يبدو أن تنظيم داعش المتطرف كطائر العنقاء في الأساطير القديمة، ينبعث من رماده من جديد كل مرةٍ طيرًا جديدًا، يحلق فوق هليوبوليس. فبعد أن قضت عليه الصحوات في العراق عام 2007 استغل الأزمة السورية ليعود إلى الواجهة ويصدّر الفوضى في 2013، ما تطلب تشكيل تحالف دولي للقضاء عليه. وبعدما تم تدميره في سوريا والعراق على يد التحالف الدولي اتجه إلى ليبيا ليؤسس خلافة في مدينة سرت في 2015، استطاعت قوات البنيان المرصوص القضاء عليه هناك ليعود التنظيم من جديد لكن في أدغال أفريقيا، حيث لا توجد مصالح أمريكية كبيرة هناك ولا توجد جيوش قوية للتصدي له.


ما هو أسوأ من داعش!

في مارس/ آذار 2015م أعلن أبو بكر شيكاو زعيم بوكو حرام مبايعة أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة كخليفة للمسلمين، وما لبث أن قام البغدادي بعزله من منصبه بعد عام واحد وعيَّن شابًا يسمى أبو مصعب البرناوي أميرًا على تنظيم الدولة في ولاية غرب أفريقيا، وهي الخطوة التي لم يتقبلها أبوبكر شيكاو، فرفض القرار وقرر العمل كتنظيم مستقل دون نكثٍ لبيعة البغدادي، مستمرًا في هجماته الدموية على قوات الجيش والأمن النيجيرية، ثم ما لبث أن دخل في صراع دموي مع المجموعة الداعشية الأخرى، التي يقودها أبو مصعب البرناوي، الذي يُعتقد أنه نجل محمد يوسف مؤسس بوكو حرام وزعيمها قبل أبو بكر شيكاو.

كشف تحقيق صحفي قامت بإجرائه وكالة رويترز للأنباء أن تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب أفريقيا استطاع تحقيق انتصار كبير في الشهور الستة الأخيرة على الحكومة المركزية النيجيرية، وكسب ثقة السكان المحليين البسطاء الذين وجدوه منقذًا وحاميًا لهم من تطرف مجموعة أبوبكر شيكاو «بوكو حرام»، حيث تحدث سكان محليون لرويترز بأن ولاية غرب أفريقيا تقوم بحفر الآبار وإعطاء البذور وتوفير الأسمدة والمراعي للسكان المحليين، ما جعلها تقوّض إلى حد كبير شرعية الحكومة النيجيرية.

وتحدث أحد الرعاة في بحيرة تشاد لرويترز قائلًا:

المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية فرع غرب أفريقيا باتت تقدر بـ 100 ميل، وفي تناقض للوضع في الشرق الأوسط فإن الحكومة النيجيرية التي تتمتع بدعم استخباراتي أمريكي وفرنسي كامل تخسر يوميًا أمام ولاية غرب أفريقيا.

فينست فوشر، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، يقول: «إن قيام ولاية غرب أفريقيا بتنظيم الاقتصاد المحلي وفرض الضرائب يجعلها تهديدًا أخطر على العالم من بوكو حرام».

تُقدر أعداد عناصر ولاية غرب أفريقيا بين 3000 و5000 عنصر، كلهم من أبناء المنطقة، ولا يوجد أجانب حتى الآن. منتشرة في إقليم بحيرة تشاد الذي يضم أربع دول، هي نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر، ورغم أنها متركزة بشكل رئيسي في نيجيريا فإن هجماتها تجاه دول الجوار لم تتوقف؛ أقواها هجمات 15 يونيو/ حزيران 2015 عندما شن التنظيم ثلاث هجمات قوية على مقرات الشرطة والمخابرات في العاصمة التشادية أنجمينا انتقامًا من تشاد لدورها في مساعدة الحكومة النيجيرية.

كان لمجيء الرئيس محمد بخاري بعد فوزه في انتخابات 2015م دور كبير في إضعاف البنية التنظيمية والعسكرية للمسلحين، لكن تعذر عليه القضاء عليهم، ما منحهم الفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم، خصوصًا المجموعة التي لا تؤيد أبو بكر شيكاو، التي اتجهت لكسب الحاضنة الشعبية من السكان المغبونين، الذين يشعرون بالظلم والقهر بسبب الفقر وعدم عدالة توزيع الثروة.


هل يبقى التنظيم في أدغال أفريقيا برضا أمريكي؟

إنهم لا يلمسونك إلا لو كنت من قوات الأمن. فقط عليك الالتزام بقوانينهم.

وكما كانت جبال تورا بورا في أفغانستان وتلال حمرين في العراق وجبل الحلال في سيناء معاقل جبلية حصينة للإرهاب، فإن ولاية غرب أفريقيا انضوت على معقل يتناسب ومشروعها الأفريقي وهو غابة سيمبسا في ولاية برنو النيجيرية، التي تدّعي السلطات النيجيرية تطهيرها منذ ثلاث سنوات من دون فائدة، فما إن تنسحب القوات الحكومية حتى يعود المسلحون للسيطرة على الغابة التي يستغلون غطاءها الشجري في الاختباء من القصف الجوي الحكومي.

تحدّث دبلوماسي غربي لرويترز أن الجيش النيجيري فقد زمام المبادرة تمامًا في مواجهة ولاية غرب أفريقيا، التي استطاعت توفير الحماية للسكان من هجمات شقيقتها بوكو حرام. وتتناقض ممارسات ولاية غرب أفريقيا مع بوكو حرام، فهي لا تظهر في الإعلام ولا تقوم باستهداف المساجد والأسواق واختطاف الأطفال، كما أن قوانينها أقل تعقيدًا؛ فتكتفي باللحية للرجال والصلاة الإلزامية وحظر التجول ليلًا ودفع الضرائب 2500 نيرا للبقرة (8 دولارات) و1500 نيرا (5 دولارات) للخرفان والماعز، ولذلك فإن الرعاة الذاهبين لشمال شرق نيجيريا يفضلون المرور بنقاط تفتيشها ذات الرايات السوداء بدلًا من الوقوع في نقاط تفتيش منظمة أبو بكر شيكاو (بوكو حرام) التي قد تصادر ثرواتهم بتهمة موالاة الجيش النيجيري.

تحدث أهالٍ لرويترز بأن ولاية غرب أفريقيا ترسل إلى معسكرات اللجوء مطالبة إياهم بالعودة إلى أرضهم وحياتهم الطبيعية، مقارنين ما يفعله التنظيم بما يقوم به الجيش النيجيري الذي يمنع الأهالي من التجارة بحجة عدم توفير التموين للإرهابيين.

ويقول الباحث جاكوب زنون، من مؤسسة جيمس تاون ومقرها واشنطن: «تتمتع الدولة الإسلامية بسمعة مروعة على مستوى العالم لدرجة أنه لا يمكن لنا أن نصدق أن فصيلها في نيجيريا هو أكثر اعتدالًا من بوكو حرام، ما هو واضح من الوثائق أن ولاية غرب أفريقيا طلبت من قيادة التنظيم في العراق توجيهات (لاهوتية) عن المسموح والممنوع من الهجمات، لكن تبقى قيادة العمليات العسكرية نيجيرية خالصة».

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا تقوم الولايات المتحدة بتوجيه التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في نيجيريا؟ ولماذا تتكاسل فرنسا عن التحرك لمواجهة التنظيم حتى الآن، رغم أنها هاجمت من قبل تنظيم أنصار الدين في مالي بحجة ارتباطاته الإرهابية؟

ربما يكون السر في ذلك أن ولاية غرب أفريقيا يراد لها أن تبقى وتنمو وتكبر لتوظيفها في صراع يتجاوز المسألة النيجيرية إلى الإطار الأفريقي الكلي، لعل الغرب يريد أن يوظف هذه الجماعة من حيث تدري أو لا تدري لضرب النفوذ الصيني المتزايد في أفريقيا، الذي بدأ يقضي تمامًا على النفوذ الغربي.