من السهل أن نحاصر إيران، لكن من سيدفع ضريبة الحرب؟
تقاس قوة الدول بما تمتلكه من أدوات للضغط والتأثير على الآخرين، وُصفت الهيمنة في أحد تعريفاتها أنها إجبار الآخرين على تبني سياسات تتوافق مع الدولة المهيمنة سواء وافق ذلك مصالحهم أم عارضها. إلا أن قدرة الدولة على حماية الأدوات التي تسعى للتأثير بها، لا تقل أهمية عن مصادر الأدوات نفسها، فهما صنوان لا يفترقان، أداة الضغط ومعامل تأثيرها واستخدامها.تقول الخبرة البشرية، لا تدعي امتلاك قوة لا تستطيع استخدامها عند الحاجة، وإذا أردت استخدامها فعليك أن تدرك تداعيات هذا الاستخدام وإلا ستهزم. لم تترك الإدارة الأمريكية هذا التفكير الثنائي أمام صانع القرار الإيراني، بل تجرها جرًا نحو إشعال المنطقة واستخدام أداتها الأخيرة لإحراقها وإشعال أجساد شعوبها. دخل الصراع بين المحور الأمريكي – الخليجي من جهة والمحور الإيراني من جهة أخرى في معادلة صفرية، عندما دخل الخلاف بينهما مستوى جديدًا من التأزم.هدد محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني المجتمع الدولي بمنع مرور أى شحنة نفط من مضيق هرمز، إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على منع إيران من بيع النفط، قائلًا: «إذا مُنعنا من استخدام مضيق هرمز، فلن يستخدمه أحد». لم تمض سويعات، حتى أعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي المنوطة بالدفاع عن مصالح واشنطن في المنطقة على لسان متحدثها الرسمي: «أن البحرية الأميركية وحلفاءها في المنطقة مستعدون لتأمين حرية الملاحة وحرية التجارة في أي مكان يسمح به القانون الدولي».
الآن لا نريد وجود إيران
الرئيس الإيراني «حسن روحاني»
اندلعت مؤخرًا اشتباكات بين الشرطة ومحتجين على سياسات النظام فيما يخص تأمين احتياجاتهم من المياه، تزداد يومًا بعد يوم التحديات على النظام الإيراني، بين رافضين لطبيعة الحكم، بسبب انتشار الفساد والاستبداد داخل النظام، وآخرين معارضين لسياسات التهميش والتمييز التي تمارس بحقهم. الأمر مغاير هذه المرة، ما يتعرض له النظام مؤامرة تستهدف إسقاطه تمامًا، لذا لن ترضخ طهران، مثلما رضخت من قبل بالقبول على مضض باستمرار الاتفاق النووي، بعد انسحاب واشنطن منه.اقرأ أيضًا: مستقبل إيران بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي
بدأت الإدارة الأميركية بالتصعيد الأسبوع الماضي، عندما أعلنتها صريحة: «لا نريد لأحد أن يشتري النفط الإيراني، نريد رؤية نهاية هذه الجمهورية الآن. منحت حلفاءها حتى 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، كحد أقصى للتعامل بصورة نهائية ودون أي استثناء أو تأخير».شعر ترامب أن الضربة التي وجهها لإيران بانسحابه من الاتفاق النووي، لم تؤتِ ثمارها كما تمنى. ارتفعت أسعار النفط، وجاءت النتائج لصالح إيران التي تعتمد في مبيعاتها على السوق الصيني والروسي والتركي. لم ينتظر حتى تسقط إيران جراء الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي تعيشها. ضغط ترامب على أوبك لإجبارها على تخفيض أسعار النفط. رد حسين كاظم بور أردبيلي محافظ إيران في أوبك على سياسات ترامب قائلًا: « إنه أمر جنوني ومذهل».تحاول إيران مجددًا إعادة تصدير تهديدها للنظام الدولي بغلق مضيق هرمز، وهو ما سيعني إعلان حرب فعليًا. لن تصمت الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، خاصة أن لكل منها مصلحة من اشتعال الوضع. الأولى، تستهدف إسقاط النظام المارق، بينما تريد الثانية التخلص من خطر سقوط مملكتها في بلاد الحرمين، لاسيما بعد تمدد الحوثيين في اليمن، أما الإمارات، فهي تدخل هذه الحرب وعينها على جزرها الثلاثة طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى التي تقع داخل مضيق هرمز، وهو ما سيمنحها قوة جديدة على قوتها، بجانب اعتماد تلك الدول على النفط بصورة رئيسية في دعم اقتصادياتها. تمكنت إيران بفضل وجود مضيق هرمز على مساومة الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة في عدة جولات سابقة، لاسيما أن المضيق يمر من خلاله 35% من نفط العالم المنقول بحريًا و20% من تجارة النفط بصفة عامة. يبلغ عرض المضيق 50 كيلومترًا، وعمق المياه فيه 60 مترًا. عرض ممري الدخول والخروج فيه 10.5 كيلومتر، ويستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا. يعد أحد أهم وأكبر مضائق العالم، وعنصر مؤثر في معادلة القوة في النظام الدولي. ولذلك لن تسمح أمريكا بغلق طريق الملاحة بداخله، وفي حال قررت طهران ذلك، فسيعني حربًا شاملة في المنطقة.التطبيع على أنغام الحرب
نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي دعا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت على موقع سعودي لتأسيس تحالف دولي لمواجهة إيران، معلنًا استعداد بلاده للتعاون الاستخباراتي مع الدول العربية المعتدلة بما فيها السعودية. تدرك تل أبيب أن اللحظة الآن مواتية تمامًا للانقضاض على طهران والتخلص من رأس وجسد محور الممانعة. ترسخت علاقات التطبيع الخليجي – الصهيوني بقوة على وقع التمدد الإيراني في المنطقة. من المحتمل بقوة، أن تشارك تل أبيب في الحرب المتوقعة ضد إيران، على الأقل ستقوم القبة الحديدية بحماية الخليج من صواريخ إيران الباليستية، أو حتى ستقلل من كوارثها وحجم مضاعفاتها. تتفوق إسرائيل على إيران في القوة الجوية حيث تصنف في المرتبة الـ18، بينما إيران في المرتبة الـ24، إذ تبلغ القوة الجوية الإجمالية لعدد الطائرات الإسرائيلية 596، في حين تبلغ الطائرات الإيرانية 505، فضلًا عن تطور الطائرات الإسرائيلية عن الإيرانية تكنولوجيًا، بينما تملك إيران 319 مطارًا، وتملك إسرائيل 47 مطارًا.اقرأ أيضًا: ماذا لو ضربت إسرائيل منشآت إيران النووية؟
المنتصر واحد والخاسرون كثر
في عام 2016 مر ما يزيد على 90% من نفط العالم إلى آسيا، من مصلحة واشنطن الإضرار بالصين إذا تم غلق المضيق، لكن لن تكون الصين المتضرر الوحيد من غلق المضيق، حلفاء أمريكا في آسيا ينقسمون بين من يدرس اتخاذ قرارات خاصة بالانسحاب من اتفاقاته مع الجمهورية الإيرانية كاليابان وتايوان، ومن اتخذ إجراءات فعلية ككوريا الجنوبية بالانسحاب من التعامل مع طهران. ستتجه هذه الدول نحو الخليج، وهو ما يعني مكاسب كبيرة للسعودية، التي أعلنت عن قدرتها على تأمين الطلب العالمي للنفط، بتوفير مليوني برميل يوميًا، كمحاولة منها لطمأنة العالم على عدم توقف حاجاتهم منه. لم تتخذ الصين قرارًا نهائيًا فيما يخص هذا الأمر، إلا أنها لن تسمح غالبًا بتدهور الأوضاع في المضيق، ولمَ لا وهي المستورد الأكبر للنفط في العالم؟انهيار الوضع في المنطقة، سيعني توقف إمدادات النفط إلى أوروبا، وهو أمر تخشاه الأخيرة كثيرًا، لأنه سيجبرها على الخضوع لروسيا، وتقبل ابتزازها المستمر، لن تجد غير موسكو لتوفير حاجتها من ماء الحياة الأسود.
اقرأ أيضًا: ماذا لو وقعت الحرب المباشرة بين السعودية وإيران؟
تحاول أوروبا مسابقة الزمن لإقناع ترامب بضرورة العدول عن هذا القرار، إلا أن ترامب عازم على الإسراع في استكمال مسلسل القضاء على إيران قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، لن يكون أمام إيران إذن إلا الدفاع عن مصالحها في المنطقة بنفسها.أعلنت الحكومة الكويتية استعدادها لأي وضع كارثي للمضيق، إلا أنها أكدت أنها مطمئنة من عدم تدهور الوضع ووصوله لمرحلة الحرب، لاسيما مع تعهدات طهران وواشنطن لها بذلك. كما أكد السفير البريطاني في الكويت على طلب الأخيرة، استقدام قوات بريطانية إضافية، لتتواجد بصورة دائمة في إطار لجنة التوجيه المشترك، وتستهدف الكويت من هذا القرار، تأمين مصالحها في حال احتدام الموقف، نظرًا لاعتماد اقتصادها على النفط بصورة كلية. أعلنت بريطانيا أن تواجدها يستهدف حماية الخليج من التحديات السياسية والعسكرية التي باتت قريبة.كما سيؤثر توقف عمل المضيق على الاقتصاد القطري بصورة مباشرة، حيث يمر من خلاله 30% من صادرات الدوحة من الغاز، وكل صادراتها من النفط وهو ما يعني مزيدًا من الضغوط عليها، لصالح السعودية والإمارات.لم يتأخر الرد التركي، بل جاء سريعًا على لسان وزير الاقتصاد، الذي أكد عدم التزام بلاده بأوامر الولايات المتحدة فيما يخص إيران، مضيفًا، أن بلاده ستسعى لمساعدة طهران على تجاوز محنتها وستواصل تجارة النفط معها. مدخل تفسير الموقف التركي يعود لرغبة أنقرة تجاوز أي عامل سيؤدي إلى اشتعال أى نقطة جديدة في المنطقة على تركيا التي تحتاج إلى شرق أوسط هادئ ومستقر لاستكمال نهضتها الاقتصادية؛ إذ سيعني ذلك مزيدًا من الضغوط على اقتصادها وعملتها المهتزة.ختامًا، لن تعجز إيران عن الحركة رغم الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها، فبجانب مضيق هرمز، تمكنت طهران بفضل ميليشيا الحرس الثوري أن تنتشر في المنطقة. نفوذ إيران ممتد من صنعاء الحديقة الخلفية للسعودية، إلى غزة ولبنان المجاورتين لإسرائيل، ناهيك عن العراق وسوريا حيث تتواجد القوات الأمريكية. لن تقف طهران مكتوفة اليدين وهي ترى نظامها السياسي ينهار، ولن تتركها ميليشياتها في صنعاء ودمشق وبغداد، وهو ما يهدد بتحول المنطقة لجحيم ناري لا يعلم مداه أحد.ربما يشهد العالم تحولًا راديكاليًا في حركته في حال اندلاع صراع عسكري تقوده الولايات المتحدة بجانب الخليج وإسرائيل، لمواجهة إيران وحلفائها. المؤكد أنه لن يكون العالم بعده كما كان من قبله.