جويل ماتيب: كيف تتحول من أضحوكة إلى لاعب كلوب المفضل؟
الدقيقة الآن الخامسة عشر، وليفربول يتقدم على برشلونة 1/0. تصل هجمة البلوجرانا لمنطقة جزاء الريدز، ويقرر جوردي ألبا أن يترك لميسي تقرير مصيرها. يستقبل الملك الكرة، يعلو صوت حفيظ دراجي، ويستعد الكتلان للاحتفال بوأد ثورة الإنجليز.
أين فان ديك؟ إنه هناك منشغل برقابة سواريز، لذا كل آمال جمهور ليفربول تتعلق على أليسون بيكر. يقرر ليو أن يؤرجح الكرة نحو اليسار ليكون في وضعية أفضل قبل أن يطلق تسديدته. لحظة واحدة .. ميسي لن يسدد! لأن أحدهم استخلص الكرة بخفة وذكاء، وقد تحولت في لمح البصر لهجمة مرتدة لليفربول!
هل كان ذلك فابينيو؟ لا ليس هو. لعله ميلنر؟ إنه على دكة البدلاء وليس في الملعب. ربما هيندرسون؟ لا يمتلك سرعة البديهة الكافية لعرقلة ميسي. إذن من هو؟ إنه ماتيب. نعم جويل ماتيب، ذلك المدافع الذي بدأ الموسم على دكة البدلاء، ورأى فيه الكل نقطة الضعف بتشكيلة يورجن كلوب، ها هو ينجح في عرقلة أفضل لاعبي العالم.
بالطبع لا يمكن الحكم على أداء لاعب من خلال لقطة واحدة، لكنها على الأقل أشارت لهذا التحول الإيجابي الملحوظ في مستوى ماتيب. ذلك التحول الذي تكشفه الأرقام والإحصائيات تكلل بنجاح جويل في عودته للتشكيل الأساسي، مع سيل من تصريحات الإشادة لكلوب على مستوى لاعبه، كان آخرها وصف ماتيب بأحد أفضل الصفقات التي أبرمها الألماني في مسيرته.
روبن هود
في مواسم كلوب الأولى مع ليفربول، شبهه أحدهم بروبن هود؛ لأنه يسلب النقاط من الأغنياء، أي يفوز على فرق مقدمة الجدول، ويمنحها كهدية للفقراء، أي يخسر ممن هم في القاع. كانت تلك نكتة ظريفة، لكنها بالنسبة لجمهور الريدز لم تكن سوى واقع مرير.
كلما واجه يورجن أحد أندية القمة، كان يتنازل عن الاستحواذ، ويعتمد على التحولات الهجومية القاتلة، فيفوز. أما عند مواجهة الآخرين، فكان خياره الوحيد هو محاصرة تكتلاتهم حول المرمى، وبالتالي يترك في وسط ملعبه مساحات شاسعة، لم يتمكن أبدًا الثنائي: ديان لوفرين، وجويل ماتيب من السيطرة عليها.
تقول الأرقام إن مرمى سيمون مينيوليه استقبل 42 هدفًا بموسم 2016/2017، بعضها من هجمات مرتدة، وبعضها الآخر من كرات ثابتة، وربما أيضًا من ركنيات، وكلها جاء نتيجة أخطاء دفاعية وسوء تقدير سواء من الحارس البلجيكي أو من محوري الدفاع. أكثر من ذلك تجده حين تتأمل إحصائيات لوفرين وماتيب، إذ خسر هذا الثنائي ما يقارب من 38% من تدخلاته الأرضية والهوائية، وتلك نسبة لن تصنع فريقًا بطلًا على أي حال.
مثلث برمودا
لذلك مع دخول صيف 2017، تساءلت جماهير الريدز عن اسم المدافع الذي سيضع حدًا لذلك الكابوس الدفاعي. بالفعل حدد كلوب اسم: فيرجيل فان ديك، لكن الصفقة تعثرت. وبدلًا من التعاقد مع لاعب آخر قبل بدء الموسم الجديد، قرر الألماني إبقاء الوضع على ما هو عليه معاقبًا نفسه وجماهيره بستة أشهر كاملة من الرعب.
منذ أغسطس/آب وحتى يناير/كانون الثاني 2017، بدأ عرض من الكوميديا السوداء في خط الظهر. كانت منطقة جزاء الفريق أشبه بمثلث برمودا، بحيث لا تعرف تحديدًا ماذا يدور لكنك متأكد أن هناك كارثة ستقع في أي لحظة. سخر ذات مرة صديقي قائلًا إن الضربات الثابتة تبدو أكثر خطورة على الريدز من ضربات الجزاء، وذلك لأن دفاع الفريق يشتت الكرات لداخل مناطق الخطورة بدلًا من خارجها.
هكذا فقد ليفربول نقاطًا بغرابة شديدة، وكان معرضًا باستمرار للخسارة حتى وهو متقدم بنتيجة 2/0 أو 3/1، كما حدث أمام أرسنال أو السيتي. وقد أدى ذلك لاهتزاز شباكهم 28 مرة خلال 23 مباراة بالدوري، أي بمعدل يفوق استقبال 1.2 هدفًا/المباراة، وهو ما دفع المحلل ماثيو ابسون لوصف تلك الحالة المزرية بشيء من القسوة حين سُئل عن دفاع ليفربول، فكان رده: أي دفاع؟ هناك رجلان نائمان أمام مرمى ليفربول اسمهما لوفرين وماتيب. صار الثنائي أضحوكة.
الرجل الرابع
لكل هذا، لم يكن هناك هدية لعيد الميلاد أفضل لجماهير النادي من إعلان التعاقد مع فان ديك في يناير 2018، إذ كان يُنظر له كقائد جديد للمنظومة الدفاعية سيعمل على معالجة مشاكلها، وقد أثبتت الأيام أن فيرجيل كان الرجل الأنسب لتلك المهام.
السؤال الآن كان من يشارك الهولندي في محور الدفاع؟ هناك ثلاثة خيارات: ماتيب، لوفرين، وجو جوميز. وقد ساهمت الإصابات القوية التي تعرض لها الأول والأخير في حصول لوفرين على نصيب الأسد من المشاركات بالنصف الثاني من موسم 2017/2018، لكنها لم تمنع ماتيب من المشاركة في 11 مباراة بمختلف المسابقات.
استمرت أخطاء جويل في الظهور حتى ولو بصورة أقل، هو مدافع طويل وسريع ويجيد التمرير، لكنه يعاني من عيبين أساسيين: الأول هو الرقابة والتمركز، إذ لم يبدُ صعبًا على الخصوم الإفلات منه، والاستلام في مساحات خطيرة. ماتيب أيضًا لا يعرف الكثير عما يدور في المساحة خلف ظهره، وهذا يمنح الفرصة للخصم المندفع أن يهدد مرمى ليفربول فيما هو منشغل بالمهاجم الذي يستدرجه خارج مناطقه.
أما الثاني فهي الكرات الثنائية التي يخسرها، والحقيقة أن المشكلة ليست في النسبة أو الكم، بل هي في نوعية الكرات التي يخسرها. جويل لاعب مندفع، يخرج أحيانًا لوسط الملعب محاولًا الفوز بكرة هوائية أو عرقلة هجمة مرتدة، وهنا عليه ألا يخطئ التقدير لأنه إذا فعل سيعرض فريقه لخطورة كبيرة، لكنه كثيرًا ما فعل.
انتهى الموسم، وقدم لوفرين أداءً جيدًا بمونديال روسيا، ليقرر كلوب قبل بدء موسم 2018/2019 إعادة ترتيب المدافعين ليكون خياره الأول بجانب فيرجيل هو جوميز، ثم لوفرين، وأخيرًا ماتيب. على هذا الأساس، كانت المشاركات الثلاثة الأولى لجويل هي كبديل في الدقيقة 89 بهدف استنزاف الوقت وزيادة الكثافة الدفاعية، تذكر جيدًا أن ذلك كان دور ماتيب في لحظة ما.
275 دقيقة
275 دقيقة تساوي تقريبًا ثلاث مباريات، وكان هذا هو مجموع الدقائق التي حصل عليها ماتيب من كلوب خلال 4 شهور كاملة، ليس في الدوري فقط ولكن في كل البطولات. وخلال ذلك الوقت الطويل، لم نسمع تصريحًا واحدًا عن رغبته في اللعب، أو نقرأ خبرًا يفيد تمرده على يورجن. كان فعلًا كما قال ينتظر الفرصة ويعمل بجدية.
والفرصة جاءت في ديسمبر 2018، حين تعرض جوميز لإصابة قوية وعانى لوفرين من الإرهاق، فأصبح ماتيب هو الخيار الوحيد. كان جوميز قد شكل شراكة قوية مع فيرجيل، لذا حين دخل جويل مكانه، ظنت جماهير ليفربول أن تراجعًا ما قد أصاب الفريق، لكن المدافع الكاميروني أثبت العكس.
فبعد بضع مباريات، بدأ الكل يلاحظ تحسنًا في مكامن ضعف ماتيب. لقد أصبح أفضل على الصعيد التكتيكي، ويعرف متى يندفع ومتى يتراجع. وبات أيضًا أشرس في التدخلات واستخلاص الكرة، حتى أنها تعد الآن إحدى مميزاته. وبحلول شهري مارس وإبريل، كان الكل قد نسي حقيقة أن ماتيب جاء من بعيد كبديل، لأنه أدى بصورة أفضل من جوميز ولوفرين. كيف؟ دعنا نشرح الأمر بالإحصائيات.
فان ديك وحده، أم فان ديك وماتيب؟
تقول الإحصائيات إنه بنهاية موسم 2018/2019، كان معدل العرقلات الناجحة التي ينفذها جويل قد جاوز 2.2 عرقلة/المباراة، بينما جوميز امتلك 1.5 عرقلة/المباراة، وأخيرًا لوفرين 1.3 عرقلة/المباراة فقط.
ماتيب يأتي أولًا حين نتأمل معدل استخلاص الكرة أيضًا، إذ حقق 1.8 استخلاص/المباراة، بالنسبة لجوميز ففي جعبته 1.2 استخلاص/المباراة، وأما لوفرين فبالكاد وصل لـ 0.8 استخلاص/المباراة. وأخيرًا على مستوى التدخلات الهوائية الناجحة، فقد ضمن طول المدافع الكاميروني له الحصول على 4 كرات خلال المباراة الواحدة.
أزيدك من الشعر بيتًا حين تعرف ما نشره موقع Squawka الإحصائي، لتكتشف أن ماتيب هو أكثر من قام باستخلاص الكرة منذ بداية الموسم الماضي وحتى الآن بين كل أقرانه، بمن فيهم فان ديك نفسه، كما أنه يحل ثالثًا في قائمة لاعبي ليفربول أصحاب التمريرات الصحيحة، متفوقًا على فان ديك نفسه.
طبعًا لا يعني ذلك مقارنة جويل بمدافع استثنائي مثل فيرجيل، إنما يعني أن تلك الصلابة الدفاعية التي تحلى بها ليفربول خلال الشهور الماضية لم يتسبب فيها الهولندي وحده، إنما يشاركه أيضًا مدافع آخر يحرز تطورًا واضحًا في أدائه، لكنه لم ينل التقدير الجماهيري والإعلامي الكافي رغم أنه عاد من أبعد نقطة ممكنة ليثبت جدارة كبيرة.
كان ماتيب بحاجة لمدافع أفضل يقوم بتوجيه حركته داخل الملعب، ويمنحه الثقة حين يتخذ القرارات، وهذه وجدها فقط في فان ديك، فتفوق الكاميروني على نفسه وبات جزءًا هامًا ضمن أقوى ثنائية دفاعية في إنجلترا، مقدمًا تجربة ملهمة بحق، أشاد بها كلوب ودعا الآخرين للتعلم منها.
ولا أجد أفضل ما أنهي به المقال سوى أن أدعوك لمشاهدة هذا الفيديو الذي يستعرض لقطات من مباراة الريدز مع تشيلسي، حيث قدم الثنائي الدفاعي الرائع أفضل مباراة له هذا الموسم حتى كتابة تلك السطور.