محتوى مترجم
المصدر
How Israeli spies penetrated Hizbollah
التاريخ
2024/9/29
الكاتب
FT

كشف تقرير صحفي حديث لفاينانشال تايمز عن تحول دراماتيكي في الصراع الإسرائيلي-اللبناني، حيث نجحت إسرائيل أخيرًا في توجيه ضربة قاصمة لحزب الله، الحركة اللبنانية التي طالما تحدت قوتها العسكرية. هذا التطور الملفت يعيد تشكيل ديناميكيات الشرق الأوسط ويأتي بعد عقود من الصراع المرير، مشيرًا إلى تغير جذري في استراتيجيات إسرائيل الاستخباراتية والعسكرية.

وفقًا للتقرير، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية في ليلة الجمعة الماضية عملية دقيقة استهدفت حسن نصر الله، الزعيم الكاريزمي لحزب الله. تم تعقب نصر الله إلى ملجأ محصن تحت مجمع سكني في جنوب بيروت، وفي محاولة لضمان نجاح المهمة، قام سلاح الجو الإسرائيلي بإسقاط ما يصل إلى 80 قنبلة على الهدف. هذه العملية تمثل تحولًا كبيرًا مقارنة بالمحاولات السابقة لاغتيال نصر الله، حيث فشلت إسرائيل في ثلاث محاولات خلال حرب 2006، إما بسبب معلومات استخباراتية غير دقيقة أو عدم قدرة الأسلحة على اختراق تحصينات ملاجئه.

يشير التقرير إلى أن سر هذا النجاح الأخير يكمن في التحول الجذري لاستراتيجيات إسرائيل الاستخباراتية. فبعد الإخفاق في حرب 2006، أعادت إسرائيل توجيه جهودها الاستخباراتية بشكل كبير، مركزة على فهم أعمق وأشمل لحزب الله. نقل التقرير عن ميري آيزن، وهي ضابطة استخبارات إسرائيلية سابقة رفيعة المستوى، قولها إن هذا التحول تطلب تغييرًا أساسيًا في نظرة إسرائيل لحزب الله. فبدلًا من اعتباره مجرد جماعة إرهابية، بدأت إسرائيل في النظر إلى حزب الله كـ “جيش إرهابي”، مما استلزم دراسته بنفس الدقة والشمولية التي كانت تدرس بها الجيش السوري على سبيل المثال.

وأوضح التقرير أن تدخل حزب الله في الحرب السورية عام 2012 لدعم نظام بشار الأسد ساهم في توسع الحزب وزيادة قوته، لكنه أيضًا كشف عن نقاط ضعفه. فقد أدى التجنيد الواسع النطاق لمواكبة متطلبات الحرب الطويلة إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية للحزب، مما فتح الباب على مصراعيه للاختراق الاستخباراتي. ونقل التقرير عن رندة سليم، مدير البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، قوله:

كانت سوريا بداية توسع حزب الله. هذا التوسع أضعف آليات الرقابة الداخلية وفتح الباب للاختراق على مستوى كبير.
رندة سليم، مدير البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن

وكشف التقرير عن ثورة في أساليب جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، حيث استفادت من التطور التكنولوجي الهائل في هذا المجال. فقد استخدمت الأقمار الصناعية التجسسية، والطائرات بدون طيار المتطورة، وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت. كما طورت إسرائيل وحدة خاصة، تعرف باسم الوحدة 9900، مهمتها كتابة خوارزميات لتحليل كميات هائلة من الصور البصرية للكشف عن أدق التغييرات، مثل وجود عبوات ناسفة على جانب الطريق أو فتحات تهوية فوق الأنفاق.

ووفقًا للتقرير، فإنه بمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة، تتضمن معلومات من مصادر متنوعة مثل هاتف زوجته المحمول، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه الذي يمكن تحديده من خلال طائرة بدون طيار تحلق فوق رأسه أو من كاميرا مراقبة تم اختراقها.

ورغم امتلاك إسرائيل لهذه القدرات الاستخباراتية المتطورة، إلا أن التقرير يشير إلى أنها اختارت الانتظار وعدم استخدامها على الفور. ونقل عن مسؤول سابق قوله: كان لدى إسرائيل الكثير من القدرات والمعلومات الاستخباراتية المخزنة في انتظار استخدامها. كان بإمكاننا استخدام هذه القدرات منذ فترة طويلة خلال هذه الحرب، لكننا لم نفعل ذلك.” هذا الصبر الاستراتيجي سمح لإسرائيل بتجميع بنك أهداف واسع النطاق. ففي الأيام الثلاثة الأولى من حملتها الجوية، حاولت الطائرات الحربية الإسرائيلية استهداف ما لا يقل عن 3000 هدف يشتبه في انتمائه لحزب الله، وفقًا لتصريحات الجيش الإسرائيلي.

وأشار التقرير إلى أنه على مدى أكثر من 10 أشهر، تبادلت إسرائيل وحزب الله إطلاق النار عبر الحدود، مع قتل إسرائيل لبضع مئات من العناصر منخفضة المستوى في حزب الله. بدا أن هذا النمط من المواجهة المحدودة قد أوهم نصر الله بوجود خطوط حمراء واضحة يمكن إدارتها حتى توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار في غزة مع حماس. لكن حتى احتمال قيام حزب الله بمحاولة تنفيذ غارة عبر الحدود مماثلة لتلك التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر كان كافيًا لدفع إسرائيل لإخلاء المجتمعات القريبة من حدودها مع لبنان. تم إجلاء حوالي 60,000 إسرائيلي من منازلهم، مما حول المنطقة الحدودية إلى منطقة حرب نشطة مع حزب الله.

ولتهيئة الظروف لعودة المدنيين، يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أطلق العنان لقدرات إسرائيل الهجومية الأكثر تقدمًا، وفقًا للتقرير. تضمن ذلك التفجير غير المسبوق لآلاف من أجهزة النداء المفخخة قبل أسبوعين، مما أدى إلى إصابة الآلاف من أعضاء حزب الله بنفس الأجهزة التي اعتقدوا أنها ستساعدهم على تجنب المراقبة الإسرائيلية. وصلت هذه العمليات إلى ذروتها يوم الجمعة باغتيال نصر الله، وهو إنجاز فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيقه عام 2006 رغم تفويض رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت.

ويخلص التقرير إلى أن نجاح إسرائيل الأخير في استهداف قيادة حزب الله يمثل تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الصراع الإقليمي. فبعد عقود من المواجهات غير الحاسمة، يبدو أن إسرائيل قد حققت تفوقًا استراتيجيًا من خلال الجمع بين التطور التكنولوجي والصبر الاستراتيجي وإعادة توجيه جهودها الاستخباراتية. ومع ذلك، يطرح التقرير تساؤلات حول التداعيات طويلة المدى لهذا التطور على استقرار المنطقة وموازين القوى فيها. فبينما قد يضعف هذا التحول موقف حزب الله، إلا أنه قد يؤدي أيضًا إلى تصعيد التوترات وزيادة عدم الاستقرار في منطقة متقلبة بالفعل. ويبقى أن نرى كيف سيرد حزب الله وحلفاؤه على هذا التطور الدراماتيكي، وما إذا كان هذا النجاح الإسرائيلي سيؤدي إلى تغيير دائم في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط أم أنه سيكون مجرد فصل آخر في صراع طويل ومعقد.