يان أوبلاك: لماذا يصر سيميوني على وصفه بـ «ميسي الحراس»؟
مرحبًا، كيف تسير الأمور معك خلال الحجر الصحي؟ نعلم أنك تعاني من ملل شديد، نحن أيضًا كذلك، لذلك دعنا نستعيد سويًا ذاكرة واحدة من آخر المباريات التي شاهدناها قبل توقف نشاط كرة القدم، تلك التي جمعت أتلتيكو مدريد وليفربول على ملعب الأخير.
خسر ليفربول، لكن بصراحة لا نستطيع أن نلوم مدربه، ولا حتى لاعبيه، باستثناء حارس المرمى أدريان. المدرب يورجن كلوب صنع تسعة وعشرين هجمة منظمة من لعب مفتوح open play، واللاعبون أطلقوا 21 تسديدة من داخل منطقة جزاء الأتليتي، وإجمالي 11 تصويبة على المرمى مباشرة on target، لكن لسبب ما لم يسجلوا سوى هدفين خلال 120 دقيقة كاملة.
هذا السبب، الذي أطلقت عليه شبكة BT sport اسم «السبب السلوفيني»، لم يكن سوى: يان أوبلاك. إذ تصدى لتسع تسديدات على مرماه، ليضمن بذلك لكتيبة سيميوني العبور منتصرين من الأنفيلد. المدرب الأرجنتيني لم ينتظر كثيرًا، وخرج ليصفه بعد التأهل بـ«ميسي حراس المرمى». وصف غريب، لكنه معبر جدًا.
46 كيلومتر يوميًا
الشيء الذي يفوق وصف «ميسي حراس المرمى» غرابة، هو اكتشاف كيف بدأ «ميسي حراس المرمى» مسيرته. في موسم 2009/2010، كان يان أوبلاك لا يزال في السادسة عشر من عمره، وقد نال فرصة التصعيد من أكاديمية نادي أولمبيا ليوبليانا للتدريب مع الفريق الأول. من الوهلة الأولى أُعجِب المدرب بهدوء وجدية ونضج الناشئ الصغير.
لذلك كان ينتوي أن يمنحه الفرصة، لكنه لم يخطط أن تأتي بتلك السرعة. فبعد خلاف نشب بينه وبين حارس المرمى الأول، قرر المدرب إشراك أوبلاك الذي كان يتلمس خطواته الأولى بدلًا منه. المفاجأة أن الصغير تجاوز كل توقعات مدربه كما يؤكد الأخير بنفسه لصحيفة الآس الإسبانية.
المذهل كان في مدى جدية أوبلاك، إذ كان يتدرب بجنون وتركيز لم يعهده المدرب في ناشئ مثله، أكثر من ذلك هو رغبته في العمل بصمت ودون استعراض، لدرجة أن المدرب اكتشف بالصدفة أنه يقود دراجته ذهابًا للتدريب وإيابًا منه قاطعًا مسافة 46 كيلومترًا يوميًا، لماذا؟ لأنه ببساطة لا يكتفي بتدريبات ناديه.
أراهن بمالي ومزرعتي
في مباراته الثالثة كحارس أساسي، كان صاحب الستة عشر عامًا يواجه ماريبور: بطل سلوفينيا. تألق يان لدرجة أنه كان أفضل لاعبي فريقه، وهنا تأكد المدرب أنه سيغادر لا محالة نحو دوري أقوى. بعد مباراته الرابعة والثلاثين، وصل العرض الأول من إمبولي الإيطالي، لكنه كان حينها في طريقه نحو إنجلترا لمعايشة مع نادي فولهام.
لسبب ما، أفلت أوبلاك من بين أصابع إدارة فولهام، وعاد أدراجه نحو سلوفينيا ليجدد تعاقده مع ناديه. لم يهنأ المدرب بعودة حارسه طويلًا، واستقبل اتصالًا من مدرب بنفيكا: جورجي خيسوس. مدرب النادي البرتغالي لم يكن يستعلم عن إمكانيات أوبلاك، فتحت يده كان هناك تقرير وافٍ أعدّه كشافو المواهب الذين أوصوا بسرعة التعاقد مع الحارس الصغير.
خيسوس كان يريد إجابة على سؤال واحد: هل يمتلك يان أوبلاك العقلية والنضج في هذا السن الصغير ليواكب هذا التحول في قوة المنافسة؟ إجابة المدرب السلوفيني كانت قاطعة بلا ذرة تردد: نعم. أراهن بمالي ومزرعتي، أراهن بكل ما أملك على أوبلاك. هذه الإجابة دفعت خيسوس لانتدابه.
وافق بنفيكا على دفع 1.7 مليون يورو من أجل ولد في السابعة عشر من عمره، وبمجرد وصول أوبلاك انطلق مباشرة في سلسلة من الإعارات حول البلد الساحلي. تلك الإعارات أظهرت قوة شخصيته ورغبته في إحراز التطوّر رغم التحديات والضغوط، كان هادئًا وصلبًا كما وصفه مدرب ريو آفي أنذاك: نونو سانتو.
هذا الهدوء وتلك الصلابة دفعا بأوبلاك نحو حراسة مرمى بنفيكا، وهناك تعرف مع بطل البرتغال على المنافسات الأوروبية رفقة المحلية خلال موسم 2013/2014، محققًا شباكًا نظيفة في 22 مباراة من أصل 28 لعبها، لم يستقبل فيهم جميعًا سوى 8 أهداف.
جسد قطة وذراع اخطبوط
طبعًا تلك الأرقام تعني أن كشّاف مواهب جديد كان يتابعه بدقة، بصراحة لا نعرف ماذا كتب كشّاف أتلتيكو مدريد في تقريره عن الحارس السلوفيني، لكن لو أحب وصفه بإيجاز لكتب أنه يمتلك جسد قطة ويد أخطبوط، ولو امتلك رؤية فنية بعيدة لكتب أنه سيصبح حائط صد يحمي الأتليتي.
تمثل هذه الأوصاف كثيرًا من سمات أوبلاك التي ظهرت لاحقًا. نحن أمام حارس مميز جدًا في التمركز بالمرمى، بحيث ينتقل بسهولة من وضع لآخر ليتمكن من التعامل مع العرضيات والتسديدات، ما يساعده هنا هو حركة قدمه footwork.
يرى محمد راشيني، الكاتب المختص بحراس المرمى، أن أهمية حركة القدم للحرّاس ازدادت كثيرًا لدرجة تجعلها المهارة الأهم حاليًا من وجهة نظره. ويثني راشيني على استخدام أوبلاك لأقدامه، سواء لإغلاق الزوايا في الانفرادات، أو التمركز المثالي خلال العرضيات مستخدمًا في ذلك تكنيكًا يدعى crossover-steps ببراعة.
يقوم هذا التكنيك على التحرك بحسب حركة الكرة وتمركز المهاجمين، عن طريق ثني قدم ومد الأخرى أكثر من مرة ليغطي أوبلاك مرماه في أسرع وقت ممكن، محافظًا على توازن جسمه الذي يتيح له تنفيذ ردة فعل سريعة جدًا للتصدي لمتابعة مسار الكرة والتصدي للتصويبات.
تأمل الأمر قليلًا، وستجد أن أوبلاك هنا أشبه بالقطة التي تركض، فتتحرك أقدامها بين الثني والمد في لمح البصر ودون أي تعثر، ثم تقفز بحركات أكروباتية بعد أن حافظت على توازنها. الفارق الوحيد بينهما هو أن أوبلاك يمد ذراعه لمسافة أبعد، محاولًا التقاط التسديدات بدلًا عن تشتيتها، وهنا هو أشبه بالأخطبوط.
أكبر من مجرد قطة
حسنًا، الآن لدينا التمركز، حركة القدم الجيدة، ردة الفعل السريعة، وإغلاق الزوايا بمد الذراعين، هل هناك سمات أخرى في أوبلاك؟ في الحقيقة هناك صفة لا تأخذ نصيبًا من المدح، وهي الهدوء والاتزان الذهني الكبير الذي يتحلى به السلوفيني، لدرجة تجعله لا يرتكب أخطاء تقريبًا تتعلق بالتركيز وملاحظة الكرة، وهو ما يقع فيه أحيانًا حرّاس من الصف الأول.
يبدو أوبلاك دائمًا متحكمًا في قراراته، لا ينفعل فيتصرف برعونة، ولا يتردد بعد أن اتخذ قراره، ولا يفقد تركيزه مع توالي التصويبات والكرات الخطيرة. وهذا تعكسه الإحصائيات التي ربما ستفاجئك، وتغيّر من تقييمك له، هل أنت مستعد؟
أولًا، ينبغي أن تعرف أن يان أوبلاك خاض مع أتلتيكو مدريد 245 مباراة، وذلك منذ يومه الأول هناك عام 2014 وحتى الآن. وقد نجح في الخروج بشباك نظيفة خلال 133 لقاء، أي أكثر من نصف عدد اللقاءات التي شارك فيها.
خلال هذا العدد من المواجهات، اهتزت شباكه بمعدل يساوي هدفًا كل 131 دقيقة، وهذا يعني أنه يستقبل هدفًا واحدًا فقط كل ثلاثة أشواط تقريبًا. الآن ربما تظن أن السبب في ذلك هو أسلوب دييجو سيميوني الذي يقوم على التحفظ الدفاعي والتمترس حول المرمى، وبالتالي لا يعرض أوبلاك للخطورة أغلب الوقت، دعني أخبرك أن الإحصائيات لا تؤيد هذا الظن.
إذ تعرض حارس الأتليتي لنحو 537 تسديدة على مرماه، ونجح في التصدي لـ431 تسديدة منها، محققًا نسبة نجاح في التصديات تتجاوز 80%، وهي النسبة الأعلى بين كل حرّاس المرمى في أوروبا بمن فيهم أليسون، تير شتيجن، ونوير. ورغم ذلك لم يحقق أوبلاك ما حققه هؤلاء مع أنديتهم، وهو ما يعني أنه من يحمي فريقه، وليس فريقه من يحميه.
ميسي الحراس فعلًا
الآن من المهم أن تعرف أن ما تصدى له أوبلاك من تصويبات لم يكن بالضرورة ليصبح أهدافًا، لأن كل التسديدات ببساطة ليست على نفس المستوى من القوة والخطورة، ولا يمكن أبدًا أن نساوي بين تصويبة سهلة من خارج منطقة الجزاء بأخرى قوية من داخلها.
ولكي نعرف عدد التسديدات الخطيرة التي أنقذها يان، فينبغي هنا أن نلجأ لنماذج إحصائية أكثر تعقيدًا وصعوبة. أولها هو الأهداف المتوقع تسجيلها من تسديدات، أو ما يعرف اختصارًا (PSxG). وهذا النموذج يقوم على حصر التصويبات التي تعرض لها الحارس، ثم حساب نسبة الأهداف المتوقع تسجيلها منها بحسب تمركز المهاجم المسدد، وقوة التسديدة نفسها بجانب عوامل أخرى.
وهذا النموذج يستخدم للمقارنة بعدد الأهداف الفعلي الذي سكن مرمى الحارس. فإذا كان عدد الأهداف الفعلي أكبر، فهذا معناه أن الحارس يتلقى أهدافًا أكثر من المتوقع. وإذا كانت أقل، فذلك معناه أنه ينقذ مرماه من كرات خطيرة جدًا تكاد تكون أهدافًا محققة.
لحسن الحظ، فإن كولين تراينور، الكاتب في شبكة Statsbomb الإحصائية، نشر عبر حسابه على تويتر إحصائيات أوبلاك على هذا النموذج بين موسم 2014/2015 وحتى 2017/2018، لتعبر بشكل واضح عن مدى أهمية الحارس السلوفيني بالنسبة لفريق دييجو سيميوني.
تقول الإحصائيات إن أوبلاك خلال السنوات الأربعة أنقذ أهدافًا في الليجا أكثر من المتوقع، بل إنه خلال موسم 2017/2018 لم يتلقّ سوى 18 هدفًا، بينما كان من المتوقع أن يستقبل 28 بعد جرد وإحصاء التسديدات التي تعرض لها.
الآن فهمت لماذا يصفه سيميوني بميسي الحراس؟ لأنه عامل حسم أتليتكو مدريد الأول، تمامًا كميسي في برشلونة ورونالدو في يوفنتوس وليفاندوفسكي في بايرن ميونخ، الفارق الوحيد أن كل هؤلاء يسجلون أهدفًا وهو يمنع تسجيل الأهداف.