على هامش الحكاية: الدور الإسرائيلي في استدراج خاشقجي
في إحدى ليالي يونيو/ حزيران 2018، تلقى موظف بمنظمة العفو الدولية رسالة مشبوهة على تطبيق واتس آب، وبعد بحث قليل، عرفت المنظمة أن مصدر الرسالة من السعودية، حيث كان به روابط خبيثة تستخدم لتثبيت برامج تجسس على الهواتف.
بمزيد من التحقيق توصلت منظمة العفو لرسالة شبيهة بالتي أرسلت لموظفها، لكن هذه المرة لناشط سعودي يعمل في مجال حقوق الإنسان، جاء فيها:
أقوى إصدارات التجسس الإلكتروني
أكدت شركة سيتزن لاب الكندية أن مجموعة من الرسائل الخبيثة قد أرسلت لعدد من المواطنين في دول الخليج. هذه المرة كانت الرسالة مختلفة؛ رسالة هاتفية مكتوب بها، «لديك دعوة قضائية قيدت برقم كذا، لمزيد من التفاصيل الرجاء زيارة الموقع كذا، وبمجرد دخولك فأنت لقمة سائغة للتتبع والتجسس».وتوصلت تحقيقات منظمة العفو إلى معرفة الرابط الخاص بالتجسس، يدعى بيغاسوس، ويعد أحدث برامج التجسس المتطورة التي توصلت إليها مجموعة المراقبة الإسرائيلية إن إس أو، وهي شركة سرية، لا يوجد لها موقع، لكنها تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، حيث يعمل بها موظفون تخرجوا من ذراع الاستخبارات الإسرائيلية، وتحديدًا وحدة 8200 الشهيرة، والتي تعرف بأنها فيلق الاستخبارات الإسرائيلية الخاصة بحماية الأمن الإلكتروني والقيام بعمليات التجسس الرقمي.تقوم مجموعة التجسس الإسرائيلية بمراقبة الضحية في صمت وبهدوء تام، حيث تتمكن من اختراق ميزات الحماية الرقمية على الهاتف وتحميل بيغاسوس دون علم أو إذن المستخدم. حالما يتم تحميل بيغاسوس على الهاتف، فإنه يبدأ بالاتصال بمركز التحكم الموجود في تل أبيب لاستقبال وتنفيذ أوامر المشغّل، ويرسل البيانات الخاصة بالشخص المستهدف، بما في ذلك المعلومات الخاصة، كلمة المرور، جهات الاتصال، التقويم، الرسائل النصية، والمكالمات الصوتية المباشرة، ومعرفة خطط التحرك، والاطلاع على الصور والفيديوهات، بل والقدرة على تشغيل الكاميرا لمتابعة وتسجيل ما يحدث دون إذن!وقامت شركة فرانشيسكو بارتنر وهي شركة أمريكية رائدة في الاستثمارات الخاصة بالتكنولوجيا والحماية الإلكترونية والجوانب التقنية، والتي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرًا لها، بشراء مجموعة المراقبة الإسرائيلية بمبلغ 140 مليون دولار.
هزيمة الآيفون
لطالما افتخرت شركة آبل أن نظام الآيفون هو النظام الوحيد المغلق غير القابل للاختراق، وهو الطرح الذي بنيت عليه الشركة أسطورتها، إلى أن تعرضت لعملية قرصنة قاتلة. في أغسطس/ آب 2016، تم استهداف الناشط الإماراتي أحمد منصور الحائز على جائزة (مارتن إينالز) ببرنامج بيغاسوس، حيث تمكن البرنامج من إحداث ثلاث ثغرات كاملة في نظام الآيفون. حاولت سيتزن لاب معرفة إذا ما كان منصور الشخص الوحيد الذي تعرض لهذه العملية أو لا؟ إلا أنها اكتشفت أن تلك العملية حدثت مع أكثر من 237 حالة قبله، غير أن شركة المراقبة إن إس أو قامت بحذفهم جميعًا، وهي عادتها، أن تقوم بحذف أي معلومة عنها، ولذلك ليس مستغربًا ألا يكون لديها موقع يتم التعرف عليها من خلاله.تسود حالة من القلق على مستقبل حقوق الإنسان من التطور الرهيب في تكنولوجيا التجسس الإلكتروني الذي تقوده مجموعة إن إس أو الإسرائيلية.هناك 3 أنظمة من بيغاسوس تعمل بتركيز شديد في ثلاث دول في الشرق الأوسط وهم السعودية والإمارات والبحرين، وقد تجاوزت عملياتهم في التجسس نطاق الشرق الأوسط، إلى كندا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وتركيا، فيما يبدو أن تلك الدول تراقب مواطنيها اللاجئين في تلك البلدان.سنة 2017 ظهرت معلومات تشير إلى تعرض العشرات من المحامين المكسيكيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين المعارضين، للاستهداف بروابط التجسس بيغاسوس في عام 2016. أثار الكشف في المكسيك فضيحة سياسية كبيرة، والتحقيق الجنائي الذي تلاه ما زال جاريًا، بل تشير الأدلة إلى أن هناك ثلاثة مشغلين منفصلين يعملون في الغالب في المكسيك حتى تاريخ يوليو/ تموز 2018.وفي أفريقيا، استعانت حكومة توغو الاستبدادية – الحليفة لإسرائيل – بمجموعة المراقبة الإسرائيلية، للسيطرة على المجال العام بالقمع الأمني. كما أن المغرب يستخدم نفس البرنامج، ولكن لأسباب أخرى خاصة بمراقبة بعض الدول، كصراعها مع الجزائر في منطقة الصحراء الكبرى.
هل قتل الإسرائيليون خاشقجي؟
أحاطت تساؤلات عدة وعلامات استفهام كثيرة عملية اغتيال الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي، كيف تمت مراقبة حركته؟ وكيف علمت الإدارة السياسية بتحركاته؟ وهو ما كان يشبه اللغز في التوصل لسردية متكاملة خاصة بقضية اغتياله.ولذلك يبدو أن التصريح الذي أطلقه سنودن، ضابط المخابرات الأمريكي السابق، في محله، عندما عبر عن استغرابه من سياق استهداف خاشقجي:
يقصد مجموعة المراقبة إن إس أو، لذلك وصفها بأنها «الأسوأ في تجارة أدوات التجسس وتتبع المواطنين تلك التي يتم استخدامها بشكل نشط حاليًا لانتهاك حقوق الإنسان».ردت الشركة على تلك المزاعم قائلة:
تمكنت السعودية من السيطرة على بيانات أحد أقرب أصدقاء جمال خاشقجي وهو عمر عبدالعزيز الشاب المقيم في كندا، حيث توطدت العلاقة بينهما بصورة جعلتهما يتحدثان يوميًا، كما أكد عبدالعزيز أنهما كانا يعدان مشاريع صحفية وأخرى خاصة بحقوق الإنسان. حصلت الحكومة السعودية على إمكانية الوصول الكامل إلى محتويات مكالماتهم، والرسائل المشفرة التي تبادلوها، والمستندات التي شاركوها، من خلال برنامج بيغاسوس الخاص بالشركة الإسرائيلية. وكان من ضمن تلك المعلومات هو عزم خاشقجي السفر إلى كندا لتفعيل بعض المشاريع الخاصة بالشئون السعودية على أرض الواقع مع صديقه عبدالعزيز، لكنه قرر التوجه أولًا إلى القنصلية السعودية في تركيا، لإنهاء أوراق زواجه، ولذلك تم التعجيل بقرار اغتياله، قبل أن يسافر إلى كندا. وهو ما يفسر تساؤلات سنودن حول الوسيلة التي تم بها تتبع خاشقجي، ففي حالة عبد العزيز، تلقى إخطارًا من أمازون بشأن استلام طلبٍ ما بالضغط على الرابط، وبعدها تم تحميل برامج التجسس سرًا إلى الجهاز. وأكدت كارين عطية محررة خاشقجي في واشنطن بوست أن الناس يفقدون أرواحهم بسبب قدرة السعودية على شراء برنامج من شركة خاصة.وفي محاولة لمحاكمتها، تعرضت شركة المراقبة الإسرائيلية لعدد كبير من الدعاوي القضائية، من مواطنين من المكسيك وقطر، بسبب تعرضهم للمراقبة من جانب البرامج التي تصدرها الشركة.تدافع الشركة عن نفسها عادة كلما وُجهت له سهام النقد، بأنها لا تبيع برامجها إلا للحكومات وجهات إنفاذ القانون، لمكافحة الإرهاب قبل حدوث عملياته، إلا أن ذلك لا ينفي عنها التهم، لاسيما إذا كانت تبيع تلك البرامج لحكومات استبدادية، ولذلك أكد سنودن أن ما تقوم به شركات التكنولوجيا الإسرائيلية ترسيخ للقمع الإلكتروني وليس صناعة للأمن السيبراني.وفي حال صحة المعلومات المتواردة عن تمكن السعودية من التجسس على خاشقجي من خلال برامج شركة إن إس أو، فهذا سيعني مزيداً من الخنق لولي العهد السعودي، وتأكيدًا على سردية تدبير عملية اغتياله، بأوامر عليا.