشارع الخاسرين هو الذي يقاتل للفوز كذلك عندما يتقدم أحدهم بالنتيجة هل يعود للخلف لتأمين دفاعه؟ بالطبع لا هو يريد أن يقضي على الخصم تمامًا وبأكبر حصيلة تهديفية ممكنة، كلوب لا يرضى بالنتائج الكبيرة طالما كان هناك فرصة لتسجيل أكثر، ربما كان تصريحه الشهير بأن النتيجة كان من الممكن أن تكون أكثر دفئًا بعد الفوز 5-2 على بايرن ميونيخ في نهائي كأس ألمانيا 2012 أكبر دليل على ذلك.
كثيرون ينتقدون يورجن على مُبالغاته الهجومية واللعب بضغط عالٍ في كثير من الأحيان، ولكنه يؤمن بأن وجود لاعبي فريقه في مناطق الخصم هي أسهل وسيلة لتسجيل أهدافٍ وكذلك استرجاع الكُرة من الخصم في مناطقه وليس في مناطق ليفربول.
يورجن كلوب في حوار سابق يوضح الطريقة المُثلى لكرة القدم من وجهة نظره.
هو لا يريد اللعب من أجل الفوز فقط ،بل من أجل اللعب أولاً ،الكلمة التي تكررت كثيراً في حواراته هي السرعة ،من الواضح أنه أهم عامل في كرة قدم كلوب.
لأن الجمهور يستحق
رد كلوب على سؤال أحد الصحفيين يوم تقديمه مُدربًا لليفربول عن رسالته للجمهور.
تلك الجملة واختيار تعبير الشك واليقين يوحي بأن يورجن كان مُشجعًا للريدز مُنذ نعومة أظافره، مُشجعًا عاش الحسرة والشك بعد ضياع دوري 2009 رغم أن ليفربول كان الفريق الأقل خسارة في الدوري وعاش انزلاق كأس الدوري بين قدمي جيرارد بعد 11 فوزًا متتاليًا في 2014، فكلما اقترب الفريق من تحقيق الحلم استيقظ الجمهور على كابوس مُزعج بضياعه، تعبير يورجن لمس قلوب مُشجعي الفريق الذين كانوا يعرفون أثناء تقدمه 1-0 أنه قد يخسر وليس فقط يتعادل في النهاية، تلك الحالة من الشك وصلت أيضًا للاعبين فكان لا بد من بث روح جديدة.
يورجن كلوب في بداية موسم 2016/2017
يعمل يورجن كأفضل مُدربي التنمية البشرية على زرع فكرة النجاح في عقول اللاعبين والجمهور حتى يُصبح أمرًا واقعًا لا بديل عنه ويتحقق بالفعل.
بعد تولي كلوب مسئولية تدريب ليفربول بفترة قصيرة وتحديدًا في مباراة ليفربول وويست بروميتش ألبيون والتي انتهت بالتعادل 2-2، كان ليفربول مُتأخرًا بالنتيجة 1-2 قبل أن يُسجل أوريجي هدف التعادل في الوقت بدل من الضائع فيحتفل كلوب بشدة ويُقيم صفًا مع اللاعبين بعد المُباراة لتحية الجمهور رغم انتهاء المباراة بالتعادل مع فريق يُفترض أن يحتفل هو بالنقطة التي خطفها من الأنفيلد، لم يكن الأمر احتفالًا بالنتيجة كما ظهر للكثيرين ولكنه كان بمثابة بناء جِسر الثقة مع الجمهور مرة أخرى.
التدريب وانتقالات اللاعبين
هو يرى أن عمله كمدرب يتعلق بتدريب اللاعبين وتطوير مستواهم وليس استقدام لاعبين فقط، وبالنظر لمستوى لاعبي ليفربول قبل وأثناء تولي كلوب تدريب الفريق ستجد فارقًا شاسعًا. فمثلًا كوتينيو في آخر موسم لرودجرز سجل 8 أهداف بينما في أول مواسم كلوب سجل 12 وفي عدد أقل من المُباريات وسجل هذا الموسم 6 والموسم لم ينتصف بعد.
كذلك آدم لالانا الذي تحول من مجرد صفقة فاشلة ستنضم للكثير من أشباهها في ليفربول في السنوات الأخيرة للاعب يُقال أن ليفربول لا يفوز عندما يغيب لالانا عنه!
كلوب أيضًا يؤمن بنظرية «كل اللاعبين المشهورين جيدين ولكن كل اللاعبين الجيدين ليسوا مشهورين» بمعنى أنه يستطيع الحصول على موهبة أو لاعب مغمور ولكن ليس بالضرورة أن يعرفه الكل بل ويستمتع بذلك، كلوب يُريد أن يصنع انتصاره بنفسه لا بشهرة لاعبيه فمثلًا إذا تعاقد اليونايتد مع مختاريان «لاعب مشهور وجيد جدًا» سنتعاقد نحن مع ماني «لاعب أقل صيتًا ولكنه موهوب أيضًا».
عند يورجن كلوب مهما كانت إمكاناتك ستتضاعف لأنه مؤمن بأهمية التدريب في ارتفاع المستوى جدًا ويظهر ذلك جليًا مع لاعبي دورتموند سابقًا ولاعبين مثل ماني وفيرمينو حاليًا، مجرد امتلاك الحد الأدنى من الموهبة كفيل بجعلك نجمًا مع يورجن.
يورجن كلوب يرسخ قيمة عمله كمدرب وليس مجرد الاعتماد على قدرات لاعبين خارقة من أجل الفوز، يورجن يحب كرة القدم من أجلها وليس من أجل الفوز، يؤكد يورجن تصريحه السابق بتصريح آخر ويربطه بحبه لكرة القدم حيث يقول:
يورجن كلوب ليس مُجرد مُدرب يمتلك أفكارًا يحب تطبيقها داخل الملعب كتكتيك، ولكنه يمتلك حبًا وأفكارًا عامة في الحياة، فلسفة يحب أن يقود بها ليفربول ويحب أن يقدم بها كرة مختلفة تفخر بها ليفربول كما افتخرت بالبيتلز في القرن الماضي.