إخوان الأردن : من الموالاة إلى المعارضة إلى التفكك
تعاني جماعة الإخوان المسلمين في الأردن منذ اندلاع ثورات الربيع العربي من تفكك داخلي كبير، أفضى إلى تشظيها بشكل رسمي إلى عدة كيانات، إلا أن بدايات هذا الانقسام الفعلية تعود إلى جذور أعمق، ترجع إلى الاستقلال التنظيمي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» عن إخوان الأردن.
بين صقور وحمائم، ومحافظين وإصلاحيين، وتربويين وسياسيين، وبين أردنيين من أصول فلسطينية، وأردنيين من أصول شرق أردنية، ومجموعات قريبة من السلطة، ومجموعات معارضة للسلطة، تفتتت الجماعة الأم اليوم إلى أربعة كيانات تتنازع الشرعية التاريخية والقاعدة الجماهيرية الكبيرة للحركة الإسلامية في الأردن.
نشأة جماعة الإخوان في الأردن
على خلاف تجربة جماعة الإخوان المسلمين في معظم بلدان العالم العربي، تمتع الإخوان في الأردن بعلاقات طيبة مع السلطة منذ نشأتها في عام 1945، على يد الأردني عبد اللطيف أبو قورة، الذي كان على تواصل مع حسن البنا مؤسس الجماعة في مصر.
ترجع العلاقات الطيبة بين الجماعة والسلطات الأردنية إلى عهد مؤسس المملكة عبد الله بن الحسين الذي حضر بنفسه حفل تأسيس مقر الجماعة في العاصمة الأردنية عمان، ويحكي بعض الإخوان الأردنيين أن الملك عبد الله قال بعد سماعه أفكار الجماعة ومبادئها: «إذن سجلوني مع الإخوان»، وهو قول يبدو أنه كان من باب المجاملة والتشجيع ليس أكثر.
في هذا السياق، عرض الملك عبد الله بن الحسين على عبد الحكيم عابدين صهر حسن البنا، المشاركة بمقعد وزاري في الحكومة الأردنية، كما عرض على البنا أن يُمنح رتبة الباشوية.
امتدت العلاقة الحسنة مع النظام الملكي في الأردن خلال بداية عهد الملك حسين أيضًا، وإن لم تخلُ من بعض الشد والجذب، حيث انتشرت الجماعة في ذلك العهد في مختلف أرجاء الأردن، واتسع نشاطها الخيري والتعليمي والصحي بصورة كبيرة.
بدا هذا التحالف بين الإخوان والنظام الملكي في الأردن طبيعيًا، بسبب تعرض الطرفين للاستهداف الوجودي من قبل الأنظمة الجمهورية العربية التي تشكلت عبر الانقلابات العسكرية في الجوار العربي المحيط بالأردن، وتحديدًا في سوريا ومصر والعراق.
في هذا السياق، وقف الإخوان المسلمون مع الملك حسين ضد محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في 13 أبريل/نيسان عام 1957 التي قامت بها وحدات عسكرية من الجيش الأردني يعتنق قادتها فكر القومية العربية.
ساعد الأردن أيضًا في هذا الإطار في حل مشكلة الإخوان السوريين، بعد اصطدامهم مع حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي، حيث استقبل الأردن الإخوان السوريين الهاربين من بطش النظام السوري، وتعرض الأردن بسبب هذا الموقف السياسي والإنساني لضغوط عديدة من الحكومة السورية.
خلال نهاية عقد الثمانينيات ومطلع عقد التسعينيات، وعلى خلفية تحولات السياسة الإقليمية في المنطقة بعد عقد مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية أوسلو، وبدء التحضير لتوقيع معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية المعروفة بـ «اتفاقية وادي عربة»، دخلت العلاقة بين الإخوان والسلطات الأردنية منعطفًا جديدًا، تغيرت معه نظرة السلطة إلى الجماعة، وكذلك نظرة الجماعة إلى السلطة.
شكلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في العام 1992 حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي أصبح أكبر الأحزاب المعارضة في البلاد، وأكثرها عددًا وتأثيرًا، وصاحب أحد أهم الكتل النيابية في البرلمان الأردني خلال الانتخابات التشريعية المتتالية هناك منذ ذلك التاريخ.
العلاقة مع حركة حماس
على إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 1987، انبثقت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» من رحم تنظيم الإخوان المسلمين الأردني، وأصبح لها مكتب في عمان.
بين عامي 2001 و2008، تكرس الانفصال بين تنظيم الإخوان الأردني وتنظيم الإخوان الفلسطيني بشكل كامل، وأصبحت حماس تنظيمًا قطريًا يتبع مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في مصر مباشرة، وليس عبر الفرع الأردني.
نظرًا لطبيعة المجتمع الأردني الذي تتجاوز فيه نسبة الأردنيين من أصل فلسطيني 60% من السكان، أدى انفصال حركة حماس عن تنظيم الإخوان في الأردن، إلى إحداث تأثيرات عميقة في الحركة الإسلامية في الأردن، نتج عنها تغيير في القيادات وعلى رأسهم المراقب العام سالم الفلاحات في عام 2008، وأدى إلى حدوث انقسام بين الأردنيين من أصل فلسطيني، والأردنيين الآخرين في التنظيم، بناءً على الموقف مع أو ضد، من حركة حماس من جهة، ومن أجهزة الدولة الأردنية من جهة أخرى.
جاءت القيادة الجديدة لتنظيم الإخوان الأردني في هذا السياق، في منصب المراقب العام والأمين العام، من أصول فلسطينية، وهو ما انعكس في قرب هؤلاء من حركة حماس، الأمر الذي أدى إلى حدوث خلافات بين الإخوان من أصول شرق أردنية والأردنيين الفلسطينيين، وترتب عليه حدوث انشقاق ملموس في جسد الجماعة بين فريقين رئيسين.
تطلق مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام المهتمة بالحركة الإسلامية في الأردن على هذين الفريقين، تياري الحمائم والصقور. من أبرز المنتمين إلى تيار الصقور في هذا الإطار : د.همام سعيد المراقب العام لإخوان الأردن بعد الفلاحات، وزكي بني ارشيد الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي، ومحمد أبو فارس القيادي التاريخي الراحل، والمهندس مراد عضايلة الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي.
أما بالنسبة إلى تيار الحمائم، فمن أبرز المنتمين له السياسي والمفكر الأردني رحيل غرايبة، والمراقب العام السابق لإخوان الأردن سالم الفلاحات، والقيادي الإسلامي التاريخي الراحل إسحق الفرحان، وعبد اللطيف عربيات رئيس مجلس النواب الأردني بين عامي 1990 و1993.
الانقسام الداخلي
بجانب انعكاس الموقف من حركة حماس على تماسك تنظيم الإخوان الأردني الداخلي، ساهمت العديد من العوامل المختلفة الأخرى على رأسها اندلاع ثورات الربيع العربي، والموقف الإقليمي الراهن المناوئ لجماعة الإخوان المسلمين الذي تتبناه مصر وعدد من دول الخليج، وتدخلات الأجهزة الأمنية الأردنية في الشأن الداخلي للجماعة، في تعرض الجسد التنظيمي لإخوان الأردن إلى تصدعات كبيرة.
كانت أولى الشروخ التي قادت إلى انقسام الجماعة في هذا السياق، هي المبادرة الأردنية للبناء «زمزم»، التي أطلقتها رموز محسوبة على تيار الحمائم في عام 2013، على رأسهم رحيل غرايبة. المبادرة التي تحولت لمشروع حزب سياسي، تم تدشينه رسميًا في عام 2016، وخصد خمسة مقاعد في المجلس التشريعي الأردني.
نتيجة لهذه الانقسامات في جسد الجماعة، خرجت مجموعة من القيادات التي ينتمي معظمها إلى الرعيل الأول بمشروع إصلاح داخلي للملمة الشمل، تحت عنوان «مبادرة الشراكة والإنقاذ»، سمي أصحابه بـ«مجموعة الحكماء»، إلا أنه سرعان ما تحولت تلك المبادرة وتلك المجموعة إلى كيان مستقل بحد ذاته، أدى إلى انقسام جديد آخر، وإلى نواة لحزب سياسي جديد تحت اسم «الشراكة والإنقاذ»
في يناير/كانون الثاني 2015، بعد لقاء بين الملك الأردني عبد الله ثاني وعبد المجيد ذنيبات المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أعرب فيه الملك للذنيبات عن مخاوفه من طرح ملف الإخوان المسلمين في مؤتمر القمة العربية، وعن نوايا بعض الزعماء العرب تجاه اعتبارها «جماعة إرهابية»، طلب الملك رفع الحرج عنه في هذا الشأن، من خلال تغيير وضع الجماعة القانوني، وتغيير نظامها الأساسي الذي ينص على تبعيتها لمكتب الإرشاد في مصر.
بعد اللقاء، اجتمع الذنيبات مع مجموعة من القيادات الإخوانية الأردنية، واتفقوا على التقدم للسلطات الأردنية بطلب تسجيل جمعية جديدة، تحت اسم «جمعية جماعة الإخوان المسلمين». أدى التشابه بين اسم الجمعية الجديدة والجمعية القديمة إلى سحب الرخصة من الجمعية الأم، ومكن الجمعية الجديدة من السيطرة على بعض المقرات والأصول المالية من الجمعية القديمة.
لم تسحب السلطات الأردنية بساط الشرعية من تحت جماعة الإخوان التاريخية في الأردن كليًا، إذ أبقت رخصة حزب جبهة العمل الإسلامي، ليصبح الإطار السياسي والقانوني الوحيد لتمثيل الجماعة في الأردن، وقناة الاتصال المستمرة من تحت الطاولة بين المملكة الهاشمية وحركة «حماس».