«النسوية الإسلامية» بين الرفض والإصلاح
في كتابه «خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية»، يرى المفكر الأردني فهمي جدعان أن الإسلام أصبح معولمًا ويعيش في إطار كوني، ما جعل كثيرًا من التفسيرات المغلوطة تشوبه، خاصة فيما يتعلق بأمور المرأة؛ الأمر الذي يؤثر على مستقبل وحاضر هذا الدين. فقد أصبحت تسيطر عليه ظاهرة القراءة التقليدية والظاهرية لنصوصه، ما أدى إلى ظهور تيار نسوي، يسميه جدعان «النسوية الرافضة»، يعترض على هذا الأمر، ويندفع في المقابل إلى الخروج بعيدًا عن النص المقدس حدَّ الانقلاب عليه أحيانًا.
استطاعت النسوية الإسلامية الإصلاحية منذ ظهورها في الثمانينيات والتسعينيات إثارة العديد من القضايا الخاصة بالمرأة ضمن تيارات إصلاحية، ويعرف جدعان منذ البداية تلك النسوية الإصلاحية التي يسميها «النسوية الإسلامية التأويلية» بأنها «محاولة إعادة قراءة التاريخ الإسلامي والنصوص الدينية وتأويلها (بقصد) تأسيس حقوق النساء والمساواة بين الجنسين وتحديد معالم واضحة لقضية المرأة لا تجعلها خارج الإيمان أو الدين»، وهو التيار الذي مثلته مفكرات ومفكرون مثل أمينة ودود وأسماء برلاس ورفعت حسن.
فقد اعتمدت النسوية الإسلامية على الاجتهاد في فهم وإعادة قراءة وتأويل النصوص الدينية ومحاولة تقريبها إلى قيم الحداثة الغربية، وحاولت إعادة قراءة الإسلام من منظور نسوي اعتبر أن ما تتعرض له النساء راجع إلى النظرة الأبوية الذكورية لدى كثير من المسلمين وليس بسبب الدين ذاته، بالتالي ركزن على قضايا المساواة بين الرجل والمرأة وحرية المرأة بشكل خاص؛ وهو ما ظهر بشكل واضح منذ مؤتمر برشلونة عام 2005 ثم مؤتمر اليونسكو عام 2006 اللذيْن أكسبا النسوية الإسلامية زخمًا قويًّا.
النسوية الإسلامية الرافضة
في المقابل، وُجدت مفكرات وكاتبات مسلمات، من أصول غير عربية غالبًا، مثَّلن تيارًا نسويًّا قويًّا أراد الخروج كلية عن النص. وقد تأثر هؤلاء بالبيئة اللاتي عِشن فيها، سواء في بلدانهن الأصلية أو بعد الهجرة إلى الغرب.
مثل الصدام الحضاري مع الغرب خاصة ما قبل فترة الاحتلال للدول الإسلامية والعربية بقليل وأثناء الاستعمار، تجربة قاسية، فقد تم تجزئة وخلق العديد من المفاهيم والقضايا التي كانت عبارة عن كتلة واحدة باعتبار الدين حاكمًا لكل هذه القضايا ومن تعامل معها سواء من الفقهاء أو العلماء لم يجزئها، بل تناولها في إطار الدين الحاكم للجميع.
بدأ بعض المفكرين مع قدوم الاستعمار في صياغة مفاهيم وقضايا فردية منفصلين بها عن الدين والمجتمع بجانب النظام السياسي للدولة باعتبارهم سببًا في مشاكل هذه الفئة، لتأخذ بعد ذلك كاتبات وناشطات الخيط وتكمل المسار لتخلق تيارًا نسويًّا عبر بعض الشيء عنهن، لكنه لم يصل بدرجة القوة أو الاعتراف الموجود به في الغرب حتى أصبح أمرًا مسلمًا به وعاديًّا انتهى الجدل حول وجوده.
نجح الاستعمار في إثارة المفاهيم المتعلقة بالنسوية، فالغبن والقهر الذي تتعرض له المرأة نابع من الدين والثقافة الدينية وليس الدولة، بالتالي للوصول إلى حرية المرأة وجب التخلص من الثقافة الدينية. ورغم إثارة الفترة الاستعمارية للنسوية إلا أنها أضرتها، إذ لاقت هجومًا من المثقفين والعلماء المسلمين باعتبارها مرتبطة بأهداف الاحتلال ككل لتفكيك المجتمعات، وليس غرضهم نبيلًا لدعم فئة معينة.
هاجمت النسوية الإسلامية قيم المجتمع وكذلك الدين باعتبارهما السبب فيما مرت به المرأة، فقد نالهما الهجوم أكثر مما طال النظم السياسية الحاكمة، التي لم تكن – وما زالت – على توافق مع فئات الشعب، بخلاف الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي تضررت منه النساء والرجال والأطفال والشيوخ والشباب وليس فئات بعينها.
الغاضبات من الإسلام
ركز جدعان على النسوية الرافضة، بل وصفها بأنها خارج السرب نتيجة ما جاءت به من آراء صادمة وانقلاب تام على مبادئ المقدس والديني بل اعتباره أداة في قهر المرأة لأنه من منح الذكور التفسير الأبوي للقرآن والنصوص التاريخية مثل السنة النبوية، لهذا أعلنت كثيرات من دعاة هذا التيار خروجهن التام عن الدين وعدم إيمانهن.
ظهر هذا التيار بقوة منذ تسعينيات القرن العشرين، وزاد عنفوانه وحضوره بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة، الحدث الذي منح الكثير من الظواهر والأيديولوجيات التعبير عن نفسها مقابل الضغط على أخرى لتغيير ذاتها أو الانزواء التام أو الكمون لفترة من الوقت.
مثلت هذا التيار ناشطات مثل إرشاد منجي، تسليمة نسرين، وأيان حرسي علي التي هاجمت صريح الدين وشرائعه الثابتة والقطعية، لكن هؤلاء الناشطات فشلن في سعيهن لتغير الرؤية الإسلامية أو رؤية المسلمين للمرأة وإعادة قراءة وفهم النصوص الدينية، فقد ظهرن كساخطات على الدين بسبب ظروف خاصة نشأن فيها، أكثر مما ظهرن كمثقفات لديهن رؤية إصلاحية.
ووقعت أصحاب النسوية الرافضة في تناقض صارخ، فتارة يقلن إنهن أردن إصلاح الإسلام ذاته، وتارة أخرى يعلنَّ رفضهن للأساس اللاهوتي الذي بني عليه الإسلام، ما يعني أن من يرفض هذه الأسس فهو كافر بما جاء به هذا الدين.
ويمكن القول إن تيارات النسوية الإصلاحية أو التأويلية قد تكون ذات قابلية أكبر في المجتمعات المسلمة، وليس فقط في الغرب.
الحوار أم الصدام من نسويات الإسلام
يرى فهمي جدعان في كتابه ضرورة فتح الحوار والنقاش، وعدم اتباع آليات الرفض المطلق، بل الذهاب إلى التكفير للمخالفين والمخالفات، فالإسلام أصبح معولمًا واصطدم بالحضارة الغربية ويعيش بعض من أبنائه في هذه الدول، بالتالي وجب إعادة النظر في العديد من النصوص الدينية والتاريخية المقدسة.
لكن يمكن القول إن إطلاق دعوات إعادة النظر في الموروث الديني، خاصة روافده الأساسية خاصة القرآن والسنة النبوية، قد تزيد من حالات التصلب والتفسير التقليدي الظاهري للنصوص من أجل مواجهة ما يراه كثيرون سواء من العلماء أو العوام هجومًا منظمًا على ثوابت دينهم ومعتقدهم.
كذلك دعوات إعادة النظر في النص الديني يجب أن يحدد من المقصود بها، ومن يقوم بهذا الأمر، وليس أن يكون المجال مفتوحًا لأفراد غير معترفين بالنص الديني من الأساس. فهؤلاء يعقدون عمليات المراجعة أو ما يسمى بخطابات التجديد؛ لأن آراءهم وأفعالهم لا تسعى لإيجاد أرضية مشتركة إنما تهدف لتعديل بل إلغاء الكثير من الثوابت الأمر الذي يحول دون أي وجود أية أرضية مشتركة، بل يمنح تيارات تقليدية متشددة مزاعم للترويج لرؤيتها التي تضر الجميع بل الدين ذاته، كما اتضح في موجة التنظيمات الإرهابية التي اجتاحت الدول الإسلامية مثل داعش التي أصبحت هي الأخرى كالنسوية الرافضة تعيد قراءة نصوص دينية لدعم وجهة نظرها، حتى إن استهدفت أبناء ملتهم.