استعدادا للعهد «الترامبي»: اليابان تُذخّر أسلحتها
ما كان مستبعدًا بالأمس أصبح اليوم واقعًا. نعم، دونالد ترامب هو الذي أربك الجميع، ومنهم اليابان؛ فارضًا عليها الآن ضرورة التعجيل بتغيير عقيدتها العسكرية، التي كانت قد بدأتها بالفعل استعدادًا لمثل هذا التحول. ليس فقط لمواجهة الانسلاخ الأمريكي (الترامبي) ولكن لأنه كان واضحًا منذ زمن تراجع الالتزام الأمريكي بحماية الحلفاء.
اليابان وفقًا للمتغيرات الأخيرة
كان واضحًا من تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية أنه سيتجه إلى الانعزالية، متخليًا عن الحلفاء، أو على الأقل سينزل بسقف الالتزام لحده الأدنى. من بين هؤلاء الحلفاء «اليابان»، التي ترتبط مع بلاده بمعاهدات وتحالفات عسكرية. فدعا في تصريح سابق له اليابان للتسلح بأسلحة نووية للدفاع عن نفسها، وألمح إلى وضع حد للتحالف بين البلدين.
وعلى الرغم من ترحيب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بفوز ترامب إلا أن هناك تخوفًا شديدًا مما سيقدم عليه الثاني، فطوكيو تُعتبر واحدة من المتضررين بفوز ترامب، وبالفعل أبدى آبي مخاوف كبيرة فيما يتعلق بمستقبل التحالف الأمني والعلاقات التجارية مع واشنطن، ولهذا كان أول زعيم يلتقي ترامب بعد إعلان فوزه بالانتخابات في برجه الشهير بـ «منهاتن»، وخرج ليؤكد ثقته في الرئيس الجديد دونالد ترامب.
اليابان لا تحارب بأمر الدستور
بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية ووقوعها تحت الاحتلال الأمريكي، وضعت واشنطن دستورًا لها، قيّد من إمكاناتها العسكرية، خوفًا من أن تعيد بناء قوتها الحربية مرة أخرى ما يؤدي إلى اندلاع حروب جديدة. ولهذا وضعت أمريكا المادة التاسعة في الدستور الياباني تنص على تخلي الشعب عن الحرب كحق سيادي للأمة، وعدم الاعتراف بحق الدولة في إعلان حالة الحرب.
وعندما أنهت واشنطن احتلالها في 1952، اعتمدت اليابان على الولايات المتحدة ثم اللجوء للمؤسسات الدولية لتأمين الحماية. لكن التغير في توجهات اليابان العسكرية بدأ يزيد منذ تولي «شينزو آبي»، (الحزب الديمقراطي) رئاسة الوزراء في 2012. ويمكن القول أنه بدأ في هذا التوجه منذ عام 2006 حينما كان في ذات المنصب ولكنه استقال في سبتمبر/أيلول 2007، ثم عاد مرة أخرى لإحياء ما حلم به من عودة بلاده قوة عسكرية من جديد.
محاولات «آبي» للقفز على التاريخ
تبنى «شينزو آبي» خلال ولايته الأولى في 2006، قوانين غير متوافقة إلى حد كبير مع الدستور، تسمح بدور أكبر للتعاون الأمني مع شركاء أجانب. وراجع الحظر المفروض على إرسال قواته للخارج، إضافة لاقتراح إنشاء مجلس أمن وطني، لكن مع فوز الحزب الديمقراطي المنتمي إليه «آبي» عام 2009، أوقف رئيس الوزراء وقتها «يوكيو هاتوياما» إستراتيجيات «آبي» وكذلك التالي «يوشيهيكو نودا».
ومع عودة «آبي» لرئاسة الوزراء في 2012 أحيا خططه العسكرية القديمة، ويعمل الآن على تعديل المادة التاسعة من دستور البلاد. فقد فاز حزبه بأغلبية الثلثين مجلس المستشارين في يوليو/تموز 2016، خلافًا لسيطرته على مجلس النواب.
ولكن تعديل الدستور يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الغرفتين التشريعيتين، ثم طرح التعديل لاستفتاء شعبي. ولهذا يبحث آبي عما يبرر توجهاته سواء في الداخل أو الخارج.
وتمنح المتغيرات الدولية الآنية دفعة قوية لهذه الجهود، فوز ترامب، الذي أعلنها صراحة بضرورة مراجعة تحالف بلاده مع اليابان. تهديدات كوريا الشمالية والصين المتزايدة، كل هذا من شأنه أن يصب في جُعبة آبي.
قبل فوز ترامب المفاجئ استطاع «آبي» أيضا تحقيق جزء كبير من طموحاته في تعزيز وتطوير قدرات اليابان العسكرية، ففي 2013 وافق البرلمان على إنشاء مجلس الأمن القومي، وفي 2014 وافق على توسيع أنواع الأسلحة المستوردة، والسماح للحكومة أن تتعاون مع الولايات المتحدة وآخرين فيما يتعلق بالعمليات الدفاعية.
وإلى جانب القوانين التي سعت حكومة «آبي» لتغييرها، عملت على زيادة الميزانية العسكرية، وأقر البرلمان زيادتها بنسبة 1.5% عام 2016، وبهذا بلغ الإنفاق العسكري الياباني سنويًا 42.4 مليار دولار. إضافة لمساعيه في تعزيز القوات بمعدات ذات طبيعة هجومية مثل رغبته في شراء حوالي 40 طائرة «إف 35» الأمريكية.
وبخلاف الإجراءات السابقة لتحديث الجيش، سعت حكومة «آبي» لتعزيز الأدوات الدبلوماسية كمدخل لعلاقات عسكرية أوسع. من خلال تعزيز الشراكة مع دول عدة مثل الهند وأستراليا، التي وقع معها اتفاقًا لتحسين تبادل المعلومات والتكنولوجيا الدفاعية. بجانب تعزيز حضورها في منطقة جنوب شرق آسيا. فمثلا وقع في أكتوبر/تشرين الأول 2015، معاهدة الشراكة مع دول المحيط الهادي لتعزيز الحضور السياسي لبلاده في المحافل والتكتلات الدولية.
اليابان تخيف هؤلاء
رغم تباين ردود الأفعال حول التغيرات العسكرية في اليابان، هناك تخوف كبير من أن تتحول اليابان لقوة عسكرية تثير الاضطرابات من جديد، وأبرز متبنٍ هذه الرؤية هم:
الولايات المتحدة
وجدت واشنطن خلال إدارة أوباما نفسها مضطرة للسماح لليابان بتطوير قدراتها العسكرية لمواجهة طموحات روسيا والصين وكوريا الشمالية، وسيعزز ترامب من هذا التوجه، فهو الذي يريد فض عرى التحالف مع اليابان. غير أن واشنطن كان لديها نزاعات عدة مع موسكو وبكين، وهو ما ساهم في تبنيها رؤية الاعتماد على حلفاء إقليمين، لذا سمحت لليابان بتطوير قوات وأدوات عسكرية ذات طبيعة هجومية. وفي أبريل/نيسان 2015 اتفق البلدان على مجموعة منقحة من المبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
الصين
تتخوف من عودة القوة العسكرية لليابان. في سبتمبر/أيلول 2015 انتقدت موافقة البرلمان الياباني على تعديل بعض القوانين الأمنية، واعتبرته متقاطعًا مع التوجهات العالمية من دعم للسلام والتعاون، بل واعتبرت أن عقلية الحرب الباردة تسود اليابان الآن.
كوريا الجنوبية
ردت على التعديلات التي أجراها البرلمان الياباني في 2015 بأنها لن تتسامح بشأن ممارسة اليابان لحق الدفاع الجماعي عن النفس في شبه الجزيرة الكورية دون طلب أو موافقة سيول.
كوريا الشمالية
أكدت أن اتخاذ اليابان القانون حجةً لتوسيع صلاحيات قواتها للدفاع الذاتي، يشكل خطرًا أمام السلام والاستقرار وهذا يفتح الطريق أمام طوكيو لتتدخل في دول أخرى.
روسيا
عملت وزارة الدفاع الروسية على تنفيذ خطة لمعاودة نشر أسلحة في جزر «كوريل»، الواقعة في الشرق الأقصى شمالي اليابان، وقد طالبت بها طوكيو منذ ضمها من قبل الاتحاد السوفيتي عام 1945. وهذا التحرك الروسي جاء تحسبًا لخطوات عسكرية كبيرة قد تقدم عليها اليابان.
هل تقود اليابان حربًا جديدة؟
مع تمكن حكومة «آبي» من السلطة وزيادة شعبيتها بجانب إبداء إمبراطور اليابان «أكيهيتو» في 14 يوليو/تموز 2016 رغبته في التخلي عن العرش خلال الأعوام القليلة المقبلة. الذي من شأنه إبعاد النظام الإمبراطوري عن الارتباط بالقومية العدوانية للحرب العالمية الثانية. إضافة للمتغيرات الدولية والإقليمية، فإن الأمور تتجه لتعزيز القدرات العسكرية لليابان التي رأت أن هذا رد فعل طبيعي على عدوانية دول الجوار وتنامي الإرهاب.
ومن المرجح أن تساهم الإدارة الأمريكية الجديدة في إزكاء هذه التوترات، فتَخلي واشنطن عن حلفائها سيدفعهم إلى تغيير عقيدتهم العسكرية وعقد المزيد من التحالفات، لمواجهة استغلال بعض القوى الدولية والإقليمية للسياسة الأمريكية المنتظرة مثل الصين وكوريا الشمالية.
وستؤدي التحركات اليابانية إلى المزيد من عسكرة المنطقة، بجانب تجارب كوريا الشمالية الصاروخية، وكذلك تعزيز الصين لقدراتها العسكرية. وهذا يوحي بعسكرة آسيا مرة أخرى وزيادة سباق التسلح ما يهدد بنشوب نزاعات وتوترات من الصعب التغلب عليها مستقبلًا، وإن كانت ستكون محدودة على المدى القصير، لنتحول إلى مرحلة جديدة من الحروب، وهذا ما تعمل العديد من القوى الدولية والإقليمية استعدادًا له.