عشرون دقيقة كفيلة بأن يكتب عنها مئات التحليلات، عشرون دقيقة أقل ما يقال عنها إنها تستحق هذا الوقت الذي استغرقه إعدادها منذ حادثة الكنسية البطرسية حتى نشر الإصدار الداعشي بعنوان «وقاتلوا المشركين كافة» يوم 19 فبراير 2017.


ما جاء بالإصدار

اختار التنظيم بعناية شديدة مجموعة من التصريحات لرموز مسيحية تسيء للإسلام والمسلمين كبداية ينطلق منها للترويج وكسب الشرعية لما قام به من جرم وعمل إرهابي ليس من الإسلام في شيء سوى أنه اعتمد على تضليل للنصوص الدينية.

إثبات حالة

أعد الإصدار بدقة عالية، وترتيب بصبغة منطقية شيء ما، فقد بدأ الفيديو بكلمات لـ «القمص مكاري» من وسط أحداث ماسبيرو نصها «إذا كان كل المسلمين مجانين… فاحنا مش مستعدين نعيش مع مجانين».

وبعدما خرج الفيديو من كلمة القمص «مكاري» حول مدى كون المسحيين غير مستعدين للعيش مع أقباط، حاول معد الفيديو أن يظهر لجمهوره المستهدف موقف المسيحيين من البقاء في البلاد فاختار هتافًا من تجمعات قبطية نصه «مش هنهاجر ولا هنسيبها، أصل القبطي هو صاحبها»، وفي تبرير لمَ لن يهاجر المسيحيون؟ توجه معد الفيديو إلى تصريح نصه «دي بلدنا احنا محدش يزايد عليها» وآخر نصه «مصر دولة مسيحية»، وتبعها بعد قليل تصريح يحمل تهديدًا من أقباط نصه «انسَ القبطي بتاع زمان، بكرا هنضرب في المليان».

ثم عاد للتأكيد المسيحي على أن الدولة المصرية دولة مسيحية بالأساس في تصريحات كـ«احنا أصل المصريين..مش عاجباك مصر شفلك بلد تانية»، «بيقولوا علينا أقلية إحنا أصحاب الأرض ديا»، وعليه توجه التنظيم للبحث عن مسوغ شرعي يمكن استخدامه كمدخل لاستهداف الأقباط فأدخل بعد تلك التصريحات قوله تعالى «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ».

التسلسل المنطقي الذي حاول التنظيم اتباعه في إصداره، ظهر بعد تلك الآية القرآنية، حيث عمل معد الإصدار على توضيح مدى مصداقية هؤلاء الأقباط من أصحاب التصريحات السابقة في تأكيدهم على أنهم «أصحاب البلاد» وليسوا أقلية، فبدأ من الحديث حول تعداد المسيحيين في مصر والقول إنهم تخطوا 18 مليون نسمة، نافيًا هذا من خلال الاعتماد على إحصائيات نسبها للفاتيكان والإحصاءات الحكومية وتلك الإحصاءات التي وصفها بـ«المحايدة».

ولكن التنظيم أراد بصورة أو بأخرى الحديث عن أنه على الرغم من الأقلية العددية للأقباط في مصر إلا أنهم يستحوذون على نحو «40%» من الاقتصاد المصري متربع ثلاثة منهم على رأس قائمة أغنى أغنياء مصر، معتمدًا في ذلك على إحدى الدراسات الصادرة عن إحدى المجلات الغربية العالمية، لم يكتف بهذا فقط، بل أشار إلى أن هؤلاء الثلاثة يمتلكون مجموعة من الفضائيات التي تحارب دين الله «الإسلام»، كما أنهم يمتلكون نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا.

اتجه المعد بعد ذلك نحو الحديث عن الدعم الخارجي للأقباط في مصر حيث جاء نصيًا «فإنهم يحظون بدعم مطلق من الدول الصليبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ليكونوا أداة لدى المشروع الصليبي ورأس حربة في محاربة دين الله في مصر» وهنا وجد معد الإصدار أنه لابد من ذكر قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ۚ» مرة أخرى.

يبدو أن المعد يتخيل حوارًا بينه وبين البعض من رافضي أفعاله، وبتخيله طرح بعضهم تبريرًا يفيد أن المسيحيين أهل ذمة ولا يجوز قتلهم وفقًا للإسلام، فيتجه للقول بأن المسيحيين ليسوا أهل ذمة لكونهم نقضوا عهودهم، ومبررًا ذلك بالوثيقة العمرية – العهدة العمرية وهي الوثيقة التي كتبها عمر بن الخطاب لأهل القدس عند فتح المسلمين لها عام 638م- وعليه وجب قتالهم وفقًا لقوله تعالى «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ».

ثم يعود بنا إلى التاريخ ويؤكد على أن تاريخ الأقباط حافل بسفك دماء المسلمين، فيأتي بأبيات كتبت على يد «خالد بن صفوان» بقصيدة مدح بها «عمرو بن العاص» جاءت في إطار كتاب «أحكام أهل الذمة»:

فبهم أقيم الجور في جنباتها

ورأى الأنام البغي والإفراط

عبدوا الصليب وثلثوا معبودهم

وتوازروا وتعدوا الأشراط

– هل المسيحيون مظلومون؟

بعد ذلك توجه المعد للإجابة على السؤال بكون المسيحيين في مصر مضطهدين لكونهم أقلية في وسط أكثرية مسلمة، نافيًا ذلك بالنفوذ التي يتحكم فيها المسيحيون في النظام المصري خاصة في الاقتصاد والإعلام، وأنهم لهم تواجد في السلطة القضائية مستغلاً ذلك للإشارة إلى أن هؤلاء القضاة المسيحيين غالبًا ما يصدرون أحكامًا مشددة في حق من وصفهم بالأسرى الموحدين – الإسلاميين بالسجون المصرية – مستدلاً في ذلك بحكم القاضي أميل حبشي ملكية عبد المسيح – رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية – وحكمه على 14 من المتورطين في أحداث سيناء بالإعدام في عهد الرئيس – الطاغوتي كما وصفه – محمد مرسي.

الأحزاب الإسلامية والأقباط:

منذ الدقيقة الخامسة توجه المعد للحديث عن علاقة الأحزاب الإسلامية – والتي رأى فيها الادعاء بكونها إسلامية -بالأقباط مشيرًا إلى أنها تحاول إرضاء الأقباط تخوفًا منهم، مقرًا بأن على رأس هؤلاء الإخوان المسلمين – ا لإخوان المرتدين كما وصفهم – وذلك لكون الإخوان على علم بمدى نفوذ المسيحيين في مصر، مشاركًا مقتطفات من كلمات للمعزول «محمد مرسي»، ليدخل مرة أخرى قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ۚ» والذي استخدم كفاصل بين كل نقطة يتناولها الإصدار.

نموذج من العمليات

ينتقل الإصدار لمرحلة الإشادة بالأفعال الداعشية ونصرتهم لدين الله، كما يروجون فيأتي بفيديو من حادثة قتل أقباط مصر في ليبيا مقرون بصوت المعد الذي يؤكد على أمر الله، سبحانه وتعالي، بقتل كل كافر ويعتمد في ذلك على قوله تعالى «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» وحديث نبيه محمد «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى».

نحو مزيد من الكراهية للمسيحيين

هنا نأتي لمرحلة أكثر حدة في محاولة خلق مزيد من الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فيأتي المعد بمقولات تفيد سب بعض المسيحيين لنبي الإسلام «محمد» في الفضائيات، رابطًا ذلك بعبارات محرضة كـ«هذا والله دونه دماء المسلمين أجمعين، فكيف يسب النبي الأمين على لسان هؤلاء الملاعين ثم يعيشون في ديارنا آمنين»، فيأتي بتصريحات على لسان «مرقص عزيز» نصها «الحمد لله والصلاة والسلام على مش عارف مين وعلى آله وصحبه… قال رسول الله ههم إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران»، وكذلك تصريحات لـ«زكريا بطرس» نصها «الرسول ده حاجة تانية ده أبو الفيل وأم الفيل وده مين ده، عااار وصمة عار».

وحتى لا يقع المعد في كونه قد اختار تصريحات مرفوضة من المسيحيين أتي بجزء من حوار قام بين «البابا شنودة» والإعلامي «عمرو أديب» تساءل فيه أديب حول موقف الكنسية من زكريا بطرس طارحًا سؤالاً نصه «لماذا لم نجد تصريحًا من الكنسية القبطية أنه يا جماعة زكريا بطرس ده اللى بيهين الإسلام كل يوم احنا ضده بلاش نشرحه أو نحرمه.. أنت عاجبك الكلام اللي بيقوله ده؟» وجاء رد البابا شنوده نصيًا «سمعت بعض الحاجات دي وبعدين كان بيقول أنا بتساءل فأصبح فيه حوار بينه وبين شيوخ مسلمين يردون عليه دي مسألة حوار».


مرحلة السيسي

بعدما شرح الفيديو علاقة الأقباط بنظام المعزول «محمد مرسي»، توجه إلى الحديث عن العلاقة القائمة حاليًا ما بين النظام القائم والأقباط، مستهلاً كلامه بكون الرئيس السيسي «قصف المساجد ورمم الكنائس والمعابد» وأن المسيحيين أعانوه في سفك دماء المسلمين وتأكيد حكمه وتثبيته حاكمًا بغير شرع الله.

وحتى لا يكون كلامًا اعتباطيًا أضاف المعد تصريحًا لـ«البابا تواضروس» نصها «أول رئيس يعقد اجتماعًا مع كل رؤساء الكنائس المسيحية على أرض مصر» ثم تصريحات أخرى على غرار «الله يخليك يا سيسي ويبارك فيك»، «مين بص للسيسي الوسيم الجميل ومحبوش، أنا عن نفسي أذوب عشقًا فيه». وهنا أوجد المعد أنه لا بد من ذكر كلمة للرئيس السيسي فاختار تصريحًا حول استمرار مصر في محاربة الإرهاب، ثم يعيد نشر تصريحات للبابا تواضروس وغيره تؤكد على الدعم الكامل للرئيس السيسي وجميعها مقرونة بالعمليات الأمنية في سيناء.

ويستمر المعد في جلب فيديوهات للعمليات الأمنية في سيناء وقصفها بعض المنازل – يدعى أنها منازل لمدنيين – على كلمات أنشودة «أما والله إن الظلم شؤم» والتي كتبها «علي بن أبي طالب»:

أما والله إنَّ الظُلم شؤمُ

وَلاَ زَالَ المُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نَمْضِي

وعند الله تجتمعُ الخصومُ

ستعلمُ في الحساب إذا التقينا

غَدا عِنْدَ المَلِيك مَنِ الغَشُومِ

-أسباب الاستهداف وثمار العملية

بعد تلك الأنشودة جاءت أيضًا كلمات تعبر عن الدعم القبطي للرئيس السيسي، ومن هنا انطلق معد الإصدار لتبرير عملية الكنسية البطرسية، مشيرًا إلى أن هذا السبب الرئيسي لاستهدافهم وإدخالهم دائرة الصراع لكونهم من جملة الصليبيين المحاربين للمسلمين، وهنا جاء وقت شرح تنفيذ العملية التي استهدفت الكنسية ولقطات منها.

واقع الأمر أن الإصدار يحاول يثبت أن العملية، كما أشار هدفها الأساسي خلق نوع من أنواع الصراع، فعليه اتجه للقول بأن هناك مظاهرات خرجت بعد التفجير من الأقباط تدعو السيسي لتوفير الأمن للمسيحيين، إلى جانب بعض التصريحات للمتظاهرين كما جاء في بعضها «كنتي فين يا داخلية لما ضربوا البطرسية»، مشيرًا إلى ضعف وعجز النظام المصري والرئيس السيسي عن توفير الأمن حتى لجنوده التي تمزقهم عبوات الإرهابيين- المجاهدين على حد تعبيره – في سيناء والقاهرة.

الموقف من الشيوخ

لم يتجاهل الإصدار موقف مشايخ المسلمين الذين اعتبروا أن عملية التفجير جرم وعمل إرهابي، وليست من الإسلام في شيء، فوصف المعد هؤلاء بـ«حمير العلم» وانتقد تنديدهم للعملية فجاء بتصريح نصه «هذا العمل أراه جريمة بحكم دين وبحكم القانون وبحكم الأخلاق وبحكم العيش المشترك».

تبع هذا التصريح لـ«عصام تليمة» تصريح آخر لشيخ الأزهر «أحمد الطيب» نصه «رغم كل هذه الأحزان والألم أنا أتقدم لإخوتي المسيحيين»، وحتى لا يكون الأمر رفضًا من مشايخ الأزهر فقط، توجه المعد لإدخال فيديو للداعية السلفي «محمد حسان» جاء فيه «دماء أبناء هذا الشعب محرمة، ودماء أبناء الجيش حرام، ودماء أبناء الشرطة حرام» وكذلك تصريحات للداعية خالد الجندي حول الفخر الذي حصل عليه شهداء الكنسية البطرسية.

وختم الإصدار بكلمات لمنفذ العملية «أبو الزبير المصري» داعيًا المسلمين لنهج نهجه ومحاربة الأقباط ومن وصفهم بأعداء الله والدين.


20 دقيقة من الوحدة الوطنية

الإصدار – في وجهة نظرنا – كما أشرنا يعد الأكثر دقة ما بين الإصدارات الداعشية، حيث اتبع معدوه تسلسلاً منطقيًا محكمًا في الترويج له، فبدأ بخلق حالة استفزازية تجاه المسيحيين من قبل المسلمين، دعمها بفيديوهات وتصريحات.

ثم توجه لاستناد إلى إحصائيات تفيد كون المسيحيين أقلية فعلية في البلاد، وقبل أن يختم تلك الجزئية اعتمد على إحصائية من مجلة غربية تتحدث عن النفوذ الاقتصادي للمسيحيين في البلاد وامتلاكهم لفضائيات تشن حربًا ضد الإسلام والمسلمين، وقبل أن يخرج مشاهد التقرير منه حاول المعد إثبات أن المسيحيين ليسوا أهل ذمة، ثم عاد لنفوذهم واللعب على وتر السلطة القضائية وأحكامها.

وحتى لا يخسر المشاهد ويخسر الحالة الاستفزازية التي وضعه فيها توجه لتبرير موقف الأحزاب الإسلامية وموقف الرئيس الإخواني المعزول «محمد مرسي» من المسيحيين بكونهم متخوفين منهم ومن نفوذهم، وعلى الرغم من هذا يضع المعد أنصار داعش والسلفية الجهادية في صورة أنهم لا يخشون أحدًا فيدخل فيديو لعملية ذبح الأقباط المصريين في ليبيا.

وقبل أن ينطلق معد التقرير للحديث عن مرحلة النظام الحالي والعلاقة بينه وبين الأقباط حاول أن يغذي الحالة الاستفزازية بمشاركة تصريحات لشخصيات مسيحية تسخر من نبي الإسلام محمد، ومن تلك الحجج برر معد الإصدار العملية التي قاموا بها ضد الكنسية البطرسية متوعدين بالمزيد من العمليات ضد أقباط مصر.

التنظيم نجح فعليًا في تجميع كافة أطراف المجتمع المصري من دون هؤلاء المنتمين إلى السلفية الجهادية في طرف واحد وأن جميعهم أعداء لدين الله وشرعه، وهذا ما يدفعنا للقول إنها بمثابة 20 دقيقة من الوحدة الوطنية من ناحية ومن ناحية أخرى أيضًا هي بمثابة 20 دقيقة ضد الوحدة الوطنية خاصة.

خطورة هذا الفيديو ليس في التوعد الداعشي للأقباط ولكافة المواطنين على الأراضي المصرية، ولكن في استمرار خروج مثل هذه التصريحات التي تم دمجها في الإصدار، كما أيضًا تتمثل في التصريحات الأخرى والتي تعج بها آلاف المواقع من شخصيات محسوبة على الإسلام يسيئون للمسيحية والمسيحيين، خاصة وأن التنظيم أدرك ما نتجاهله وهو أننا إن كنا لا نعيش فتنة طائفيةإ فإننا نعاني من إرهاصات فتنة طائفية، يغذيها البعض من الطرفين.