خافيير بارديم: الخيط الرفيع بين النجومية والموهبة
عادة ما تكون هناك علاقة بين مستوى الجمال وبين مستوى الإجادة، في الغالب تكون علاقة عكسية، كلما زاد مستوى جمال المرء كلما قلت نسبة إجادته للشيء المقرر له إنجازه خاصة إذا كان هذا الشيء له علاقة بالفن.
الاعتماد على الجمال والمواصفات الشكلية صفة إنسانية طبيعية جدًا، وتسهل الكثير من الأمور، بالطبع تلك نظرية لا توجد في أي كتاب فيزياء، ولم يسجلها أحد باسمه، هي فقط نظرية مشهورة يمكنك بسهولة أن تتأكد منها إذا ما فتحت التليفزيون، أو ذهبت للسينما، أو حتى تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي.
أما «خافيير بارديم» فوسيم جدًا، رياضي، صوته عميق، أنيق، تتوفر فيه كل الصفات الشكلية المتعارف عليها للوسامة، الغريب في الأمر أنه بارع جدًا! كل أفلامه تقريبًا تحظى باستحسان النقاد والجمهور، يحصد الجوائز العالمية بسهولة، الأغرب أنه دائمًا يتخلى عن تلك الوسامة في سبيل أداء أدواره، غالبًا ما يؤدي شخصياته بمكياج يغير شكله ويمحو وسامته، ورغم ذلك يظل الأفضل.
الإسباني الذي يعرفه العالم
ممثل إسباني يبلغ من العمر 49 عامًا، ينتمي لعائلة إسبانية فنية، أبوه رجل أعمال وأمه ممثلة، درس الفنون اليدوية وبدأ حياته رسامًا، اتجه للتمثيل كي يحصل على المال اللازم الذي يمكنه من استكمال مشاريعه في الرسم، وسرعان ما عرف أن موهبته في الرسم لن تساعده في توصيل ما يريد إخراجه للعالم، هو متذوق جيد للرسم ولكنه ليس رسامًا بالفطرة، فتخلى عن مستقبله الفني كرسام وبدأ في احتراف التمثيل.
منذ انطلاقته الأولى في السينما الإسبانية في فيلم «The Ages of Loulou» جذب الأنظار إليه، فكانت خطوته الثانية هي الفيلم الإسباني «Jamon Jamon»، والذي جعله وجهًا معروفًا ليس في إسبانيا فقط، بل لفت نظر السينمائيين في هوليوود.
يقول بارديم إنه تعلم الإنجليزية عن طريق الاستماع للأغاني وقراءة كلماتها مستعينًا بالقاموس، ولكن لم يكن هذا كافيًا ليتحدث بطلاقة، ساعدته دروس اللغة الإنجليزية التي التحق بها في إتقان اللغة، ليستطيع الانطلاق في السينما العالمية.
منذ انطلاقه في السينما الإسبانية وهو يحظى باستحسان الجمهور والنقاد على حد سواء. بدأ بارديم في ضمان اسمه كممثل ذي أهمية كبيرة وعالمية منذ عام 2004 عندما لفت نظر العالم بأدائه شخصية رامون سامبيدرو في الفيلم الإسباني «Mar Adentra» والذي عرف عالميًا باسم «The Sea Inside»، ثم النجاح الأعظم وحصده لجائزة الأوسكار عن فيلم الأخوين كوين «No Country For Old Men»، ثم العمل مع أحد أهم المخرجين العالميين «وودي آلن» في فيلم «Vicky, Christina, Barcelona»، ثم جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان عن فيلمه الإسباني «Beautiful».
الوسامة وحدها لا تكفي
كل هذا جميل وملهم، ولكن يمكنك معرفته بعدة ضغطات على لوحة مفاتيحك وتصفح جوجل الذي يعرف كل شيء، ولكننا نتحدث عنه اليوم لا لنجمع المعلومات التي يمكنك إيجادها بسهولة، ولكن لأن هذا الرجل فعلاً مختلف، منذ انطلاقته الكبيرة في 2004 في دور سامبيدرو، وهو يثبت في كل مرة أنه ليس عاديًا.
بين الممثلين الإسبان خافيير بارديم هو أشهرهم على الإطلاق، وواحد من أهم الممثلين في العالم، ليس لأنه موهوب فقط، ولكن لأنه جريء جدًا. كان من الممكن أن يحقق بارديم نجاحًا كبيرًا بموهبته الكبيرة إلى جانب وسامته الفائقة، ولكنه يثبت في كل فيلم مهم له أن الوسامة ليست طريقه للنجاح، وأن موهبته لا تحتاج عوامل مساعدة لتضعه على القمة.
في فيلم «The Sea Inside»، يؤدي بارديم دور عجوز أصلع مشلول شللاً كاملاً، فيلفت أنظار العالم كله، هو بشكل حرفي لم يستخدم أي إمكانيات يملكها سوى موهبته، يمثل بعينيه وصوته وخلجات وجهه، فيحصد الإعجاب الحقيقي. يتخلى مرة أخرى عن شكله في فيلم «Love In The Time Of Colera»، ويؤدي دور عاشق قبيح يمنعه قبحه من حصوله على الحب الذي يستحقه، فيذوب المشاهدون عشقًا في فلورينتينو آريثا العاشق سيئ الحظ الذي لعب دوره بارديم.
يلعب دور شرير جامد الملامح ذي شعر مسترسل غريب المنظر، متجهم وغريب الأطوار في فيلم «No Country For Old Men» فيحصل على أوسكار، يصبغ شعره أبيض باهتًا ويغير لون بشرته ويرتدي بذلة بيضاء ليصبح مظهره منفرًا ويلعب دور شرير في «Skyfall» فيصبح الفيلم أحد أكثر أجزاء سلسلة جيمس بوند شهرة ونجاحًا.
حتى الآن، نحن في انتظار بابلو إسكوبار، خشن الشعر متجهم الملامح ذي الشارب الكبير، والذي يلعب دوره بارديم في فيلمه الجديد Loving Pablo، مرة أخرى يتخلى عن وسامته من أجل الشخصية التي في كل مرة يفعلها، يلفت أنظار العالم نحو لهب الموهبة الحقيقية التي تلفح دون أن تساعدها الملامح الجذابة.
لماذا خافيير بارديم؟
في مشهد من فيلم «Goya’s Ghosts» لخافيير بارديم وناتالي بورتمان، يقدم القس المارق للمحاكمة وينفذ به حكم الإعدام على رؤوس الأشهاد، القس المارق هو بارديم، والمشهد من أصعب وأقسى المشاهد التي يمكنك أن تشاهدها على الإطلاق>
في هذا المشهد يمكنك أن تعرف بسهولة لماذا تمكن بارديم من أن يكون أحد أهم ممثلي جيله، ورغم أنه أدى الكثير من المشاهد المتقنة، ورغم أنه لم يحصل على جوائز عن هذا الفيلم، إلا أن أداءه وهو مساق للإعدام كان مرعبًا. هذا رجل يجيد التمثيل، حرفة التمثيل التي ينفصل بسببها الممثل تمامًا عن شخصه الحقيقي ليقدم الشخصية المطلوبة منه، والتي لا يجيدها كثيرون ممن يظهرون على الشاشة.
يقول خافيير بارديم إنه يجب على الشخصيات التي يقدمها أن تختلف تمامًا عن شخصيته وإلا سوف يكون الأمر مملاً، ولذلك بالتحديد أنت لا يمكن أن تشعر بالملل عند مشاهدة بارديم، في كل مرة يقدم شخصًا جديدًا بأداء مختلف وملامح خاصة، كيف يمكن أن تشعر بالملل إذن؟ الفن الحقيقي هو أن يمس روحك قبس مما تراه أمامك، وهذا الرجل يعرف كيف يفعل ذلك.