فيلم «Isle Of Dogs»: كلاب أندرسون في مواجهة الدكتاتورية
يمتلك المخرج الأمريكي «ويس أندرسون» أسلوبًا شديد التميز حتى أن أفلامه يمكن تمييزها من مجرد المشهد الواحد بل حتى من اللقطة الواحدة. وإذا ما سألت أيًا من محبي السينما عما يميز ويس أندرسون عن غيره من المخرجين، سيجيبك على الفور بعناصر مثل السيمتيرية، والألوان، وتصميم الديكور المميز والمعقد في آن، بالإضافة إلى العوالم شديدة الخصوصية التي تعيش فيها شخصياته وتدور فيها حكاياتهم.
وعلى الرغم من تلك العناصر الثابتة في سينما أندرسون، إﻻ أنه يواصل مفاجأة الجمهور والنقاد مع كل عمل جديد. «Isle Of Dogs» هو الفيلم الأخير لأندرسون والذي عرض في النصف الأول من العام الحالي، وحاز على إعجاب نقدي وجماهيري. فما هي العناصر المميزة التي أبقى عليها أندرسون؟ وما الجديد الذي أضافه إلى تجربته؟
ملامح أندرسون المميزة
تدور قصة الفيلم عن العمدة «كوباياشي» الذي يقرر عزل الكلاب في جزيرة منعزلة تستخدمها الحكومة كمكب للنفايات بعد انتشار الأمراض والفيروسات بين الكلاب، ويهرب «أتاري» ولي عهد العمدة لتلك الجزيرة للبحث عن كلبه المحبب.
لم يختلف بناء السيناريو عن أفلام أندرسون السابقة، فأفلام أندرسون تعتمد على السيناريو الخطي الذي يتكون من بداية ووسط ونهاية حيث تقدم الشخصيات والحبكة في البداية، أما الوسط فيبدأ فيه الصراع وتظهر القصص الفرعية التي تخدم على القصة الأساسية مثل قصة الحب بين الكلب شيف «براين كرانستون» ونوتميغ «سكارليت جوهانسون». أما النهاية فيتعقد الصراع ويصل إلى ذروته إلى أن ينتهي. كما استمر أندرسون في الاعتماد على طريقة تقسيم الفيلم لخمسة فصول، كل فصل له عنوان خاص به يظهر للمشاهد. هذه الطريقة أصبحت شائعة لبعض المخرجين ومن بينهم أندرسون وتارنتينو ولارس فونترير على وجه الخصوص.
ومن الخصائص المميزة لسينما أندرسون والتي استمرت معنا في هذا الفيلم وهي الفنتازية وخصوصًا فنتازية المكان، فجميع أفلام أندرسون بلا استثناء بعيدة عن الواقع حتى لو احتوت على بعض الملامح الواقعية. ففيلم The grand Budapest hotel يدور في زمن الحرب العالمية وهو حدث زمني حقيقي ولكن أحداث الفيلم تدور في دولة خيالية تدعى «زوبروفكا». نفس الأمر يتكرر في فيلم «Moonrise kingdom» والذي يدور في إحدى الجزر المجهولة، بالإضافة للأفلام ذات الأحداث والشكل الفنتازي مثل «Mr Fox» وهو فيلم رسوم متحركة يحكي قصة ثعلب، نفس الأمر يتكرر مع Isle of dog والذي تدور أحداثه بين الكلاب والبشر في جزيرة يابانية، ولكن لا وجود حقيقي لها أو لنظام الحكم فيها، بالإضافة لاختلاف التكوين المعماري للمدينة عن الواقع المعماري الحالي للمدن اليابانية.
ولكن ما يهم أندرسون دائمًا هو القصة، حيث يكون الإطار الزمني والمكاني مصممًا خصيصًا ليخدم عليها. ولذلك دائمًا يلجأ للقالب الفنتازي لتجاوز الواقع سواء في خصائصه الاجتماعية وأنظمة الحكم والعلاقات الاقتصادية، أو لتجاوز الشكل المعماري الواقعي واللجوء للتصميمات والأشكال الخيالية التي يمتاز بها أندرسون عن بقية مخرجي السينما ربما طوال تاريخها، حيث يعتمد على مجاميع (بلتات) ألوان مشبعة ومتناسقة في تكوين كل صورة.
وبالنسبة ل«السيمترية»، ذلك المصطلح الذي ألصق عن حق بأندرسون، والحقيقة أن ويس أكثر أبناء السينما هوسًا بالسيمترية. وهذا المصطلح الهندسي يعني في السينما -وهي التي تعنينا- أن يساوي الطرف الأيمن الأيسر في كل شيء؛ أي أن الكاميرا تقسم الكادر لجزئين متساويين بالتمام والكمال، وترتيب الأشياء في الجزء الأيمن من الكادر يساوي الأيسر. ويسهل اكتشاف هوس أندرسون بالسيمترية بمجرد النظر في كل أفلامه بلا استثناء، ولكن للمعرفة بشكل أكثر دقة، اكتب على اليوتيوب Wes Anderson Cinematography عندها ستجد مئات الفيديوهات حرفيًا تشرح لك هوس أندرسون الجمالي. استمرت السيمترية في isle of dogs واستغلها في بعض المشاهد لإظهار أطراف الصراع، فمثلاً قوات العمدة كوباياشي تكون النصف الأيسر وأتاري والكلاب في الأيمن، أو أن يكون العمدة في مواجهة الجمهور… إلخ.
السياسة، الوافد الجديد
أما الإضافة الحقيقية والملحوظة التي قام بها أندرسون في فيلمه الجديد هي ظهور الجانب السياسي بشكل واضح ومباشر عن أفلامه السابقة. بدأ أندرسون في فيلمه السابق The grand Budapest إظهار جانب سياسي ولكنه كان يحتاج لكثير من التركيز والتحليل. فالقصة تبدو وكأنها بعيدة عن موضوع الحرب العالمية وما تبعها من تعصب ضد الآخر، ولكن مع النظرة المتعمقة وخصوصًا في فصول النهاية سنجد أن السياسة هي جوهر الفيلم الحقيقي.
ولكن في فيلمه الحالي كل شيء يبدو واضحًا من الفصل الأول، العمدة كوباياشي؛ الدكتاتور الذي يقرر نبذ الكلاب وعزلهم ويروج لأفكار جاهلة مخالفة للعلم، في مقابله مرشح حزب العلوم الذي يبني دعايته على العلم وأهمية إيجاد علاج فعال للكلاب، وفي العصور التي ينتشر فيها التعصب يكون رد فعل الجماهير عنيفًا ضد العلم ومنحازًا للدكتاتور باعتباره الخيار الأكثر أمانًا.
هذا كله حدث في العشر دقائق الأولى، وبالتالي من الفصل الأول يظهر أندرسون الفيلم على أنه يتحدث عن الدكتاتورية ومقاومتها. وبقية فصول الفيلم ما هي إلا الصراع الذي يدور من قبل الكلاب وأتاري ومرشح حزب العلوم ضد العمدة كوباياشي، هذا الصراع الذي يأخذ أشكالاً متعددة مع كل فصل إلى أن نصل لقمة الصراع في الفصل الأخير.
نظرة أندرسون للدكتاتورية ليست بالمبتكرة أو العميقة، ولكنها لم تبتعد عن الحقيقة والأمر الواقع، فأغلب الدكتاتوريين رجال كبار في السن مثل كوباياشي، ويستخدمون خطاب التعصب والكراهية ويقومون بالمجازر الدموية لتثبيت حكمهم مثل ما فعل كوباياشي. وكلهم لديهم مساعدون يحفزون الميل الدكتاتوري عندهم مثل مساعد كوباياشي، الذي صوره أندرسون بصورة رجل طويل طاعن في السن شديد القبح وبشرته بيضاء شاحبة أشبه بالجير الحي.
لقد أراد أندرسون صناعة عمل آخر يلتزم فيه بمدرسته وفي نفس الوقت يضيف شيئًا جديدًا لجمهوره. نجح في الشقين؛ فمن جهة كانت كل العناصر التي امتاز بها أندرسون في أفضل أحوالها، وأضاف عنصرًا آخر وهو الجانب أو الحدث السياسي وقد قدمه بصورة نمطية نوعًا ولكنها كانت متقنة في عرضها. في النهاية يمكن القول إن Isle of dogs سيحتفظ بمكانته كأحد أفضل أفلام العام، وسينتظر جمهور أندرسون الجديد الذي سيقدمه في فيلمه القادم بعد ثلاث سنوات حسب ما اعتدنا منه.